هاتف من القبر

ستائر كثيفة.. وليل كاحل ..ونبض ثقيل.. وأنفاس شبه معدومة.. وحياة بلا أمل.. وجسد مهلهل تذوبا أحلامه مع طلوع الشمس.. ووحدة مخيفة بين أمس مظلم وغدا أحلك منه.. وليس لى غير قلم خالى يكتب عذابته بلون باهت لا يستطيع قراءته أحد وماذا يملك سواى؟ وحاولت مع صاحب الناى لينشد غنوتى ولكن قال لى أذهبى يابنيتى فأنينك وآلامك سيبعدون الناس عن أنشودتى.. فدعينى حتى أتربح من مهنتى.. فذهبت إلى جدول الماء لأطرح آلامى فيرحل بها بعيدا! فوجدته معكر تملؤه الشوائب وقال لى استسمحك يابنيتى أن لا تعكرى صفوى أكثر من هذا فقد عكرونى البشر بما فيه الكفاية من ظلم وفساد وقهر.. فبالله عليكى دعينى ولا تقصدينى!

فذهبت إلى البحر حتى أطرح نفسى فيه بدل من أطرح أحزانى وطمعت أن يقبلنى البحر طعاما لغلمانه فوقفت على حافته وقلت يا نفس كفاياك هذيان وحيرة وعذابات وآلام فكل ما لديك أوهاما وكوابيسا وظلام ولن يفرق قاع البحر من أعلاه فكلاهما سواء ..والمذاق واحد..وهممت بنفسى لاقُبل قاع البحر حتى ينسينى ما بى ويطوى أحزانى التى أصبحت أشد فى الهيجان من أمواجه.. وإذا بى فجأه بصوت خفى يهمس فى اذُنى.. عودى يا بنيتى فقد كنت بك اتباهى بين جيرانى.. فقلت أيه الشيخ العجوز أتعرفنى؟ قال أعرفك من قبل أن تولدين،.. وسميتك من بين الملايين.. فأنا أبيك الميت.. وبعملك الصالح أتباهى بكِ بين الأموات..فارجعى بالله عليكى ودعى لى شىء أتباهى به فى قبرى قلت له فأنا لا أعرفك؟ ولم أراك من قبل؟ فقال لى أنا هاتف القبر... فقلت هل للقبر هاتف؟ فقال عودى يا بنيتى وأستغفرى الله وأخرجى من المحنة وكونى على أبيكِ أحنى.. وسألت ما ضمانك لى فى الدنيا أن عدت... قال لى يابنيتى اختبارك فى الدنيا صعب! ولكن صبرك عليه أحلى....

ولكن صبرك عليه أحلى....

إصبرى يا بنتى على ما هو أحلى وأحلى.. فتمالكت نفسى وعُدت إلى صوابى وتذكرت المقولة التى تقول فالصبر مثل اسمه مُر مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل.... ولكن عواقبه أحلى من العسل

أحلى من العسل!