أخيراً ..
أقر وأعترف بأن هذا الرجل هزمني..
لم أستطع أن أنال منه .. أو أن أطولهُ أو أطاولهُ..
وما كانت محاولاتي من قبل للمساسِ به إلا كمثلِ محاولة الكسيح مجاراة الصحيح !! غاظني منه أنني كلما اطّلعتُ عليه ناقداً ناقماً أجده يشيح عني معرضاً موغلاً سادراً في غيه .. غير مبالٍ بسهام نقدي ولا مهتم بسيوف نقمي..
ماضٍ في طريقه لا يأبه لمعارضيه .. معتد في نفسه لا يسمع لمنتقديه .. مهما تظاهرنا بالإعراض عنه والنفور منه .. إلا أننا دائما ما نتصاغر أمام منطقه وحجته وأدلته وتشبيهاته ومقارناته وقرائنه.. ثم نتقازم أمام عدم مبالاته برأي أو بصد أو بنقد أو بحقد أو بحسد..
نهرع لمقاله . وننصت لكلامه . ونتابع كل شاردة وواردة تأتي منه .... وتصدع له قلوبنا بينما تنصدع منه عقولنا ... تعرفه وتصدقه نفوسنا... بينما تنكره وتلفظه أنفاسنا ... سببناه وشتمناه وطاردناه وأنكرنا منه هدمه لثوابتنا.. وكسره لحواجزنا... وخدشه لأعرافنا.. وتعييبه لتقالدينا .. بينما نحن في داخلنا كل واحد منا يتمنى أن يكون مثيله أو حتى نصيفه ...نتمنى جرأته وانفلاته وجنونه وانعتاقه وكبرياءه وعربدته في أفكارنا وأحلامنا وأفهامنا...
نبحث عنه دون أن يشعر أو أن نشعر .. ونقف على أخباره دون أن ينتبه أو أن ننتبه... يزعجنا أن يضبطنا متلبسين بمقاله أو بقالته دون أن نهيل عليه تراب ضيقنا ورمال تبرمنا منه ... يُروّعنا بقوته العجيبة وإصرارهِ الرهيب على كسر تابوه حياتنا ومقاليد أعرافنا ومعيشتنا التي جبلنا عليها ... لم يحزنه – هذا ما لمسناه- قولنا فيه ... ولا محاولات تسفيهنا له ... أو نيلنا منه .. أو سبه أو شتمه أو مطاردته بلا توقف وبلا رحمة منا ولا شفقة .. بل كل ما أحزنه وكسر فؤاده ألا يشعر أحد بما يجول في خاطره وفي قلبه .. هو يتمنى أن يكون كل الناس مثله .. حباً فيهم .. بينما يتمنى كل الناس أن يكون هو مثلهم حسداً فيه.. أنكرنا منه قلة أدبه وانعدام حيائه ونأيه عن مراعاة آدابنا وأخلاقنا ومبادئنا وشرفنا وكرامتنا ومكانتنا وأعراضنا وأعرافنا وعاداتنا وتقاليدنا.. طالبنا بعزله عنا .. بنفيه منا .. بقتله.. بكفره..
إلا أنه يبدو لي أنه هزمنا جميعاً بصلابته وعناده وصموده ومقاتلته على ما اهتدى إليه قلبه وأناب إليه عقله وكونه فينا من الزاهدين ..
هذا الرجل – وأعترف- غلبني بمقاله السهل .. إلا انه الممتنع .. بفكره الهادئ .. إلا أنه الممتلئ ضجيجاً وصخباً .. بقوله البسيط.. إلا أنه العصي على المجاراة والمضاهاة .. بقلبه الضعيف .. إلا أنه المفعم بمشاعر لا قبل لنا جميعاً بها.. بعقله ولبه الشارد .. إلا أنه شرود من يعلم ما لا نعلم .. ومن يرى ما نرى.. ومن يدري ما لا ندري ..ومن يفهم ما لا نفهم . ومن يشعر بما لا نشعر..
هل عرفتموه ؟؟
لا لا ليس ذلك طبعاً ..لا تذهبوا بعيدا !!!
انما عرفه منكم من شاركني رأيي واعترافي هذا ..
خاصة الذين أصابهم شئ مما أصابه .. بعد أن تابعوه .. وتداولوه .. وتناولوه .. وتدارسوه .. وتناقلوه ..
الذين تذوقوا منه- شِعراً- أحلى وأنقى وأقسى وأتقى وأجمل وأفضل وأروع وأوجع وأبدع شعور إنساني ..
إنه هو –
المجنون –
مجنون ليلى –
( قيس بن الملوح) ...
" لنا معه موعد"
التعليقات (0)