وجود الجهل في كل المجتمعات أمر لا جدال فيه ، لكن المجتمعات المعاصرة لا تتجاهل تأثيره السلبي على الفرد والمجتمع فتعمل على علاجه بالقضاء على أسبابه وتحصين المجتمع ضده بالعلم والمعرفة وتنمية الوعي .
فلماذا في مجتمعنا يحدث العكس ؟! ..
لماذا نحن المجتمع الوحيد الذي يُشجع انتشار الجهل فيه من خلال الترخيص للدجل والشعوذة والخرافة والسحر ، وجميعها تحت غطاء التداوي بالرقية "المشرعنة" والتداوي بالأعشاب وعلاج الجن والجن براء مما يصفون ، وجميعها على أيدي مرتزقة الخرافة في هيئة شيخ الدين وكل شيء في بلادنا باسم الدين وبأمر الدين ؟!!
يستطيع (الشيخ المعالج) الحصول على الترخيص اللازم لمزاولة مهنة الدجل والخرافة ( باسم الدين ) على البسطاء والسذج وحتى الكثير من المتعلمين ! فيحفظ بعضا من آيات القرآن الكريم ، ويطلق لحيته ، ليتمثل للناس في هيئة شيخ الدين ، ثم يستقبل (مرضاه) ، بكل راحة بال ! وعلى مقربة من مقعده في مكان تعج به روائح أعشاب الموت تتناثر أكوام صغيرة من اليانسون وحبة البركة معبأة في أكياس ورقية وبلاستيكية ! إلى جانب عبوات الزيت والماء الممزوجة بـ(تفتة) /المباركة !!
وعلى الفضاء يستطيع آخر نشر خزعبلاته المغذية للجهل - وبتراخيص رسمية - فيتلقاها الناس على أنها من الدين – والدين منها براء –
لا لكونه مسموح بنشرها فحسب بل لأن الدين أتى بها وهذا الشيخ رسول رسول الله بها في خلقه !! فيقتنع من كان مترددا ، ويتضاعف
( إيمان المؤمنين) بها مسبقا فيهرع البعض يبحث عن عنوان زميله المعالج (على الأرض) ويكتفي البعض الآخر بالعلاج ( عبر الأثير ) !!
ومن أسوأ ما شاهدته كمثال على استخدام القنوات الفضائية لنشر الخرافة ذلك "الشيخ" الذي يستقبل شكوى "المتصلين" من كافة البلدان العربية ، وكلما استقبل مكالمة متصل وقبل أن يكمل المتصل شكواه يحاول الشيخ وبكل جهد أن يبدو أمام المشاهدين وكأنه ( يعلم ) مسبقا الأعراض التي لم يذكرها المتصل ، وهنا تتجلى ممارسة إيهام المشاهدين وخداعهم بأهمية "التداوي" عند الشيخ ( المعالج ) ، فهو أعلم من المريض بنفسه !!
وكنوع من التندر يتساءل أحدهم قائلا :
أيهما إلى المليار أقرب .. الشيخ ( المعالج ) على الفضائيات أم الشيخ الذي يستطيع المرضى زيارته في عيادته مباشرة والصبر على الزحام ؟! وهو الزحام الذي لجأ بسببه ( بعض الشيوخ المعالجين ) إلى الإعلان عن عدم استقبال أكثر من 150 حالة في اليوم الواحد !!
الغريب - وهذا مما يدل على أن هناك من يعمل على تنمية الجهل والتفكير الخرافي وقتل الإبداع والتفكير العلمي - .. الغريب أن هؤلاء
( الخراطون) يأتي إليهم ، ويتابع برامجهم ، ويحتفظ بأسمائهم وعناوينهم أناس يحملون شهادات جامعية !!
حقيقة .. اعتقد أن هؤلاء ( الشيوخ ) يشكلون مجموعة من المخاطر
لا يُستهان بها . فهم خطر على الصحة الجسدية ، وخطر على العقل ، وخطر على ثقافة المجتمع وهويته ، بل هم خطر على الدين نفسه .
ومن أبسط الأمثلة على خطر هؤلاء على الصحة العامة وربما الحياة أنه يأتي إليهم مرضى بالتهاب المعدة – وهذا على سبيل المثال فقط - فيصرفون لهم أعشابا قد تضاعف من الالتهاب وتزيد من خطر جرثومة المعدة بينما علاجها يسير لدى الأطباء وهو المضادات الحيوية المناسبة لمدة قد تستمر شهر .
أما خطر هؤلاء ( الشيوخ ) على الحياة فلسنا ببعيد عن قصة تلك الفتاة التي نشرت الصحف قبل أشهر خبر وفاتها على أيدي الشيخ "المقرئ " وما خفي أعظم !!
تركي سليم الأكلبي
Turki2a@yahoo.com
التعليقات (0)