من وجهة نظرى المتواضعة كمجتهد كبر وترعرع بين أحضان القرآن العظيم ويحاول جاهداً تدبرآياته الكريمات وفهم معانيه الربانية السامية أؤكد أن القرآن له لغته العربية الخاصة بها فى شكلها وكتابتها ومعانيها قد لاتتفق بنسبة معينة مع لغتنا العربية العادية والتى ورثناها وورثنا علومها وقواعدها ودرسناها وقررناها على تلاميذنا منذ نعومة أظفارهم فبعض الألفاظ تكتب بشكل مغاير لكتابتنا وبعض الألفاظ يختلف معناها من سياق إلى سياق وبعض الألفاظ قد تحمل معان عكس ما نفهمه من لغتنا اليومية.
كلمة حظ
وردت عدة مرات فى القرآن الكريم ورغم أنها نفس الكلمة بنفس الحروف إلا أنها حملت معان عدة تختلف من موقف إلى موقف ومن سياق إلى سياق كما سنجتهد فيما يلى:
• ((وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ )) فصلت 35
• ((فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)) القصص 79
الآية الكريمة الأولى فى سورة فصلت 35 تتحدث عن الجنة التى وعدها الله تعالى عباده الصالحين الذين أبلوا فى حياتهم الدنيا بلاءاً حسناً فاقاموا الدين ولم يتفرقوا فيه وعبدوا الله تعالى بلا شريك وعملوا الصالحات وصبروا على ما أصابهم من محن وابتلاءات ومصائب وكوارث وأمراض وفاقة وغيرها فاستحقوا عن جدارة لقب(صابرين) وبذلك فإن كلمة حظ عظيم هى مجمل ما قدمه هؤلاء الصالحون المتقون فى حياتهم الدنيا من خيرات وحسنات وصالحات وصدقات ومبادرات خير لكل من حولهم وما حولهم فجاءت كلمة (حظ عظيم) لتجمل كل تلك المعانى الكبيرة وغيرها ولكى تعبر عنها فى أسلوب قرآنى معجر موجز هو القول الفصل.
أما الآية الكريمة الثانية فهى تحكى عن قارون الطاغية الذى رزقه الله وفرة من المال والقصور والخدم والثراء الفاحش الذى يعجز عصبة من الرجال الاقوياء على حمل مفاتيح خزائنه من كثرة ما بها من ذهب وفضة ونقود بشتى أنواعها،هاهو اليوم يخرج بزينة مبهرة وموكب رهيب بخيول مزركشة وعبيد وخدم وملابس مذهلة من كثرة ما بها من تكاليف، خرج والغرور يحتل كل جوانب تفكيره معتقداً من شدة كفره أنه صانع تلك الثروة وأنه حصل عليها ليس بتوفيق الله وقدره ولكن بذكائه وشطارته وعلمه وعقله الألمعى ، فكان موكبه يخلب ألباب عبدة المظاهر ومشتهى الدنيا الذين يريدون الحياة الدنيا ولا يعملون حساباً للآخرة.
حسدوه وحقدوا عليه وتمنوا أن يكون لهم مثل ما لقارون من قصور وأموال وثروات طائلة لأنهم بجهلهم لا يعلمون مصير هؤلاء الطغاة عند خالقهم ، فقال الذين لا يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثلما أوتى قارون إنه لذو حظ عظيم، فجاءت كلمة حظ عظيم لا لتحمل نفس معنى حظ عظيم فى آية سورة فصلت 35 ولكن جاءت لتحمل كلمة (بخت) وهى كلمة عربية تقال لمن يعتقد أنه محظوظ أو يحالفه الحظ بدون سبب اى كمن يكسب بدون مجهود أو يكسب فى القمار كمية من المال أو تقع عليه القرعة فى سحب معين فيكسب جائزة كبرى دون بذل اى مجهود يذكر ولذلك فقد جاءت كلمة (حظ عظيم) فى سورة القصص 79 لتحمل نقيضاً كاملاً فى المعنى من كلمة حظ عظيم التى ذكرت فى سورة فصلت 35.
• ((وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ۗ يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )) آل عمران 176
• (( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ.......)) النساء11
• ((وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )) المائدة 13
وفى الآيات الكريمات السابقة نرى معان جديدة لكلمة حظ ففى الآية 176 آل عمران تأتى كلمة حظ بمعنى دخول الجنة وأن الله سيحرمهم هذا الحظ بسبب ضلالهم وكفرهم وصدهم عن سبيل الله عن عمد محاربة لله ورسوله وقرآنه.
وجاءت كلمة حظ فى النساء 11 لتحمل معنى نصيب الشخص من الميراث الذى يتركه الوالدان والأقربون كما جاءت فى الآية الأخيرة فى المائدة 13 بمعنى جزء أى أن أهل الكتاب نسوا وأهملوا عن عمد جزءاً مما نزل عليهم فى كتب الله تعالى التى سبقت نزول القرآن الكريم فضلوا بذلك عن سواء الصراط .
كلمة يمنون
كلمة يمن أو يمنون أو المن وهو الإسم من يمن جاءت ايضاً فى عديد من آيات الله الكريمات لتحمل معان ودلالات مختلفة حسب السياق وحسب الموقف والموقع كما سنجتهد فيما يلى:
• (( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )) الحجرات 17
• ((وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) البقرة 57
• ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)) البقرة 264
• ((إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)) محمد 4
فى الآية الأولى فى الحجرات 17 يحاول حديثو العهد بالإسلام أن يتباهوا على رسول الله ص ويعيرونه بأنهم آمنوا معه كأن يقول له أحدهم (مش كفاية ان احنا اسلمنا معك ؟ عاوز ايه تانى؟) وهو كلام سلبى تافه غير مسئول من أناس لم يتوغل الإسلام فى قلوبهم ولم يذوقوا حلاوة الإيمان برب العزة ولم يمرق القرآن إلى ثنايا قلوبهم بل هم سطحيون يهرفون بما لا يعرفون فيكون رد رب العزة الذى أوحاه على رسوله الخاتم ص أن يقول لهم لا تتفاخروا علىّ بدخولكم الإسلام بل الحق أن الله تعالى وليس أنا هو الذى يمن عليكم لأنه أخرجكم من ظلمات الشرك والكفر والضلال وأدخلكم فى رحاب الإيمان والتقى والرشاد، وهكذا تأتى كلمة يمنون هنا بمعنى يتباهون ويعيرون .
وفى الآية الكريمة الثانية فى سورة البقرة 57 جاءت كلمة المن بمعنى نوع من الطعام كان يرزق الله بنى اسرائيل عندما خرجوا مع موسى عليه السلام هاربين من بطش الفرعون المجرم وجبروته فرزقهم الله تعالى بنوعين من الطعام هم المنّ والسلوى ونجد أن كلمة المن ذكرت بنفس الحروف ونفس التفاصيل بل ومصحوبة بنفس التشديد فى آخرها الذى يصحب كلمة منّ ويمنّ دائماً ولكنها جاءت بمعنى ودلالة تختلف تماماً عما جاءت به فى الآية السابقة.
وفى الآية الثالثة فى سورة البقرة 264 جاءت بمعنى الفضح وهو أن تقوم بإعطاء شخص ما صدقة أو زكاة أو ما شابه ولا تترك الأمر سراً بينك وبينه لا يعلمه إلا الله تعالى لكى يجازيك به خير الجزاء ولكنك – أقصد المنان – تذهب وتحكى وتقص للآخرين أنك تعطى فلاناً وتمنح علاناً وتتصدق على ترتان بغية الرفع من قدر نفسك أمام هؤلاء والحط من شأن من تلقى منك الصدقة أو الزكاة فتخسر بذلك كل شىء ويبطل عملك ولا يكون له أى قيمة عند الله تعالى لأنك لم تبتغ به وجه العلى القدير ولكنك ابتغيت به الشهرة والكبر فنلت حظك منه فى دنياك الفانية وخسرته بل وخسرت مصداقيتك أمام الله العلى القدير وأمام من سيعلم بفعلتك من البشر. فجاءت كلمة المنّ هنا بمعنى الفضح والتشهير رغبة فى الشهرة وعلو الشأن فى الدنيا.
أما الآية رقم 4 من سورة محمد فلقد جاءت تحمل معنى مغايراً تماماً لما ورد فى الآيات السابق ذكرها فقد جاءت فى سياق الحديث عن الأسرى وموقفهم من فك الاسر ويعرض رب العزة أحد حلين بهذا الخصوص فإما مناً أى إطلاق الأسرى دون فدية وإما فدءاً أى باتفاق أن يتم افتداء الأسرى مقابل مال أو اشخاص او تنازلات معينة من شأنها خدمة قضية الإسلام والمسلمين وخدم أمنهم واستقرارهم .
هذه هى بعض اجتهاداتى وأرجو مناقشتها وعرض الأفكار المخالفة ولا أصر على رأيى لو ظهر لى ما يبرر خطأه والله المستعان
التعليقات (0)