كثيرة هي مشاهد مصارع الملوك والخلفاء، سير الموت و الدسائس و الإنقلابات و التمثيل و القتل البشع لازمت كثيرا من الملوك و الخلفاء و الرؤساء، نقرأ عن من صلب و عن من قطع رأسه و علق على أبواب المدن و أسوارها و على من مثل بجثته و نقلت بين الأمصار ليشاهده العامة من الناس.............
نقرأ و لم نشاهد و لم نعاين، و هاهي الفرصة لنرى الفرق بين أن تقرأ و بين أن تشهد الحدث، و ما أعظم العبر و ما أعظم التاريخ.
قتل الخليفة الوليد بن يزيد الأموي في قصره بعد أن ثار عليه الأمويون ممن نقم عليه بزعامة ابن عمه يزيد بن الوليد، و قتل مروان بن عبد الملك أو مروان الحمار كما يلقب من طرف جند بني العباس بعد مطاردة طويلة امتدت من دمشق إلى صعيد مصر حيث دوهم ليلا و من معه من قبل جند بني العباس فقتل هنالك. و يروي التاريخ أن المتوكل العباسي قتل من طرف ابنه المنتصر بمعونة جند الترك بعد أن دخلوا عليه و هو عليل، و قتل المعتز بعد أن سوٍم أسوء عذاب من جند الترك حين منع عنهم أرزاقهم لقلة المال حتى قيل أنه أول خليفة قتل عطشا........و كانت نهاية الخليفة العباسي المقتدر بالله أشنع فقد قتل و صلب على خشبة و جرد من ثيابه حتى غطيت بالقش... كما سملت عينا الخليفة القاهر من طرف جنده الثائر بعده و ترك حتى توفي، كان القتل شريعة المتخاصمين في خلافة دب فيها الضعف و تقلصت فيها هيبة الدولة في آخر حكم بني العباس.
جاء المماليك في مصر على إثر انقلاب نفذته شجرة الدر و قادة المماليك فقتل أخر السلاطين الايوبيين توران شاه، ولم تسلم شجرة الدر و لا زوجها معز الدين أيبك و لا ثالثهما في قتل السلطان فقتل الأخير ثم قتلت شجرة الدر معز فثار مماليك عليها فقتلوها أيضا، و لطبيعة المماليك الحربية و نزوحهم لقوة السلاح كان الإنقلاب و القتل نهاية اعتيادية لحكامهم ممن تعاقب على ملك مصر.........
من أخبارنهاية الملوك المأساوية، موت مولاي إدريس مؤسس الدولة الإدريسية بالمغرب الأقصى مسموما بعد دبر هاون الرشيد عملية اغتياله و أرسل من يقتله، و نهاية المعتمد بن عباد بعد أن نفاه يوسف بن تاشفين المرابطي من بلاد الأندلس العامرة إلى أغمات القاحلة حيث مات فيها فقيرا ذليلا، وقتل الموحدين لآخر ملوك المرابطين من بني لمتونة في مراكش حيث حاصرها جند ابن تومرت تسعة أشهر حتى أهلك الجوع أهلها فخرج اسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين مدافعا فانهزم و استحل الموحدون المدينة و قبضوا على اسحاق و قتلوه بأيديهم، و ما فعله جند أحمد السعدي بالمتوكل السعدي المعروف بالمسلوخ الذي لجأ للبرتغال كي يدعموه ضد عميه عبد الملك السعدي و أحمد المنصور الذهبي، فبعد هزيمته و مقتله في معركة وادي المخازن الشهيرة جلبت جثته وسلخت و شق بطنه و عمرت تبنا و طيف به أرجاء البلاد.......واغتال العبيد السلطان العلوي عبد الملك بن اسماعيل و المعلوم أن جيش العبيد البخاري جيش أسسه السلطان العلوي مولاي اسماعيل ليكون ولاءه الخاص له و يضاد به قوة القبائل و الزوايا في المغرب غير أن جيش العبيد و كحال الترك في دولةبني العباس و المماليك في سلطنة الأيوبيين استأثروا و أثروا في الحكم بعد وفاته. و في عصرنا الحديث قتل الضباط الثائرون الملك فيصل الثاني الهاشمي و بعضا من أهله بالرصاص رغم استسلامه، و أعدم عقبها الرئيس عبد الكريم قاسم في محكمة عسكرية كما أعدم الرئيس صدام حسين شنقا يوم عيد الأضحى، و زج بنورالدين الأتاسي رئيس سوريا إثر انقلاب عليه و ظل فيه قرابة 22 عاما حتى توفي متأثرا بمرضه....و كان الإنقلاب العسكري الذي ينفذه رفقة الحكم ديدن الأنظمة العسكرية أو الثورية التي حكمت بعض الدول العربية كالعراق و سوريا و اليمن و الجزائر.....
هذه نزهة بسيطة و قاتمة في مصارع بعض الملوك و الخلفاء و لعل السير حافلة بمثل هذه الخواتم، و سبب الحديث قصة القذافي التي كتبت اليوم في مجلد التاريخ، زعيم حكم لمدة 42 سنة ملأ الدنيا صيتا و جبروتا حتى شبه بالحاكم لأمر الله الفاطمي، يحاصر في آخر قلاعه ثم يقتل بشكل بشع، يقتل بعد أن أخرج أو وجد في حفرة و هو الذي وصف قاتليه بالجرذان، يقتل و ينكل و يقتل قبله و معه اثنان من ثلاثة من بنيه و رفقته......قد لا نتقبل المشهد لأنه في الأمس كان زعيما مهابا و اليوم طريدا مقتولا وقد لا نتقبله لأن النفس الضعيفة من الصعب أن تستحمل رؤية رجل مسن مجرد الثياب صريعا يتلقف به ويحمل خلف المراكب السيارة..... لعل من قتله لم يصدق بعينيه ما رأى فالزعيم أمامه فكان لهفة البعض كي يلتقط صورة معه دليلا على غرابة الموقف، و أتذكر هنا أني قد قرأت و مع اختلاف النهاية لإختلاف سيرة الرجلين أن السلطان سليمان العلوي و في إحدى حملاته التأديبية ضد قبائل ثارت عليه أو بالأحرى ثارت ضد نظامه المخزني حسب صاحب كتاب- التحول المعاق الدولة والمجتمع بالمغرب الحديث- وقع في الأسر فلم يصدق آسروه حين رأوه و أظهروا له آيات التقدير و الولاء حينها لنسبه الشريف.
التعليقات (0)