لو قرأنا تصريحات قادة الأحزاب والتكتلات الفائزة في الأتنخابات النيابية منذ ظهور النتائج الأنتخابية والى الآن ، فأننا سنستنتج بأننا أنتخبنا المحاصصة بأبشع صورها أولا . ومصالح دول الجوار والأحتلال ثانيا ، وليأتي في ثالثا من يأتي ! .
ففي مشهد يذكرنا بتشكيل حكومة المحاصصة السابقة ، بدأت الأحزاب والكتل باستخدام مصطلح "حكومة شراكة" بعد يوم واحد من ظهور نتائج الأنتخابات ، بعد أن أتضح أستحالة تشكيل حكومة ذات غالبية سياسية من كتلة واحدة . وكما حصل في السابق ظهرت العقدة الأزلية الأساسية المتمثلة بغياب الاتفاق على رئيس الوزراء، فضلا عن توزيع المناصب السيادية . وهذا الوضع سيقودنا الى المحاصصة لامحالة .
أول من أعلن بوضوح بأن المحاصصة قادمة بقوة عند تشكيل الحكومة المقبلة هو أياد علاوي حين قال في خطابه بعد أعلان النتائج الأنتخابية «لابد من حكومة وحدة وطنية ». وفي تصريح للشرق الأوسط كان علاوي أكثر وضوحا حين قال « تصورنا واضح عن حكومة الوحدة الوطنية، نحن حددنا ماهية الحكومة الوطنية من وجهة نظرنا، وهي ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية ، الاول هو مكونات الحكومة الوطنية وهي القوائم الخمس التي فازت في الانتخابات، الثاني هو مسألة صناعة واتخاذ القرار ».
أما نوري المالكي فقد أعلن يوم أمس وللمرة الاولى ، دعمه لتشكيل «حكومة شراكة» تشارك فيها كل الكتل السياسية . ولكن وأن كان المالكي قد تأخر في أعلان موافقته على مبدأ المحاصصة الواضح بعبارة «حكومة شراكة» خوفا من هذه الكلمة اللتي حلف قبل الأنتخابات بأغلظ الأيمان بانه لن يعود اليها مرة أخرى للذين أنتخبوه . فأن موقف ائتلاف دولة القانون الموافق على المحاصصة كان معروفا منذ البداية من خلال تصريحات أعضائه من الصف الأول والثاني . أبرزها تصريح علي الاديب اللذي قال فيه للصحافة ان ائتلافه و"الائتلاف الوطني" اتفقا على ان "يكون رئيس الوزراء من بينهما بطريقة التراضي بين الطرفين".
وكلمة التراضي تعني أن الحكيميين والصدريين سيأخذون (حصتهم) كما يشائون لتنصيب المالكي "أو غيره من ائتلاف القانون" رئيسا للوزراء .
وأذا صدقت الأخبار الواردة في أيلاف عن مصدر وصفته المجلة "بالمقرب من المالكي" عن مباحثات جدية بين الكردستانية ودولة القانون فأن القوائم الكردية ستأخذ حصتها من كعكة الحكومة المقبلة هي الأخرى .
و هذا واضح في تصريحات رئيس الجمهورية اللذي شدد على « اهمية التعاون والتحاور بين جميع الكتل الفائزة في الانتخابات وعدم تبادل الاتهامات وتنقية الاجواء والجلوس معاً من اجل التوصل الى نتائج مشتركة».
أما فرحة أعضاء الائتلاف الوطني العراقي ، (أو ائتلاف المعممين ، أو ائتلاف أيران كما يحلوا للبعض تسميته) فهي واضحة وضوح الشمس . وكما قلنا في الجملة الختامية لمقال (المعممون هم الفائزون) من أن نتائج الأنتخابات تنذر بمحاصصة قادمة الرابح الأكبر فيها هو الائتلاف الوطني ، فهذا ما يؤكده تلاعب الصدريين بأعصاب الجميع عن طريق الأستفتاء الشعبي اللذي تقيمه لتحديد شخصية رئيس الوزراء القادم . حيث الأمر أصبح بيدهم اليوم .
كما أن تصريحات عمار الحكيم اللتي قال فيها « أن مبدأ الشراكة الوطنية وأدراك ان العراق لايحكم الا من قبل الجميع وان الدستور أكد هذه الحقيقة فكتلة واحدة غير قادرة على تشكيل الحكومة ، وان على القوائم الاربعة للجلوس على طاولة مستديرة لتوحيد الرؤية وهو خيار وحيد للمرحلة المقبلة وبعدها يأتي الحديث عن الاشخاص» تبين بوضوح أن مبدأ المحاصصة اللتي كان ينادي بها المجلس الأعلى قبل لأنتخابات هو اللذي سيطبق في تشكيل الحكومة المقبلة .
وربما سيأخذ الائتلاف الوطني اكثر مما توقعنا من حصص بعد تصريحات الحكيم اللتي قال فيها يوم أمس بانه " لن يشترك في حكومة ألا مع علاوي " واللتي تصيب أماني المالكي بتشكيل الحكومة في مقتل . وتجبر علاوي على التنازل للوطني عن الكثير .
فهل بقي هناك من يشكك في حقيقة أنتخابنا للمحاصصة ؟ .
لايمكن لأي شخص أنكار الدعم السياسي والمادي والأعلامي للدول العربية وأيران وتركيا والأحتلال للكتل العراقية الكبرى المتنافسة في الأنتخابات الأخيرة دون أستثناء . وأذا كان هناك من يدعي بأن هذا لاينطبق على طرف معين فأن ذلك سوف لن يعدو عن دعاية فارغة لاتستند الى أي أساس .
وها هي القوى الفائزة في الأنتخابات ، بتصريحات أعضائها وتصرفاتهم وتكالبهم على أبواب القصور الملكية والرئاسية العربية والأيرانية ، وأبواب السفارة الأمريكية تؤكد يوما بعد يوم أن تأثير الدول اللتي أحتضنت هذه القوى أذبان العهد الصدامي لايزال فعالا على هذه القوى ، وهذا أمر مفهموم وطبيعي حتى لو كنا نرفضه ونزدريه بشدة .وهذه الحقيقة لا تحتاج الى جهد كبير للوصول أليها .
ولكن السؤال اللذي يطرح نفسه هنا بقوة هو . ما اللذي أوصلنا الى المحاصصة مرة أخرى بالرغم من أننا جميعا كعراقيين رفضنا بشدة العودة اليها قبل الأنتخابات ؟ .
ولماذا لم تنفع كل الأجرائات الجديدة اللتي أتبعناها من قوائم مفتوحة ، الى تعديلات في قانون الأنتخابات ، في منع حدوث المحاصصة المقيتة وأيصال القتلة والسراق الى الحكم مرة أخرى وأن بأسماء وعناوين جديدة ؟؟.
بعد الفرصة التأريخية اللتي وفرها نظام صدام الأرعن لليمين المتطرف الأمريكي اللذي لم يفوتها لتحقيق حلم حبيبه وسيده الكيان الصهيوني لتفكيك العراق كدولة عبر دفع العراقيين للقبول بدستور يضمن الطائفية والعرقية مهما كانت نتائج أي أنتخابات قادمة . جرت الأنتخابات السابقة وأوصلتنا الى المحاصصة والفساد الأداري اللذي أحتلت حكومتنا السابقة المركز الأول فيه عالميا .
وها نحن نعود الى المحاصصة مرة أخرى بدفع من هذا الدستور اللذي تدخلت في وضعه حكومة بريمر بكل قوة ووضوح . وما دامت المحاصصة حاضرة في تشكيل الحكومة الجديدة . فأن الفساد سيكون موجود بالتأكيد خلال فترة الأربع سنوات القادمة . لأن أي تدخل من الشرفاء لوقف الفساد سيقابل بأسكات من قبل رئيس الوزراء ووزرائه خوفا من أنفصال هذه الكتلة أو تلك عن الائتلاف الحاكم ، مما قد يجر الحكومة الى أزمة ثقة في البرلمان تطيح بها . وهكذا نكون قد عدنا الى المربع الأول . والى الأسباب اللتي حالت دون القضاء على الفساد الأداري والمالي اللذي أكل الضرع والحرث في السبع سنوات العجاف الماضية .
وأذا لم نترك هذا الدستور الى دستور جديد يعامل جميع العراقيين على أساس المواطنة . وقانون أحزاب يمنع تكوين الأحزاب على اسس عرقية وطائفية . وأوضاع قانونية جديدة تحسم مسألة الفيدرالية وكركوك والدول داخل الدولة مثل كردستان وعصابات الأحزاب المسؤولة عن تهريب النفط وباقي خيرات العراق ، فأننا سنظل ندور في حلقة مفرغة . وسنجد أنفسننا ننتخب المحاصصة ونفس العناوين الطائفية في أي أنتخابات تجري مستقبلا . وعند ذلك ستكون العواقب الأجتماعية والسياسية وخيمة .
لذا فأن على البرلمان القادم تصحيح الأخطاء الدستورية أولا وقبل كل شيء للخروج من سجن المحاصصة والطائفية الى غير رجعة . ولبناء العراق على أسس جديدة تختلف عن الأسس اللتي أرساها بريمر واليمين الأمريكي المتطرف .
بل أن الأهم من هذا كله . وبعد التجارب المريرة السابقة . أعتقد أننا بحاجة الى احزاب ووجوه جديدة فاعلة لم تظهر على الساحة من قبل ، تاتي بأفكار وبرامج جديدة قادرة على اخراج العراق من محنته اللتي تجبره على التوسل بامريكا وأيران ودول الجوار اللتي لاتريد بنا خيرا ، وتخلصنا من هذه الوجوه اللتي اثبتت فشلها في كل اختبار دخلته .
http://www.almejlis.org/news_article_2766.html
http://www.elaph.com/Web/news/2010/4/548316.html
http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=346080&issueno=9927
التعليقات (0)