مواضيع اليوم

هدم الكنائس..وما الجديد؟؟

جمال الهنداوي

2012-03-25 18:52:44

0

قد لا يرى الكثير ان هناك تناقضا ما بين فتوى الشيخ عبد الباري الزمزمي التي يجيز فيها معاشرة الزوج لجثة زوجته المتوفاة مع الفتوى المثيرة للجدل والتي صدرت من لدن رئيس هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ومفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ والتي تقضي بوجوب هدم جميع الكنائس في شبه الجزيرة العربية. وقد نجد مبررا لهذا الراي لو تناولناه من زاوية الانفلات الكبير الذي تشهده ساحة الافتاء الديني وتسابق رجال الفقه وتدافعهم على استنباط المستظرف والمستطرف من الاحكام التي تؤمن لهم موطأ قدم ومساحة معقولة في فضاء الاعلام الديني المزدحم,خصوصا مع كثرة الطلب على الحناجر الجهيرة والاصوات الصاخبة التي تحلل وتحرم حسب اهواء الحكم في هذه الايام الصعبة..

ولكن من زاوية اخرى نجد ان فضيلة الشيخ عبد العزيز لم يتكلف الغريب في فتواه مثل الشيخ الزمزمي بل كان شديد الاخلاص لما انطوت عليه بطون الكتب لقرون ولما يقره الفقه الاسلامي ويضعه في منزلة المقدس وما اجازه الشيوخ كابرا عن كابر مما لا يجعل السكوت عنه مسوغا كافيا لنفيه ولن تقوى كلمات مثل حوار الاديان والتقارب والتسامح على تغييبه ..

فتاريخ الفقه –وخاصة في شقه السلفي- محمل بالثقافة التي تستحضر قيم الغزو والفتح وتقدمها على مبادئ المواطنة الحرة المتساوية والعدالة الاجتماعية وحرية الاعتقاد والتعبير..وتتعامل مع الارض والوطن كوعاء للافكار الفوقية التي تدفع بالاخر الى زاوية الاغيار الذين هم عرضة دائما لحفلات طويلة من الامتهان والاذلال والحرمان من الحقوق الاساسية واهمها حق ممارسة الشعائر الدينية ضمن ضوابط الانتماء الوطني الاعم والاشمل والاكثر عدالة..

وهنا قد نجد العذر لفضيلة الشيخ وهو لا يجد بين ايديه ما يمكن ان يجيب به السؤال المفخخ لـ "جمعية احياء التراث الاسلامي" الكويتية القريبة من الفكر الوهابي عن "صحة الدعوات في ميزان الشريعة التي اطلقها اعضاء في البرلمان الكويتي الى منع او هدم الكنائس"سوى فتاوى شيخه الاكبر ابن تيميه التي يقول فيها ان"علماء المسلمين من أهل المذاهب الأربعة - مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد - وغيرهم من الأئمة، كسفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد وغيرهم، ومن قبلهم من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين؛ متفقون على أن الإمام لو هدم كل كنيسة بأرض العنوة - كأرض مصر والسواد بالعراق وبر الشام ونحو ذلك - مجتهدا في ذلك، ومتبعا في ذلك لمن يرى ذلك، لم يكن ذلك ظلما منه، بل تجب طاعته في ذلك ومساعدته في ذلك ممن يرى ذلك"فأن عشرات القرون لم تنس القوم فرحة اخذهم الارض عنوة من اصحابها وانه"لا يجوز أن يظهر فيها شيء من شعائر الكفر - لا كنائس ولا غيرها " وان في هدم الكنائس اكمال الدين وتمام النعمة وان "ولاة الأمور الذين يهدمون كنائسهم ويقيمون أمر الله فيهم - كعمر بن عبد العزيز وهارون الرشيد ونحوهما -؛ مؤيدين منصورين، وكان الذين هم بخلاف ذلك؛ مغلوبين مقهورين".

فان الشيخ لم يات بما لم تأت به الاوائل ولم يكن كلامه فتحا في عالم الفقه ولا تجاوزا على الثوابت التي يتداولها الناس منذ قرون مما يعلو صوته ويخفت تبعا لمتغيرات الحكم ودواعي السياسة..وهناك الكثير من التجني في حملة الانتقادات التي تطال فضيلته وتشكك في صدقيته او تمكنه من استلال الاحكام من اكثر الكتب عتقا واصفرارا..بل قد يكون في النقد وقسوته نفاقا مداهنا لقيم لم يكن لها صدى في اروقة الفقه يوما ومجاراة لدواع واشتراطات لم يؤمن بها احد..كما ان تجاهل موقع الشيخ وقربه من مؤسسة الحكم اكثر خلطا وتزييفا للحقائق وتجنبا لاصل الفتوى وجذورها..

اول الصواب هو ان نوجه عنايتنا ونظرتنا الناقدة الفاحصة الى هذه النصوص التي اختلستها التفسيرات المبنية على اشتراطات الحكم من معناها ولتحيلها سوطا وسيفا في يد الحكم يناهض ويجالد به ابناء شعبه المؤتمن عليهم وعلى اموالهم واعراضهم وكرامتهم اعتمادا على نفس هذه النصوص..

ولكن لا يجوز المرور على هذه المسألة دون المرور على استدراك ابن تيميه " إلا أن يكون لهم عهد فيوفى لهم بعهدهم."وهنا يكون التساؤل هل ان العهود والدساتير والمواثيق التي تحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتحدد اطر المواطنة وتنظر لحقوق الاقليات والمواطنين المختلفين عقيديا في ممارسة شعائرهم الدينية تستحق الوفاء بها من قبل احزاب الاسلام السياسي..كما ان السؤال يجب ان يوجه الى السيد النائب المحترم عن مدى ايمانه بالمادة السادسة من الدستور الكويتي الذي اقسم على السهر على تطبيق بنوده,فيبدو ان للسيد اسامة المناور فهما خاصا للعلاقة ما بين الدولة والمواطن لا تتجاوز اقامة الحدود وتطبيق"شرع الله" حسب التفسير الذي لقن به واراد ان يورط الشيخ عبد العزيز به,وانه يحرص على ان يقدم للعالم صورة شديدة الواقعية والعتمة لابتعاد الجماعات الاسلامية المؤلم والشائك والكارثي عن العالم في ظل الانغلاق والانفصال الكامل عن الحاضر المعاش وهشاشة وهزال فكرة الدولة والقانون لديهم السياسي ..واحتقارهم المسرف لفكرة الديمقراطية والمواطنة وحقوق الانسان..والاعتماد على فلسفة راسخة قوامها التكفير ثم التكفير ومن ثم المزيد من التكفير للغالب الاعم من الناس.واقتصار جوهر عقيدة الجهاد في سبيل الله على السلبية المفرطة والتقاطع الكامل مع الآخر.

انها ازمة بالفعل..وهي تشتد مع هيمنة الاسلام المسيس على المشهد السياسي العربي ,وهي تبشر بمزيد من الانزلاق في منعطفات الامور المقزمة للآليات الديمقراطية والمنهكة للجهد السياسي والثقافي للمجتمع,خصوصا وان هناك الكثير مما يشي بان العمل على تحقيق الاهداف الواقعية والطموحة التي تستهدف تحسين مستوى حياة المواطنين وتحقيق تطلعاتهم لا تعد في نظر الجماعات المتأسلمة الا تفاصيل ثانوية لا ترقى الى مستوى ان ينشغل بها "فضيلة" السيدالنائب.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !