مواضيع اليوم

هاوٍ بعد الستين

حسن بن علي الجزيري

2010-03-30 01:31:38

0

هاوٍ بعد الستين


ينظر البعض الى المتقاعد وكأنه قد عفى عليه الزمان ، ولم يعد يصلح للقيام باي دور في هذه الحياة ، كما يراه البعص بأنه اصبح عالة وعبء على اهله وذويه ، والبعض يرى تلك الفترة وكأنها ايام انتظار الموت بعد ان اصبح هذا المتقاعد جليس المنزل بلا عمل يقوم به او يؤدية للاخرين ، ويقوم البعض على تحريف كلمة المتقاعد من معناه الحقيقي الى معنى بشع تشمأز منه النفوس وذلك عندما يفصل الكلمة الى نصفين لتكون ( مت...قاعد ) .

قد يعيش المتقاعد ايام عصيبة في سن التقاعد بسبب الفراغ الذي يكون فيه ، والذي قد يراه اتى بشكل فجائي سريع ، بالرغم من انه يعلم جيداً متى سوف يتقاعد ، وذلك بعد ان كانت حياته مجدولة خلال سنوات طويلة عاشها وهو في وظيفته التي عمل بها ، حتى اعتاد على تلك الجدولة اليومية وألف ذلك الروتين اليومي من الجلوس صباحا والذهاب الى مقر العمل وادائه لاعماله ومن ثم العودة لمنزله والراحة ثم اداء اي مهام اسرية او اجتماعية اخرى .

وذلك الفراغ الذي استجد على الشخص بعد سنوات طويلة من العمل يزعجه كثيراً ويربكه حتى نجده يعجز عن التفكير فيما قد يفعله في هذا الوقت الطويل خلال اليوم الواحد من الصباح حتى المساء ، الى جانب هذه الحالة من الحيرة في كيفية قضاء اليوم بطوله ، نراه يتألم عندما ينظر اليه البعض وكأنه قد اصبح بلا فائدة تذكر في الحياة ، لذا نجد الكثير من المتقاعدين يكونون عصبيين جداًً وخصوصاً مع اسرهم في البيت الذي اعتاد عدم الجلوس فيه الا في اوقات الراحة والنوم فقط ، حتى انعكس الامر وصار لا يفارقه الا في حالات نادرة .

وحقيقة الامر انه ليس للانسان عمر افتراضي ومن ثم يجب ان يموت ويذهب من هذه الحياة ، فالموت لا يعرف صغيراً ولا كبيراً ، ولا موظفاً او متقاعد ، ولكنه اجل اذا جاء لا يؤخر او يقدم ، قال تعالى: (إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [يونس:49] . فليس صحيحاً بان الشخص المتقاعد هو في مرحلة انتظار قدوم ملك الموت لقبض روحه ، بل ان عطاءه في هذه الحياة يجب ان يستمر كما هو عليه ، ولكن بدور آخر قد يختلف عما كان عليه في المرحلة السابقة او قد يكون استمراراً لنفس الدور السابق وذلك بحسب طبيعة الشخص ومجال عمله .

ولكن كيف يمكن للشخص ان يسير في دوره في الحياة ويستمر في عطاءه كما كان ، وهو في سن كبير قد لا يقوى على القيام بالكثير من الاعمال التي كان يقوم بها في شبابه؟

فيجب على الشخص القيام بالتخطيط لتلك المرحلة التي حتماً سوف يصل اليها اذا ما امد الله له في عمره ،ويجب عليه ان يرسم لنفسه حياة جديدة تتناسب والمرحلة العمرية الجديدة . فالاعمال التي لا تحتاج الى قوة بدنية ونشاط كبير كثيرة وعلى الشخص ان يختار منها ما قد يتناسب معه ، فالتجارة لها عدة فروع يمكن للشخص ان يمارسها دون ان تحتاج الى القوة البدنية كما يفعل البعض ، والبعض الاخر يرى ان التحصيل العلمي والدراسة في العلوم الشرعية التي تفيده في حياته اليومية للصلاة والصيام قد تتناسب كثيرا معهم بعد ان اجبرتهم الحياة على عدم التحصيل فيها من قبل بشكل واسع . ولكن البعض قد يرى بانه ليس له في التجارة او انه مكتفي بما حصله من علوم شرعية في شبابه ، فما هو التخطيط لتلك المرحلة وقتها؟

ومن الواجب علينا كأشخاص وكأخوة وكآباء ان نقوم بتنمية وتشجيع الهوايات الشخصية من الآن لدينا ولدى الشباب ولدى ابنائنا منذ صغرهم ، فالهوايات التي تنمى لدى الشخص خلال حياته اليومية والتي قد يمارسها منذ نعومة اظفاره وطيلة سنوات عديدة ، تصبح مع مرور الوقت جزء لا يتجزأ من شخصية المرء ، ولا يمكن للشخص ان يتصور حياته من دون ممارستها بشكل يومي . بالاضافة الى ذلك فهي لا تحتاج الى رؤس اموال كبيرة للقيام بها ، وحتى تلك الهوايات التي قد تحتاج الى عدد او ادوات يكون الشخص قد قام بجمع الاساسيات منها خلال ممارسته لها طيلة السنوات الماضية وقد لا يحتاج الا لبعض الاشياء الاستهلاكية منها والتي يعرف جيداً من اين يأخذها واين يمكن ان يجدها ، كما انها ليست جديدة على الشخص قد يصعب عليه تعلمها .

وممارسة الهوايات في سن التقاعد ليس بالامر المعيب الذي يمكن ان يكون مأخذ يؤخذ على الشخص او انه منقصة له في شخصيته ، بل هي بالعكس تماماً ، فممارسة الهواية وقضاء الوقت بشيء مفيد خير من قضاءه بالجلوس والتحسر على الايام الماضية ، وقوة الشباب التي ذهبت ، الامر الذي لا يأتي باي خير ، بل قد يتسبب في مرض الشخص ، فان يكون الشخص هاوٍ بعد الستين خير من ان يكون جالس في فراغ ليس له نهاية ، وكأنه ليس موجود في هذه الحياة .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !