كتب أحدهم تحت عنوان " لا أريد رئيسا يدخلني الجنة" مقارنا بين رؤساء العرب والمسلمين الذين يصلون ويصومون ويحجون إلى بيت الله الحرام ومع ذلك ذاقت شعوبهم في عهدهم الذل والهوان والفقر والجوع والمرض وإهدار الكرامة رغم أن الحكام مسلمون وبين رؤساء الدول الأوربية والغربية المتقدمة رغم كفرهم وبعدهم عن شعائر الدين إلا أن شعوبهم في ظل حكمهم ذاقت أطياف الحرية وألوان النعيم وهكذا توصل إلى أنه لا يريد حاكما يدخله الجنة يريد نعيم الدنيا ولو حكمه فاسق أو عربيد المهم أن يلبى له رغباته وأن يغرقه في حياة المتع والشهوات..
والحقيقة أنه قد خانه المنطق لأنه عقد مقارنة بين متشابهين والمقارنة لا تكون إلا بين متضادين أما أنهما متشابهين فإن كلا من حكام العرب والمسلمين وحكام الغرب متشابهين في الفسق والفجور والبعد عن حقائق الإيمان ولكن الفرق الجوهري بينهما أن الأولين لا يعرفون إلا النهب والسرقة والاستبداد والظلم لا لشيء إلا لأنهم يأمنون المحاسبة وأما الآخرون فإنهم لا يفعلون ذلك لأن شعوبهم لهم بالمرصاد وقوانينهم تطبق على الصغير والكبير والغنى والفقير والرئيس والمرؤوس ..
لو كان هؤلاء الحكام مسلمين حقا لعلموا أن الحكم مغرم وليس مغنم وأنها أمانة ويوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها..
لو كانوا مسلمين حقا لعلموا أن الحاكم في الإسلام أجير عند الأمة يعمل لخدمتهم يحترف لهم كما قال أبو بكر الصديق عندما تولى الخلافة " كنت أحترف لعيالي بالتجارة قبل الخلافة والآن أنا احترف لكم فافرضوا لي من بيت مال المسلمين" أو يقوم بسد جوعتهم وستر عورتهم وتوفير حرفتهم كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه..
لو كانوا مسلمين حقا لعلموا أن الحاكم في الإسلام ليس مقدسا وليس ظل الله في الأرض ولا يحق له التحكم في الرقاب والعباد والأرزاق ولكنه بشر يخضع للمحاسبة والمراجعة بل وللعزل أحيانا قالها أبو بكر " أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم" وقالها عمر " إن وجدتم في اعوجاجا فقوموني"..
لو كانوا مسلمين حقا لعلموا أن الحاكم في الإسلام ليس من يوفر لرعيته الطعام والشراب والكساء والعمل فحسب ولكن كذلك من يحرس لهم دينهم ويحافظ على مقدساتهم ويرعى أخلاقهم ومبادئهم ويعلن الجهاد على كل طاغية وظالم يحول بين الناس وبين دعوة الحق ويضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه أن ينشر الإلحاد أو الانحلال في المجتمع المسلم تحت راية الحرية الفكرية والعقدية..
ما قيمة أن يوفر لي الحاكم الحياة الكريمة ثم يتركني وأولادي وبناتي نهبا لأفاعي الضلال وعقارب الانحلال تنهشنا من كل مكان وتنفث علينا سمها القاتل من وسائل الإعلام المختلفة حتى تصرعنا وتترك بيوتنا مرتعا للشهوات والقيم والتصورات الخبيثة.. أللدنيا خلقنا أم للآخرة ؟ ما قيمة أن أنال كل شيء هنا وأخسر كل شيء هناك وهنا الفاني وهناك الباقي ..أكسب الفناء وأخسر الخلود إنها إذا لتجارة بائرة وصفقة خاسرة ..
لذلك أقولها بكل كياني وجوارحي ولن أتنازل عنها أبدا ما حييت : نعم أريد رئيسا يدخلني الجنة...
التعليقات (0)