فالهدايا والتمنيات نزلت على ايران من الرموز العليا لـ "قوى الاستكبار العالمي"ودون اشتراط أي تنازل معلن من قبلها عن أي من ثوابتها القومية ,بل حتى دون تكبيدها عناء الترجمة,فبالفارسي عرض الرئيس اوباما دعوة تاريخية مباشرة الى الشعب الايراني الجمعة حثهم فيها على انهاء عقود من العداء واجراء حوار "نزيه" مع الجمهورية الاسلامية.وبالفارسي ايضا قدّم الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز التهنئة للشعب الإيراني بمناسبة عيد "النوروز"،مستذكراً "إن هناك مكانة خاصة لإيران ولشعبها في تراث الشعب اليهودي". معرباً عن يقينه بأن تعود ما وصفها بـ "الصداقة الحميمة، لتسود العلاقات بين البلدين في القريب العاجل".
مما يطرح تساؤلات عن مستوى الصفقة التي يمكن ان تكون ابرمت مع نظام يقبع على مسافة دقة قلب من الاشتباك مع الولايات المتحدة لما يقارب الثلاثة عقود ومتهم بقتل جنود ومدنيين امريكيين في لبنان والعراق وإفريقيا وجنوب شرق آسيا، وبتهديد المصالح الغربية في مناطق قوس النفط، المُـمتد من مضيق هرمز إلى ساحل بحر قزوين؟و أي "صفقة كبرى" يمكن أن تبرمها واشنطن مع نظام آيات الله ولم يتسنى لها ابرامها مع حلفاءها في المنطقة ؟مع الاخذ بنظر الاعتبار تأسيسية المسعى الامريكي في انجاز مهمة احتواء الشرق الأوسط الجديد. والترويج المستمر على خيار الضغط السياسي المتعاظم ، و الحصار والعقوبات الاقتصادية فضلاً عن تحشيد الجيوش والأساطيل الحربية.
ومثل هذا التساؤل سوف يسلسل بالضرورة تساؤلاً آخر قد يتحاشى الكثيرون طرحه في الوقت الراهن ، يتعلق بالدول العربية المهتمة بالشان الايراني، وما إذا كانت الصفقات الكبرى الآتية ستكون على حساب حجم حضورهم ووزنه في المنظومة الإقليمية الجديدة.خصوصا ان التصعيد المتقادم للصراع ولد معطيات دينية وأيديولوجية وفلسفية ترتب عليها إضفاء صفة فوق سياسية على طبيعة العلاقات العربية-الايرانية.
والتساؤل الاهم سوف يكون عن مدى قابلية الدول العربية منفردة او كمؤسسات وتجمعات على الوجود الحي والفاعل والمؤثر في عولمة رأسمالية لا تعير وزناً إلا للمصالح المشتركة.
ومدى جدوى الاستمرار بالمقاربة الوجدانية للامور التي لا تحتمل الا التعاطي وفق المفاهيم الدولية الحديثة القائمة على الفكر المؤسسي ,والتي لا تستحضر الانتماءات الدينية أو القومية او العرقية كمحددات للشعور بالتقارب .
فبعد التجرع الشهير لكأس السم نرى تصدر رفسنجاني عملية اعادة بناء الدولة ببراغماتية مبنية على علاقات اوروبية متميزة ,ولكن الوجود الامريكي في العراق جعلهم يقدمون الاصولي المؤدلج أحمدي نجاد، لقراءتهم الصحيحة للفرص الإقليمية الهائلة الذي يقدمها لهم التشدد امام هذا الوجود مقابل اسراع بعض الحكام العرب الى حلق لحاهم كفعل استباقي لحلاقتها من قبل الولايات المتحدة الامريكية.
ان اكتفاء العرب بسياسة التوسل باضفاء صفات فوق سياسية على الصراعات الدولية والاقليمية وتحميلها شحنات قومية او دينية تقلل امامنا كثيرا من هامش التحرك نحو مقاربات اكثر واقعية وتخلق ارضية ممانعة تاريخية تجاه الحلول التي يمكن التوصل اليها من خلال تأسيس منظومة علاقات اقليمية ودولية متوازنة.ومحاولة الاستفادة من الدروس التي تلقيناها بسخاء كمجتمعات ودول والمرشحة لان تكون اكثر عنفا اذا لم نعتمد على المقاربات البراغماتية الحية المعتمدة على المصالح والمشتركات ما بيننا كدول اقليم ومع دول العالم.
التعليقات (0)