هذا الصباح (الفلوسية )
رابح التيجاني
هذا الصباح وأنا أشاهد مواكب الأخبار التي لا تفصل بينها فاصلة أو نقطة فلا تعرف مبتداها من منتهاها وتختلط عليك التفاصيل المتسارعة متشابكة بالاشهار المغري ، أنواع متنوعة من مستعملات الزينة ونسوة آية في البهاء وما لذ وطاب من الطعام والشراب وجديد الأدوات والأجهزة والسيارات الفارهة والخيول تجري ، أصابتني الدوخة ولكني حاولت تمالك نفسي مستوقفا ركب الخيول واقتعدت الأرض راجعا بذاكرتي أو مستقبلا قدومها إلي وهي تستعرض صورتي عبر التلفاز في غمرة الدوامة أمامي وفي غفلة مني ، عندما كنت صغيرا ، أقل مما أنا عليه الآن بقليل ، حينما سألنا المعلم عما نريد أن نكون في مستقبل الأيام ، الأمر لم يكن يعنينا على الاطلاق ، ومعلمنا كان كمن ينبه ويثير الأحمق برشقه بالحجر ، رفاقي أغلبهم توزعت اختياراتهم بين معلم أو دركي يمتطي صهوة دراجة نارية مهيبة متلألئة بأضوائها الراقصة البراقة ومنهم من رأى نفسه طبيبا يداوي ويعالج المرضى بالمجان أو شرطيا ينظر الناس إليه بهيبة واحترام أو رعب ومنهم من لا يزال يفكر ويدير الأمر في تلافيف دماغه غير مستقر على رأي ، كنت أسارع في إدارة عجلة التفكير مستبقا لحظتي إلى الآتي البعيد وأحاول أن أراني بعد عشرين أو ثلاثين عاما قبل أن يصلني المعلم باستفساره الساخر ،لبست اختيارات من سبقوني بسرعة ونزعتها ، وأصداء النشيد الشهير (فرس علي ينام في الاصطبل بينما علي يزدرد الحلوى ، جاءه فريد فسرق الفرس ثم اختبأ في غابة بعيدة )وعندما فاجأني معلمي كان الجواب جاهزا دون أن أفكر فيه إطلاقا :
أحب الفلوسية/
ماذا تحب؟/
أأأأأأأحب الفلوسية ، أحب أن أكون فالسا/
بادرني تقصد أن تكون مفلسا ماذا يعني ذلك؟/
أحب الفلوسية ولكن من أين لي بحصان ليكتمل الحلم/
عليك بالادخار والتوفير يا ولدي من اليوم حتى تتمكن من أن تكون فالسا/
ذكرني باسمك/
لابح يا أستاذ/
فهمت/
انصرفنا وضحك الاستاذ يلفني وأنا لا أزال أفكر في حالة ما إذا أتى المستقبل وتمكنت من جمع الفلوس واشتريت الحصان فأين سأسكنه وما من إصطبل أو زريبة ، وإذا كانت سكناي بشقة فكيف نتقاسمها معا وإذا أفردت له السطح هل يمكنه صعود درج العمارة والنزول عبرها ، وهل يرضى بهذه المذلة وهو الطليق عبر الفضاءات والمساحات المديدة،،، مر اليوم بحلمه وصرت كبيرا ، أكبر مما أنا عليه الآن بقليل ولا زلت أحب الفلوسية ، وأتجمد في مكاني كلما رأيت فرسا سواء ممن ينتسب إلى خانة الفروسية والعاديات ضبحا وصهيلا ، أو خانة الكروصية أي الفرس التي تجر كروصة وتعدو خلف خوارها بالوخز والجلد بالسوط والعصي وبالمنشطات القوية والتوابل الحارقة وتصبر على تحمل المشقات بالرغم من أنفها وعن خيشومها الراغي المزبد ، وأعجب من زمن أصبحت فيه الفوارق بين الخيول حتمية واقعية تاريخية لا محيد عنها وواقعا لا يرتفع ، ولا أدري كيف أجدني أنهر مول الكوتشي أو الكروصة وخا ماشي شغلي ويمكن نجيبها ف ضلوعي ، ولا أجد العزاء إلا في استذكار واقع البدين السمين الغليظ الذي وقف بجامع الفنا يريد ركوب الكوتشي إلى باب دكالة ، تصفحه مول الكوتشي وبضاض يرشي ونظر إلى جثته طالعا هابطا من أخمص القدمين عبورا بالشحم والشحم والشحم إلى قنة الرأس وقال له بصوت خافت اطلع اطلع قبل ما يشوفك العود ، هههه،لا أدري أيضا لماذا أجد تعاطفا شديدا بيني وبين الهياكل العجفاء الجارة بصمت لعذابها السيزيفي دون سابق معرفة ومن النظرة الأولى وهي ترمقني بامتنان وحنان ، ولعل سر التعاطف في إشفاقها هي ومعلمي علي ،راجع إلى أسفها على العجلة في اختياري وعدم دقته وتقليب الأمر على شتى وجوهه لدراسة الجدوى وتحديد خارطة لآليات التحقيق عبر زمن محدد وموارد مضمونة ، فضلا عن رداءة حلمي أصلا بأن أكون فارسا بلا فرس. كان من طائفة الفروسية أو طائفة الكروسية ولا منزلة بين المنزلتين إلى الأبد فإما وإما
التعليقات (0)