في هذا المقال والمقالات التالية سنحاول الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المتعلقة بمواقف جماعة الإخوان المسلمين نحو مجموعة من القضايا المفصلية المرتبطة بتطلعات الشعب الأردني نحو الإصلاح و تحقيق الديمقراطية . وسنتجنب قدر الإمكان تقديم إجابات على تلك التساؤلات ، بل سنكتفي بتقديم مواقف الحركة وقياداتها ونترك للقارئ إستخلاص الإجابة عن التساؤلات المطروحة وسيكون موضوع الديمقراطية واحترام التعددية أول تلك الأسئلة .
وتبرز أهمية الموضوع بالنظر الى سعي الإخوان المسلمون الحثيث حاليا الى تطبيق المشروع الذي أطلقه الأب الروحي للجماعة ، الشيخ المرحوم حسن البنا ، الذي لعب ضمن الجماعة دورا مشابها لدور هرتزل الريادي في المشروع الصهيوني ، ليكون الاخوان كما أراد لهم حين قال "فالحكم من منهاجهم، وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفِّذ أوامر الله".
يقول الدكتور محمد أبو فارس ، القيادي الإخواني ، " كمسلم لا ارى في الديمقراطية حلا فالإسلام هو الحل والديمقراطية تنتمي لنظام علماني غير إسلامي ، إنها حكم الشعب بواسطة الشعب ، بالنسبة لي الحاكمية لله وليست للشعب ، ...لأن الله هو أساس السلطان "(الغد 14/7/2006)
ويؤيد ذلك قول الشيخ عبد الباقي جمو ، الذي يرفض الديمقراطية ويصفها بأنها من صنع أعداء الإسلام " (صحيفة الغد ، 14/7/2006).
ويعتبر الإخوان الديمقراطية مرحلة مؤقتة ويقبلونها على هذا الأساس كما يشير يوسف العظم ،الذي تسلم منصب وزير التنمية الإجتماعية ، وصولا الى الحكم الإسلامي .
ويؤيد وجهة النظر السابقة قول احمد نوفل " اذا كان يجب ان نختار بين الديمقراطية والدكتاتورية سنختار الديمقراطية (الهدف التكتيكي ) ولكن بين الإسلام والديمقراطية نختار الاسلام (الهدف الاستراتيجي )."
تبرز المواقف السابقة الفصل بين الإسلام والديمقراطية ، وقبولهم بالديمقراطية كوسيلة وتكتيك مرحلي براغماتي وليس كهدف إستراتيجي . فهل يعني ذلك أن الإخوان سيحافظون على الديمقراطية ويستديمونها في حال وصولهم الى الحكم ؟
في العام 1991 ، أصدر الدكتور محمد أبوفارس العضو الإخواني في مجلس النواب، كتابه الذي جاء في صيغة فتوى بعنوان "المشاركة في الوزارة في الأنظمة الجاهلية". وفيه ، يحرم أبو فارس المشاركة في الحكومة الاردنية التي يعتبرها "جاهلية كافرة " . وكان إصدار ذلك الكتاب تعبيرا عن رفض أبو فارس و التيار الذي ينتمي اليه لمشاركة أعضاء من نواب الحركة في مجلس النواب بحكومة مضر بدران قائلا: "نعم، إن وجود عضو الحركة الإسلامية في وزارة وحكومة ليست إسلامية توجد غبشا لدى الناس في تحديد سبيل (المؤمنين) وتحديد سبيل (المجرمين، ) ويزيد الطين بلة حينما يقف هذا الوزير يدافع عن سياسة الحكومة العامة التي تتنافى مع الإسلام وتناقضه" (ص33).
قد يشير البعض هنا الى أن فتوى أبو فارس تعبر عن موقفه الشخصي ( الذي ينسبه عبر الفتوى الى الله !) ، ونتسائل هنا ، لماذا لم يتم التعامل معه كما تم التعامل مع د بسام العموش بعد نشره مقال في جريدة الرأي يعبر فيه عن موقف مخالف لموقف جماعة الاخوان وحزب الجبهة ؟
وتقتضي الموضوعية هنا ، تقديم موقف المعتدلين من أعضاء الجماعة والحزب الذين استكتبوا عمر سليمان الاشقر للرد على كتاب وفتوى ابو فارس ، فأصدر الاشقر عام 1992 كتابا بعنوان (حكم المشاركة في الوزارة والمجالس النيابية ) وفيه يفتي بإباحة المشاركة في الوزارات ، لكنه يعتبر ان (الأصل هو عدم الجواز ) والمشاركة إستثناء مبني على تقدير المصالح ، وتبنى الاشقر أيضا وصف النظام الاردني بأنه نظام جاهلي ! . وتكفير النظام السياسي القائم طرح بالغ الخطورة كما هو معلوم .
الجانب الآخر الذي يبرزه نشر كتابي ابو فارس والاشقر في مطلع التسعينيات في الاردن وبموافقة وزير الإعلام آنذاك ابراهيم عز الدين هو الجدية في تبني الديمقراطية التي أظهرها النظام السياسي والتي تم التراجع عنها في المراحل التالية ، والتي كان الإخوان المسلمون من أشد معارضيها فكريا وعمليا . فبعد مشاركة خمسة من نواب الحركة الاسلامية في حكومة مضر بدران وإخفاقهم الذي تمثل بالرفض الشعبي والنخبوي لأدائهم وعجزهم عن تمرير قرارات إشكالية غير شعبية ، فقد لجأ أحد وزرائهم (يوسف العظم ) الى رئيس الحكومة آنذاك مضر بدران طالبا منه الضغط على رئيس تحرير إحدى الصحف للتوقف عن نقد الأداء الضعيف للوزراء الاخوان ، فابتسم بدران ورد عليه بالقول " اليست هذه هي حرية التعبير التي تطالبون بها ...لقد تخليتم عن موقفكم بسرعة " .(المصدر شادي حامد ،2005).
وموقف الإخوان من الاحزاب الاخرى جانب آخر يبرز موقفهم من الديمقراطية والتعددية . ونشير في هذا السياق الى رفض الكتلة الاخوانية في المجلس النيابي الحادي عشر ، ومنهم الوزراء في فريق بدران ، لقرار الحكومة المتمثل بالغاء قانون حظر الشيوعية لسنة 1953 ، وهو الاساس الضروري لتمكين الشيوعيين من تأسيس حزب مرخص ، ولكن أخفق الاخوان في مسعاهم بسبب تبني الديمقراطية بشكل جدي من قبل بقية أعضاء البرلمان والوزراء من غير الاخوان . ويبرز أيضا موقفهم من الديمقراطية والتعددية في وصف المراقب العام الاسبق المرحوم عبد الرحمن خليفة لكافة الاحزاب في الاردن ، باستثناء جماعة الاخوان طبعا ، بأنها تم تأسيسها حبا في الزعامة فقط .
موقف الحركة الاسلامية في الاردن من الاحزاب الاخرى يلتزم بالاسس التي ارساها الشيخ المؤسس حسن البنا الذي يقول في كتابه مذكرات الدعوة والداعية " بأن " الإسلام لا يقر نظام الحزبية ولا يرضاه ولا يوافق عليه " .ويشير في موضع آخر الى موقفه الداعي الى حل كافة الأحزاب المصرية والابقاء على حزب واحد ، هو الاخوان طبعا .!
ويبرز ذلك الموقف ما كتبه سعيد حوى أحد أبرز منظري جماعة الاخوان في بلاد الشام والذي إستقر في الاردن منذ العام 1982 بعد الصدامات مع النظام السوري وتعد كتاباته من أهم مرجعيات الإخوان ، حيث يقول " الادلة كلها تدل على أن الجماعة (الاخوان المسلمين ) هي أقرب الجماعات على الإطلاق لأن تكون جماعة المسلمين ....ولأن هذا هو شأنها فلا يجوز للمسلم الخروج منها كما قال رسول الله (ص) : من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه "!! وخطورة العبارات السابقة غير خافية إذ تتضمن الإشارة الى تكفير كل من لا ينتمي الى الاخوان .
ونشير هنا الى أن مصطلح الديمقراطية لم يتم إستخدامه نهائيا في البرنامج الانتخابي لمرشحي الاخوان في العام 1989 الذي شهد عودة الحياة الديمقراطية ، مع الاشارة الى ان البرنامج كان يتضمن 31 صفحة ، وبرز إستخدام مصطلح الديمقراطية لدى الاخوان والمطالبة بها بعد إستخدامه من قبل الرئيس جورج بوش الابن ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس في سياق التغيير الذي سترعاه "أمريكا "في الشرق الأوسط ! فظهر المصطلح 5 مرات في البرنامج الانتخابي لمرشحي الإخوان لعام 2003 ليتحول بعد ذلك الى موال يتم ترديده بشكل مبالغ به كما تظهر أعداد جريدة السبيل في الفترة التالية ، ففي مقال بعنوان " الحكومات تتوجس خيفة من نتائج الديمقراطية " كررت حياة المسيمي مصطلح الديمقراطية أكثر من عشرين مرة ( السبيل ، 12-18/4/2005) .
في المقال القادم من هذه السلسلة ، سنحاول إلقاء الضوء على مسألة الانتماء لدى الاخوان المسلمين وتحالفاتهم ، مع التركيز على الموضوع السوري وموقفهم من بشار الاسد الذي وقف أحد أبرز قيادات الإخوان في الأردن (الدكتور اسحق الفرحان ) ،عام 2006 ، وفي جلسة إفتتاح مؤتمر الاحزاب العربية في دمشق ، يصفق له وهو يبتسم بينما كان بشار الأسد يكيل الاتهامات الى الاردن
التعليقات (0)