مواضيع اليوم

نكشف بعثات التنقيب عن الآثار في أرض الأمان النووي

عماد فواز

2009-08-20 21:11:33

0

أرض «الأمان النووي» شرق وغرب الأرض المخصصة لمحطة «الضبعة النووية» في الساحل الشمالي، أثير حولها منذ عام 2002 الكثير من اللغط، وقاتل رجال أعمال مقربون من السلطة، بشراسة من أجل السيطرة علي هذه الأرض، وتحويلها إلي منتجعات سياحية استكمالاً لمجموعة «برتومارينا»، وعلي الجانب الآخر كان علماء الطاقة النووية يقاتلون أيضاً من أجل بقاء مشروع الطاقة النووية في مكانه الذي أثبتت الدراسات أنه المكان الأمثل لإقامة المشروع.
وأمام الحرب الشرسة من الجانبين ازدادت علامات الاستفهام، لماذا يقاتل رجال الأعما بكل هذه الشراسة من أجل هذه الأرض بالتحديد، ولماذا لا يستكمل رجال الأعمال مشروعاتهم غرب المحطة في اتجاه مطروح، خاصة أن المساحة الصحراوية مترامية الأطراف لمئات الكيلو مترات؟
وأسئلة كثيرة أخري جاءت علي لسان كل من تابع أحداث القضية، لكن الغريب أن الإجابات الشافية لكل هذه الأسئلة لم تكن لدي المسئولين أو رجال الأعمال، وإنما لدي المواطنين البدو في مدينة الضبعة الذين التقيت بهم في رحلتي من القاهرة إلي هناك، ورووا حكايات كثيرة حول هذه الأرض وعن صراع رجال الأعمال لنهب ما تحتويه في باطنها من كنوز والاستفادة من موقعها لإنشاء المنتجعات.


أرض الضبعة.. فريدة من نوعها


تعتبر محطة «الضبعة النووية» ذات خاصية متفردة من حيث الموقع.. فالأرض المقام عليها البنية الأساسية للمحطة تعتبر الوحيدة في مصر الصالحة لإنشاء محطة نووية وذلك بعد إجراء مسح جغرافي وجيولوجي متخصص لـ «11» موقعاً في مصر من أقصاها إلي أقصاها.
وأرض منطقة «الضبعة» تم تخصيصها بالقرار رقم 309 لعام 1982 بإخلائها من التعديات وإشغالات الأهالي وتعويضهم عنها تمهيداً لتخصيصها للمحطة النووية فقط وقد تم تسليمها بالفعل لهيئة المحطة النووية رسمياً في 18 أغسطس 2003.


أدلة وجود الكنز


في عام 2005 أعلن د. زاهي حواس رئيس المجلس الأعلي للآثار أن منطقة الضبعة تعد من أهم المناطق الأثرية، مشيراً إلي أن علماء الآثار وأعضاء البعثة النمساوية اكتشفوا أنها كانت عاصمة مصر في عهد رمسيس الثاني، حيث كانت تسمِي في ذلك الوقت بـ «بر ـ رع ـ مسو» أي مكان رمسيس، كما كانت عاصمة مصر أيضاً في عهد الهكسوس وذكر حواس أن المجلس الأعلي للآثار يقوم بأعمال الحفائر في المناطق الأثرية المحيطة بالضبعة منذ 20 عاماً وأنه قد نجح في اكتشاف الكثير من القطع الأثرية التي تتحدث عن الاتصالات بين مصر واليونان، مؤكداً أنه أرسل خطاباً لوزارة الكهرباء يطالب فيه بالتنقيب عن الآثار في منطقة الضبعة قبل تحويلها لمحطة نووية، واعتبر المسئولون بوزارة الكهرباء والطاقة تصريحات حواس عن الآثار بمنطقة الضبعة تربصاً بالمشروع النووي للقضاء عليه بعد أن أنفق عليه ما يزيد علي 70 مليون جنيه حتي الآن، و أشار المسئولون إلي أن خطاب د. حواس أظهر مدي الاستهتار بالقرار الجمهوري رقم 309 لعام 1982 بتخصيص موقع الضبعة للمشروع النووي.
واشتعلت الأزمة أكثر عندما شكل د. زاهي حواس لجنة برئاسة د. محمد عبدالمقصود لمعاينة موقع الضبعة بالساحل الشمالي وحصره أثرياً وبيان إمكانية نقل الآثار الموجودة به من عدمه.
وأكد حواس أن منطقة الضبعة ورد ذكرها علي الخرائط الأثرية القديمة علي أنها مدينة «ريفريوم» القديمة طبقاً لتحقيق نص «استرابوان» وكذلك علي خريطة «بوننجر» الرومانية التي توضح الطرق المصرية والمدن الممتدة بطول الساحل الشمالي من العصور الفرعونية واليونانية والرومانية متمثلة في القلاع والموانيء والمدن القديمة التي ظهرت شواهدها في أكثر من مائة وخمسين موقعاً أثرياً علي طريق الإسكندرية ـ مطروح مسجلة طبقاً لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 الذي ينص علي موافقة المجلس الأعلي للآثار عند إقامة أي مشروع.


صراع رجال الأعمال

بعد أن تزايد الحديث عن الكنز الذي تحويه منطقة الضبعة لهث رجال الأعمال للسطو عليها لاستخراج ما بداخلها من كنوز واستغلال السطح لبناء المنتجعات السياحية فوقها مثلما حدث علي طول الساحل الشمالي من الإسكندرية إلي الضبعة، فالمنطقة تفيض بالخيرات.
وأكد مصدر بمحافظة مطروح لـ «الكرامة» أن رجل الأعمال إبراهيم كامل صاحب قرية «غزالة» القريبة من أرض المحطة النووية ورئيس مجموعة «كاتو» التي تتولي أعمال إنشاء مطار العلمين ومحمود الجمال صهر جمال مبارك نجل رئيس الجمهورية ومالك قرية «هايسندا» ومشروعات سياحية أخري قريبة من الضبعة، بالإضافة إلي منصور عامر صاحب منتجعات «برتو مارينا» بدأوا في ممارسة ضغوط هائلة علي وزير الكهرباء والطاقة الدكتور حسن يونس ورئيس هيئة المحطات النووية الدكتور ياسين إبراهيم بهدف انتزاع الموافقة علي التصريح لهم باستغلال أرض «الأمان النووي» شرق وغرب الأرض المخصصة لمحطة الضبعة النووية في الساحل الشمالي بحجة تخصيصها لإقامة مشروعات سياحية استثمارية. غير أن وزير الكهرباء والطاقة ورئيس هيئة المحطات النووية رفضا التصريح أكثر من مرة بإقامة أي منشآت سياحية حول المحطة النووية وداخل أرض حزام الأمان النووي وكان آخر رفض في مايو الماضي.
لم تيأس مجموعة رجال الأعمال سريعاً بل تقدموا بطلب موقع بتوصية من أمين لجنة السياسات بالحزب الوطني «جمال مبارك» إلي محافظ مطروح السابق اللواء سعد خليل وباسم أعضاء مجلس أمناء الاستثمار بالمحافظة بالموافقة علي تخصيص الأراضي للاستثمار السياحي بما فيها أرض محطة الضبعة النووية بأسعار بخسة، بالإضافة إلي تخفيض قيمة ثمن الأراضي من 15% إلي 10% من قيمة الأرض ومد فترة سداد قيمة الأرض علي أقساط سنوية من 5 سنوات إلي 7 سنوات.
وازدادت الضغوط علي محافظ مطروح بعد أن تدخل اللواء محمد عبدالسلام المحجوب وزير التنمية المحلية الذي مورست بحقه الضغوط أيضاً فوعد رجال الأعمال بانتزاع موافقات جميع الجهات العليا بنزع أراضي الأمان النووي وهو ما يمهد لاستبعاد الضبعة من إقامة مشروع المفاعل النووي المصري رغم إنفاق أكثر من 150 مليون دولار علي دراسات الجدوي التي أكدت أن منطقة الضبعة هي أنسب موقع في مصر لإقامة المحطة النووية، وتعلل المحجوب بموافقته علي تخصيص الأراضي لإقامة منشآت سياحية بأن معامل الأمان النووي حول أي محطة نووية لا يزيد علي خمس كيلو مترات وأنه لو أقيمت محطة الضبعة في منتصف المساحة المخصصة لها علي الطريق الساحلي الشمالي بطول 15 كيلو متراً علي الساحل وبعرض 3 كيلو مترات قبل مطروح بحوالي 117 كيلو متراً فسيكون طول الأرض المحيطة بها من جميع الاتجاهات أكثر من طول الحزام الأمني حول سور المحطة بنحو 5.2 كيلو متر.


رجال الأعمال في الضبعة منذ 2006

الدكتور منير مجاهد المهندس المقيم بمحطة الضبعة النووية أكد لـ «الكرامة»: أن أفواج المهندسين والخبراء التابعين لمجموعة رجال الأعمال متواجدون في المنطقة الملاصقة للمحطة النووية منذ عام 2006 وأنهم يجرون دراسات وأبحاث طوال الوقت، بالإضافة إلي أنهم يقومون بالتنقيب في باطن الأرض ولا يعلم عن أي شيء ينقبون!!
وأشار مجاهد إلي أن أعمال الحفر مستمرة يومياً وأن بعثات الخبراء والمهندسين لم تنقطع منذ ثلاثة أعوام وأن عدداً منهم تسلل إلي منطقة المفاعل النووي أكثر من مرة واستطاعوا عمل مسح جغرافي وصوروا الموقع أكثر من مرة، والغريب ـ كما يقول مجاهد ـ أنني شاهدت خرائط بحوزة المهندسين خاصة بالمنطقة التي تم تقسيمها إلي مناطق ومنتجعات بما فيها منطقة المفاعل النووي.


البدو يؤكدون المؤامرة


الشيخ سالم أبو رحومة شيخ مشايخ قبائل الضبعة أكد بدوره أن منطقة الضبعة منطقة أثرية وأن رجال الأعمال يقومون منذ عام 2006 بالحفر والتنقيب بالمنطقة القريبة من المفاعل النووي بطول الساحل وأنهم استخرجوا آثاراً كثيرة بمعاونة عدد من العمال «البدو» الذين يعملون في الحفر والتنقيب، حيث أكد الشيخ سالم أن العمال عثروا علي تماثيل وقطع عملة وجدت في أوان فخارية وأوان منقوشة تعود إلي نهاية العصر الفرعوني وبداية العهدين الروماني واليوناني.
وأشار أبو رحومة إلي أن وفود المهندسين والخبراء لا تنقطع عن المنطقة وأنهم يقومون بعمل أبحاث ودراسات ورسوم للمنطقة باعتبارها مملوكة لهم منذ تم تهجيرنا عام 2003 ومنحنا تعويضاً هزيلاً عن أرضنا ومنازلنا التي تم هدمها.
ويؤكد رحومة أنه يملك الأدلة العينية علي وجود بعثات تنقيب عن الآثار في هذه المنطقة وأن المسئولين عن تأمين المفاعل والمنطقة المحيطة بالمفاعل «منطقة الأمان النووي» ليس لهم أي دور في منع هؤلاء الرجال المنقبين عن الآثار وتقارير الأمن تؤكدها.
في المقابل أكد مصدر أمني أن المنطقة التي تتبع المفاعل النووي مطمع لرجال أعمال كبار في الدولة وأن هؤلاء الرجال لم يتوقفوا عن إجراء الدراسات والأبحاث بالمنطقة وأنهم قاموا بالحفر والتنقيب في مواقع عديدة حول المفاعل وعلي طول الساحل في منطقة الأمان النووي وذلك بعد أن صدرت للجهات الأمنية بمرسي مطروح تعليمات بعدم التعرض لهم من الوزارة.
ويشير المصدر إلي أن عدداً كبيراً من هؤلاء الخبراء والمهندسين يحملون جنسيات ألمانية وهولندية وأسبانية ومصريين قد تسللوا إلي أرض المفاعل واعتدوا علي الأمن ورجال الحراسة ولم يتمكن أحد من اتخاذ أي إجراءات قانونية ضدهم، آخرها حادث تسلل عدد ثمانية مهندسين أجانب «روسيين وهولنديين ومصريين» إلي المفاعل أوائل الشهر الجاري وقاموا بتصوير المفاعل النووي والأراضي المحيطة به وعندما اعترضهم الأمن قاموا بالاعتداء عليهم وسبوهم وأجروا بعض الاتصالات الهاتفية وبعدها صدرت الأوامر لقيادة حرس المفاعل بعدم التعرض لهم، بل وتأمينهم لحين إنهاء أعمالهم!!
وأضاف المصدر أنه تم إعداد مئات التقارير لمباحث أمن الدولة حول عمليات التنقيب منها المذكرة رقم 37 لسنة 2008 أمن دولة التي جاء بها أنه بناء علي تكليف اللواء وزير الداخلية تم عمل التحريات المطلوبة حول الموقع المشار إليه في خطاب الوزارة رقم 747 بتاريخ أول ديسمبر 2007، حيث تبين أن مجموعة من المهندسين وخبراء السياحة والآثار الأجانب يعملون في الحفر والتنقيب عن الآثار في المنطقة بناء علي تكليف من رجال أعمال هم: «محمود الجمال وإبراهيم كامل ومنصور عامر» منذ عام 2003 وأنهم استغلوا قربهم من نجل الرئيس وقاموا بعمل مسح ودراسة للمنطقة وتقسيمها إلي مناطق ومنتجعات علي الورق والخرائط وأيضاً علي أرض الواقع عن طريق دق الحديد في الأرض والعلامات الإرشادية الموضحة لهذا التقسيم.
وأشارت المذكرة إلي أن قوات حراسة وتأمين المنطقة والمفاعل اعترضت طريق هؤلاء المهندسين والخبراء أكثر من مرة وحاولت منعهم أكثر من مرة من التسلل إلي المفاعل، إلا أنهم كانوا يجرون اتصالات تليفونية بشخصيات قيادية ليتدخلوا وبالفعل يتم إطلاق سراحهم دون حتي أن يبرزوا أوراق تحقيق الشخصية الخاص بهم.
وأضافت المذكرة أن عمليات الحفر والمسح والدراسة مستمرة حتي اليوم وأن هذه البعثات تعمل بثقة متناهية ولم ولن تواجههم أي عقبات سواء من وزارة الكهرباء أو المجلس الأعلي للآثار أو حتي الجهات الأمنية والتأمينية المسئولة عن حماية المنطقة والمفاعل وأن هذه البعثات قامت باستخراج آلاف القطع الأثرية ـ بناء علي اعترافات عدد من العمال البدو ـ وتم نقلها بمعرفة رجال الأعمال إلي أماكن غير معلومة، بالإضافة إلي هدم الشواهد الأثرية وردمها لإخفاء آثارها لكي لا تتدخل هيئة الآثار بالمنطقة لإخفاء معالم الحفر وعدم مصادرة الأرض لصالح وزارة الثقافة والمجلس الأعلي للآثار.
وفجرت المذكرة مفاجأة عندما أكدت حضور الدكتور زاهي حواس إلي المنطقة أكثر من مرة وقام بعمل جولة تفقدية كان آخرها في شهر يناير الماضي بالمنطقة ولم يتخذ حواس أي إجراءات عقب مشاهدته لأعمال الحفر والتنقيب التي تصادف أن شاهدها وشاهد المنقبين والمهندسين أيضاً.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات