كان بالإمكان أن تمر نكتة التاجر البخيل مرور الكرام، ولو من باب " إذا نطق السفيه فلا تجبه"، لكن، وبما أن الحاكي لم يكن سفيها، ومناسبة الحكي لم تكن عادية، فقد تصدى الكثيرون للمقرئ أبي زيد الذي تحول خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى مادة إعلامية دسمة، وارتفعت أصوات متعددة منددة بالعنصرية الطافحة والفاضحة في كلام المقرئ الذي عاش أياما عصيبة بسبب تداعيات النكتة إياها.
النكتة المذكورة عادية ومتداولة بين المغاربة، وهي جزء من التراث الشعبي الساخر الذي يتخذ من سلوكيات اجتماعية تنسب للقروي (العروبي) والسوسي والفاسي والجبلي والبركاني... مادة للإضحاك والترويح عن النفس. لكن فن النكتة كما يعرفه المغاربة لا يتجاوز مستوى السخرية البريئة، ولا يرتبط بأية نزوعات عنصرية أو طائفية أو استعلائية. غير أن السياق الذي وظف فيه أبو زيد نكتته تلك يطرح كثيرا من علامات الإستفهام، ويمنح لتلك الهجمة الشرسة التي تعرض لها مشروعيتها ومبرراتها. ذلك أن من يسمع حديثا عن " تجار معروفين بالبخل، وهم من عرق معين"، لا يحتاج إلى كثير من النباهة ليكتشف النفس العنصري الذي تعبق به، فالرجل كان بصدد إلقاء محاضرة عن الهوية، واستخدامه صيغة: "عرق معين" يفرغ مضمون النكتة من محتواها ودلالتها، لأنه لو كان يقصد توظيفها للشرح والتوضيح لما كان ضروريا أن يشير إلى الجانب العرقي في الموضوع. أي أن المهم في النكتة هو مضمونها الذي يمكن اعتماده كمثال يؤكد ارتباط الهوية بالذات وتطابقها مع نفسها.( التاجر في النكتة وضع مرآة داخل صندوق النقود حتى يتأكد عبر انعكاس وجهه في المرآة من أنه هو الذي يفتح الصندوق وليس غيره). لذلك يبدو المعنى واضحا، فلماذا لم يسند المقرئ أبو زيد هذا السلوك لشخص نكرة، وتعمد أن يلمح إلى عرق محدد؟. هل كان عرق المعني بالنكتة ضروريا للإيضاح؟.
يبدو إذن أن الأمر لم يكن عفويا، فقد كان السيد المقرئ يدرك جيدا قصده من إقحام عبارة " عرق معين"، إنه في حضرة كرم حاتم الطائي، لذلك لم يكن من اللائق أن يتحدث عن تاجر بخيل بإطلاق حتى لا يقال إنه يهين كرم العرب وكرامتهم. هكذا إذن يسوق أبو زيد صورة المغاربة في الخارج. هكذا يصبح هذا العرق الآخر مرادفا للبخل في مقابل حفاوة وكرم العرق العربي الذي يفتخر المقرئ بالإنتماء إليه. وهو ما يؤكد حالة من العداء الشديد للأمازيغية. والمرجعية السياسية والفكرية التي ينتمي إليها صاحبنا لا تخفى على أحد، ومواقفها من الأمازيغية معروفة ومشهودة. لكن منطق أبي زيد يثبت أن الذين يحاربون الهوية الحقيقية للمغاربة، ويتهمون الحركة الأمازيغية بالعمالة والعنصرية هم الذين يخندقون هذا البلد في تصنيفات عرقية ضيقة. لأن الهوية الأمازيغية لا تتأسس على الصفاء العرقي، بل تؤمن بالتعدد والتنوع والإختلاف، فقد كانت هذه الأرض دائما مجالا لتلاقح الثقافات، لكن السلوك الأمازيغي ظل خيطا ناظما يمنح لهذا البلد عراقته وتميزه.
لقد أخطأ أبو زيد وأساء بنكتته إلى كل المغاربة وليس إلى السوسيين وحدهم، لذلك اعتذر عن سلوكه العنصري الذي لقي استنكارا واسعا، ومع ذلك اختارت بعض الأقلام أن تصفق لأبي زيد وتقدم التبريرات لنكتته العنصرية عملا بمنطق: " أنصر أخاك ظالما أومظلوما"، وذلك في محاولة للإلتفاف على جوهر القضية وتحويل النقاش إلى شخص المقرئ نفسه... لكن جميع المتتبعين والمهتمين يدركون أن الموضوع لا يتعلق بحسابات شخصية تستهدف المقرئ كما حاول البعض أن يوهمنا. والتهديدات التي وصلته من أطراف مجهولة ينبغي رفضها واستنكارها بقوة، لأن ردود الأفعال يجب أن لا تطلق العنان للنوازع العاطفية، فنحن أمام ثقافة متجذرة تحاول النيل من الأمازيغية بكل الوسائل، وعلينا أن نتصدى لها جميعا عبر آليات الحوار والنقاش الهادئ والعقلاني.
محمد مغوتي. 21 – 01 – 2014.
التعليقات (0)