مواضيع اليوم

هذا رمز كبير .. بعيد عن النقد

ثمة رموز كبيرة في عالمنا العربي ، كبيرة لماذا ؟ لا اعرف ، ومن هو الذي كبرها ؟ لا اعرف ، وكم هي كبيرة ؟ لا اعرف ، هل تقاس بالطول أم بالوزن ، أم بالحبة على غرار البطيخ ، وتجد هذه الرموز في كل مكان ، في السياسة ، والصحافة ، والمطبخ ، والخياطة ، وحفلات الرقص الشعبي وغير الشعبي ، والإرهاب ، والبلطجة ، والتسلط على الناس ، وفي عالم اللصوصية والسرقة ، وفي التهريب ، وفي التهرب من الضرائب وفي النذالة والحقارة وعلى مختلف الصعد .. ستجد رمزا كبيرا كبيرا جدا لا يجاريه مجار ولا يقاربه مقارب .. يكاد أن يكون متفرد في مجاله ...ويأتي الناس والمجتمع ليحيطوا هذا الرمز بأوصاف إضافية تضفي عليه مزيدا من الترميز .. ليغدو متفردا متميزا .. وكأنه طوطم أفريقي في غابة نائية .
بعض الرموز يصفها المجتمع ( انه هبة الله للناس ، وهو الملهم الموهوب ) حتى للتصور للحظة أن الحياة ما كانت لتستقيم لو انه غير موجود ، أو كيف سيكون حال المجتمع لو غاب هذا الرمز من حياتهم ، وما هو مصيرهم من بعده .. سيتصور البعض انه يتيم أو كاليتيم لو فقد هذا الرمز الكبير ، فهو الواهب الحامي الذي لا يشق له غبار ، الذكي القادر على اجتراح المعجزات في جميع المجالات ، ليكتشف الخلق بعد وفاته أن الحياة لم تتغير ، وان الحياة مستمرة .
وبعض الرموز في المجالات الإبداعية التي لا يمكن أن ينتقد ، وهو فوق النقد وفوق الآخرين ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه أو حتى قدميه ، ولا من أمامه ولا من خلفه ، بل إن من ينتقده أو من ينتقد إبداعاته الكتابية فكأنه كفر وخرج من ملته ، ليس هذا فحسب بل ستجد من يهاجمك وأنت تنتقد هذا الرمز الإبداعي الذي يوصف بالكبير ، حتى لو أن ما أبدع بحاجة إلى نقد ، أو قد لا يرقى إلى مستوى هذا الرمز ..
وستجد من يتهمك بالغيرة والحقد ، وانعدام روح الإيثار عندك ، بل ستكون من المشككين في المسيرة الوطنية لأنك تشكك في رمز بات وطنيا ، لتكتشف أن هذا الرمز ما هو إلا عميل أو جاسوس أو حتى ليس وطنيا على الأقل ..وإنما كان يعمل ما يعمل لغاياته الشخصية الضيقة الآنية والفردية ، ولو تعمقت في ذاته لوجدته منكرا للآخر متسلطا على من حوله ، لا يتسم بالروح المتسامحة ...
ذات مساء قصصي كنت مشاركا فيه لإلقاء قصص من قصصي ، تعمدت أن القي قصة من قصص ( رمز أدبي من تلك الرموز ) وبعد المناقشة لم تتعرض قصة للنقد أكثر مما تعرضت له هذه القصة ..ولم تتعرض للتشريح والتشليح قصة أكثر منها ..لأقول لهم في النهاية أن هذه القصة هي للأديب الكبير ...... فأصاب القوم الوجوم والصمت .. وعرفوا أنني قد نصبت لهم كمين أوقعتهم فيه ... بعد نقاش حام قبل أيام حول الرموز الكبيرة التي باتت في منأى عن النقد .
كنا نقول أن الناقد يجب أن ينتقد النص الإبداعي .. أو العمل الذي يقوم به المبدع بغض النظر عن شخصية المبدع وحياته الشخصية ... وطبعا في هذا قول كبير .. أقول فيه أن حياة المبدع الشخصية ليست بعيدة على الإطلاق عما يبدع .. ولننظر إلى دراسة إبداعات الكبار من الفنانين التشكيلين في عصر النهضة وما بعدها ..والكتاب الكبار الذي باتوا رموزا إنسانية ملك للإنسانية جمعاء هل رأيت من يدرس الإبداعات تلك بعيدا عن حياتهم الشخصية وظروفهم الاجتماعية ومحيطهم الذي كانوا فيه .. ومن هنا يجب أن يكون الناقد ناقدا وليس حاقدا ... ليقدم خدمة تقديم المبدع غالى مجتمعه والإنسانية جمعاء ..
وبالتالي هل تمجيد الرموز الكبيرة ، ورفعها إلى مراتب الآلهة ، هل في ذلك ما يخدم المجتمع ، ويخدم العملية الإبداعية ، والإنسانية ، وهل هذا يخدم الرمز ليكون رمزا كبيرا بحق .
نحن كبشر ، وحتى الرموز الكبيرة منا تحت النقد ، ونجترح من الأخطاء والصواب ما يجترح غيرنا ، ولكن ستبقى الرموز رمزا ولكنها كبيرة أو صغيرة لا ادري من هو الذي يحجمها ويقيمها ...ويخطر ببالي الآن ما يدور في الخفاء في لحظات توزيع الجوائز على من يستحق ... من الجوائز المدرسية الصغيرة إلى االاوسكار ونوبل ومهرجان كان والمسابقات الدولية والمحلية ... فأني أجد ثمة دوائر كبيرة تمر فيها الجوائز قبل ان تصل إلى يد من هو رمزا أو من سيكون رمزا مستقبلا .. ليس اقلها المحسوبية والوساطة والعمالة وتقديم التنازلات التي ربما لا ترقى إلى مرتبة الجائزة بأي حال من الأحوال .
وتبقى الرموز مجرد رموز .. يصعب حلها .. ويصعب ترجمتها ... وستبقى هكذا عصية على الفهم في مجتمع يكرس الرمز ليبقى بعيدا عن المسؤولية .

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !