فضاء الكلمة
نعم لإعلان الحب .. ولا لاضطهاد المشاعر
بقلم : خليل إبراهيم الفزيع
قلة أولئك الذين يكتبون مذكراتهم في أدبنا العربي المعاصر، وأقل من القلة أولئك الذين يبوحون بعلاقاتهم الحميمة في الحب والزواج، ويعتبرون ذلك من المحرمات التي لا يجوز أن يلجأوا إلى حماها خشية القيل والقال.
وحجة هؤلاء أن العلاقات الأسرية هي علاقات خاصة لا دخل للآخرين فيها وهذا مقبول إذا تعلق الأمر بتلك التفاصيل الدقيقة لهذه العلاقات، لكن هذا لا يمنع أن يعلن الزوج عن حبه لزوجته على رؤوس الأشهاد، وان تعلن الزوجة حبها لزوجها على رؤوس الأشهاد أيضا، فإعلان الحب هو الوصفة السحرية التي تزيل ما قد يطرأ على العلاقة بين الزوجين من فتور، لتكون أكثر حميمية ودفئا وزهوا واطمئنانا بين الطرفين.
لابد من الاعتراف بالخصوصية التي تتسم بها الحياة الزوجية، والتي لا يحق لغير الزوجين معرفتها والحفاظ على سريتها، لكن إعلان الحب بين الطرفين ليس من هذه الأسرار التي قد يؤدي البوح بها إلى أية مشاكل محتملة، بل هي كما قلنا وسيلة من وسائل ترسيخ الثقة بين الطرفين، ما دام الصدق قرينها، وتوثيق العلاقة الزوجية هدفها.
وأسوأ ما في الأمر أن بعض الأزواج لا يكتفي بأن يرفض أن تعلن الزوجة حبها له، بل يستهجن ذلك ويعلن استخفافه بهذا الأمر، ولسائل أن يسأل مثل هذا الزوج: إذا لم تعلن زوجتك حبها لك، فلمن تعلنه إذن؟ وإذا لم تمارس طقوس هذا الحب معك، فمع من تمارسه ؟ صحيح أن هذه قضايا خاصة جدا وحساسة جدا، لكن هذا لا يمنع من طرحها ليتعلم الجميع الحب العفيف، ولنعلـّم أبناءنا وبناتنا كيف يحبون زوجاتهم أو أزواجهن والهدف أن تنعم الأسرة بالاستقرار، وينعم المجتمع بالفضيلة، فبغير الحب قد تتعثر الحياة بين الزوجين، وهذا الحب يقتضي البوح الحميم بالعواطف الجياشة والمشاعر النبيلة بين الزوج وزوجته، دون ما حرج أو حساسية، وكم هي كثيرة تلك المشكلات العاطفية الناجمة عن الخجل بين الطرفين أو التردد في البوح بعواطف كل منهما للآخر، وكأن الأمر لا يعنيهما، أو كأن العلاقة الزوجية محكومة بتلك الرتابة التقليدية التي أصبحت بائدة منذ أجيال، فقد كان الرجل هو المفرد العلم الذي يتعامل مع زوجته ، كما يتعامل مع جواريه، وهذه النظرة المتخلفة لم يعد لها وجود في قاموس العلاقات الزوجية في هذا العصر، فالزوج شريك في الحياة الزوجية وليس سلطانها الأول والأخير.
وأولئك الذين يكتبون سيرهم الذاتية، ويتجاهلون علاقاتهم الحميمة في الحب والزواج.. إنما يكرسون واقعا مؤلما يجسد سوء العلاقة بين الزوج وزوجته، وبدلا من أن يبادروا بتحطيم ذلك الصنم الخرافي المسمى الحياء بين الزوجين، نراهم يقعون في أسره، ولا يحاولون الخروج من هذا الأسر إلى آفاق أرحب في العلاقة بين الطرفين.. لتكون هذه العلاقة دون حواجز أو عقد إن لم تكن على الأقل دون محاذير، فالحب طائر جميل، لا يغرد إلا في الأجواء التي تتيح له التحليق في فضاءات الصدق والشفافية، والبوح الصريح.
إن اضطهاد المشاعر بين الزوجين بكتمانها قد يؤدي في النهاية إلى غيابها فيما له صلة بالعلاقة مع الأبناء الذين سيؤذيهم حتما أن تكون حياتهم خالية من مشاعر الحب من الأب و الأم ، وهذا مدعاة لتفكك الأسرة وانهيارها، وإذا كان الاضطهاد مرفوضا في كل شيء فهو مرفوض أكثر حين يتعلق بالمشاعر التي أوجدها الخالق في خلقه لتجمل بها الحياة، وتزدهر بها العلاقات الإنسانية بين بني البشر، وفي المقدمة العلاقات الأسرية وبالذات بين الزوج وزوجته، وقد جعل الله بينها مودة ورحمة، وليس قسوة وجفوة .
نعم لإعلان الحب بين الطرفين...
ولا لتجاهل المشاعر بينهما...
فهذا التجاهل قد يؤدي إلى كارثة تنتهي بفشل الحياة الزوجية لا قدر الله، لأسباب يسهل تجاوزها وعقبات يسهل تخطيها.. من اجل حياة زوجية مستقرة.
لا كتب السير الذاتية، ولا رواياتنا ولا أشعارنا تعنى بهذا الجانب من الحياة، لأن صوت الرجل هو الأعلى، ورجال كثيرون لا يقيمون وزنا للمرأة، فكيف نريد له أن يعلن حبه لها على رؤوس الأشهاد؟!
التعليقات (0)