مواضيع اليوم

نندد و نستنكر و نشجب... و نبرر!!!.

محمد مغوتي

2011-01-05 11:59:32

0

    أصبحت عبارات التنديد و الإستنكار الجاهزة تتردد بعد كل عملية إرهابية. و في كل مرة تتسع قائمة المنددين. غير أن كل الأنظار تتجه في مثل الحالة التي شهدتها تفجيرات الإسكندرية ليلة رأس السنة إلى موقف المؤسسة الدينية، بعدما أصبحت الفتوحات الإرهابية في السنوات الأخيرة عنوانا لبطولة المسلمين الجدد...
    الإرهاب و الإسلام وجهان لعملة واحدة. أو هكذا يراد لهما أن يكونا. و يبدو أن من أراد ذلك قد نجح إلى حد بعيد في تكريس هذه القاعدة التي أنتجتها مدرسة " القاعدة ". و هكذا باتت الصورة المعبرة عن الإسلام في و جدان غير المسلمين ترتبط بالإرهاب إلى حد المطابقة والتماهي. و إذا كنا ندرك جميعا أن الإسلام ليس دين إرهاب أو قتل، فإننا مع ذلك لا نمتلك الأدوات المنهجية لنثبت هذه الحقيقة. و من تم فإن أصوات التنديد المرتفعة بقوة لا تكفي أبدا لإبلاغ الصوت الحضاري للإسلام المتسامح. و ذلك لأن محاربة الإرهاب لا تتأتى عن طريق الشعارات الرنانة أو خطابات الوعظ و الإرشاد التي تتحدث عن التعارف و التآلف و التراحم بين الشعوب، و تدعو إلى احترام الديانات الأخرى. و التي تلقى على مسامع المسلمين في المساجد و على شاشات التلفزيون بإيعاز من سلاطين القرار السياسي.

    إن ظاهرة الإرهاب لم تعد تعبيرا عن تيار محدود التأثير في العالم الإسلامي، بل أصبح يشكل خطرا حقيقيا لأنه يتنامى يوما بعد آخر، ويسجل في كل مرة مساحات من النجاح و الإعجاب عندما يجد التبرير لدى المسلمين أنفسهم. و هنا تكمن المفارقة العجيبة. فالكل يندد بالإرهاب، غير أن الكثيرين يقدمون المسوغات التي تشرعن القتل و التفجير عندما يتهمون السياسات الغربية و يعتبرونها سببا في استفحال ثقافة الإرهاب. و ليس خفيا أن هذه القراءة التبريرية تمثل الوقود الذي يتغذى عليه فكر القاعدة وكل من سار في دربها... وهكذا نجح قانون الإٍهاب في فرض نفسه حاميا للملة و مدافعا عن المسلمين المستضعفين في كل مكان. و في حالات كثيرة كانت علامات الرضى و الفرح بادية على الوجوه لأن الإرهاب نجح في ضرب " أعداء الله". و لنا في أحداث شتنبر 2001 خير شاهد على ذلك. فقد اعتبر كثير من المسلمين حينها أن الوقت قد حان لأفول نجم الطاغوت الأكبر ( الولايات المتحدة الأمريكية)، وبزوغ فجر جديد للإسلام. و كان حقا فجرا جديدا بلون الدم و لغة الترهيب و تفكير التكفير الذي عاد ليطل بوجهه على رؤوس الأشهاد...

    نحن إذن بصدد ثقافة هشة و مهيأة لكل أنواع الإستلاب. لكن أخطر أشكال الإستلاب التي تهددنا اليوم تتمثل في النموذج الإسلامي المتشدد الذي يتم التسويق له بكل الوسائل. لذلك فمقاومة هذا التيار الجارف لا يمكن أن تؤتي ثمارها إلا عبر إعادة النظر في هذه الثقافة المتجذرة عميقا في و جدان المسلمين. و من تم فإن الحاجة ماسة إلى تغيير حقيقي في العقليات و زرع بذور الإختلاف و التعددية عبر التربية الفعلية و ليس من خلال الخطابات التوعوية الإنشائية. لذلك فإن التجديد الديني أصبح ضرورة لا غنى عنها عبر تصحيح كثير من المفاهيم الموروثة من التفسير الوسيطي للنص الديني. و في هذا المقام تفرض كثير من المفاهيم نفسها كمادة للبحث و الفهم بما يتناسب مع متغيرات العصر و لا يختلف مع روح العقيدة الدينية للمسلمين. فالدين و الجهاد و التكفير و الحد الشرعي كلها مفاهيم تستدعي قراءات جديدة. و تلك مهمة الفقهاء الذين عليهم أن يضطلعوا بمهامهم الحقيقية في التربية الدينية للإنسان المسلم بعيدا عن الشأن السياسي الذي ينبغي أن يتأسس على مزيد من تعزيز حضور الدولة المدنية كنظام للحكم بمعايير الديموقراطية و حقوق الإنسان. و تلك هي المبادئ التي يجب أن تتحول إلى سلوك اجتماعي عبر تفعيل دور جديد للمدرسة من خلال تبني مناهج تنسجم مع اختيارات الدولة المدنية الحديثة.

    إن بيانات الإستنكار التي تتصاعد من كل الجهات عقب كل عملية إرهابية تودي بأرواح الأبرياء، لن تغير في واقع الأمر شيئا. فقد حان الوقت لنخرج رؤوسنا من الرمال و نواجه العاصفة بكل شجاعة عبر الإعتراف بالخلل الذي يعترينا و العمل على تصحيحه قبل اتهام الآخرين..
               محمد مغوتي.04/01/2011.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !