اذا كنا تعرضنا فيما سلف لنقاط القوة في الخطاب الامازيغي، فان ذلك لا يعني أن هذا الخطاب مثالي لاتعتريه نواقص ولاعيوب،بل ان شأنه شأن كل خطابات الحركات الاجتماعية تطبعه مجموعة من مواطن الضعف التي يظل تناولها بالدراسة والتحليل من جانب الفاعلين الامازيغ عملية ضرورية وملحة لأنها السبيل لتجاوز هذه الهفوات و بالتالي تجنيب الخطاب الكثير من الضربات الداخلية منها والخارجية.
ان أول شيء يمكن اثارته في هذا الموضوع هو غياب حصيلة نقدية و موضوعية لعمل الحركة الامازيغية وخطابها، وذلك بغية الوقوف على ما تحقق وما لم يتحقق، ما يمكن ان يتحقق وما ييستحيل تحقيقه، للتفكير في آليات واستراتيجيات العمل في المستقبل.هذه الحصيلة التي من شأنها رصد العوائق الرئيسية لنجاح الخطاب الامازيغي في الظفر بقناعة وانخراط المجتمع المغربي. ان من شأن حصيلة كهذه أن ترصد الانجازات بما لها من أبعاد مختلفة بهدف معرفة حدوث تأثير الخطاب الامازيغي في الأفراد و التنظيمات السياسية وكذا المؤسسات الثقافية والحقوقية وعموم الفاعلين في المجتمع المدني، بحكم أن درجة التأثر بالخطاب الامازيغي هي التي تفرض طبيعة التعامل الرسمي للدولة مع هذا الخطاب أو ذاك.
من بين النقاط التي تسجل أيضا على الخطاب الامازيغي عجزه عن خلق التوازن بين الطموح التنظيمي الذي يتعثر في كل مرة، وتطورات هذا الخطاب و شعاراته التي تعتبر مدوية. أمام هذه الوضعية يجد المرء نفسه أمام "تضخم شعاراتي" يتجاوز و بشكل كبير بساطة وتواضع التنظيم الامازيغي. ان الخطاب الامازيغي مدعو أكثر من أي وقت مضى الى ملاءمة شعاراته والتنظيمات المتوفرة، حتى يكون بامكان الفاعل الامازيغي ربط القول بالفعل و يطبع خطابه بشيء من الواقعية و العملية.
الى جانب ذلك نجد غياب التخطيط الاستراتيجي للعمل الامازيغي بشكل عقلاني و موضوعي يمكن من رصد المتغيرات وحصر التحولات التي تطرأ على كل المستويات، وينطلق من تحليل الاوضاع العامة على الصعيد الوطني، الاقليمي والدولي. هذا التحليل الذي يتوجب أن يحيط بالنسق السياسي والاقتصادي والثقافي،الى جانب الوضع اللساني و كذا كل دواليب النظام، وهو ما من شأنه أن يعقلن الخطاب ويجعله يميز الممكن عن المستحيل و العاجل من الآجل.
و من بين نواقص الخطاب الامازيغي، انعدام أي تنسيق استراتيجي بين النخبة الثقافية و نظيرتها الاقتصادية، مما أدى الى ضعف أداء النخبة الثقافية بفعل العوز المادي و العجز المالي، وولد لدى الطبقة الاقتصادية الارتباط المرضي و التبعية العمياء لنخب أخرى تعادي الخطاب الامازيغي وترفض أي حديث عن مشروعيته. واذا تحدثنا عن "الجماهيرية" كصفة يتسم بها الخطاب الامازيغي، فان هذه "الجماهيرية" تعاني من كونها مقتصرة على النخب السياسية والمدنية، ويظل تأثيرها على فئات عريضة و متنوعة من المجتمع المغربي دون المستوى المطلوب والممكن. فالخطاب الامازيغي يغلب عليه الطابع الثقافوي بفعل التركيز على الصراع الفكري وتبني أسلوب نضالي يستهدف اقناع النخب الاخرى في الوقت الذي يعتبر استهداف طبقات اجتماعية وثقافية أخرى داخل المتعاطفين مع هذا الخطاب أولى و أجدر. ان مسألة تعميم الخطاب وجعله شموليا يستهدف المجتمع بجميع طبقاته و مستوياته ضرورة ملحة.
ان الخطاب الامازيغي يحمل في طياته تشبثا غير سليم بالخصوصية الجهوية ناتج عن وسواس التبعية و "الذيلية" والرغبة الجامحة في القيادة و الزعماتية والهيمنة الفكرية مما يتناقض و كون الامازيغية لغة وثقافة وهوية موحدة (بكسر الحاء) ومسؤولية وطنية. هذه النقطة حسب تقديرنا المتواضع لا تعدو أن تكون مجرد عائق نفسي مضمور.
وبحكم كون الجمعيات احدى اكبر المؤسسات المنتجة و المروجة للخطاب الامازيغي، تجدر الاشارة الى أن هذه الجمعيات تفتقر الى الخبرة الكافية للتنظيم الجمعوي السليم و القوي، ذلك أنه ورغم توفر ووفرة اللجان و الهياكل التنظيمية الضرورية، تبقى الفعالية والنتائج والمكتسبات متواضعة جدا لكون التكوين ضعيفا ان لم نقل منعدما أحيانا كثيرة. كما تعتبر التيارات الراديكالية داخل الخطاب الامازيغي نقطة تضيع معها مصالح هذا الخطاب، ذلك أن الافكار الراديكالية تنتهي الى خلق تنافر قوي بين الفاعلين الامازيغ أنفسهم وبينهم و بين غيرهم من التيارات الفكرية، بل وتنتج في النهاية اللاتنظيم و العشوائية في اصدار و ترويج الخطاب الامازيغي الذي يتضرر بشكل كبير ويفقد بذلك العديد من المتعاطفين.
و كنقطة أخيرة،نشير الى أن تعثر التنسيق بين الفاعلين الامازيغ أضر ولا يزال بوزن الخطاب الامازيغي وتأثيره في الساحة الوطنية، وذلك مرده رفض اطارات و شخصيات تاريخية ووازنة "الانصهار" داخل اتحاديات أو كنفدراليات تفقدها، حسب منظور هؤلاء، وزنها ومشوارها التاريخي في النضال، كما أن هذه الاسماء الوازنة تتفادى أن تفرض عليها مواقف أو آراء لا ترضيها وقد تمس بوزنها. وهنا لا ننكر تفشي عقدتي الزعماتية والتفوق لدى البعض مما يجعلنا نقول أن هناك أحيانا ترجيح للأنا على حساب مصلحة الامازيغية و خطابها.
ان هذه النقاط من بين أخرى تقف حجر عثرة أمام تطور الخطاب الامازيغي و اكتساحه للساحة الوطنية عبر استقطاب المزيد من المتعاطفين و المناضلين، وهو ما يجب العمل على تجاوزه من خلال تناول هاديء و موضوعي يجعل الرقي بالخطاب الامازيغي و تطويره فوق أي اعتبارآخر.ان الاختلاف المرجعي مسألة مستبعدة في كل الاحوال، وبالتالي تبقى المسائل التنظيمية هي المطروحة، و هو أمر يمكن تجاوزه بقليل من التعقل و الرزانة و التبصر.
التعليقات (0)