مواضيع اليوم

نقلا عن ايلاف

إسماعيل دبارة

2008-05-21 00:00:00

0

الإسلاميون و الديمقراطية لسلوى الشرفي يُبصر النور

إسماعيل دبارة


بعد 8 سنوات من الحجز
"الإسلاميون و الديمقراطية" لسلوى الشرفي يُبصر النور
إسماعيل دبارة من تونس: الإيداع القانوني الذي كان معمولا به سابقا في تونس حرم كتاب "الإسلاميون و الديمقراطية" للأستاذة سلوى الشرفي من التوزيع و الوصول إلى القراء.
و اليوم بعد 8 سنوات كاملة من تأليفه و طبعه، اختارت الدكتورة الشرفي أستاذة علم الاجتماع السياسي بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار أن تقدم كتابها بمنتدى الجاحظ الثقافي بالعاصمة تونس.
"الإسلاميون و الديمقراطية"، منشورات علامات، ويضمُّ 416 صفحة، يحلل بشكل معمق خطاب حزب النهضة الإسلامي التونسي المحظور حول الديمقراطية و السلطة و حقوق الإنسان بشكل علمي أكاديمي، وذلك في الفترة الممتدة بين سنتي 1973 و 1989 أي ما يقارب العشرين عاما و ما يبعُد اليوم بقرابة العشرين عاما أيضا.
و رغم هذه المسافة الزمنية فإن خطاب إسلاميي حزب النهضة الذين ينادون بالديمقراطية،و كما ذكرت الدكتورة الشرفي لإيلاف " لم يتغير كثيرا بل إنه لم يتغير البتة في مفاهيمه الأساسية. فمنذ بضعة أشهر ( أوت-سبتمبر 2007) كفّرني بعضهم لمجرّد الحديث عن التّمييز في الأحكام بين نشوز المرأة و نشوز الرجل في الإسلام، و البرهنة على ذلك بآية تأديب المرأة الناشز بالضرب من جهة (النساء 34) و آية دعوة المرأة إلى قبول نشوز زوجها و مصالحته من جهة أخرى (النساء 128) و كذلك بسبب الاستشهاد بالطّبري حول واقعة تاريخية تتعلق بخالد ابن الوليد، للتدليل على أن السلطان يزع ما لا يزعه القرآن حسب القول المنسوب للخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان. "

  الشرفي -كما قالت - لا تزال إلى الآن تتساءل عن الفرق بين المكفّرين و مكمّمي الأفواه من جماعة حجز الكتب ( وتقصد بذلك السلطة الحاكمة التي أمرت بحجز كتابها). فالعبرة ليست بأسماء التّوجهات السيّاسية المعلنة، بل بما تنتجه من معان في خطابها و سلوكها أي بطبيعة الأشياء و ليست بشكلها. ذلك أن التكفير سلاح سياسي بحت. و قد شكّل التكفير تاريخيا الغطاء الأيديولوجي لتشريع استخدام العنف في إدارة الاختلاف بين المسلمين.
يبحث الكتاب إذن في خطاب حزب النهضة الإسلامي التونسي، و تحديدا في خطابه المتعلق بمفاهيم السّلطة و الدّيمقراطية و حقوق الإنسان، و أيضا في نظريّته المعرفيّة التي تشكّل منبع نظريّته السيّاسيّة.
و ما جعل الدكتورة الشرفي تركز على تلك الأبواب هو اكتشافها لازدواجية خطاب هذا الحزب أو الحركة، الذي يؤكد من جهة على إيمانه بالديمقراطية كمنهج في الحكم، مع مواصلة الدعوة إلى تطبيق الشريعة و رفض مساواة المرأة بالرجل و تكفير من يختلف معه في الرأي من جهة أخرى.
وقد أدت هذا الازدواجية في القول إلى تناقض بين القول و السلوك و هو أمر حتمي. ففي أواخر الثمانينات تم الاعتداء على بعض المُفطرين في رمضان بحجة احترام حرية المعتقد، و الاعتداء على مناضلة نسويّة انتقدت حزبهم. كما رفض بعض المنتمين إلى الحزب إدماج مبدأ حرية اختيار الزوج بقطع النظر عن دينه، في ميثاق الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان(منظمة حقوقية معروفة في تونس). و كفّر الحزب في بيان رسمي وزير التربية عصرئذ السيد محمد الشرفي بسبب اختلافه الفكري معه، لذلك تتساءل الكاتبة إذا كان تطوّر خطاب حزب النهضة هو تطور شكلي، أي تكتيكي و براغماتي فقط، أم أنه حقيقي و عميق.
و لم يكن الأمر لا هذا و لا ذاك حسب ما توصلت إليه في كتابها.

من كل بُستان زهرة
في الكتاب محاولة واضحة و جاهدة للبرهنة على أن خطاب حزب النهضة الإسلامي المحظور هو خطاب انتقائي في أدواته و يضع على قدم المساواة مفاهيم و مصطلحات و تمثّلات لا يجوز الجمع بينها بأي شكل من الأشكال.

فالنّهضويون كما تسميهم " الشرفي " يعتقدون أنه يمكن الأخذ بمقولة من كل بستان زهرة. فينتقون من النظرية الديمقراطية الحريات العامة التي تخدمهم سياسيا و ينتقون من النظرية الإسلامية الحريات الخاصة، و هم يعتقدون أنهم أرضوا بذلك الله و الشعب في نفس الوقت، غافلين على أن لكل مفهوم نظام متناسق من الحقوق و الواجبات و الأحكام و العقوبات، و أنه لا يمكن التلفيق بين فكر يعترف بشرعية كل الأفكار و فكر لا يعرف للحق سوى وجه واحد، بمجرد العبور على جسر بعض المصطلحات الحديثة في وقت وجيز.
و بما أن الديمقراطية، كمفهوم، تحوي نظاما متناسقا من المبادئ و المؤسسات و الآليات التنفيذية، فقد اضطر كل من يستعمل هذا المفهوم، كاسم إشارة فقط، أن يعادل كل عناصر براديجم (paradigme) الديمقراطية بعناصر الثقافة القديمة السائدة.
فقد عادل محمد عبده الرأي العام بالاجتهاد، و عادل الإسلاميون النّهضويون في تونس الاجتهاد بالتشريع و بسيادة الشعب و بحرية الرأي و التعبير، كما جعلوا من حرية المعتقد بالمعنى الحقوقي الحديث مرادفا لمعنى "لكم دينكم و لي ديني" مع التشبث بفكر التكّفير و بمفهوم المواطنة ألإقصائي و التهميشي لغير المسلمين.
لذلك لم يتمكن الخطاب النهضوي المتعلق بخطاب الحريات العامة من التمييز بين الشورى و الديمقراطية، و بين الاجتهاد و التشريع وبين حرية المعتقد و أحكام أهل الذمة، كما أنه لم يستوعب التماثل بين كل من التعذيب و أحكام الحدود و حكم الردة و اضطهاد أصحاب الرأي المخالف، فهم يندّدون بالتعذيب و يتمسّكون بالعقوبات الجسدية، و هم يندّدون باضطهاد السلطة لهم و قمعها الفكري و لا يرون حرجا في تكفير مخالفيهم.
و يعود هذا الخلل المتمثل في عدم الانسجام الفكري، إلى تجاهل، أو عدم المعرفة بشروط التنظير السياسي الذي من المفروض أن يؤسّس على قواعد فلسفية و معرفية واضحة. ذلك أن تجاهل البناء الفلسفي لنظرية ما يحول دون المرور من المستوى الإيديولوجي إلى المستوى الفكري العميق و يعرقل عملية الفهم و الاستيعاب.
 

كما تطرقت الدكتورة الشرفي في تقديمها للكتاب إلى ظاهرة التّقيّة التي يعيشها العالم العربي، حيث توجد شبه قطيعة بين الأسماء و الأشياء. و الأمر لا يدخل في باب التلطيف، "فنحن لا نخشى عادة تهويل الأمور، و إنما جاءت هذه القطيعة كنتيجة لرفضنا أو خوفنا من إحداث قطيعة معرفية. لذلك نظل نجترّ الأشياء القديمة و في أحسن الأحوال نخفيها تحت جلباب الأسماء الحديثة. فلا ينقض القديم من أساسه و لا يستوعب الجديد من ينابيعه."
و تضيف:" لن أدّعي أن المسلمين و العرب يختصون بهذه الظاهرة، كما لا يمكنني ادعاء العكس. و إنما أعرف أن فلاسفة عصر الأنوار في الغرب لم يكونوا ليتمكنوا من إنتاج النظرية الديمقراطية لو لم يحدثوا قطيعة ليس مع الكنيسة فقط بل و كذلك مع الإنجيل. فهم لم يختفوا وراء مقولة المسيح "أعط لقيصر ما لقيصر و لله ما لله" لتبرير مبدأ اللائكية، و إنما انطلقوا من نظرة للإنسان كفرد حرّ، مريد، عاقل، سيّد نفسه و سابق عن المجتمع، ممّا يبرّر عدم تحديد حرّيته و فرض قوانين عليه سوى بإرادته الحرة السيّدة. و على هذا تأسّست بقية المبادئ، و أهمها المساواة الاستوائية بين الناس، و ليست التفاضلية التي تمنح الحقوق و الحريات للإنسان حسب جنسه البيولوجي و معتقده الديني و حالته الاجتماعية و الاقتصادية (أحرار و عبيد) و حتى القبليّة (خصّ بعض فقهاء الأحكام السلطانيّة مثل الماوردي، قريشا بمنصب الخلافة)  
نحن ما زلنا نتغذى من فكر الماوردي و نسميّه ديمقراطية."
إذن يطرح كتاب "الإسلاميون والديمقراطية" إشكالية الازدواجية في القول و الازدواجية بين القول و الممارسة لحركة النهضة الأصولية. و الازدواجية حسب سلوى الشرفي تؤدي إلى الغموض، مما يجعل الفرد يعتقد أنه اختار بحرية و على اقتناع، في حين أنه لا حرية بدون معرفة حقيقية و لا إقناع بدون انسجام فكري و سلوكي، و إنما هو مجرد تأثير مبني على مجرد بلاغة تنهل قوتها من صور الجنّة و جهنّم بالنسبة للخطاب السياسي الديني و من الترهيب و الترغيب بالنسبة للخطاب السياسي غير الديني.

انتقادات للكتاب و صاحبته
 البعض من الحضور الكبير بمنتدى الجاحظ اعتبر كتاب"الإسلاميون و الديمقراطية " محاولة انتقاديّة محض للتشهير بحركة النهضة التي سبق و أن لجأت إلى العنف في تونس، وليس دراسة أكاديمية تريد المعالجة و استخلاص الأحكام الايجابية و السلبية معا.
في حين ذهب البعض الآخر إلى أن استناد "الشرفي "إلى الديمقراطية الغربية و خصوصا إلى فلسفة الأنوار لم يكن في محله كون الفصل بين الدين و السياسة في مجتمع مسلم – كما سبق و أن حصل في الغرب – قد أدى إلى نتائج عكسية تماما و إلى ظهر تيارات أصولية أشدّ تطرفا من النهضة و مثيلاتها.
كما أن ازدواجية الخطاب الذي تحدث عنه الكتاب ليس موجودا لدى النهضة فحسب بل لدى كل التيارات الفكرية والسياسية كالقوميين و الماركسيين و الليبراليين وحتى العلمانيين الذين تنتمي إليهم الكاتبة،فلم تخصيص النهضة بعينها، كما أن التنصيص على أن ما قيل منذ عشرين سنة عن الحركة ينطبق عليها اليوم هو قول لا علمي بالمرة.
فالسجال الفكري الذي عاشته الحركة في الثمانينات مع بقية المكونات الثقافية والسياسية بتونس فرض عليها تبني و استعمال عدد من المفاهيم و الشعارات التي لم تكن تستعملها من قبل و هو في حدّ ذاته تطور ايجابي.و الحركة تدين اليوم صراحة وعلنا تصرفات السلفيين المتشدّدين و الإرهاب.
 أما أن يكون كل ذلك من قبيل التكتيك و البراغماتية وليس من قبيل التطور الجذري العميق كما ذكرت الدكتورة في كتابها فلم يتمكن احد من الجزم بذلك.
"الشرفي" من جهتها اعتبرت كتابها دراسة لخطاب معيّن و مخصوص هو خطاب حركة النهضة الأصولية التي ادّعت تميّزها بصفات ليست فيها كالديمقراطية و احترام حرية المعتقد و مساواة المرأة بالرجل و هو ما لم يحصل فعليا، لذا وجب التدخل لكشف ذلك.
وتقول لمن اعتبر كتابها استهدافا و ملاحقة فكرية للإسلاميين:" الفقرة التالية، و على إيجازها، تلخّص الكتاب بأكمله، لذلك اخترتها لان تكون في الغلاف الخلفي لكتابي:
"أفتى التحديثيون للديمقراطية بالشورى في أوائل القرن العشرين و أفتى الإسلاميون للشورى بالديمقراطية في أواخره. فلم يتم نقض الشورى من أسسها و لا استيعاب الديمقراطية من ينابيعها.و لا يزال الجدل مستمرا..."

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !