مواضيع اليوم

نهاية التاريخ على الطريقة اليابانية!

ممدوح الشيخ

2010-01-14 15:44:39

0


 

عندما أطلق فوكوياما تصوره لـ "نهاية التاريخ" كان محور فكرته أنه يبشر بقرب ظهور ما أسماه "الإنسان الأخير"، أي تنميط العالم كله ليظهر إنسان عالمي واحد هو ابن عالم الديموقراطية الليبرالية والرأسمالية، لكن الإنسان الأخير كمرادف لنهاية التاريخ يبدو أنه بدأ في الظهور بالفعل، لا بوصفه ثمرة عالم الديموقراطية والرأسمالية، بل بوصف الإنسان الأخير بيولوجيا، أي الإنسان الذي يسقط من حساباته نهائيا مهمة "استمرار النوع"، ويقرر الإحجام طواعية عن الإنجاب. وهذا الإحجام الممنهج عن الإنجاب لعله في التاريخ الذي يتبلور فيه فصل تام بين الزواج والإنجاب، وبالتالي فقد نكون قاب قوسين أو أدنى من ظهور "الإنسان البيولوجي الأخير"!
والبداية كانت استطلاع رأي نشرت نتائجه الحكومة اليابانية كشف عن أن 8ر42 % من اليابانيين يعتقدون أن لا حاجة للإنجاب بعد الزواج وأن أكثر من 60 % من النساء اليابانيات اللواتي في العشرينيات والثلاثينيات من عمرهن يدعمن هذا الرأي. والاستطلاع أجري بمشاركة خمسة آلاف رجل وامرأة في العشرين وما فوقها. وثمة إشارة إلى زيادة مؤيدي هذا التوجه بنسبة 6 % مقارنة باستطلاع للرأي تم إعداده حول هذا الموضوع عام 2007.
وقد أظهر الاستطلاع الجديد أيضا أن 2ر68 % من النساء في العشرينيات و4ر61 % في الثلاثينيات يعتقدن أن إنجاب الأطفال ليس أساسياً بالنسبة للزواج وأن 5ر46 % من النساء و7ر38 % من الرجال لا يعتبرون أن الإنجاب من الأمور الأساسية بعد الزواج. وعند الإجابة على سؤال: ما إذا كان الإنجاب ليس ضرورياً دائماً بعد الزواج كانت نسبة المؤيدين 6ر56 % من الرجال في سن العشرينيات و3ر56 % من النساء في الثلاثينيات.
والإجابات تعني الكثير بالنسبة لدلالاتها الثقافية والاجتماعية، وأول دلالاته أن إنسان العصر الحديث أكثر جرأة من سابقيه على إطلاق الأحكام القطعية التي تقيم علاقة وصل أو فصل بين المفاهيم، فنسبة من رأوا الفصل بين الزواج والإنجاب كبيرة بشكل يلفت النظر. ومن الناحية الاجتماعية، فإن المجتمع الياباني كان حتى وقت قريب مضرب المثل عالميا في الجمع بين الأصالة والحداثة، ودائما كان يشار إلى المرأة اليابانية كنموذج للمرأة الشرقية التي لم تغيرها التحولات الاقتصادية الاجتماعية الضخمة التي شهدها اليابان بعد الحرب العالمية الثانية. وبالتالي فإن ظهور إنسان "جسماني" يركز في المقام الأول – وربما في المقام الأول والأخير – على حياته هو مفصولة، عن سياق ما بعدها، وأفق ما بعدها، منعطف في المفاهيم ستتبعه نتائج خطيرة ستؤثر دون شك على مستقبل اليابان.
فالتوازن السكاني – الذي هو حصيلة السلوك الإنجابي للأفراد – يحدد مدى قدرة المجتمع على توفير الأيدي العاملة للصناعة. وإذا كان عجز أوروبا عن توفير هذا الرصيد الكافي من الأيدي العاملة لماكينة الصناعة قد أدى لفتح أبوابها للمهاجرين، فإن هؤلاء المهاجرين قد تحولوا من أرقام إلى وجود ثقافي واجتماعي وشارات هوية تؤرق القارة الكبيرة: الحجاب – النقاب – المآذن - .. .. وعليه فإن اليابان، وهي واحدة من أكثر مجتمعات العالم تحفظا إزاء الغرباء يمكن أن تجد نفسها، بسبب الحاجة للأيدي العاملة، تحتضن هويات وثقافات تفتح الباب لفصل مزعج من التاريخ الياباني. والتوازن السكاني، فضلا عن ذلك، يحافظ على التوازن القائم بين الشباب وكبار السن، وهو توازن له تأثيرا اقتصادية مهمة.
ومن نتائج الاستفتاء أيضا وجود إجماع على عدم جعل الزواج عائقا أمام تقدم المرأة في عملها واعترض 1ر55 % من المشاركين على الرأي القائل بأن على الرجل العمل والزوجة البقاء في المنزل للعناية بالأسرة، بينما طالبت نسبة 3ر63 % من النساء الحكومة بدعم المتزوجات اللواتي لديهن أطفال.
الطريف أن الخوف من ظهور "الإنسان البيولوجي" كان موضوع قلق أعمق في موسكو دفع الكرملين لاعتباره قبل عامين المشروع الوطني الأهم. وإذا كانت طوكيو ترصد وتهتم، فإن موسكو قد انتقلت إلى مرحلة أخرى هي مرحلة التخطيط الديموغرافي، وأصبح هناك سياسة ديموغرافية روسية للفترة حتى عام 2025. والتخطيط أقره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأمل كسر النزوع المقلق نحو انخفاض عدد سكان البلاد التي بدأت تظهر بوضوح في العقود الأخيرة.
وبلغة الأرقام كان سكان روسيا في 2007 9ر141 مليون نسمة وكانت أكثر توقعات الأمم المتحدة تفاؤلا تؤكد أن عدد سكان البلاد سيتراجع إلى 113 مليونا في منتصف القرن الحالي، أما أكثرها تشاؤما فتشير إلى 96 مليونا فقط.
وحسن التخطيط كان الهدف الأول تحقيق استقرار عدد السكان بحلول 2015 عند مؤشر 140 مليون نسمة، ثم زيادة عدد السكان إلى 145 مليون نسمة، ورفع متوسط عمر الإنسان في من 66 إلى 70 عاما. ومن النتائج الاقتصادية التي انتبه لها الروس مبكرا أن الوتيرة العالية لتناقص عدد السكان في روسيا قد تنعكس سلبا على الاقتصاد الروسي الذي قد يعاني نقصا حادا في الكوادر المؤهلة في السنوات القادمة.
القضية تكتسب أهمية متصاعدة وبخاصة مع غياب التوازن بين حريات الأفراد وضرورات الاجتماع استمرار النوع البشري، وبخاصة أن أمما يزداد سكانها بمعدل كبير، وهي أمم أقل تقدما وتعليما، وأخرى يقل عدد سكانها، هي الأكثر تقدما. وبالتالي فإن الغرب يوشك أن يدخل نفق الإنسان البيولوجي وهو قد يكون أقرب إلى التحقق من إنسان فوكوياما الأخير.
وتلك نهاية التاريخ ... لكن على الطريقة اليابانية!




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !