مصطفى الغرافي
لعل عصرنا أن يكون عصر النهايات؛ نهاية الفلسفة، نهاية الثقافة، نهاية التاريخ، وأخيرا نهاية التفوق الأمريكي التي دخلت التاريخ تحت توقيع "انهيار مبنى منظمة التجارة العالمية" ويتوقع المراقبون أن أمريكا ستؤرخ لأحداثها بهذا التاريخ لمدة طويلة. فبانهيار هذين البرجين التوأمين تنهار أسطورة التفوق الأمريكي الذي عملت وسائل الإعلام على تسويقه وترويجه لصناعة الرأي العام وصياغة موقفه.
وتشاء الصدف أن تكون أمريكا ضحية لسلاح الإعلام الذي يعتبر صناعة أمريكية بامتياز.، فقد غزت صور البرجين المنهارين كل الفضائيات مما جعل الهيبة الأمريكية في خبر كان أو إحدى أخواتها.
صحيح أن البعض كان يفرك عينيه وهو يتابع الأحداث "الهوليودية" بينما كان البعض يأبى أن يصدق عينيه لهول ما حدث. لكن الحقيقة كانت كالشمس في رائعة النهار (كما يعبر كبار الكتاب). وليفقأ أوديب عينيه. لكن أوديب لم يقفأ عينيه بل اكتفى بإرسال أصدق التعازي والمواساة لأمريكا حكومة وشعبا في هذا المصاب الجلل، كما سارع هذا البعض إلى تأكيد براءته من المساهمة فيما حدث من قريب أو بعيد مخافة أت تطوله تهمة الإرهاب التي أصبحت عند أمريكا مثل طابع البريد تلصقه على جبين من تشاء متى تشاء كعادتها في "اختراع" المجرم إن لم يوجد ثم إدانته أولا ليتم فيما بعد الجلوس على طاولة بحجم البيت الأبيض (لماذا لا يفكر الأمريكيون في طليه بالسواد) من أجل "طبخ" الأدلة الدامغة التي تحقق العدالة المطلقة.
أنا أفهم أن تطبل شعوب العالم الثالث وتزمر لكل من قادته الظروف إلى سدة الحكم لأن قرونا من القهر والجهل والفقر والمرض أسهمت في تدجين هذه " الحيوانات السياسية"(التعبير لأرسطو) وبالتالي أصبح الحاكم (بأمره) في هذه البلدان بمثابة الأب المستبدالعادل وأصبح الشعب مثل خروف ضال لا حياة له إلا ضمن قطيع يشرف عليه أب صارم. وهوما يجعل الأب يتحول إلى "طوطم سياسي" ، تلك هي الإوالية التي يلجأ إليها الإنسان المقهور من أجل حماية نفسه من غضب " مزاجي" غير مبرر (التماهي بالمتسلط) وهي نفس الإوالية التي دفعت الإنسان البدائي إلى خلق آلهة لا وجود لها إلا في رأسه من أجل حماية وجوده من جور الطبيعة وقهرها.
لقد كنت إلى وقت قريب أعتبر ذلك خاصا بالشعوب المتخلفة ( إنه لنوع من الشجاعة أن نسمي الأشياء بأسمائها) فإذا بي أكتشف أن الأحداث التي شهدتها أمريكا في "قيامتها الصغرى" يوم الثلاثاء الأسود قد أصابت الأمريكيين بغير قليل من الخوف والرعب فردتها إلى طبيعتها البشرية في تقديس متسلطيها من أجل "جرعة أمن". وما ذلك التصفيق الحاد والوقوف المتكرر من قبل نواب البرلمان الأمريكي إلا من هذا الباب. فمرحبا بأمريكا بين دول العالم الثالث.
الصحيفة المغربية ع 39 نونبر 2001
التعليقات (0)