مآقٍ تحجرت فيها الدموع ووجوه تغنضت فيها مأساة وطن اشبه بالكابوس..ترنو الى لون السواد المرير الذي اصطبغت به زرقة نهر دجلة التي بهتت وتلاشت بعنت الموت وعبث الحروب.. عيون تبحث عن اشلاء احبتها على وجه النهر الباكي المكتنز بعذابات احلام مزقتها حرقة الاسى وكبلتها فتاوي الموت القادم من بعيد..
عيون ووجوه لامهات تستنطق المويجات الحزينة اشلاء بنيهم او بقايا آباء دقت على اقدارهم احقاد الماضي وآثام التاريخ..وجوه تختلط دموعها بماء النهر متوسلة الجثث الطافية ان تكذبها الظن او ان تأتيها بما يمكن ان يضمه قبر يزار..
وجوه تزدحم الاسئلة على ملامحها المطفأة ..اسئلة عن اي دين واي عقيدة تستبيح الروح والنفس التي حرم الله..اسئلة مدماة بالاطراف المقطعة والرؤوس المفصولة عن الاجساد عن الصمت الشامت الشبق لذوي القربى من حملة القرآن.. وعن الوطن الاخضر الجميل الذي اغتالته الاشياء اللامسماة الطارئة على البشرية والبهائم المقيدة الى البارود..تلك الاشياء المتلبسة بلبوس الآدمية المعبأة قلوبهم بالحقد القديم وثارات الكتب المغبرة وفتاوى اسامة بن لادن..ذلك الشئ الذي استثارت طريقة دفنه في البحر مشاعر اعلام الامة وحملة نور نبوتها لانه لا يجوز الا في البر ولا يعد دفناً لائقا على الطريقة الإسلامية ..
نعم..لا يعد رمي البشر في الاعماق وتركه عرضة لوحوش البحر من الشريعة الاسلامية في شئ..وليس لف الميت في خرقة بيضاء وتلاوة كلمات برطانة اليانكي الكافر مراسم ملائمة للدفن حتى لو ترجمت الى العربية..وفي هذا قد يكون تمام الاصابة لبقية الله في ارضه الذين اعلوا النداء احتجاجا على تدنيس حرمة رجل مسلم مات على دين الحق وان كان في رقبته دماء الالاف المؤلفة من صنعة الله وبناءه والتي لعن الله من عليائه من هدمها وبشره بنار لا تبقى ولا تذر..تلك الحرمة التي لم تراع تمام المراعاة في الطقوس المرتجلة المستعجلة التي رافقت ايداعه الموج تاركين الناس بين مأسوف وغير مأسوف عليه..
ولكن لا لوم ولا تثريب على الامريكان..فهم قوم لا يعلمون..وقد يكونوا اساءوا فهم الافراط في مراعاة فقه السلف الصالح الذي كانوا يعايشونه في العراق على يد انصار الشيخ اسامة من خلال رمي الناس على الطرقات وفي مجاري الانهار..فقد يكونوا اعتقدوها سنة او اجتهاد يؤجر عليها المرء..فلا لوم عليهم ولا هم يستعتبون..فحتى نحن لم نكن نسمع بدفن البحر قبل ان يعمنا غمام المسبحين بحمد الشيخ والنائلين بركاته والمقتدين بهداه..ولم نعرفها الا من سننه جعل الله عليه وزرها ووزر من عمل بها..ان كان من مشارق الارض اومغاربها..الى ان يرث الله الارض وما عليها..
المهم ان بن لادن قد مات.. وكانت نهاية حياته كما بدأها..قصرا مترفا عالي الاسوار يضمه ونساءه وبنيه ومن ارتضاه رفيقا..ليس في الكهوف ولا في مفاوز الجبال..بل في قصر متعدد الطبقات..مات وترك العلماء في جدال يعمهون.. وزودهم بالكثير مما يجادلون به خارج احكام الحيض والنفاس..يا لهذا الجدال ما اطوله..وكم سحر من عيون وكم ذهب بعقول القوم..وكم صار كمشهد ممل طويل ..لا يمل الفقهاء اداءه..ولا يضجر منه المريدون..ولكن السؤال..اما كانت لاشلاء العراقيين الممزقة المبعثرة في الترع والسواقي وعلى جروف الشطوط البعيدة عن الاهل والخلان حصة فيه..ولاحتى لمحة تفكر واسترجاع..والم يكن لعويل الامهات ما يدفعكم لادانة كل هذا القتل المسرف الذي طال الارض والعرض والانسان..
مات بن لادن..مات وسباع البحر تغص الان بلحمه .. وكانت عملية دفنه بهذه الطريقة حركة لا طائل من ورائها.. ولكنكم ما زلتم على منطق الكراهية وابتغاء وجه الخصام.. رغم اننا كنا نتمنى ان يكون هذا الغياب بداية لتفتح ربيع الشعوب..وعلامة تؤرخ نهاية الكابوس الطويل..
مات بن لادن.. وحقيقة ..لم نفرح بموته ..وفي نفس الوقت لم نكن لنحزن لو كان رمي في اي مكان .. فالرجل قد فقد تواجده بين اوقاتنا المزعجة منذ زمن بعيد..ولم يعد له مكان بين انشغالاتنا واهتماماتنا..فما يشغل الناس الان هو الثورة والتغيير..وانتفاضة الشعوب الحرة ضد حكامها..تلك الثورة التي مات ولم تكن له حصة فيها وفي كل نسائم التغيير التي هبت على الشعوب التي بدأت تصم آذانها عن رسائل الشيخ وفتاوى العلماء..ولم يكن لكم فيها حصة ايضا يا علماء الامة وقادتها..لان الكراهية لا تصنع التاريخ.., بل يصنعه اصحاب الارادات الحرة وفرسان الضمير ومن يعملون لوجه الانسانية والأمن والاستقرار ..
التعليقات (0)