نماذج بشـــــــرية .. قبل أى شىء أعتقد أننى لم أنس ، ولمدة لا يعلمها إلا الله ، ما شاهدته وعلمته من مشاهد ـ وهما مشهدين ـ إنسانية رفيعة لم أرها من قبل ، أو قل إننا لم نعتادها فى منطقتنا وفى عالمنا العربى ، حيث قلما ينزل الحكام من مراتب الآلهة ـ وليعاذ بالله ـ والتى إتخذوها لأنفسهم ، ثم إعتادوها و إستمرأوها من بعد ، إلى مراتب البشر .
أما المشهد الأول فكان لرئيس الوزراء الروسى ـ والرئيس السابق لروسيا الإتحادية ـ فلاديمير بوتين حيث ظهر فى لقطة تليفزيونية، وفى حفل رسمى ، على ما يبدو ، يحضره عدد من الدبلوماسيين والموفدين الأجانب إلى روسيا ، وهو يعزف على البيانو ويغنى فى ذات الوقت ، من فوق خشبة مسرح بقاعة كبيرة فاخرة ، ثم قام بعد ئذ وترك البيانو وغنى واقفا أمام الحضور كأى مطرب آخر محترف ، وقد لقى ذلك إستحسان وإبتهاج وسرور وإندهاش كل الحاضرين .
وبغض النظر عن جودة صوت الرئيس الروسى أم لا ، إلا أن ما قام به كقائد روسى بارز يعكس حب الروس للحياة والعيش فى سلام ولفت أنظار كل دول وشعوب العالم إلى تلك الرغبات أو الأهداف الروسية فى الحياة ، والتى يتفق عليها كل من القادة والشعب ، ومن ثم فلا يختلف عليها أحد تقريبا .
أما المشهد الثانى ـ وقد عرفته فقط من أحد مدونات إيلاف ـ فكان لأمير دولة قطر حمد بن خليفة آل ثان ، حيث أنه عندما سمع بوفاة أحد المدرسين المصريين ، و الذى كان يعمل بقطر ، وكان يدرس للأمير ، فإنه قرر السفر بنفسه إلى القاهرة لتقديم واجب العذاء بنفسه لأهل الفقيد .
علما بأن الأمير قد تلقى تعليمه العالى فى أرقى جامعات أوربا ، إلا إنه لم ينس فضل ذلك المصرى البسيط الكادح عليه طوال سنوات عمره وحتى بعد أن صار أميرا لقطر ، وأتى بنفسه إلى القاهرة فى زيارة غير رسمية لمصر ، و قد استقبل فى مطار القاهرة من قبل أحد الوزراء ، وفور وصوله مطار القاهرة توجه مباشرة إلى حى المهندسين بالقاهرة حيث يسكن أهل ذلك المدرس المتوفى فى إحدى العمارات بذلك الحى ، وصعد الأمير إلى شقة أهل المدرس المتوفى وقدم لهم واجب العزاء ، ومكث معهم حوالى 45 دقيقة ، و غادر بعدها القاهرة متوجها مباشرة إلى الدوحة .
و أجمل ما فى هذين المشهدين من صور إنسانية عظيمة هى نزول القادة والملولك والأمراء إلى مرتبة البشر رغبة ـ غريزية ربما ، ولكنها صحية وسوية ـ منهم فى أن يكونوا بشرا ، وفى مصاف البشر ، وليس أى شىء آخر يعلو على ذلك ، فازدادوا رفعة وعظمة وتقديرا فى نفوس كل البشر ، أو على الأقل جلهم .
وذلك على العكس تماما من هؤلاء المرضى المساكين الذين آللهوا أنفسم ـ وليعاذ بالله ـ ووضعو أنفسهم فى مرتبة أعلى من مرتبة البشر والبنى آدمين ، وإزدروا من هم دونهم ، فاذدراهم واحتقرهم الناس أجمعين .
مجدى الحداد
التعليقات (0)