من وجهة نظرى المتواضعة كمجتهد كبر وترعرع بين أحضان القرآن العظيم ويحاول جاهداً تدبرآياته الكريمات وفهم معانيه الربانية السامية أؤكد أن القرآن له لغته العربية الخاصة بها فى شكلها وكتابتها ومعانيها قد لاتتفق بنسبة معينة مع لغتنا العربية العادية والتى ورثناها وورثنا علومها وقواعدها ودرسناها وقررناها على تلاميذنا منذ نعومة أظفارهم فبعض الألفاظ تكتب بشكل مغاير لكتابتنا وبعض الألفاظ يختلف معناها من سياق إلى سياق وبعض الألفاظ قد تحمل معان عكس ما نفهمه من لغتنا اليومية.
أولاً
فمثلاً لو قرأنا قول المولى عز وجل (وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ)النساء 128 نجد أن كلمة الشح لم يتم رفعها بالضمة لتكون نعتاً لكلمة الأنفس ولكن تم نصبها بالفتحة مع تشديد عليها، وهذا معناه أن كلمة الشحٍّ ليست صفة لكلمة الأنفس ولو تتبعنا اللغة العربية وقواعدها لجاء الإعراب على النحو التالى:
وأحضرت: الواو حرف عطف وأحضر فعل ماض مبنى للمجهول والتاء تاء التأنيث.
الأنفس : وهى إسم مبنى للمجهول مرفوع بالضمة.
الشح : لو كانت مرفوعة لكانت صفة أو نعتاً مرفوعة بالضمة ولكنها جاءت فى الآية منصوبة بالفتحة مع تشديد عليها فما هو الحل؟
من وجهة نظرى المتواضعة أن كلمة الشح هنا معناها شح العواطف والمشاعر الإنسانية ولا علاقة لها بالبخل المادى الذى يضن صاحبه بما لديه من أموال وممتلكات فلا ينفق منه فى سبيل الله فقد اسماه الله تعالى ( البخل) وتحدث عنه كثيراً فى القرآن الكريم ولكن لفظة الشح تأتى خصوصاً لتعبر عن نضوب العواطف والمشاعر الإنسانية، أما موقعها الإعرابى فهو أنها مفعول به لفعل محذوف تقديره أخص أى أن الله تعالى يهدد الناس بإحضار الأنفس للحساب ويخص الأنفس الشحيحة منها والتى سيكون عقابها أليماً والله أعلم.
ثانياً
قول المولى عز وجل عن عرض الجنة
(وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) آل عمران 133
هذه الآية الكريمة من وجهة نظرى لا تتحدث عن العرض الذى يقاس بالكيلو والمتر والسنتيمتر والميل وخلافه ولكنها تتحدث عن عرض أى مشاهدة بمعنى أن الجنة التى توعدون بها يشهد على وجودها وجود السماوات فوقكم والأرض تحتكم فلو اردتم التأكد من وجود الجنة فانظروا للسماء وجمالها وشمسها وقمرها ونجومها والماء الذى ينزل من سحابها وانظروا إلى الأرض وتنسيقها وجنانها وأنهارها وبحارها فعندئذ سيتأكد من يبحث عن اليقين أن الجنة موجودة وليست وهماً.
ونؤكد على كلامنا بقوله تعالى( وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا ) الكهف 100
أى عرضناها عليهم من كل جهة فرأوها وشاهدوها وتأكدوا من وجودها فالعرض هنا هو المشاهدة العينية .
وقوله تعالى (وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا )الكهف 48
أى وقف الناس فى مشهد مهيب ومرأى وواضح أمام الله تعالى وهو علام الغيوب .
وقوله تعالى عن داوود عليه السلام
(إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ) ص31
أى الخيول فى مشهد استعراضى رائع لكى يراها ويتمتع بمشاهدتها فاعتقد داوود أنه فتن بهذه الخيول فطفق مسحاً بالسوق والأعناق وبقية قصته معروفة للمتدبرين.
ولذلك فإننى أرى كمجتهد أن قوله تعالى عن الجنة (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) وقوله
(سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )الحديد 21
هو استدلال على شىء غيبى بشىء مشهود يؤكد حدوث الغيبى وهو الجنة بكل صفاتها العظيمة التى وصفها الله تعالى فى كتابه الكريم.
ثالثاً
قول المولى عز وجل عن النساء
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا )النساء 34
من وجهة نظرى المتواضعة أن النشوز هنا لا يعنى عدم موافقة الزوجة على معاشرة زوجها جنسياً كما يشاع لأنه لا يوجد عاقل يؤيد هذا التوجه فكيف يكون معنى النشوز هو أنها ترفض العلاقة الجنسية ثم يكون الحل من عند الله بالهجر فى المضاجع ؟ هى تكره هذا المضجع من الأساس فكيف يكون الحل بالهجر؟ ولكنه يعنى أنها تميل للإنحراف الأخلاقى ويظهر من بعض تصرفاتها هذا الميل والجنوح ككثرة الخروج بدون سبب واضح والتأخر خارج المنزل بشكل مريب ومشاهدتها تخاطب الغرباء بشكل ملفت للنظر أو تصطحبهم باسم الصداقة وغيرها إلى متنزهات أو شواطىء أى أنها تأتى بأفعال مريبة تضعها محل الشك والخلل وهنا يظهر التوجيه الربانى بشكله الرائع وتقسيمه المذهل والذى يجب إتباعه بكل دقة كما يلى والله أعلم
1- فعظوهن : الوعظ لا يأتى إلا من فقيه وليس كل المجتمع المسلم فقهاء ولا معظمه ولا بعضه ولكن الحقيقة أن معظمه لا يتفقه فى الدين فكيف نأتى لمن لا يفقه شيئاً فى دينه ونطلب منه أن يعظ زوجته لتعود إلى مستقيم الصراط؟ هل يمكن لأمى لا يقرأ أو يكتب وكل معلوماته سطحية وسمعية أن يقدم الوعظ المطلوب لزوجته؟ هل يمكن لعامل أو فلاح أو ميكانيكى أو سمكرى أو مقاول بناء أو حتى مدرس أو مهندس أو طبيب أو أو.... قليل المعلومات فى دينه وفقهه أن يقوم بهذا الوعظ؟
بالطبع لا ولذلك فالأمر فى قوله تعالى (فعظوهن) يقع على عاتق الفقيه المتعلم القريب من مركز الحدث فهو الذى يعظ السيدة فى وجود زوجها وأهلها حتى تعلم الحق من الباطل والهدى من الضلال وتعرف أنها على حافة الهاوية فتتعظ وترجع عن غيها لو أرادت ذلك وصمممت عليه فالله تعالى يتقبلها ويهديها.
2- واهجروهن فى المضاجع : هذا أمر من الله تعالى للزوج كنوع من العقاب والتأنيب حتى تعرف خطأها فترتدع وتراجع نفسها وتضع النقاط على الحروف وتعرف أن زوجها وأولادها وبيتها أهم من أى نزوات أخرى قد تضيع مستقبلها وتشرد أسرتها .
3- واضربوهن : هذا الأمر ليس للزوج فهو ليس من حقه ضرب زوجته لأن ذلك يخالف الأخلاق القويمة والتقاليد الكريمة ويعرضه للمسائلة القانونية وقد يدخل السجن بسبب ذلك ولكن هذا الأمر لوالد الزوجة ووالدتها وإخوتها أن يقوموا بأخذ ابنتهم المشكوك فيها والتى لم تتأثر بوعظ الواعظين ولا بهجر زوجها فيقوموا بتخويفها وتأديبها دون بغى فإن عادت وأنابت ورجعت إلى الحق وتعهدت بإصلاح نفسها لا يبغى عليها ولو صممت على النشوز أى الإستمرار فى طريق الغى تبدأ مراحل طلاقها من زوجها وتدخل فى مرحلة جديدة وهى مرحلة
(وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا )النساء 15 أعاذنا الله تعالى من هذا السقوط .
هذه هى بعض اجتهاداتى وأرجو مناقشتها وعرض الأفكار المخالفة ولا أصر على رأيى لو ظهر لى ما يبرر خطأه والله المستعان.
التعليقات (0)