مواضيع اليوم

هؤلاء جاءتهم فتاة

نزار يوسف

2009-08-28 10:47:23

0

هؤلاء جاءتهم فتاة

 

منذ حوالي العشر من السنين و أثناء مطالعتي لإحدى الصحف اليومية المحلية ، وقعت على مقال في الصفحة الأخيرة لأحد الكتاب ، كان فحواه عن فتاة جاءت إليه ( على حد زعمه ) تعرض عليه مجموعة قصص لها و تطلب رأيه فيها . قال يا سيدي نظر هذا الكاتب إلى المجموعة فرآها عبارة عن خربشات دجاج ( هكذا بالحرف ) و يوجد فيها ( على حد زعمه أيضاً ) أخطاء نحوية و عيوب خلقية كثيرة و لا ترقى إلى أن تكون نص أدبي . قال .. فنظر إليها و قال لها مؤنباً ( و العهدة على الراوي ) : ما هذا ؟؟ ... ما هذا ؟؟ .. ما هذه الخربشات ؟؟ اذهبي يا آنسة و تعلمي الأبجدية أولاً ثم تعالي اكتبي .. اقرأي .. اقرأي .. أنت بحاجة إلى القراءة أولاً . ثم ختم كلامه بالتوجه إلى الذين أن يصبحوا كتاب و هم يفتقرون إلى أدنى قواعد اللغة و التعبير ناصحاً إياهم بالقراءة و تعلم أصولها أولاً قبل أن يشرعوا بالكتابة .


بعد ذلك بسنتين أو ثلاث على ما أذكر ، وقعت بيدي جريدة محلية أخرى غير الأولى و في نهايتها.. مقال مشابه إلى حد كبير للمقال السابق ، و لكن لكاتب آخر ، أيضاً يتحدث فيه عن فتاة جاءت إليه في مكتبه تعرض عليه مجموعتها القصصية لتأخذ رأيه فيها ، فاكتشف صاحبنا الجهبذ أنها ( و يا للمصادفة ) سخافات و خربشات ، و صاح بها مؤنباً و ناصحاً : ما هذا ؟؟ ما هذا يا آنسة ؟؟ ... ( نفس الكليشة السابقة ) . و طلب منها أن تتعلم القراءة و تكثر منها ، ثم بعد ذلك تتجه إلى الكتابة . وختم عموده بالحديث عن الشباب الذي يريد أن يكتب و هو لا يفقه شيئاً بالأدب و الفكر ... الخ .


الغريب .. أنه أيضاً و منذ مدة ، وعندما كنت أتصفح إحدى الجرائد المحلية و هي غير الجريدتين السابقتين ، وقع بصري في الصفحة الأخيرة منها على مقال لكاتب آخر جديد . و المفاجأة المضحكة أنه كان يتحدث عن فتاة جاءت إليه لتعرض عليه مجموعتها القصصية تستشيره بشأنها ، فكانت يا للهول عبارة عن خربشات على حد زعمه و على ذمته . وقال لها أيضاً : ما هذا ؟؟ ما هذا ؟؟ يا آنسة .. قبل أن تدخلي تجربة الكتابة ، عليك بالقراءة يا آنسة .. اقرأي .. اقرأي حتى تنصقل موهبتك . و أنهى عموده الجالس عليه منذ سنين طويلة لا يبارحه حتى يخطفه باريه و يأخذه .. أنهاه بأن تحدث عن الشباب الذي يريد أن يكتب و لا يعرف شيئاً عن الكتابة ناصحاً إياهم بالقراءة و التثقف أولاً و من ثم الدخول في معترك عالم الكتابة .


بعد قراءتي للمقال ، وضعت الجريدة جانباً . و أخذت أفكر ... يا ترى ما هي الغاية و العبرة التي يريد هؤلاء أن يقدموها لقراء الجريدة ؟؟؟!!! و ما هي الرسالة التي يريدون أن يوصلوها ؟؟!! على فرض أنه جاءت فتاة أو شاب مبتدئ لا فرق .. إليك و عرض عليك أن تقيم موضوع كتبه .. و اكتشفت وجود أخطاء مهما كانت فداحتها و مستواها ، ما هي الغاية و المبرر لك لكي تخرج علينا بمقال تفضح فيه هذا الشخص أو هذه الفتاة المسكينة ؟؟!! .. هذا إذا كان هنالك فعلاً فتاة قد جاءت إليك ، لأنني أنا شخصياً أشك في ذلك . و ما العيب إذا كان هنالك شخص أو فتاة يكتب في بداياته الأولى للكتابة و كان هنالك خلل أو شيء مخالف لما ترتأيه أنت أنه مخالف لأصول الكتابة .. ما هو العيب في ذلك ؟؟!! ربما غيرك لا يراه كذلك .. ربما غيرك يراه إبداع و موهبة مميزة قياساً لشخص مبتدئ .. و المؤكد في السياق ذاته ، أن الشاب أو الشابة صاحبة العمل ، مهما كان ، من المؤكد أنه قد وضع كل جهده و رؤاه و موهبته فيها و من المؤكد أنه يرى ذلك كله بعين الإعجاب و الاستحسان . فما هو الداعي لفضحه و استعابته على الجرائد و التبجح بذلك .


هنالك مقالات مشابهة لتلك .. تظهر ما بين الفينة و الأخرى ، يتحدث أصحابها ( دونما ذكر حوادث و أشخاص معينيين ) عن الذين يريدون أن يكتبوا و لا يعرفون شيئاً عن الكتابة و عن أن الكتابة أصبحت لمن هب و دب و ما إلى ذلك و كأنهم فقط يحق لهم الكتابة .


إننا نقول لكل هؤلاء الذين سبق ذكرهم آنفاً .. هذا يسمى في أدنى حدود التسميات ..
عيب ..


إذا كنتم تريدون أن تفهمونا أنكم مثقفين و مرشدين .. فاعذرونا لأننا فهمنا العكس .


إذا كنتم تريدون أن تفهمونا أنكم محجة للمريدين و مراجع فكرية ثقافية .. فاعذرونا لأننا فهمنا العكس .


إذا كنتم تريدون أن تفهمونا أن الناس بحاجة لكم و لآرائكم في الثقافة و الأدب .. فاعذرونا لأننا فهمنا العكس .. فهمنا أنكم أنتم من هو بحاجة إلى مراجع أدبية و اتباع دورة تعليمية في المبادئ الأولية للأدب و الأخلاق المهنية للكتابة .


أما إذا كنتم تريدون أن تفهمونا أنكم خائفون على مقعدكم في تلك الجريدة أو تلكم المجلة أو ذياك المكتب .. و خائفون من أن تحل هذه الفتاة المسكينة التي شهّرتم بها .. أن تحل محلكم .. فربما قد نتفهم وجهة نظركم هذه .

إننا لا نحملكم المسؤولية كاملة بقدر ما نحمل رؤساء تحرير صحفكم مسؤولية نشر مثل هكذا مقال سخيف تافه يعبر عن نفس جاهلة مريضة حتماً .. و من منطلق مركب نقص بالتأكيد .


أما أولئك الشباب الذين دخلوا في مضمار الكتابة و الأدب و لازالوا في بدايته ، فأقول لهم ثقوا بأنفسكم و لا تثقوا بغيرها و تعلموا من أخطائكم فهي ليست بعار و عيب عليكم ، و إياكم ثم إياكم الوقوع بشباك هؤلاء المرضى المعقدين ، لأنهم يستشرفون فيكم الخطر عليهم .. خطر يكشف عوارهم و جهلهم و مركب نقصهم . و ما أكثر هؤلاء في ميدان و شوارع الأدب و الثقافة ( للأسف الشديد ) .. هم كالجراد .. هم لا ينظرون إلى الفكر و الأدب و الثقافة إلا من منطلق سوق الهال حيث تدور المعارك بين الباعة على المكان المخصص لكل عربة خضار أو بسطة .


لقد ذكرني هؤلاء بمعركة حضرتها مصادفة في أحد الأسواق الشعبية للخضار استعملت فيها الهراوات و الرفوش و السكاكين و الشنتيانات .. أجل الشنتيانات .. لأجل خلاف على مساحة مرتين مربعين فقط . و كل شخص يدعي أن هذه المساحة مساحته .. ذكروني أيضاً بمعركة دارت بين اثنين من الشحاذين المتسولين في أحد الشوارع .. معركة استعملت فيها اللكمات و الكلمات النابية .. و السبب هو أن أحد الشحاذين الكريمين يدعي أن له وحده فقط حق التسول في هذا الشارع و هو ملكه وحده .


و للأسف .. للأسف الشديد فإن متطفلينا الثقافيين هؤلاء ، لا ينظرون إلى مفهومي الثقافة و الأدب إلا من هذه الزاوية .. زاوية البلطجة و السلبطة .


نزار يوسف .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !