"السلاح الكيميائي السوري يشكل تهديدًا للأمن القومي الأميركي ولبلدان أخرى في المنطقة" (باراك أوباما). "السلاح الكيميائي السوري يشكل تهديدًا للأمن القومي البريطاني" (دايفد كاميرون).
الكل حاول إيراد شيء من التلميح الى الحقيقة في سياق خطاب التضليل الدعائي الذي اعتمده الغرب للإيهام أن هدف الضربة العسكرية المزمعة هو "معاقبة الأسد" أو "تأديبه" أو "حماية الشعب السوري"... لكن وحدها السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة "سامنتا باور" امتلكت الجرأة الكافية على قول الصدق وكشف الحقيقة، فأعلنت في 6/9/2013: "أميركا لن تسمح بوقوع السلاح الكيميائي في أيدي الارهابيين"!
إعلان مدوٍ، وإقرار غير متوقع ربما تفلّتَ من فم تلك السفيرة عن زلّة لسان، ومع ذلك لم يتلقفه الإعلام المؤيد ولا المعارض للضربة بعمقِ تحليل وكثير اهتمام.
إجمالاً، كرّرت "باور" بألفاظها الخاصة، عبارة رجل النظام السوري النافذ "رامي مخلوف" ابن خال بشار الأسد، الذي صرّح في 10/5/2011 لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية: "إذا لم يكن هناك استقرار هنا (في سوريا) فمنالمستحيل أن يكون هناك استقرار في إسرائيل. لا يوجد طريقة ولا يوجد أحد ليضمن ماالذي سيحصل بعد، إذا لا سمح الله حصل أي شيء لهذا النظام"!
أما تفصيلاً، فلو كانت "سامنتا باور" تقصد النظام الأسدي بتصريحها ذاك لقالت: "أميركا لن تسمح ببقاء (بدلاً من "وقوع") السلاح الكيميائي في أيدي الإرهابيين"، فالسلاح الكيميائي لا يزال في أيدي النظام الأسدي التي لطالما وصفتها أميركا بالأمينة، وهو لم يقع بعد في أيدي سواه، إذًا عصابة الأسد ليست مشمولة بصفة "الإرهابيين" وليست معنية بذلك التصريح؛ وبالتالي فإن "أيدي الإرهابيين" التي لن تسمح أميركا بوقوع الكيميائي فيها، هي بلا ريب أيدي المجموعات المسلّحة الثائرة والمعارضة للأسد.
المطلوب إذًا منْع وقوع السلاح الكيميائي في أيدي الثوار على اختلاف فرقهم وتشعب انتماءاتهم وتنوّع أيديولوجياتهم، خصوصًا أن لا شيء يضمن إذا ما حصل هذا "المحظور" أن لا يتم استخدام هذا السلاح ضد إسرائيل، أو حتى "هجرته" الى أميركا وأوروبا، حيث قد تستخدمه جماعات معيّنة في تركيبة عبوات متفجرة تستهدف أماكن عامة كمحطات القطارات في واشنطن أو لندن أو باريس مثلا...
ومن هنا نقول، نعم، لقد فرَض الشعب السوري إرادته على العالم بالتخلّص من نظام الإرهاب الأسدي، ولو جزئيًا.
فبعد اقتناعها بأنه زائل-زائل، ها هي إسرائيل ممثّلة بالمجتمع الدولي -بما فيه أميركا وروسيا وإيران- تبدأ جديًا وتدريجيًا بتفكيك الآلة العسكرية التي يقوم عليها نظامها الإرهابي في سوريا، وذلك عبر تجريد عصابة المجرم بشار الأسد من الترسانة الحربية التي استُئمِنَ عليها طوال أربعة عقود لاحتلال سوريا وحماية إسرائيل... وها هي تقرّر المضي بالمرحلة الأولى المقتصرة على التخلّص من الكيميائي بوصفه السلاح الأخطر، على أن تليها -كما هو مرجح قُبيل إعلان الثورة انتصارها- مرحلة ثانية تقضي بتدمير الصواريخ بعيدة المدى وكل سلاح استراتيجي قد يشكّل خطرًا على إسرائيل من سوريا الجديدة الحرة والخالية من العمالة الأسدية...فكما ذكرنا مرارًا، بغير سوريا مدمَّرة بنيويًا وعسكريًا واقتصاديًا لا يمكن للعدو الصهيوني أنيعوِّض جزءًا يسيرًا من خسارته "الأسد"، ولا أن يأمن على نفسه.
الأملم تتبرّأ من ابنها البار ولم تتخلَّ عنه، كلا، كل ما في الأمر أنها تريد اليوم أن تنزع من يد ولدها تلك اللعبة الخطرة التي سمحت له باقتنائها يومًا ما واستأمنته عليها لسنوات طويلة، وهي لم تتخذ قرار النزع إلا بعدما شعرت أن أولئك الذين يلعب معهم ولدها باتوا يضاهونه في القوة لدرجة لم يعد بإمكانه معها المحافظة على ألعابه الخاصة، ومن شأن تلك اللعبة الخطرة إذا ما سقطت من يد ولدها الأمينة ووقعت في أيدي الآخرين المجهولة، أن تؤذي الابن والأم نفسها بل ربما بعض أقربائها...ولذلك باتت الأم مستعدّة لاستخدام العنف مع ولدها -على كُره منها- إذا ما رفض التخلّص من تلك اللعبة أو تسليمها لها بالحسنى، وذلك حرصًا على ولدها، لكن على نفسها وعائلتها قبل أي اعتبار آخر.
أدرك "بشار" جدية المجتمع الدولي في ضرب المخزون الكيميائي الذي يمتلكه، فالضوء الأخضر الإسرائيلي أعطي لإتمام العملية، ووزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيوس" لم يؤكد مسؤولية النظام عن الهجوم الكيميائي في 25/8/2013 إلا من القدس المحتلة وعقب لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي، كما أن اللوبي الإسرائيلي بدأ بجولات مكوكية على أعضاء الكونغرس الأميركي لحثهم على التصويت لصالح الضربة.
هذا بالنسة للأم "إسرائيل"، أما الحليفة البعيدة "الصين" فغابت عن السمع، وكانت المفاجأة لدى الحليفة القريبة "روسيا"، التي رضخت للقرار الإسرائيلي من خلال تأكيدها في 26/8/2013 على لسان وزير خارجيتها، أن "لا نية لديها للدخول في صراع عسكري بسبب الحرب الأهلية في سوريا،(...) روسيا لن تتدخل ولن تنجر الى حرب حتى إذا هوجم النظام السوري"، لتُعلن فيما بعد أنها عدّلت أماكن بوارجها في المتوسط إفساحًا في المجال أمام الضربة!
أما رمز المقاومة والممانعة بلا منازع "إيران"، فقد تولى أمرها الدبلوماسي الأميركي "جيفري فيلتمان" الذي زارها واجتمع الى قياداتها في 26/8/2013، فذكرهم بقوانين اللعبة والمساحة المسموح لهم صهيو-أميركيًا باللعب داخل إيطارها، وبالفعل مارس الإيرانيون ومُلحقاتهم دورهم المقاوم والممانع "للشيطان الأكبر" و"الإمبريالية" و"الاستكبار العالمي" على أكمل وجه عبر المواقف التالية:
أولاً: غياب تام وسكوت مدوٍ لأمين عام "حزب الإرهاب المنظم" الإيراني في لبنان "حسن نصر الله"، فلا ظهور إعلاميًا، ولا تهديدات بإزالة إسرائيل من الخارطة، ولا عنجهيات كلامية برد صاروخي من لبنان، ولا حتى صرخات إعلامية لتخوين العرب، مع أن الاستعدادات الجارية للضربة توفّر مادة دسمة جدًا لتلك العروض الدعائية الكاذبة؛ كل ما استطاع تقديمه لحليفه الأسدي، أن الحزب اكتفى ببيان في 5/9/2013، أعلن فيه رفضه أي "عدوان" أميركي على سوريا، واصفا إياه بـ "الارهاب المنظم" الذي يشكل "تهديدا سافرًا للسلم والأمن الاقليمي والدولي".
ثانيًا: وفي اليوم نفسه، وجّه الرئيس الإيراني "حسن روحاني" تهنئة إيرانية غير مسبوقة لـ"جميع اليهود" بمناسبة "هوش راشناه" أو يوم رأس السنة العبرية، وقد سطّر أسمى معاني المقاومة وأعظم نماذج الممانعة، عندما نأى ببلاده عن أي رد فعل عسكري على أي ضربة توجه لنظام بشار الأسد، قائلاً:"إذا حدث شيء للشعب السوري، فإن الجمهورية الإسلامية في إيران سوف تقوم بواجباتها الدينية والإنسانية بإرسال الدواء والغذاء إليه"!! وكانت المكافأة فورية، بموقف "حسن نية" غربي باتجاهه تمثل في الامتناع عن استهداف طهران في اجتماع نووي للأمم المتحدة الأسبوع المقبل.
ثالثًا: أما وزير الخارجية الإيراني الجديد "محمد جواد ظريف"، فقد التقط لواء الممانعة والمقاومة من يد رئيسه، ليغازل إسرائيل مكررًا التهنئة بالعيد اليهودي، ومؤكدًا في 6/9/2013 أن إيران تدين "مجزرة النازيين ضد اليهود" خلال الحرب العالمية الثانية، معتبرًا أن "إيران لم تنكر يومًا الهولوكوست، والرجل الذي اعتبر أنه ينكر ذلك (محمود أحمدي نجاد) رحل الآن".
رابعًا: وبالنسبة للمجرم "بشار"، فقد أوعز في ذلك اليوم الى رئيس مجلس نوابه "جهاد اللحام" بتقديم طلب استرحام لدى أميركا، فناشد "اللحام" الكونغرس الأميركي عدم السماح بضربة عسكرية أميركية على سوريا. في المقابل، وفي رسالة موجهة حصرًا الى الجمهور الذي لا تزال تنطلي عليه أكاذيب وترّهات الممانعة والمقاومة والعروبة، حذّر"الأسد" الغرب من "أن حلفاء بلاده (أصحاب شعار"الموت لأميركا الموت لإسرائيل، الذين أوردنا مواقفهم المشرّفة أعلاه) لن يسكتوا إزاء تعرض بلاده لضربة عسكرية"، مهدِّدًا واشنطن بأنها "ستدفعالثمن" اذا ضربت سوريا.
في 9/9/2013، دون أن تطلق أميركا رصاصة واحدة، خضع بشار الأسد لإملاءات موسكو الذي جرى تنسيقها دوليًا ثم الترحيب بها على الفور، فأعلن النظام موافقته على "اقتراح" روسيا وضْع ترسانته من الأسلحة الكيميائية تحت إشراف دولي ريثما يُصار الى تدميرها بشكل آمن، مستسلمًا لضربة عسكرية صهيو-أميركية لم تبدأ بعد ويبدو أنها تأجلّت الى حين التأكد من صدق الأسد بتسليم مخزونه... ليتبيّن بوضوح أن المطلوب حماية السلاح الكيميائي من الوقوع في أيدي الثوار لا معاقبة الأسد، وأن الحرب العالمية الثالثة ستبقى مستمرة ضد الشعب السوري، الذي عليه أن يُكمل مسيرة تحرّره وحيدًا ضد وحش حر طليق يملك تفويضًا دوليًا لإبادة شعبه... لكن بغير الكيميائي.
التعليقات (1)
1 - عبدو الشامي ### ابن ###
عربي - 2013-09-10 17:13:45
انت واحد ### ابن ### يا عبدو الشامي من المؤكد انك لا تعرف من هو والدك من كثرة الرجال الذين ### امك