أخيراً ..
وبعد ما يقرب من ألف وثلاثمائة عام عاشتها مصر في ظلام الشرك الدامس ..
ألف وثلاثمائة عام ومصر تعبد غير الله ..
ألف وثلاثمائة عام مرت على الذنب العظيم والخطأ الجسيم الذي اقترفته مصر حين انتفض شعبها لاستقبال ذرية ( آل بيت النبي) وجن جنون أهلها تيها وفرحاً بذرية من أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ..
وقد أذنب المصريون حين شيدوا المساجد والأضرحة تكريماً وتعظيماً وإجلالاً للنفحات الزكية الطاهرة .. وصارت مساجد آل بيت النبي كواكب سيارة .. ولآلئ دوارة تزين بها مصر جيدها وجبينها وسماءها وتاريخها على مر العصور ..
حتى صار مسجد الإمام الحسين بالقاهرة منارة تضارع في بهائها ورونقها منارة الأزهر الشريف .. وكانت المساجد التي تحيط الأبدان الطاهرة من ذرية محمد صلى الله عليه وسلم تحيل مصر إلى صومعة من صوامع عشق المصريين وتدلههم بحب آل بيت النبي الطاهرين الأكرمين ..
وضمت أرض مصر المسجد الزينبي الذي يضم ضريح السيدة زينب شقيقة الحسن والحسين وابنة فاطمة الزهراء وحفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. كما ضمت حنايا مصر مسجد السيدة نفيسة ابنة الحسن .. وغير هؤلاء من سلسال البيت الطاهر ..
عاشت مصر مئات السنين وهي تحوي بين أكنافها تلك الثلة من الذرية الكريمة ..
وها هي الأيام قد مرت .. ووصلنا إلى هذا العصر الأغر !! ..
عصر المؤمنين الأتقياء من جحافل السلفية الذين انطلقوا من عقالهم بعد الثورة "الميمونة"!! .. حيث حملت جحافلهم الفئوس والعصي و انطلقوا فجراً وهدموا أربعة من أضرحة الأولياء بناحية قليوب قرب القاهرة ..
وقد أعلن أعضاء في تلك الجماعة السلفية أن هدم الأضرحة لن يقتصر على الأقاليم وحدها، وإنما لابد أن يطول الأضرحة الكبرى في القاهرة، مثل مسجد الحسين والسيدة نفيسة وغيرهما، فـ «هذه بدعة» وطبعاً كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
ورغم أن المصريين على حبهم لآل بيت النبي .. فإنهم لا يعبدونهم من دون الله.. ويعرفون الخطوط الفاصلة بين الحب في الله والشرك بالله .. إلا أن سلفية هذا الزمان قد أقاموا أنفسهم أوصياء ورقباء على رقاب العباد.. ويجهلون على الناس بجهلهم وبسطحيتهم .. وسيوقعون المجتمع في فتنة لا أشد ولا أسوأ منها على مصر .. فتنة ستحرق اليابس والأخضر ..
ويبدو أننا سنمر (حتما) بما مر به العراق من فتنة الطائفية والمذهبية المقيتة ..
فإن كان سقوط صدام حسين قد فتح الباب أمام شيعة العراق ليعلوا شأن مذهبهم ويقيموا الحسينيات وطقوس التطبير ويحيوا ذكرى كربلاء ..
فإن سقوط حسني مبارك قد أطلق المارد السلفي من معقله ليطارد آل البيت في مصر ويهدم عليهم أضرحتهم ويحرم الاحتفالات بموالدهم ويقيم حد الشرك على من يقترب من مساجدهم ..
وسند السلفية في ذلك (تأويلهم ) لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) .. ومن هذا الحديث حرم السلفية أي مسجد به قبر أو ضريح .. باعتباره ينطبق عليه هذا الحديث ..
وهنا نعيد عليهم جواب الإمام الشيخ الشعراوي على من سأله عن جوازية المسجد الذي يحوي قبراً .. قال الشيخ الشعراوي بالنص .. لا شيء فيه .. فالنبي قبره في المسجد .. والأزهر موجود وقبور الأولياء في المساجد .. دعونا من هذا التنطع .. جاءوا بدليل لا يعرفون كيف يستدلون به .. قالوا ( لعن الله من اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) أوليس هذا دليلهم ؟!
قل لهم أنتم أغبياء في الاستشهاد .. فما هو القبر ؟! ما هو تعريفكم للقبر ؟! القبر هو المكان الذي يحوي جثة الميت .. فهل هذا المكان (القبر) اتخذ مسجداً ؟!! أم عليه سور ومحاط بمقصورة ؟!! أي مقصورة على الدفن لا تتعداه إلى أي حدث آخر.. فمن أين جاء اتخاذ هذا القبر مصلى ؟!!
إنهم أغبياء .. نقول لهم إذاً اذهبوا واهدموا قبر النبي !! فإن قيل أن هذه (خصوصية) للنبي .. نقول( لا ) فإن أبا بكر مدفون فيها وعمر بن الخطاب ..
نحن في المسجد النبوي نصلي في الصفوة والقبر أمامنا ..ونصلي في الروضة الشريفة والقبر على يسارنا ... ونصلي في منزل الوحي والقبر على يميننا .. ونصلي في المواجهة والقبر خلفنا .. إذاً القضية لا دخل لها بهذا .. وما قولهم وقد قال الله تعالى (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا) ولم ينكرها عليهم الله !!!!
فما قولهم فيما واجههم وجبههم به الشيخ الشعراوي ؟!!
فهل كانت مصر منذ ألف وثلاثمائة عام أشد سماحة .. وأشد تنوراً ..وأشد تفتحاً منها هذه الأيام .. إن السلفية بفعلتهم هذه نزعوا عن مصر وسطيتها .. ومزقوا صورتها المضيئة في سماء العالم الإسلامي ..
وهل على آل بيت النبي الأكرمين أن تطمر أضرحتهم وأن تغادر جثامينهم مصر حتى لا تكون فتنة ويكون الدين للسلفية ومن شايعها ؟!!
الجماعة السلفية يمكنها أن تدعو إلى الله بالحكمة الموعظة الحسنة ..ويمكنها أن تنصح المسلمين بآداب زيارة القبور والأضرحة ..ويمكنها أن تحذرهم مما يعتبر بدعاً وشركاً .. لا أن تهدم قبور الأولياء وأضرحة آل بيت النبي بينما الحجة من مثل الشيخ الشعراوي مقامة عليهم ومن نهج نهجهم بفهمهم الخاطيء .. وعلمهم القاصر .. ومسلكهم المشين ..
وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وآل بيته الطاهرين الأكرمين وسلم تسليما ...
رابط إجابة الشيخ الشعراوي
http://www.youtube.com/watch?v=tN1mRAIueJ0
التعليقات (0)