هدايا أعياد الميلاد بطعم الموت بقلم: السيد سالم "كنت قد عزمت أن آتي لأطفالي بهدايا نارية في عيد الميلاد.. لكنني أدركت الآن أنها خطر"
لم نعتد منذ فترة طويلة على هدايا أعياد الميلاد، ولكن اعتدنا في مصر على هدايا أعياد التحرير، فمرة في عيد تحرير سيناء الحبيبة ومرة في احتفالات يوليو.. وأخرى وأخرى.. أما هدية عيد الميلاد العام الماضي فإنها من نوع خاص لم نألفه، بعيدة كل البعد عن شجرة الكريسماس أو هدايا بابا نويل التي يوزعها على الأطفال في شوارع القاهرة والإسكندرية.
كانت الهدايا بعيدة عن قلب مصر، قاهرة المعز، كانت في شرم الشيخ، ولكن لا ننسى أنها العاصمة الثانية لمصر في هذه المرحلة، لكنها اقتربت بصورة فجة من مركز القلب، إنها عروس البحر الأبيض والعاصمة القديمة، في الإسكندرية، درة تاج مصر.
عندما علمت بالنبأ أدركت حقيقة مرّة، وهي أننا أوشكنا أن نقع، أوشكت السهام الغادرة أن تصيب قلبنا- القاهرة- وقد كنت أظن أن ما حدث ليلة عيد الميلاد العام الماضي في نجع حمادي مرّ وانتهى، ولن يتكرر.
لا أحد يعلم ما هو الهدف القادم؟.. ولا إلى أين تتوجه السهام الغادرة؟ لكن الحقيقة التي لا ينكرها أحد هي أن هذه الأحداث هزت بعنف الضمير المصري، وأظهرت مدى استجابة العامة من الأقباط لأقل بادرة شرر تنطلق حتى يهرولوا خلفها، ربما ضيقا بالوضع الراهن المتأزم، وربما بفعل أيد خفية تثير النزعات الدينية والعرقية في المنطقة العربية.
لم يعد يخفى علينا ما تمثله الانقسامات الداخلية من خطر على وحدة الأقطار العربية، تلك النزعة الانفصالية التي تأججت في الفترة الماضية والتي ترعاها "ماما أمريكا" و"الطفلة المدللة الوفية إسرائيل"، لم يبق أمامهم سوى مصر والسعودية، وما سوى ذلك فهو غثاء لا يستأهل كل تلك الخطط، فمع تقسيم مصر والسعودية، وبروز الفتنة الطائفية الداخلية، سيتم القضاء على العالم العربي، الذي بالفعل يعاني أمراضًا مزمنة. ذلك الجسد الهش الذي تنخر فيه قوى الفساد والاستبداد، لم يعد فيه سوى ضغطة واحدة حتى يتحطم كل شيء ويتناثر، تمامًا كما تناثرت أشلاء الضحايا في حادث ليلة رأس السنة.
الغريب أننا في مصر لم نقدم دراسة جادة عن ظاهرة العنف الطائفي في مصر، ذلك العنف الذي برز كردِّ فعل للاستبداد السياسي، والفقر المدقع الذي يحياه المواطن، فللأسف لم تقم جهة مصرية منصفة- حتى لو كانت مخابراتية- لرصد تلك الظاهرة، وتأثيرها على مستقبل الوطن!
ولكن للأسف جاءت الدراسات من الخارج، حيث قامت لجنتا الشئون الخارجية والأمن القومي بمجلس الشيوخ الفرنسي، بإعداد تقرير عن الوضع في مصر، يقول: إن المجتمع المصري مجتمع متوتر؛ نظرًا لتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وأن الوضع في مصر في حالة غليان. لكن التقرير استبعد حدوث انفجار بسبب طبيعة الشعب المصري المعروف بقدرته على التكيف مع الأوضاع السيئة ولا يتمرد بسهولة.
الآن خرج المارد من القمقم، ظهرت أعراض البطالة والوضع الاقتصادي المرير الذي يعيشه الشباب، وظهرت "بركات" الرأسمالية التي يدعو إليها السادة رجال الأعمال "الفاسدين" تحت زعم الانفتاح الاقتصادي.
هدية عيد رأس السنة هذا العام لها مذاق خاص، إنها بطعم المعيشة المريرة التي يحياها شبابنا، بفضل سياسات خاطئة، تأتي في مقدمتها زوال الهوية الوطنية عن العالم العربي، وحالة تغريب واسعة يحياها المجتمع أمام مظاهر الحياة الغربية المتواصلة عبر الإنترنت.
لن أتهم أيادي خارجية في الحادث، فمن المؤكد أنها كذلك، ولن أتهم الشباب الذي نفذ ذلك الحادث- إن حدث وتم إلقاء القبض على المتورطين فيه- لأن المتهم هو من ترك الشباب ضائعًا يعاني فقدان الهوية الدينية والوطنية، لا يعلم ما يضر بلده وما يصلحها.
الشيء الأكثر غرابة هو سرعة استجابة كثير من الأقباط لنداء الثورة، وخروجهم للتنفيس عن غضبهم، حتى وصل الأمر إلى محاولة الاعتداء على موكبين كبيرين لشيخ الأزهر ومفتي الجمهورية.. مع أن مواقف الرجلين تدل دلالة قاطعة على إنكارهما الشديد للحادث، حتى وصل الأمر بمفتي الجمهورية بأن يلعن الفاعل في إدانته التي نقلتها صوتا إذاعة القرآن الكريم.
لم أنسَ أنني كنت أتمنى أن أقدم هدية في عيد الميلاد إلى أطفالي، لكنني أصبحت الآن في خوف من النزول إلى الشارع، فمن الممكن أن تكون هناك يد تغتال فرحتهم قبل أن أصل إليهم بالهدية.
التعليقات (0)