ليس بريئا أن يتحرك شباب الجنوب هذه الأيام في آن واحد، ويرفعون نفس المطالب، ويحملون نفس الشعارات، ويقومون بنفس التصرفات في نفس اليوم والتوقيت مثل جوقة تدربت بدقة على معزوفتها!
فمشاكل أبناء الجنوب لا تختلف في شيء عن المشاكل التي يعاني منها أبناء الشمال، بطالة، سكن وغياب الآفاق، سوء التكوين، وغلاء المعيشة. ومثل أبناء الجنوب هذه الأيام، ينتفض يوميا ولسنوات أبناء الشمال، مع كل إعلان عن قائمة سكن، أو كلما ضاق الأفق بهم بسبب البطالة والمشاكل الاجتماعية الأخرى المستعصية الحل، لكن ثورة أبناء الشمال التي تملأ صفحات الصحف اليومية هنا، ولم يسبق لها أن نالت اهتمام فضائيات الثورات العربية، وفقهائها ومحركيها مثلما تستقطب انتفاضة أبناء ورڤلة وغرداية اهتمام هؤلاء، هذه الأيام، لأن الجنوب غني بنفطه وغازه، فأوهم أبناء الجنوب أنهم أحق من غيرهم بعائدات هذه الثروات، وأن الفضل كل الفضل يعود لهم، لأنهم هم من يعطوننا خبزنا اليومي، وهم سبب ”رفاهيتنا” في الشمال، هذه الرفاهية التي لم يستفد منها هؤلاء.
ومع ذلك، فسكان الشمال على كثرة أعدادهم، وتراكم مشاكلهم، لا يعيشون الرفاهية التي تريد فضائيات الفتنة إيهامهم بها، فسكان الأحياء الفقيرة في العاصمة يتجاوز عددهم سكان الجنوب كلهم، ويعيشون نفس الإحباط والضغوط وانعدام الأمل في المستقبل، وهم يقاومون بطريقتهم لتغيير ظروف القهر هذه، ينتفضون أحيانا، ويهدأون أحيانا أخرى... وهكذا.
لكن السبب الحقيقي الذي يقف وراء الحراك هذه الأيام في الجنوب، ليس لأن السلطة أهملت سكانها في هذه الفيافي، مثلما يدعي محركو الانتفاضة، التي ترفع في الحقيقة الكثير من المطالب المشروعة والتي لا تختلف في شيء عن مطالب أبناء جهات البلاد الأخرى، السبب الحقيقي وراء تفجير الأوضاع في الجنوب، هو تفجير الوضع في مالي، والحرب الدائرة هناك، استوجبت تكثيف الأمن على طول حدودنا الجنوبية، فكان أول المتضررين من تركيز قوات الأمن هناك، هم قوافل المهربين والمتاجرين بالمخدرات وأمراء الصحراء، الذين امتهنوا طوال الفترة الأمنية التي عانتها الجزائر هذه الصناعة، صناعة استنزاف الاقتصاد الوطني بتهريب كل أنواع السلع بدءاً بالسميد والحليب والزيت وكل السلع المدعمة، وانتهاءً بالبنزين، إلى درجة خلّفت هذه التجارة غير الشرعية نوبات ندرة دورية في الأسواق الوطنية، إضافة إلى تسميم الشباب بالمخدرات، التي كانت ولا تزال أهم تجارة تقوم بها قوافل المهربين والإرهابيين.
وهذه أهم الأسباب التي وراء تفجير الأوضاع في الجنوب، ويبقى للسلطة في كل هذا الحراك النصيب الأكبر من المسؤولية لأنها تركت فراغا كبيرا في هذه المناطق، ولأنها لم تسهر على بعث حركة تنموية شاملة تحمي أبناء الجنوب الكبير من محاولات الفتنة التي يتصيدها عرابو الربيع العربي. فهل تكفي قوافل الوزراء التي تتردد على الجنوب لحل أزمة أبنائه نهائيا؟!
مقالات للكاتب حدة خزام
التعليقات (0)