نهاية التاريخ وبداية فوكوياما
شريف هزاع شريف
أنتجت الحضارة الغربية المعاصرة ليس للفرد الغربي فحسب بل لقطاع عريض في العالم مجموعة من الإيجابيات في حركة التطور والصناعة والتقنية والتقدم العلمي في علوم الطبيعة والتجربة والتخطيط ، وإن كانت كثير من دوائر القوة والسيطرة في الغرب تحاول المحافظة على التخلف الذي تعيشه دول العالم الإسلامي في هذه المفاهيم وما شاكلها . وتطلب ثمناً باهضاً لتقديم اليسير لدول العالم الإسلامي . ومع هذا التقدم فقد أبقت الحضارة الغربية فراغا ً واسعاً في مفاهيم كثيرة ضرورية لحفظ الفضيلة والعدل حاول الفلاسفة الغربيون في عصر التنوير أن يشككوا في مصداقيتها ، وجاء الواقع الغربي اليوم نتيجة لهذه الفلسفة التي تعالج هذه الفراغات بتهمة وهميتها ، وعدم التأكد من ضرورة وجودها ، وكان أخص هذه المفاهيم قانون الثقافة والتفكير ، ونظام المجتمع التي عالجها الغرب بفلسفة ( الحرية ) تحت سلطة ( العلمانية ). فالعلمانية تستعمل في الغرب كسلطة وليست مفهوماً معالجاً ، وهكذا هي في الرسم الفلسفي لها ، لكن كثيراً من المجموعات الغربية ولاسيما الثقافية تريد أن تتحدث عن العلمانية كمفهوم راقٍ ، مؤهل لحل مشاكل العالم كله هذه المفاهيم وغيرها انتجت كم من المنظريين والمفكرين السياسيين في الغرب كهنتنغتون وتلميذه الشهير فرنسيس فوكوياما الذائع الصيت
ف . فوكوياما - صاحب كتاب "نهاية التاريخ والانسان الأخير" "The End of History and the Last Man" الأعلى مبيعا عام 1992 - لا ينتمي لزمرة رجال السياسة بل هو باحث ومفكر أكاديمي بارع تشغله الآن قضية جديدة هى: مشكلة الإرهاب الإسلامي في المجتمع الغربي، ولقد تحدث عن هذه القضية قرابة الساعة دون أن ينحاز الى أية أراء أو أن يقدم اقتراحا يصلح لأن يكون عنوانا جيدا لكتاب جديد ، وان كانت لا تخلو محاضرته من بعض العبارات الجريئة التي تسبر غور مشكلة الإرهاب المتأسلم او الذي يدعي الإسلام من وجهة نظره، فهو يقول أن هذه المشكلة ليست قائمة في الشرق الأوسط ولكنها قابعة" هنا في أوروبا، في قلب العالم الغربي الموسوم بالحرية والديمقراطية، وهو نفس المجتمع الغربي الذي جعل هؤلاء الشباب يناصبونه العداء واستدل فوكوياما على ذلك بهجمات لندن الصيف الماضي وأحداث هولندا السنة الماضية والتي قام فيها شاب مسلم - هولندي المولد- بقتل أحد المخرجين الهولنديين بصورة وحشية.
ويتسائل فوكوياما قائلا" اذا اعتبرنا أن المجتمع الغربي أسس على قيم سامية مثل التسامح والانفتاح والديمقراطية، فكيف يتجاوب مع أناس يعيشون داخله ولكنهم يفتقدون هذه القيم؟ وهذه المشكلة في حد ذاتها تقلق فوكوياما الى حد كبير حيث حاول فوكوياما جاهدا أن يثبت في كتابه الشهير "نهاية التاريخ"، أن العالم بأسره قد أتفق بالاجماع على قيم أساسية فيما يختص بالحرية والديمقراطية فهو عصر انتصار الغرب وتربع الليبرالية والسوق على عرش العالم، ونهاية الصراع التاريخي الطويل لصالح القيم الغربية وخلاصة فكرته أنه بعد انهيار الأيدلوجية المنافسة للغرب وانهيار الاتحاد السوفيتي - الذي بدا أنه لا يقهر - وكذلك زوال الحكومات الفاشية في البرتغال وأسبانيا واليونان وجميع دول أمريكا اللاتينية، لم يعد أمام العالم سوى أن يأخذ بأيدلوجية الغرب التي غدت قائمة وحدها في الميدان، أو على الأقل هذا هو ظاهر الأمر، بيد أن الآن هناك شيئا يتحرك في أحشاء الديمقراطية الليبرالية يهدد بزعزعة كل شئ ، فهو لا يروع ركاب قطارات مترو الانفاق في لندن فحسب، ولكنه يشكل خطرا محدقا على أطروحة فوكوياما التي ربما تكون مسرفة في التفاؤل.
قال البعض عن فرانسيس فوكوياما أنه يمثل غصة في حلق زملائه من المحافظين الجدد الذين دفعوا بالولايات المتحدة الأمريكية الى حرب خاسرة فقدت كل مقومات التأييد القومي.
إن قراء الفلسفة الغربية يدركون أن ثمت مشكلة كامنة في العقلية الغربية وهي سيطرة عقلية الصراع ، وفرضها على الفرد الغربي للمشاركة والتفاعل معها ، لكن من المهم أن يدرك الغرب أن الصراع يقود إلى النهاية والحتمية وهذا بكل تأكيد لا يستطيع الغرب التعامل معه واستيعابه ، أما ما يخص "نهاية التاريخ" فالكثيرون من العلماء والسياسيين بعيدون تماما عن تصور الديمقراطية الليبرالية بشكلها المثالي كأفضل نموذج لحل المشكلات التي تواجه البشرية. وفي أبعد الأحوال، كما يخيل إلينا، يبدو بناء نمط "الديمقراطية الليبرالية-قمة الفكر والنشاط البشرى" بعيدا عنهم. هكذا يرى الفيلسوف الياباني تاليش أوميهار، على سبيل المثال، أن "الهزيمة الكلية للماركسية والسقوط التراجيدي للاتحاد السوفيتي يعتبران بشير كارثة على الليبرالية الغربية-التيار الرئيسي في الوقت الحاضر.. الليبرالية ستكون قطعة الدومينو العظيمة التي ستتحطم في المرة القادمة". أما باحث جامعة بنسلفانيا يان بيبيللا فيفترض أن "الرأسمالية الديمقراطية ليست ذروة العملية الطبيعية للاختيار، وليست النهاية المنطقية للتاريخ كما يؤكد فرنسيس فوكوياما. ولكن في وقتنا الحالي يعتبر نظام السوق هو الأكثر إثمارا". كثير من السياسيين والعلماء الغربيين يفهمون اليوم جيدا صعوبة تحقيق أفكار الديمقراطية الليبرالية في دول ما بعد الشيوعية ودول العالم الثالث. وفي الوقت الذي يقفون فيه إلى جانب تطور الديمقراطية، يشددون على أهلية وتلاؤم توجيه الدولة والسير أقل بطئا لمجموعة المراحل الكلية لإعادة بناء ما بعد الشيوعية. بهذه المواقف يتمسك الاقتصادي الياباني سابورا أوكيتا الذي يرى أنه في تلك الدول حيث ميكانيزمات السوق الحرة لا تستند إلى التقاليد والخبرة والثقافة الاجتماعية المناسبة، يجب ببساطة تدخل الدولة. ويشدد على أنه لا مفر من وجود مجتمعات بها مزج معين لميكانيزم السوق إلى جانب تخطيط الدولة، وذلك لأسباب تاريخية. ومع ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار أن ميكانيزم السوق لا يعمل دوما، وفي كل المجالات، من دون عيوب ...
الحضارة civilization : يقصد بالحضارة أو التمدن(الترجمة الحرفية للمصطلح اللاتيني) الانتاج الفكري والمادي والسلوك العام لمجموعة معينة من الناس في حقبة زمنية معينة. يشمل الانتاج الفكري كافة النشاطات العلمية والادبية والفلسفية بينما يشمل المادي انشاء البنى التحتية والفوقية والثراء المادي للفرد والمجتمع, أما السلوك العام فيمثل العادات والتقاليد والقيم الفكرية والاخلاقية والمفاهيم الاجتماعية للمجتمع والسلطة الحاكمة لهذا المجتمع .
ولد فرنسيس فوكوياما سنة 1952 بمدينة شيكاغو بولاية إلينوي. وحصل علي شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة هارفارد و عمل سابقا بمؤسسة Rand راند البحثية، كذلك عمل كمخطط بوزارة الخارجية لمدة ثلاث سنوات. و هو يدرس العلاقات الدولية بجامعة جون هوبكنز بواشنطن، من أهم كتبه التي أثارت اهتماما عالميا غير مسبوق "نهاية التاريخ" الذي صدر عام 1992. وعندما كتب فوكوياما كتابه لم يبد الناس اهتماما كبيرا بالشطر الثاني من عنوان الكتاب وأطروحته ألا وهو "الانسان الأخير"، وفي هذا الشق من موضوع الكتاب يتسائل فوكوياما عن حال الانسان وصراعه من أجل المجد في ظل عالم تسوده البهجة والسلام والديمقراطية، ورغم تفاؤل فوكوياما الشديد وايمانه بهيمنة الديمقراطية الا أنه ابدى قلقا بشأن وجود بعض فئات المجتمع مثل الذي ذكرها نيوت جنجرش Newt Gingerich ، التي تميل طبيعتها البشرية الى العدوان، مثل هؤلاء الأشخاص لا يطيقون العيش في المدينة الفاضلة بما فيها من نعيم، ولذة هي بالنسبة لهم منتهى الرتابة.
التعليقات (0)