نهج الحكمة:3
العلم:
مفهوم العلم هو المعرفة بحقيقة الاشياء النظرية والعملية،وهناك تفسيرات عديدة بالطبع له وايضا تقسيمات وتفريعات وكلا حسب اجتهاده في التفسير...ولكن هذا الشيء الغير ملموس،يصبح ملموسا عند تطبيقه!لانه يدخل في كل شيء قد ينفع الانسان او يضره!...ولكن لاحكمة بدون علم! فالحكمة تكون ذات اسس واهية ضعيفة بدون علم الذي هو معرفة وتؤدي الى اليقين مما يعني انارة الطريق لسالكيه...ولا يوجد حكيم بدون علم وفي الحقيقة يصبح محل سخرية من قبل الاخرين ولكن ينبغي التنبه الى ان الحياة ودروسها ايضا هي علم ولكنه يصطلح عليها بالخبرة والتي تكون حينها علما بدون نصوص سوى التجربة والتي هي مصدر من مصادر العلم المعروفة...
والعلم يمكن تقسيمه الى قسمين رئيسيين وهما العلوم الدينية وهو ما يتعلق بكل الاديان والمذاهب والعقائد وغيرها، والعلوم المدنية وان اختلفت التسميات لها كالعلوم الطبيعية والاجتماعية وغيرها اي كل ما يتعلق بحياة الانسان وحضارته التي ترتكز على التمدن وكل ما يتعلق بها من اسس تحتية وفوقية لها...ومن هذين التقسيمين يمكن الولوج الى الفروع الاخرى والتي تطورت كثيرا بفعل التقدم في العلوم...
سحر لا يقاوم:
لا يشعر بلذة العلم الا من سقط في بحر انواره!...ولذته تفوق كل لذة وصل اليها البشر،وكما قيل من قبل ان الملوك لو عرفوا قيمة لذة العلم لقاتلوا العلماء عليها!...واللذة هنا روحية بلا شك ولكن لماذا لا يشعر بها كل البشر؟!...قيل في ذلك تفسيرات عديدة ومنها انها نور يقذفه الله تعالى في قلب الانسان وبالتالي هنالك من يكون محظوظا في تقبل هذا النور والعمل به...اذا ذلك يعني ان حب العلم والرغبة في الحصول عليه والشعور العجيب الغريب بلذته التي لا تقاوم هي ككل الصفات الاخرى التي تنتشر عند بني البشر والتي لا يحضى الجميع بنفس مستوياتها وهي الصفات النفسية والجسدية تبعا لسنة الحياة وطبيعتها المتعارف عليها في الاختلاف بين الجميع في كل شيء!...
ولكن هنالك العلم المكتسب وهو الذي يبذل قصارى جهده في الرغبة للحصول عليه دون ان تكون الموروثات أثرا فيه وبالتالي ايضا يحضى بلذته الغريبة والعجيبة والتي تكون في اقصى حالاتها عند من يجمع الحالتين!...
اللذة العلمية هي مدعاة للدهشة من قبل من لا يحضى بها،وقد لا تكون هنالك منافع مادية لها ورغم ذلك يقبل عليها من يبتلي بحب العلم وحيازته.
وهذا القول يؤدي بنا الى نتيجة وهي اختلاف البشر في تقييمه رغم قيمته المرئية للجميع!وكلا حسب قدراته العقلية ومزاجيته النفسية!...وقد اعتبر العلم رأس الفضائل ومصباح العقل واصبح المجال الذي يتم التفاضل عليه، وحسب قول الامام علي(ع):يتفاضل الناس بالعلوم والعقول،لا بالاموال والاصول...مما يعني استحالة المقارنة بين العلم وبين المال والنسب من جهة اخرى،وهي تعطي لنا سببا وجيها في كون الكثير من الجهال يملكون الاموال والاصول ولكن لا يملكون العلم ولا يشعرون ابدا بلذته التي لاتقاوم والتي تعصمهم من الاخطاء التي يقعون فيها!...
طلب العلم هو فريضة على الجميع،وخلال العصور الذهبية للحضارة الاسلامية كان العلماء يتنافسون على العلم من مصادره المتشعبة ويصل تعبهم الى الرحلة سيرا لمسافات طويلة بغية الدراسة على يد صاحبه،وكانت المنافسة بينهم تكون على من يحوز على اكبر كمية من العلوم من خلال حيازة الكتب بمختلف انواعها حتى اصبحت رمزا للوجاهة والتفاخر بعكس هذه الايام التي يتنافس الجميع على الشكليات بطريقة تدعو الى الشفقة عليهم مما وصلوا اليه من تدهور في القيم المعرفية!...ويمكن المقارنة من خلال امتلاك الكثير من العلماء واصحاب الوجاهة لمكتبات ضخمة في مختلف البلاد الاسلامية بينما الان هي نادرة رغم ان سنة الحياة هي التطور وليست الرجوع الى الوراء!...
ليست هنالك حدود لحيازة العلم!... ابدا فهو بحر لا حدود لسواحله وكلما تبحر الانسان فيه كلما حصل على اعظم قدر من الانوار الكاشفة له والتي تجعله قادرا على التمييز بين مختلف الامور بينما يقبع الجهال في بحور ظلامهم دون ان يعوا حقيقة ذلك...
العلم والعبادة:
لقد قيل الكثير في افضلية العلم حتى على العبادة!....وذكرت احاديث كثيرة منها الحديث المروي عن الرسول(ص):العلم افضل من العبادة...وقليل العلم خير من كثير العبادة...وذكرت تفسيرات عديدة لسبب التفضيل ومن بينها ان العالم يعرف حقيقة الامور فينهى عن الخطأ بينما العابد مقبل على عبادته دون ان يعرف حقيقتها خاصة اذا وضعت في طريقه الكثير من البدع!...
ومن هنا نرى ان اصحاب العلوم من العلماء والمثقفين هم في الغالب اكثر معرفة بالامور من الجهلاء او ضعاف العقول التي يقعون فيها وابسط مثال امامنا من التيارات التكفيرية التي تستخدم البسطاء وتحشي عقولهم الفارغة بتفسيرات ضيقة للدين والمعرفة دون ادنى مقاومة عقلية منهم لفحص تلك الخرافات والاباطيل وتجعلهم وقودا له لتحقيق هدفها المتمثل في السيطرة السياسية والاجتماعية بينما نرى في المقابل ان اصحاب العقول النيرة او من لديه علم هم ابعد كثيرا من السيطرة عليهم بل هم مقاومون اشداء... وهذا ايضا ينطبق على التيارات الفكرية المتطرفة... ويمكن من خلال زيارة مواقع التعصب الالكترونية معرفة وضاعة المستوى العلمي والعقلي لهؤلاء البسطاء وكيف يمكن قيادتهم بسهولة الى حيث لا يدرون انه الجحيم بعينه ويتوقعون انه النعيم!.
ومن الحديث النبوي الشهير:كونوا للعلم وعاة،ولاتكونوا له رواة...يمكن معرفة الخطورة التي يمثلها ادعياء العلم على المجتمعات التي يعيشون فيها من خلال توارثهم للموروثات دون ان يمحصوها ويفرزون الغث من السمين! خاصة في ظل توارث الكثير من الخرافات التي لا يعي حقيقتها الا صاحب علم ومعرفة والذي يكون على دراية تامة بكل حقائقها الناصعة،مما يعني انه يجب التمهل وفحص كل مايقال من احاديث وتجارب ومقولات، فحصا دقيقا حتى ولو ادى الى صرف وقتا طويلا فهو اهون من الوقوع في المهالك التي يبشر بها الاشرار...
التحذير من كتمان العلم وعدم نشره هو مبثوث في كتب الحكمة بما لا يدع مجالا للشك فيها،كما هو واضح من الحث على نشر بين العباد وعدم اقتصاره على صاحبه،والفضل هو في الدنيا عظيم وأثره واضح وفي الاخرة ثوابه يصل الى مرتبة عالية لا يمكن الوصول اليها من خلال الطرق الاخرى..
صاحب العلم لا يدعه شرف علمه ان يكون في خدمة الملوك والا فأن ذلك يكون مدعاة للشك والريبة في امرهم،والاحاديث المروية في هذا المجال كثيرة والتي تنهي عن مصاحبة الملوك بل وحتى زيارتهم وتصل الى حد اللعن!،ولذلك قيل اذا وجدت العلماء على ابواب الملوك فقل بئس العلماء وبئس الملوك،واذا وجدت الملوك على ابواب العلماء فقل نعم العلماء ونعم الملوك،لانهم بذلك يعرفون قدر العلم وقيمة حامليه مما يعني مراعاة حقوق الناس وكرامتهم...فليتعض الجميع من وعاظ السلاطين وخدمتهم مهما كانت حجم حيازتهم العلمية لانها بيعت في سوق النخاسة بسعر بخس!...
التعليقات (0)