مواضيع اليوم

هبايب .. غبار الفيلة ..

صالح الموسى

2013-04-25 02:23:02

0

....   غبار الفيلة 

ركب منصور السياره مع ابيه باتجاه حي المعذر، قاصدا مدارس الرياض النموذجيه، من اجل استلام نتيجة اختبار الكفاءه، ابتسم زيد وهو يخاطب ابنه منصور قائلا : ما ذا تتوقع النتيجه ..؟ ناجح .. باذن الله .. شكلك واثق من نفسك يا منصور .. ليه يا ابوي انت سامع شي .. ! لا ابدا يا ولدي، بالعكس انا مبسوط من ثقتك بنفسك، واكيد مثل ما عودتنا تبحث عن مركز متفوق .. كذا وإلا لا ..؟ صحيح يا ابوي .. بس بصراحه ليلة اختبار القواعد كنت مريض وما قدمت زين في الاختبار، طبعا بيكون له تأثير على معدلي العام، بس مو مره، يمكن يكون ترتيبي الرابع او الخامس . ما شاء الله عليك يا ولدي، دائما من الاوائل مع اني ما اشوفك تذاكر خصوصا هالسنه . . ! انا يا ابوي اركز في الصف، واعتمد على شرح المدرس .. تمام عليك يا منصور وهذا هو الصحيح . توقفت السياره عند بوابة المدرسه فنزل زيد وطلب من منصور البقاء في السياره. عاد زيد مبتسما وبيده ظرف وضعه على طابلون السياره، فادار المحرك بكل همه ونشاط متجها الى البيت، بينما صمت منصور منتظرا اباه ان يبدأ بالكلام، فبعد ان استقرت السياره في الطريق قال زيد : اسمع .. اقول لك بكل صراحه، انا كنت خائف من نتيجتك، ولكنك كنت عند حسن ظني يا منصور، والان قل لي : ماهي النتيجه التي تتوقعها . . ؟ يمكن الاول او الثاني على الصف . . ؟ كان تخمين منصور مستندا على اريحية والده وابتسامته العريضه، لا على مدى جهده وتحصيله الدراسي . . ! بالفعل يا منصور .. انت الاول ..! تفضل استلم شهادتك المرصعه بخمس دوائر حمراء . . ! كل واحده من تلك الدوائر تشهد على غيابك وهروبك من المدرسه للعب وشرب الدخان، وايضا تبرهن على اهمالك لدروسك واستهتارك بمستقبلك، وهذه نتيجة من يبيع نفسه لرفقاء السوء . . ! تلطخت كرامة منصور من جراء انقياده بسهوله الى هذا الموقف المخاتل الذي دبره له والده، فشعر بحزن السارق حين يُضبط، وبالمراره في حلقه بعد ان بلع الطعم . لقد تعود على الدعابه والمزح مع ابيه، وعلى الذب والتلاعب بالكلمات، ولكنه لم يكن يتوقع قط، بأن والده من الممكن ان يتجاوز الحدود المشتركه بينهما، وان يخطط لهتك مشاعره على هذا النحو المشين، خصوصا عندما عرف بان والده قد تعمد إستدراجه بعقل بارد الى هذا الفخ، ليصدمه ويعريه تماما كيوم ولدته امه . لم يتعود زيد اسلوب القسوه الطارئه مع ابنائه، بل على العكس فهو مغاليا في بذل العواطف، مؤمنا بالعقوبه اللينه المستمره، ويدرك تماما بان لا تقسو على ابنك، فهو سوف يكبر ويصبح صديقا لك. إلا انه كأي اب، يريد من ابناءه ان يكونوا متوافقين مع المثال الذي يرسمه لهم في مخيلته.

تألم زيد لحال منصور، فهو الابن المخفق الوحيد من بين خمسة اولاد وثلاث بنات، جميعهم من المتفوقين دراسيا، فبدأ زيد في التفكير بجديه عن حل لاعاده منصور الى الجاده الصحيحه. جلس زيد بعد المغرب في الشرفه المغلقه بالزجاج والمطله على حديقة المنزل، يستمع الى اخبار اذاعة لندن بقلق، كان جالسا على كرسي راتان احمر اللون، حوافه مرصعه بدبابيس مذهبه، مصنوع من الخشب الاندونوسي البني الغامق، يغطي ارضية الشرفه سجاد ايراني من نوع كاشان، وفي السقف ثريا زجاج من المورانو المعشق، مصممه على شكل اكواب زهريه اللون، في كل كوب شمعه، لها ضوء خافت يوحي بالاناقه والرقي والثرا ء، وهناك ايضا على صفحات الجدران لوحتان زيتيتان رسمتا بريشة الفنان ديفيد روبيرت، يغلب عليها لون الصحراء البسكوتي، احداهن لجمال تسير بمحاذات مياه خليج العقبه، والاخرى لقافله في مدخل ممر جبل الطور في سيناء، ذلك المكان الذي كلم الله جل جلاله نبيه ورسوله موسى عليه السلام وسلمه الوصايا العشر. سمع جرس الهاتف فالتقط السماعه بتراخي وملل، فكان صديقه الانجليزي جميس نايتس على الخط، جيمس رجل فاحش الثراء، يمتلك شركة دعايه واعلان كبرى في بريطانيا، تعرف عليه في مزاد للانتيك في قاعة إيل سكورت في لندن اثناء دراسته هناك . بدأت المكالمه عاديه إلا أن جيمس لاحظ ان مزاج صديقه مشوش، فابلغه زيد بموضوع منصور وان أمره بات بالنسبة له مقلقا. فاقترح عليه جيمس ارسال منصور الى مدرسة إيتين الداخليه في وينزير غرب لندن، فاقتنع زيد بالفكره بعد تردد وتمنع القانع ، فقذف بالفكرة على زوجته حصه وهي عند الباب تتأهب للخروج للتسوق، فردت عليه وهي على عجل : طيب . . طيب .. نشوف . . بعدين . . رصّ رصّ زيد هذه الكلمات المتقاطعه، فاعتبرها موافقه ضمنيه من حصه ..!

سافر منصور ولم تنم حصه من البكاء على فراق ابنها الصغير، الذي لم يتجاوز الخامسة عشر، بينما استقبل جيمس منصور في مطار هيثرو واخذه الى مزرعته في بيتيرز فيلد جنوب لندن الى حين ان تبدأ الدراسه بعد اسبوع من الان . نام منصور في بيت فخم في المزرعه، فاستيقظ مبكرا بتلهف، ليرى المكان الذي وصله ليلا، فنظر من خلال النافذه فرأى مشهدا ظن للوهلة الاولى بأنه يحلم، وضع جبهته على زجاج النافذه البارد ليتحقق من مما يرى .. ! ثم ادخل رجليه في فتحات البنطلون على عجل وهو يتمايل، وهرع مسرعا الى الخارج بغية رؤية المشهد، بينما المصورون والمخرج ومساعدوه صارو يضحكون ويصرخون طالبين منه الابتعاد، إلا ان منصور لم يستطع مقاومة عاصفه الاشتهاء التي اثارت جميع غرائزه المدجنه، وانسته كل الممارسات والنصائح المنطقيه التي كان والده مراقبا وحارسا عليها، فبدافع الخوف من القانون البريطاني الذي يحضر على منهم تحت السن القانوني مشاهدة المناطق الخاصه في جسم الانسان، أضطر طاقم التصوير لابعاده قسرا عن مشهد لفتاه عاريه تماما تجلس على باله من التبن، المشهد عباره عن احد اللقطات الاباحيه التي تقوم بها شركة جيمس للدعايه والاعلان لصالح كل من مجلة بلاي بوي والصفحه الثالثه لصحيفة الصن اللندنيه . . ! علم جيميس فتضايق من ما جرى، فاراد ان يتصرف قبل ان تحمل اجنحة الفضيحه الخبر الى زيد، ففكر في ابعاد منصور عن المزرعه، فاتصل بمدرسة وينزير فابلغوه بامكانية ان يأتي منصور مبكرا الى حين ان تبدأ الدراسه، وان هناك طلبه اجانب قد وصلوا والتحقوا بسكن المدرسه، فاتصل بزيد وابلغه بانه ينوي ارسال منصور الى سكن المدرسه للتهيئته للدراسه، وبالفعل وصل منصور الى مدرسة وينزير برفقة جيمس الذي تنفس الصعداء خشية ان يظهر امام صديقه كمن اراد ان يكحلها فاعماها. كان في المدرسه عدد من الطلبه الاجانب من ابناء الاثرياء، من ايطاليا والبرازيل وايران وروسيا ، يمتلكون طائرات خاصه وسيارات فراري وعقارات في اوربا، معظم هؤلاء جمعوا تلك الاموال عن طريق علاقات مشبوه بالمافيا وغسيل الاموال وعمولات صفقات اسلحه في السوق السوداء، كما ان الدراسه في وينزير بالنسبة لهم شيء هو اقرب الى الوجاهه منه الى الحاجه، على العكس من ابناء الطلبه الانجليز حيث ان لهم برنامجا خاصا ومنفصلا عن الاجانب.

كانت الايام الاولى صعبه بالنسبة لمنصور، بسبب الوحده والغربه والملل الى حين ان تعرف على طالب من ايران اسمه بختيار، كان ذات يوم يجلس منزويا خلف شجره يدخن، مر منصور من امامه صدفة فناداه وعرض عليه سيجاره، لم يتردد بل قبل الدعوه بتلهف، فلقد مضى عليه اسبوع لم يدخن خلالها سيجاره واحده، اخرج بختيار من جيبه ورق بفره شفاف، ثم وضع في كف منصور قطعه لونها بني غامق في حجم حبة الحمص، وامسك بسيجاره وافرغ ما فيها من تبغ في كف منصور، ثم بدأ يفت القطعه ويخلطها بالتبغ باصبعي الابهام والسبابه، وبدأ يلفها بورق البفره بحرفه واتقان، بينما منصور كان مستكينا في جلسته، يراقب وينتظر اللحظه الحاسمه التي يشدّ فيها النفس الاول منذ اسبوع، اشعل بختيار السيجاره الغير منتظمة الشكل، واخذ نفسا قويا انبعث منه دخان ازرق متموج، ثم اعطاها لمنصور وفعل نفس الشيء، دارت السيجاره بينما عدة مرات، حينها كان بختيار يبتسم ويحدق في منصور، بينما الاخر كان يشد الانفاس منغمسا في غفلته الهانئه، فشعر بالخدر وبالارتفاع الى شاهق الذرى، وانفصل تماما عنما حوله، صارت الافكار منظمه في رأسه ومتلخبطه في لسانه، طلب منصور من بختيار سيجاره اخرى، فضحك بهزل وقال له : لا .. هذا يكفي .. ! انهار منصور وخر جسده على السرير، كحطام زورق صغير قذفت به الرياح على شاطيء من الصخور الوعره،استقيظ قبيل الغروب ونظر الى الساعه فانصدم عندما عرف بأنه قد نام قرابة اليوم ونصف .. ! فاتجه على الفور الى غرفة بختيار، فجذبه اليه بقوه وهو غاضباممسكا بقميصه من العنق قل لي : ماذا وضعت لي في تلك السيجاره ؟ لم ينفعل بختيار وطلب منه ان يهدأ واجلسه على سريره بينه وبين صديقته جوديث الاسرائيليه وقال : اسمع يا منصور هذا نوع من انواع الكيف القوي اسمه . . غبار الفيلة . . الفارق بينه وبين اي كيف اخر هو ان ورق البفره مشبع بمحلول يُستخدم في تخدير الفيلة، لذلك صار اثره قويا، سامحني لم اكن انوي الحاق الضرر بك، بل كنت احسبك متمرسا، المهم عندي كيف من النوع العادي الخفيف، فقالت جوديث: صحيح هذا النوع مريح جدا، انا استخدمته عدة مرات ولم يسبب لي اي اذى سوى الراحه والهدوء، تسرب كلام جوديث بهدوء الى قلبه فحطم اردته، فأحس بختيار بذلك، فاعطاه سيجاره بعد ان اشعلها واخذ منها نفسا، ثم دارت السيجاره بينهما . . فودع منصور طفولته بنقائها القديم ..




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !