مواضيع اليوم

نقد النثر الإعدادي

فيديو العرب

2011-07-02 15:12:25

0

أ ــ تـــمـــهـــيــــد:
تعد الكتابة من أشرف الأعمال و أولاها التي أمر الله بها عباده، و يرفع أهلها إلى الدرجات العالية لقوله تعالى: (يرفعِ الله الذين آمنوا و الذين أوتوا العلم درجات) المجادلة 11. لأنه بالعلم والمعرفة يخرج الإنسان من الظلمات إلى النور، ويعرف ما ينطوي عليه العالم من ملكوت الله وبديع صنعه، ولا يتأتى العلم إلا بمعرفة الكتابة والخط.
ولكي يصير الإنسان كاتبا بليغا متخصصا؛ لابد له من المرور عبر العديد من المراحل، ويعمد إلى إيقاظ الحس، والجلد من أجل بلوغ الذروة، والغاية المنشودة.
ويعد كتاب الأعشى من المؤلفات الضخمة التي وُضعت لهذا الغرض، ووطنت نفسها من أجل خلق كاتب بليغ؛ عبر مَدِّهِ بمجموعة من الآليات والشروط التي لا يمكن الاستغناء عنها، ومده بالكماليات التي يجب اعتمادها، أو على الأقل معرفتها ووضعها في اعتباره؛ فربما تأتي الحاجة إليها إذا دعي لها.
ولذلك نجد القلقشندي يبتدئ كتابه بالحديث عن فضل الكتابة ورفعة شأنها؛ بنسبتها إلى الله تبارك و تعالى في قوله: ( اقرأ و ربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم)العلق3ـ4ـ5، ووصف ملائكته الحفظة بقوله: (وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين)الانفطار10ـ11، زيادة على قسمه بالقلم، وليس هناك ما هو أعظم وأشرف مِن قسمِ الله بشيء من مخلوقاته حيث يقول: ( ن و القلم وما يسطرون)القلم 1.
ولما كان للكتابة شأن رفيع وفضل وتعظيم؛ كان الحث على تقييد العلم بالكتابة أولى، لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( قيدوا العلم بالكتاب).
وهذا الأمر لا يتأتى إلا لذي بصيرة عالم بأصول الكتابة والحروف واللغة وشروط التدوين والأقلام، وما يتعلق بها.
ولذلك نجد القلقشندي يعتبر الكتابة صناعة ويحصرها في أربعة أمور بقوله: (و الكتابة إحدى الصنائع فلا بد فيها من الأمور الأربعة.)
والمقصود بالأمور هنا هي الأقسام و المكونات التي تقوم عليها الكتابة.
فمادتها: الألفاظ التي تخيلها الكاتب في أوهامه، وتصورٍ من ضم بعضها إلى بعض صورةً باطنة تامة في نفسه بالقوة، والخطُّ الذي يخطه القلم، ويقيد به تلك الصور. وتصير بعد أن كانت صورة معقولة باطنة صورةً محسوسة ظاهرة.
وآلتها: القلم.
وغرضها الذي ينقطع الفعل عنده: تقييد الألفاظ بالرسوم الخطية، فتكمل قوة النطق وتحصل فائدته للأبعد كما تحصل للأقرب، وتحفظ صوره، ويؤمن عليه من التغير والتبدل والضياع.
وغايتها: الشيء المستثمر منها، وهي انتظام جمهور المَعاون والمَرافق العظيمة العائدة في أحوال الخاصة والعامة بالفائدة الجسيمة في أمور الدين والدنيا.
ولما كان التقييد بالكتابة هو المطلوب وقع الحض من الشارع عليه، والحث على الاعتناء به، تنبيها على أن الكتابة من تمام الكمال، من حيث إن العمر قصير والوقائع متسعة.
ب ــ شروط المتوجب توفرها في الكاتب:
إن أي كاتب يود امتهان حرفة الكتابة لا بد له من مجموعة من الأمور التي يتوجب عليه اتباعها قبل الكتابة. و هي شروط غير معلومة عند العامة، و لكنها أساسية للكاتب الفذ؛ الذي يقدم نفسه بين يدي السلطان و كبار الوزراء والولاة و من يساويهم في الرتبة. وهؤلاء ـ طبعاـ لا يُتطلَّب ُ مع مثلهم المراجعة أو التلكؤ و عدم المعرفة. لذا كان لزاما على أهل الدربة والتجربة وضع قانون لكل من يود خوض غمار الكتابة، والرقي بها دون إخلال بشأنها؛ أو حط من قدرها.
ويعد كتاب (صبح الأعشى في صناعة الإنشا) للقلشندي كتابا بحق يمهد الطريق لكل من يخوض في هذا الباب. فتجده وقد ألم بكل الشروط التي ينبغي على الكاتب العلمُ بها بدءا بالصفات التي ينبغي انتحالها، ومرورا بالدواة والقلم وكافة أدوات الكتابة، وانتهاء بالمعارف التي ينبغي أن يعطيها الأولوية.

1ـ صفات الكاتب:
فمن المواصفات التي رغب فيها الخاصة في الكتاب على الإجمال كما ورد في (الصبح):
ــ الإسلام: ليؤمن فيما يكتبه ويمليه ويوثق به فيما يذره ويأتيه
ــ الذكورة: يقول القلقشندي: ( فقد صرح أصحابنا الشافعية بأنه يشترط في كاتب القاضي أن يكون ذكرا).
ــ الحرية: فقد شرطوا في كاتب القاضي أن يكون حرا، لما في العبد من النقص.
ــ التكليف: كما في كاتب القاضي، فلا يعول على الصبي في الكتابة، إذ لا وثوق به ولا اعتماد عليه.
ــ العدالة: فلا يجوز أن يكون الكاتب فاسقا، فإنه بمنزلة كبيرة ورتبة خطيرة، يحكم بها في أرواح الناس وأموالهم.
ــ البلاغة: بحيث يكون منها بأعلى رتبة وأسنى منزلة. فإنه لسان السلطان الذي ينطق به
ــ وفور العقل وجزالة الرأي: فإن العقل أس الفضائل، وأصل المناقب.
ــ الموسوعية: كالعلم بمواد الأحكام الشرعية والفنون الأدبية وغيرها.
ــ قوة العزم وعلو الهمة وشرف النفس: فإنه يكاتب الملوك عن ملكه. فكلما كان الكاتب أقوى نفسا، وأشد عزما، وأعلى همة، كان في ذلك أمضى، وعليه أقدر. ومهما نقص في ذلك نقص من كتابته.
الكفاية: أي الكفاية لما يتولاه، لأن العاجز يدخل الضرر على المملكة، ويوجب الوهن في أمر المسلمين.
وقد زاد القلقشندي إلى هذه المواصفات ما له علاقة بالأدب مثل؛ حسن السيرة وشرف المذهب: كتقوى الله، وشكر النعمة وطلب الأجر بما يناله من عز السلطان، ومجانبة الريب والتنزه عنها والطهارة منها، مع لزوم العفاف والصيانة فيما يتولاه للسلطان من أعماله، مع توخي الحذر والاقتصاد في طلب اللذة، والاقتصار من ذلك على ما يقيم المروءة فهو من أفضل الأخلاق وأشرفها.
كما تحدث القلقشندي عن حسن العشرة، ووضعها مراتب . فقد أعطى لحسن عشرة الملوك الأهمية لما فيها من الخير أو الوبال على الكاتب إذا ما أغفلها، ومن ذلك: الإخلاص، ومحض النصيحة، وكتمان السر، والشكر، مع مجانبة الإدلال، والتمسك بآداب الخدمة، الموافاة في الإخاء، والمساواة في الصفاء، ومقابلة كل حالة بما يضاهيها.أما المسامحة بالحقوق والإغضاء عمن قصر والمحافظة على ود من فرط؛ فلا خلاف في فضله والتمدح بمثله).
وقد تنبه ابن الأثير في كتابه (المثل السائر) إلى مجموعة من الشروط التي ينبغي تتبعها من قبل الكاتب حتى يتم له أمر الكتابة والاطلاع على كافة المعارف الضرورية لذلك، وقد حصرها في ثمانية أنواع؛ وهي:
النوع الأول‏:‏ معرفة علم العربية من النحو والتصريف‏.
النوع الثاني‏:‏ معرفة ما يحتاج إليه من اللغة.
النوع الثالث‏:‏ معرفة أمثال العرب وأيامهم ومعرفة الوقائع.
النوع الرابع‏:‏ الاطلاع على تأليفات من تقدمه من أرباب هذه الصناعة المنظومة منها والمنثورة والحفظ للكثير منها‏.‏
النوع الخامس‏:‏ معرفة الأحكام السلطانية كالإمامة والإمارة والقضاء والحسبة وغير ذلك‏.‏
النوع السادس‏:‏ حفظ القرآن الكريم والتدرب باستعماله وإدراجه في مطاوي الكلام‏.‏
النوع السابع‏:‏ حفظ ما يحتاج إليه من الأخبار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
النوع الثامن‏:‏ وهو مختص بالناظم دون الناثر وذلك علم العروض والقوافي.

2ــ آلات الكاتب:
للكاتب آلات لا يمكن أن يمارس مهنته بدونها، ولذا كان يتوجب عليه معرفتها وإتقانها وجعلها من الأمور التي ينبغي أن يمنحها الأولوية، وهي:
الخـــــط:
هذا فيما يتعلق بالصفات والآداب التي ينبغي توفرها في الكاتب. أما فيما يتعلق بآلته وحرفته، فينبغي عليه أولا إتقان الخط الذي عليه اعتماده.
فالخط كما يحدثنا ابن المدبر في رسالته العذراء له دور مهم في نقل المعرفة حيث يقول:{ للخط صورة معروفة، وحلية موصوفة و فضيلة بارعة... وكفى بفضيلة العلم والخط قول الله عز و جل الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم؛ و أقسم به كما أقسم بغيره، ثم أقسم بما يكتبه القلم إفصاحا عن حاله، و إعظاما لشأنه و تنبيها لذكره.فقال وما يسطرون. ومن فضيلة الخط أنه لسان اليد ورسول الضمير و دليل الإرادة. والناطق عن الخواطر، وسفير العقول، ووحي الفكر،وسلاح المعرفة، ومحادثة الأخلاء على التنائي، وأنس الإخوان عند الفرقة، ومستودع الأسرار...} .
لذا وجب ــ كمرحلة أولى ــ معرفة الخط وإتقان الكتابة لمعرفة دلالات الخطوط ومعانيها. هذا دون الحديث عما في الكتابة نفسها من الأمور التي يحاول فيها المخاطبون توجيه الرسائل عبرها دون أن يفطن لها الوسيط. هذا مما لا يجب على الكاتب أن يغفله.
الأَقـــــلام:
فالكاتب ينبغي عليه أن يكون عارفا بكل قلم ودوره في تحسين الخط وفي أي مكان ينبغي الكتابة بهذا القلم والآخر، وقد ذكر القلقشندي فصولا طويلة تحدث فيها عن الأقلام وأنواعها التي ينبغي الرجوع إلى مظانها لكثرتها. فهناك قلم الثلث الذي يكتب به في السجلات و المسمى به. والرياسي، والنصف، وقلم الرقاع، وقلم المؤامرات، وغيرها من الأقلام التي لا حصر لها والمختص بها كلٌّ عن غيره. وقد خصص لها ابن وحشية النبطي كتابا خاصا في هذا الشأن سماه: "شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام".
الـــــــــدواة:
وهي من الأمور التي ينبغي أن يوليها الكاتب اهتماما لما فيها من الأهمية، وقد ذكر لها العلماء شروطا من مثل أن الدواة ينبغي أن تكون متوسطة الحجم لا هي بالكبيرة فتدل على البلادة ولا هي بالصغيرة فتزري بصاحبها عند السلطان. كما ينبغي أن يعتني بليقتها لما فيها من الحفاظ على المداد. ويستحسن تغييرها كل ثلاثة أيام.
الــمـــداد:
يجب على كل كاتب فذ؛ أن يحسن إجادة أموره بنفسه في جميع الأحوال، فلا معنى أن يكون الكاتب بين يدي السلطان ويعتذر لعدم معرفته في أمور هي من خواصه. ومن هذه الأمور كيفية صنع المداد. وقد ذكر ابن المدبر بعض الطرق التي يحتاجها الكاتب في عملية إعداد المداد. وبين الأشكال وكيفية تحديد نوعه والألوان التي يفرزها، وفي كتاب (الصبح) ما يشفي غلة الصادي في هذا الباب.
الــمـقــلــمــة:
وهي الأخرى تناولها القلقشندي بالحديث المفصل عن حجمها وما ينبغي أن تتوفر عليه من الأنابيب والسكاكين التي تُحتاج للبري، والمقص الذي يُحتاج للقطع.
الـــــــورق:
الورق الذي يكتب به من الأمور المهمة أيضا في عملية الكتابة. فينبغي أن يختار الكاتب ما يراه أجود لما يكتب به، ولمن يكتب له. وعليه أن يعرف أنواعه كالزبور والرق والقرطاس.
ج ــ خلاصة:
إن الشروط الواردة أعلاه لهي حَرية بتوضيح العبء الذي يقع على كاهل الكاتب، والتي لا ينبغي أن يغفلها إذا ما كان حقا يود الخوض في هذا الخضم اللجي. وعبر إتقانها يتميز الكتاب عن بعضهم. وكلما زادت معرفة الكاتب بهذه الأمور زادت حضوته عند أولي الأمر وكانت له الرياسة في هذا المضمار. وربما كان هذا هو السبب الرئيس الذي جعل قلة قليلة تسمى ب(الكاتب)؛ إن لم يكن في هذا تجوز أيضا.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات