مواضيع اليوم

نمو الفكر الارهابي .. خطأ في التشخيص أم فشل في المكافحة ؟

رباح القويعي

2009-12-17 13:35:05

0

لم يعد الحديث الآن عن ظاهرة الارهاب وما تؤدي من انعكاسات سلبية على المجتمعات هو المتداول .. بل عن تطور الارهاب فكرا واسلوبا ومنهجا ،

وعن اتساع دائرته لتشمل كل النواحي الحياتية من تمرد على المؤسسة والدولة والمجتمع وايضا بمفهوم شامل " تمردا فكريا وثقافيا واقتصاديا وعسكريا " حتى لا يكاد يمر يوم دون السماع عن حادثة هنا ومصيبة هناك لا مبرر لها ولا دافع سوى الانتقام ، ليس ممن قضوا في تلك الحوادث وانما من المجتمع بشكل عام ، فالارهاب هو غريزة موجودة في صدر كل مقهور ومظلوم يستغلها البعض ليوجهها في غير مسارها الطبيعي ويشكل من خلالها نواة لعمل ارهابي ليس له علاقة نهائيا بالفكرة الاساسية المعلن عنها ، فعلى سبيل المثال قد يكون قتال الجيش الامريكي في العراق كساحة حرب مشروع من قبل البعض وباب من ابواب المقاومة ، الا ان الامر يختلف اذا قام هذا البعض بنسف او تفجير المؤسسات المدنية الامريكية وخطف وقتل الابرياء مهما كانت دياناتهم او جنسياتهم ، واذ كانت الظروف غير مواتية وغير متكافئة الان لمثل تلك المواجهة فلنرجع للاية الكريمة " واعدوا" فجميع الطرق التي نستطيع من خلالها استعادة الحقوق ورفع الظلم قد بينها القرآن الكريم ووضحها خير البشر وفسرها علماء الامة ولا مجال لدخول فكر او طريق او منهاج عبر مداخل الاديان والعقائد ، ولكن التطرف هو المقصود هنا بالارهاب وهذه بطبيعة الحال مسؤولية مشتركة نستطيع القول فيها ان اجهزة الامن العربية خصوصا قد فشلت نوعا ما في محاربة الارهاب والتطرف الديني لانها اعتمدت تماما على المكافحة الامنية والعسكرية والمحاربة الالية دون التفكير بالتحاور الفكري وتصحيح المفاهيم وتصويب الرأي والعمل عبر الحوار والاقناع والاستماع للاخر ، وهذا سبب رئيسي ادى الى نمو الفكر الارهابي وابتكاره لاساليب عديدة عجزت القوى الامنية في دول متقدمة عن اكتشاف خلاياه ومعرفة نواياه .

ولا شك ايضا ان دراسة موضوع الارهاب والتطرف والخروج من الازمات الامنية تكتسب أهمية خاصة في ظل المرحلة الحالية خاصة مع تطور النظام السياسي الدولي والاقليمي والعربي ومع تحديات عديدة ومتغيرات شاملة واوضاع مأساوية تتعرض لها بعض الدول هنا وهناك كالعراق وفلسطين والصومال وافغانستان وباكستان وكشمير والان اليمن وغيرها العديد من الدول والمناطق ، وقد نتج عنها ردود افعال مختلفة صنفها البعض في خانة الارهاب بينما يراها آخرون مقاومة مشروعة ، ومابين هذا وذاك تكمن المشكلة الامنية ، فالمعروف ان اخطر انواع الازمات على الاطلاق هي ازمة الفكر حيث يقف الامن عاجزا امامها وعليه تدارك هذا العجز والجمود بالمزيد من الدراسات المتخصصة التي ربما تساعد على ايجاد حل شامل لهذا النوع من الاخطار ، واقول هنا ان الامر يتطلب اعادة صياغة عدد من الأفكار والرؤى للتوصل الى تصور مشترك لتفعيل دور اجهزة الامن فكريا في مواجهة المشاكل الامنية المتعلقة بالارهاب الفكري والناتج عنه تصرفات تخل بالامن بشكل عام ، ثم ان تحديات العصر الراهنة والتي تواجه المجتمعات الانسانية تمتاز بشراستها ووحشية عنفوانها بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ القديم والحديث معا ، فالفكر الارهابي وباء لا يقل خطورة عن اي من الاوبئة المنتشرة والمعدية وهو لا يعرف ديانة ولا مذهب ، وكما الامراض التي تنتشر بسرعة في الاماكن العادمة والفقيرة والمفتقدة لابسط اساسيات الصحة والنظافة والتنظيم فان الفكر الارهابي ينتشر عادة بين الاوساط المحرومة والمقهورة والمعدومة اقتصاديا واجتماعيا ومشوشة فكريا وسياسيا وغيرها ، والمعروف كذلك ان جميع الجماعات الارهابية او التي تتصدر حاليا قائمة الارهاب نشأت وولدت من رحم الحرمان والقهر والشعور بالظلم وعدم الرضا ولم ولن تجدي المحاربة الامنية والعسكرية فقط لهذه الظاهرة اي نفع اذا لم تصاحبها حوارات فكرية وتوعية سياسية وثقافية وتصحيح للمفاهيم ، مع اعادة النظر في النشأة والمطالب والاخذ بعين الاعتبار الحالة الاقتصادية والاجتماعية والظلم الذي يمارس يوميا بحق البعض سواء في فلسطين او غيرها

وبمعنى اخر فان هناك " مؤامرة دولية" يتولد عنها ارهاب وارهاب مضاد لا تستطيع حتى الدول الكبرى ايقافه او محاربته ، وهذا ما حصل بالعراق اذ ان حسابات العسكر لم تكن كحسابات الساسة ، كما ان حسابات واستحقاقات الشارع جاءت مغايرة لحسابات الاثنين معا ، فبدأ الصراع عسكريا ثم سياسيا ثم امتد ليصبح طائفيا واتسع بعدها ليكون كما هو الان صراعا وارهابا بين ابناء المذهب الواحد والشارع الواحد ، وهكذا افلتت زمام الأمور من يد اقوى قوة عسكرية وسياسية " امريكا" وباتت لا تعرف هي كيف تصرف عنها خطر الارهاب والتي ساعدت وساهمت هي بولادته ، ثم رفعت هي راية محاربته ، وما هذا الا لانها اعتمدت مبدأ القوة فقط ، وهو طريق مسدود كما اثبتت الاحداث والوقائع ، فمن السهل ان تقتل مائة رجل في يوم واحد ،ولكن من المستحيل ان تغير بالقوة فكر رجل واحد في مائة يوم .

ولابد ان نعلم انه عندما يرى المواطن العربي عموما والمسلم على وجه الخصوص مشاهد القتل والتدمير والمجازر والفظائع الاسرائيلية في غزة وغيرها ، ومصائب وويلات القوات الامريكية في العراق وما جلبته للمنطقة ثم لا يسمى هذا ارهابا ، فانه بشكل تلقائي يتعاطف مع اي حادثة انتقام حتى لو كانت خاطئة ، عدا عن التشويش المنهجي والفكري الذي يصيبه ويتركه يتخبط في التحليل والتفسير والقلق المزمن مع الخوف من اي شيء فيجد نفسه ينساق شيئا فشيئا نحو فكر متطرف خاطئ قائم اساسا على مبدأ الانتقام ولا يهم ممن ومتى وكيف .

على الجميع كما ذكرنا مراجعة اجندات مكافحة الارهاب واضافة باب المحاورة كأهم باب من أبواب انحساره ، فالانسان بطبيعته الفطرية اجتماعي هادئ لا يميل الى العنف ولكن الظروف هي التي جعلت منه ما نرى فاذا تغيرت هذه الظروف فسيكون هناك حديثا اخر لان الشعور بالامن او بعدم الامن انما يجسد محصلة التفاعل بين تحديات الازمة والمواقف الطارئة ، ولا بد من فهم الواقع اولا وتحديد المعطيات التي ساهمت في نشر التطرف بين شبابنا كما ذكرنا سابقا ، ولا بد ايضا من وضع تصور واضح للحلول السلمية والتي تضمن وتكفل للجميع العيش بسلام وبدون ارهاب .

د. رشيد بن محمد الطوخي

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !