اعزائي قراء مدونتي المتواضعة نحن هنا لسنا بصدد الحديث عما إذا كان الحسد موجود من عدم وجودة حاشا لله فإن الحسد موجود ونحن مؤمنون بذلك والحمد لله ولكن مناقشتنا سوف تتعرض لكيفية حدوث الحسد وسأعرض وجهات نظر مختلفة وكل منا له براهينه المختلفة وما يساعدنا على ذلك هو سماحة الإسلام ودعوته للتفكر وإعمال العقل واعود أذكر أن وجود الحسد من عدمه ليس موضوع نقاش فالحسد موجود ولكن السؤال كيف يؤثر في المحسود ؟
هل هي أشعة تنطلق من عين الحاسد فتصيب المحسود ؟ أم هي سهام سواد القلب تنطلق ؟ دعونا نعرض وجهات النظر وادعوك عزيزي القارئ أن تعرض وجهة نظرك ؟
وجهة نظر المدون:
بدأت أفكر في هذا الموضوع منذ أن كنت أدرس دبلوم الدراسات العليا ( عامان ) بعد كلية التربية عام 1997م حيث كان يدرس لنا وقتها الدكتور محمد الطيب وكان وقتها مدرس الصحة النفسية وطلب منا بحث في أي موضوع يمس الصحة النفسية فبدأت أفكر وكانت المصادفة عندما أستمعت إلى أحد الركاب في قطار الساعة الثانية عشر المتجه من الأسكندرية إلى الصعيد وكان المتحثان يسردا ما حدث لجارهم من خراب بعدما حرض احد الأشخاص أم عتريس " احدى السيدات " لسحر جارهم وهو وعائلته بالكامل ودفعا لها مبلغ من المال فكام ما كان وحدث ما حدث من خراب واحترق المنزل بمن فيه واحترقت ام البناء وما زال الرجل زوجها في غرفة العناية بالمستشفى بين الحياة والموت , شجعني حب الاستطلاع وساعدني طول المسافة والوقت حيث مازال على وصولي إلى مدينة دمنهور قرابة الساعة ويزيد فسلمت عليهم وعرفتهم بنفي ضابط بالقوات المسلحة " ضابط احتياط " برتبة ملازم أول حيث كنت أقضي فترة التجنيد ثلاث سنوات وبأت بالحديث عن الحسد وسألتهم هي الولية دي تفتكروا لما حسدت عملت إيه ؟بالطبع أقصد الولية بالمصري يعني المرأة. قالوا ياأستاذ دي سرها باتع في الحسد وحسدها ما يخيبش قلت لهم ممكن اسمع قصة اخرى لما فعلته قالوا في يوم حسدت مزرعة دواجن موجودة في مساحة فدان وخلصت على الدجاج بالكامل كلهم ماتوا يااستاذ آه والله كلهم ماتوا؟ مش جايز في اسباب تانية ؟؟ قالوا والله لما حققوا قالوا ان الدجاج أكل عجين مسموم بموبيد حشري لكن الأهالي مصدقتشي الحكاية دي!!!
فقلت لهم نرجع للقرآن الكريم في موضوع الحسد وقصصة ونشغل دماغنا يمكن نوصل لحل ! ماشي يا استاذ !!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
قل أعوذ برب الفلق , من شر ماخلق , ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد , ومن شر حاسد إذا حسد . صدق الله العظيم
السورة الكريمة عندما تعرضت للحسد ذكرت ومن شر حاسد ( نكرة ) أي حاسد أي شخص يتمنى زوال نعمة الغير فهو حاسد , ولكن من يتمنى زوال نعمة الغير كثر فإي منهم نستعيذ منهم , هنا الجواب واضح إذا حسد أي تمنى زوال نعمة الغير واقترن هذا التمني بالفعل مثال : هب أن أخوة وجدوا أباهم يفضل واحد منهم عنهم ويشمله بالكثير من العطف والحب وهم له حاسدون ويمنون زوال هذه النعمة وجلسوا يفكرون ماذا يفعلون " صحيح كما فعل أخوة يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأذكى السلام " فعلا فكروا في التخلص منه برمية في بئر عميق , ولم يفكروا في اشعة تخرج من أعينهم فتحرقه أو تصيبه بالشلل , ولكن كان سرد القرآن عمليا ومنطقيا , وكذلك ما فعلة قوم سيدنا ابراهيم ذلك الصبي الذي توصل بهداية من الله سبحانه وتعالى إلى أن هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر وفعل فعلته والتي ذكرها القرأن بتقطيع رقاب الأصنام وتعليق الفأس على كتف كبيرهم , وقال لهم أسألوا كبيرهم أكيد عند العلم بمن فعل ذلك .... ما هذا الذي حدث لهم لقد أخرصهم هذا الفعل والحجة وتمنوا لو استطاعوا الرد عليه الحجة بالحجة ولكن الله يهدي من يشاء فما كان منهم إلا جمع الحطب عاما والحريق عاما ثم ألقوه في النار وكلنا يعرف الحوار الذي ذار بين سيدنا ابراهيم عليه السلام والملائكة....
وما يقال عن حديث العين فلقت الحجر فأجماع العلماء انه ليس بحدث صحيح .....
يحضرني قصة عندما وجدت احد الزملاء معنا في مدرسة الشيخ عبد العزيز وكان حزينا قلت له صباخ الخير يا فلان قال أي خير !!! قلت عسى ماشر انشاء الله خير ,, قال يا سيدي واحد من أخونا البعدى المصريين أللي منعانا شاف ابني " يقصد ابنه الذي كان يعمل معنا معلما بنفس المدرسة " قلت له وبعد ماشافه قال طسه عين أي قذفة عينا فوقع ابني على الأرض بعد ما دار حول نفسة ثلاث دورات قلت له ألم تفكر انه احتمال يكون ابنك عنده كهرباء زيادة بالمخ ,,, يارجل المفروض تعرضه على اخصائي مخ واعصاب بدل ما ترقيه " بالطبع القرآن مستحب ولكن مع الأخذ بالأسباب والعلاج قال ياراجل دي عين وصابته قلت له يا رجل دا ابن اخي اصابه نفس ما اصاب ابنك وعمله كشف اشعة على المخ وحاليا يعالج من كهرباء زائدة وقارب على الشفاء , فتركني ولم يرد علي.
كنت يوما في مسجد الرملي بدمنهور وكنت طالبا في الصف الأول الثانوي وكنت احضر يوم الجمعة صباحا لأجلس مع أمام المسجد الشيخ صالح رحمة الله وافتكر يوما تناقشنا عن الحسد فقلت انا أرى ان هناك اشعة غير مرئية تنطلق من عين الحاسد لتصيب المحسود , فالظاهر اصابت هذه الفكرة استحسان لدى الشيخ صالح وكان موضوع خطبة الجمعة , فسمعته يقول ويعتقد الكثير من العلماء ان هناك اشعة تنطلق من عين الحاسد لتصيب المحسود فأبتسمت وقلت في نفسي سامحك الله يا شيخ خلاص بقيت من العلماء.
كانت امي رحمة الله تربينا على " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا " وعلى حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم لمعاذ الذي في معناه واعلم انه لو اجتمعت الأمه على ان ينفعوك بشيئ , لن ينفعوك إلا ما كتبه الله لك وإذا اجتمعت على ان يضروك لن يضروك إلا بشيئ قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف.....
وهنا اتذكر كم كنا نذاكر دروسنا على سطح المنزل وكل الناس ترانا وكنا ننجح بتفوق في الوقت الذي كنت أرى الناس تدعوا أبنائها للدخول في الداخل لأن أم عبده سوف تحضر تلك المرأة التي كانوا يطلقون عليها لقب اكبر حاسدة في الحي , لأنها كانت لا تنجب فكانوا ينعتوها بهذا اللقب .
واتذكر والدتي رحمها الله كانت تقول لي اذهب يا احمد لدار ام عبده وقول لها تحضر لترى المولود الجديد ولتجلس معنا طوال اليوم , وكانت ام عبده تقبل والدتي وتقول الله الله يعطيك كمان وكمان , اعطتها والدتي اخي في حجرها وقالت لها خليه معك , وبعدما تخرج تعلمنا والدتي درسا فتقول دي حرمها الله نعمة الأنجاب لأسباب لا نعرفها الله يقويها دي غلبانه.
في شارعنا كان من لم ينجح من أبنائة قالوا اتحسد؟
من لم يوفق في العمل قالوا اتحسد ؟
من حدثت له حاثة بسيارته ؟ آه لأنها جديدة واتحسدت ؟
اتذكر ابنتي بعد شراء سيارة لها في هذة الأيام ونحن في البحرين بعد يوم واحد حدث للسيارة حادثة قالت " الشماعة الذي يعلق عليها الناس أخطائهم " اتحسدت يابابا ؟؟؟ قلت له احكيلي ما ذا حدث قالت رن جرث التليفون وكان بالمقعد الأمامي فأخذته فأهتزت عجلة القيادة " الدريكسيون" بالمصري أو السكان بالبحريني فأنحرفت السيارة فحدث الحادث.
نعم شماعة نعلق عليها أي خطأ ؟؟؟ ولكن الحسد موجود يا استاذ ؟؟ نعم ولكن تمني زوال نعمة الغير واقترانه بالفعل الذي يسبب وزاله عن الآخرين .
احسد زميلي في العمل لحب المدير له فأذهب للمدير واخبره عن زميلي بما غير صحيح أو صحيح حتى يكرهه .
هذا هو رأي والذي أعمل بع ولا اخاف من أي حاسد بعينه ولك اخاف من أفعالهم فأقول " اللهم أشغلهم عنا بأنفسهم ... أعوذ بالله من شر حاسد إذا حسذ "
والآن إليكم الأراء المختلفة وكل رأي واسفله اسم صاحبه وفي النهاية لكل من وجهة نظر....
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أمَّا بعد: فقد اعتاد الناس أن يذهبوا إلى الأطباء لعلاج أبدانهم من الأمراض التي أصابتهم، وذلك لأنهم يشاهدون آثار تلك الأمراض، ومع ذلك يغفل الكثير منهم عن نوعٍ آخر من الأمراض، التي هي أكثر ضررًا من أمراض الأبدان، وهي أمراض القلوب، وهل التأثير حقيقة إلا على الروح والقلب ! فما البدن إلا تابع لهما.
ومن هذه الأمراض: الحَسَدُ، وهو من الأمراض الخطيرة، وهو سبب لضياع الدين والدنيا معًا، من أجل ذلك أحببت أن أُذَكر نفسي وإخواني الكرام بأسباب الحسد وعلاجه، فأقول وبالله التوفيق.
معنى الحَسَدُ:
الحسد هو أن يرى الرجلُ لأخيه نعمة، فيتمنى أن تزول عنه، وتكون له دونه. [النهاية لابن الأثير جـ1 ص383]
كلمة الحسد في القرآن:
جاءت كلمة الحسد في القرآن الكريم بمشتقاتها المختلفة خمس مرات. [المعجم المفرس لألفاظ القرآن ص201]
الرد على من ينكر الحسد:
قال الإمام ابن القيم -رحمه اللَّه-: «لا ريب أنَّ اللَّه سبحانه خَلَقَ في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة، وجعل في كثير منها خواص، وكيفيات مُؤَثرة، ولا يمكن لعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام، فإنَّه أمرٌ مُشَاهَد محسوس. فأنت ترى الوجه كيف يَحْمرُّ حُمْرة شديدة إذا نظر إليه من يستحي منه ويصْفر صُفْرة شديدة عند نظر من يخافه إليه.
وقد شاهد الناس من يَسْقم من النظر وتضعف قواه، وهذا كله بواسطة تأثير الأرواح ولشدة ارتباطها بالعين يُنسبُ الفعل إليها وليست هي الفاعلة، وإنما التأثير للروح.
والأرواح مختلفة طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها، فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذًى بَيْنًا، ولهذا أمر اللَّه سبحانه رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يستعيذ به من شره، وتأثير الحسد في أذى المحسود أمرٌ لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية، وهو أصل الإصابة بالعين، فإنَّ النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة، وتقابلُ المحسود، فتؤثر فيه بتلك الخاصية، وأشبه الأشياء بذلك الأفعى، فإنَّ السُّمَّ كامن فيها بالقوة، فإذا قابلت عدوها انبعثت منها قوة غضبية وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية، فمنها ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين، ومنها ما تؤثر في طَمْس البصر.
روى الشيخان عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اقتلوا الحيَّات، واقتلوا ذا الطفيتين -خطان أبيضان على ظهر الحية-. والأبتر، -قصير الذنب أو مقطوع الذَنَب-، فإنهما يطمسان البصر ويُسقطان الحَبَلَ -الجنينُ في بطن أمه-) [البخاري حديث 3297، ومسلم 2233، زاد المعاد لابن القيم جـ4 ص166]
أنواع الحسد:
الحسد نوعان: حسد مذموم، وحسد محمود، وسوف نتحدث عنهما بإيجاز.
أولاً: الحسد المذموم: المقصود بالحسد المذموم هو أن يرى الإنسان نعمة على إنسان آخر فيكره ذلك ويتمنى زوالها عنه وانتقالها إليه.
وهذا النوع من الحسد ذَمَّه اللَّه وحَرَّمه في كتابه وحذرنا منه النبي -صلى الله عليه وسلم- في سنته المطهرة.
قال تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌٌ﴾ [البقرة:109].
قال ابن كثير -رحمه اللَّه-: «يحذر اللَّه تعالى عباده المؤمنين من سلوك الكفار من أهل الكتاب، ويُعْلِمُهم بعداوتهم لهم في الظاهر والباطن، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين» [تفسير ابن كثير جـ2 ص18]
وقال سبحانه: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيمٌ﴾ [النساء: 54].
قال القرطبي: قوله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونٌَ﴾ يعني: اليهود، وقوله تعالى: ﴿ النَّاسٌَ﴾ يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة.
قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: «حسدوه على النبوة، وأصحابه على الإيمان به». [تفسير القرطبي جـ5 ص252]
وحذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحسد المذموم لما يترتب عليه من مفاسد في الدين والدنيا، وذلك من خلال أحاديثه الشريفة، والتي سوف نذكر بعضًا منها:
روى الشيخان عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تباغضوا، ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد اللَّه إخوانً) [البخاري حديث 6076، ومسلم حديث 2559]
روى الترمذي عن الزبير بن العوام أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (دَبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد، والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تَحْلِقُ الشعر ولكن تحلق الدين) [صحيح الترمذي 2038]
روى النسائي عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يجتمعان في قلب عبدٍ: الإيمان والحسد) [صحيح النسائي 2912]
مراتب الحسد المذموم:
ذكر أهل العلم مراتب للحسد المحرم، سوف نذكرها فيما يلي:
المرتبة الأولى: أن يحب الإنسان زوال النعمة عن الغير، وأن تنتقل إليه، ولذا يسعى بكافة السُّبُل المحرَّمة إلى الإساءة إليه ليحصل على مقصوده، كأن يحصل على داره، أو يجعله يطلِّق امرأته ليتزوجها، أو يكون صاحب منصب، فيحب أن يحصل عليه بدلاً من ذلك الغير. وهذه المرتبة هي الغالبة بين الحُساد.
المرتبة الثانية: أن يحب الإنسان زوال النِعْمة عن الغير، وإن كانت هذه النعمة لا تنتقل إليه، وهذه المرتبة في غاية الخُبْث ولكنها دون المرتبة الأولى.
المرتبة الثالثة: أن لا يحب الإنسان نفس هذه النعمة لنفسه، ولكنه يشتهي أن يكون لديه مثلها، فإن عجز عن الحصول على مثلها، أحب زوال هذه النعمة عن الغير كي لا يظهر التفاوت بينهما. [الإحياء للغزالي جـ3 ص298]
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى. ..
نقلاً عن مجلة التوحيد المصرية
ثانيًا: الحسدُ المحمودُ: المقصود بالحسد المحمود هو أن يرى الإنسان نعمة على غيره، فيتمنى أن يكون له مثلها دون أن يكرهها أو يتمنَّى زوالها عن ذلك الغير. [النهاية لابن الأثير جـ1 ص383]
ويُسمى هذا النوع من الحسد المحمود بالغِبْطة أو المنافسة، ومن المعلوم أن المنافسة في عمل الخيرات وطلب الآخرة أمر حثنا عليه الله في كتابه والنبي -صلى الله عليه وسلم- في سنته المطهرة.
قال تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمٌِ﴾ [الحديد: 21]، وقال سبحانه: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونٌَ﴾ [المطففين: 26].
روى البخاري عن أبي هريرة أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل عَلَّمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جارٌ له فقال: ليتني أوتيتُ مثلما أُوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالاً فهو يُهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أُوتيتُ مثل ما أُوتي فلان فعملت مثل ما يعمل) [البخاري حديث 5026]
عمر ينافس أبا بكر الصديق -رضي الله عنهما-
روى أبو داود عن عمر بن الخطاب قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبقُ أبا بكر إن سبقته يومًا. قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما أبقيت لأهلك؟) قلت: مثله. وأتى أبو بكر بكل ما عنده. فقال: (يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟) قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلتُ: والله لا أسابقك إلى شيء أبدًا . [صحيح أبي داود للألباني حديث 1472]
المؤمن حقًا لا يحسد أحدًا:
من صفات عباد الرحمن أنهم لا يحسدون أحدًا على نعمة أَنْعَمَ الله بها عليه.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونٌَ﴾ [الحشر: 9].
قال ابن كثير -رحمه الله-: «قوله تعالى: ﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوٌ﴾ أي: ولا يجدون في أنفسهم حسدًا للمهاجرين فيما فَضَّلَهم الله به من المنزلة والشرف والتقدير في الذِّكر والرتبة» [تفسير ابن كثير جـ13 ص489]
العين حق:
إنَّ الحسد بالعين ثابت بالكتاب والسنة ولا ينكره إلا جاحدٍ.
معنى العين:
نظرٌ باستحسان مشوبٌ بحسد من خُبْث الطبع يحصلُ للمنظور إليه ضرر منه. [فتح الباري لابن حجر جـ10 ص210]
قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ﴿51ٌ﴾ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينٌَ﴾ [القلم:51-52]
قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: ﴿لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمٌْ﴾ بمعنى يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك وحمايته إياك منهم. وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل» [تفسير ابن كثير جـ14 ص102]
عن ابن عباس أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (العين حق، ولو كان شيء سابق القَدَر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلو). [مسلم حديث 2188]
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعوِّذ الحسن والحسين يقول: (أُعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة، ويقول: كان أبوكم إبراهيم يعوِّذ بهما إسماعيل وإسحاق) [البخاري حديث 3371]
عن عائشة قالت: (أَمَر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نسترقي من العين) [البخاري حديث 5738، ومسلم حديث 2195]
عن أسماء بنت عُمَيْس قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ا لي أرى أجسام بني أخي -بناء جعفر بن أبي طالب-ضارعة أي: -نحيفة- تُصيبهم الحاجة. أي: -الجوع-. قالت: لا، ولكن العين تسرعُ إليهم. قال: ارقيهم) [مسلم حديث 2198]
مقارنة بين الحاسد والعائن:
«الحاسد والعائن يشتركان في الأثر، وهو أنَّ كل منهما يقع منه الضرر، ويختلفان في الوسيلة، فالعائن مصدر حسده العين، والحاسد مصدر حسده القلب حيث يتمنى زوال النعمة عن الغير». [بدائع الفوائد لابن القيم جـ2 ص231]
كيف تؤثر العين في المحسود ؟
قال ابن القيم -رحمه الله-: قالت طائفة: إن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة، انبعث من عينيه قوة سُمْيَّة تصل المَعِين أي: -المحسود- فيتضرر.
قالوا: ولا يُستنكر هذا، كما لا يُستنكر انبعاث قوة سُميَّة من الأفعى تتصل بالإنسان فيهلك، وهذا أمر قد اشتهر عن نوع من الأفاعي أنها إذا وقع بصرها
على الإنسان هلك، فكذلك العائن. وقالت فرقة أخرى: لا يُستبعدُ أن ينبعث من عيون بعض الناس، جواهر لطيفة، غير مرئية فتصل المَعِين وتتخلل مسام جسمه فيحصل له الضرر. [زاد المعاد جـ4 ص165، 166]
الوقاية من حسد العين: يجب على المسلم الذي يريد أن يتجنب الحسد عن طريق العين أن يبتعد عن مواجهة الإنسان المعروف بداء حسد العين وسَتْر محاسن الشيء الذي يخاف عليه الحسد. [زاد المعاد لابن القيم جـ4 ص173]
علاج حسد العين:
إذا تأكدنا أن أحد الناس حسد آخر بالعين، فإننا نطلب من الحاسد أن يتوضأ في إناء ثم نأخذ هذا الماء ونصبه على رأس وظهر المحسود من خَلْفه، فيبرأ بإذن الله تعالى. [التمهيد لابن عبد البر جـ9 ص352، ومسلم بشرح النووي جـ7 ص427]
عن سهل بن حنيف -وذلك عندما نظر عامر بن ربيعة إلى سهل فحسده- قال: فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامرًا فتغيظ عليه، وقال: (عَلاَمَ يقتلُ أحدُكُم أخاه ! هلا إذا رأيت ما يعجبك بَرَّكت. أي قلت: اللهم بارك له. ثم قال له: اغتسل له. فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب ذلك الماء عليه. يَصُبه رَجُلٌ على رأسه وظهره من خَلْفه، ثم يكفئ القدح وراءه، ففعل ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس) [حديث صحيح: مسند أحمد جـ2 ص486]
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان يُؤمر بالعائن، فيتوضأ، ثم يغتسل منه المَعِين) [صحيح أبي داود للألباني حديث 3286]
الوقاية من الحسد:
ذكر الإمام ابن القيم عشرة أسباب للوقاية من الحسد، يمكن أن نوجزها فيما يلي:
الأول: التعوذ بالله وحده من شر الحسد: فإن الله تعالى سميع لمن استعاذ به وعليم بما يستعيذ العبد منه.
الثاني: تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه: فمن اتقى الله، تولى الله حفظه ولم يكله إلى غيره. قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئٌ﴾ [آل عمران: 120].
الثالث: الصبر على عدوه: فلا يقاتله ولا يشكوه ولا يُحَدِّث نفسه بأذاه أصلاً، فما نُصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه.
الرابع: التوكل على الله: فإنه من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد عن نفسه ما لا يطيق من أذى الخَلْق وظلمهم وعداوتهم. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهٌُ﴾ [الطلاق: 3]، أي: كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه.
الخامس: فراغ القلب من الاشتغال بالحسد: يجب على المسلم أن يمحو الحسد
من قلبه كلما خَطَرَ له، ولا يلتفت إليه ولا يخافه ولا يملأ قلبه بالفكر فيه.
السادس: الإقبال على الله وإخلاص العمل له: فالإخلاص هو سبب انتصار العبد على الشيطان الرجيم، قال تعالى حكاية عن الشيطان: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿82ٌ﴾ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينٌَ﴾ [ص: 82، 83]، فمن دخل في حصن الإخلاص، لم يخْلُص إليه أحد من الجن والإنس.
السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب: وليعلم العبد أنَّ ما يصيبه إنَّما هو من ذنوبه، قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتٌْ﴾ [الشورى: 30]، وقال سبحانه لأصحاب نبيه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمٌْ﴾ [آل عمران: 165]، فكلما تاب العبد من ذنوبه، كلما كان ذلك سببًا لتجنبه الحسد من الناس.
الثامن: الصدقة والإحسان إلى الناس: لكي يتجنب المسلم الحسد ينبغي له أن يكثر من الصدقات في السر والعلانية، ويحسن إلى الناس، فإن لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء عن المؤمن ودفع الحسد كذلك. وهذا واقع ملموس فمن النادر أن يتسلط الأذى والحسد على صاحب صدقة خالصة لله تعالى وإن أصابه شيء من الحاسد فإن الله يَلْطف به جزاء ما قدَّم لله وحده.
التاسع: الإحسان إلى الحاسد: إنَّ من أعظم الأسباب لدفع الحسد، والتي لا يوفق إليها إلا من وفقه الله، إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، قال تعالى: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿34ٌ﴾ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٌٍ﴾ [فصلت: 34،35].
العاشر: تجريد التوحيد: يجب على العبد أن يشغل فكره دائمًا بالله تعالى فهو وحده مسبب الأسباب، ولا يحدث شيئ في هذا الكون إلا بإرادته ومشيئته، قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهٌِ﴾ [يونس: 107]، فإذا جرد العبد التوحيد لله تعالى فقد خرج من قلبه خوف ما سواه، وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله؛ فالتوحيد حصن الله الأعظم من دخله كان من الآمنين. [بدائع الفوائد لابن القيم جـ2 ص238، 245]
علاج الحسد:
إذا وقع الحسد لأحد المسلمين، فإنه يمكن أن يعالج نفسه أو يعالجه آخر بالرُّقْية الشرعية الثابتة في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ويجب على المسلم أن يعتقد أنَّ هذه الرقية الشرعية لا تأثير لها إلا بإذن الله وحده، وعلى المسلم أن يعلم كذلك أنه لا علاج للحسد الذي أصابه إلا بالقرآن والسنة.
ويمكن أن نوجز علاج الحسد فيما يلي:
1- قراءة المعوذات: وهما سورة قل أعوذ برب الفلق، وسورة قل أعوذ برب الناس، هذا ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. [صحيح ابن ماجه حديث 2830]
2- يقول المعالج للمحسود: (باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك) [مسلم 2186]
3- الإكثار من الدعاء: وخاصة عند السجود وفي ثلث الليل الآخر، وبين الأذان والإقامة ويوم الجمعة ويوم عرفة وعند إفطار الصائم وغير ذلك من الأوقات الفاضلة.
وعلى المسلم أن يوقن بأن الله سيجيب دعاءه، قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمٌْ﴾ [غافر: 60]، قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186]، وقال سبحانه: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونٌَ﴾ [النمل: 62].
4- المحافظة على الصلوات
المفروضة: جماعة في المساجد والإكثار من الاستغفار وتلاوة القرآن ونوافل الصلوات والصيام والصدقات والأذكار الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا كله من الأدوية النافعة بإذن الله تعالى لعلاج الحسد.
الحسد عند النمل: سبحان الله
اكتشاف علمي جديد يؤكد التقارب الكبير بين مجتمع البشر ومجتمع النمل، وهذا التشابه هو ما تحدث عنه القرآن قبل مئات السنين، لنقرأ هذه المقالة القصيرة....
طالما نظرنا إلى عالم النمل على أنه عالم يمثل النظام والتعاون والبناء، وأن مجتمع النمل هو مجتمع مثالي وهذا ما يميزه عن مجتمع البشر المليء بالحقد والفساد والمشاكل والفوضى.
ولكن الاكتشاف الجديد الذي قدمه الدكتور Bill Hughes للأكاديمية الوطنية للعلوم، يؤكد أن مجتمع النمل وعلى الرغم من النظام الفائق إلا أنه يتمتع بالخداع والفساد والاحتيال والحسد!! وقد وجد بعد دراسة مطولة لعدة مستعمرات للنمل أن مجتمع النمل يشبه إلى حد كبير مجتمع البشر في كل شيء تقريباً!
ففي مجتمع النمل هناك أنظمة للبناء والرعاية وتربية صغار النمل ونظام للمرور ونظام للدفاع عن المستعمرة، ونظام للتخاطب وغير ذلك. وبنفس الوقت هناك نوع من الغش والخداع تمارسه بعض النملات لكسب الرزق ومزيد من الطعام! وهناك مشاكل وقتال بين النمل في سبيل الحصول على غذاء ما.
إن هذه الميزات موجودة في المجتمع البشري، حيث نرى أنظمة للبناء والتعاون، وبنفس الوقت نرى الغش والخداع والحسد والقتل...
ويقول الدكتور Hughes :
إنك إذا تعمقت أكثر في عالم النمل سوف ترى بالإضافة إلى التعاون والنظام أن هناك مجتمع موبوء بالفساد والنزاع والقتال والغش، ومن الواضح أن المجتمع الإنساني يعتبر نموذجاً لذلك".
وعندما نبحث في اكتشافات العلماء الذين راقبوا مجتمعات النحل ومجتمعات الطيور وغيرها من الحيوانات، نرى بأنهم دائماً يتحدثون عن مجتمعات منظمة ولها لغتها الخاصة، وبنفس الوقت توجد فيها نزاعات وخداع وغير ذلك تماماً مثل المجتمعات الإنسانية.
من خلال هذه الاكتشافات نلاحظ أن العلماء يلاحظون التقارب الكبير بين الأمم البشرية والأمم من عالم النمل والنحل وغيره من الدواب وحتى الطيور وبقية المخلوقات على وجه الأرض، وهذا ما تحدث عنه القرآن قبل 14 قرناً في آية شديدة الوضوح، يقول تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [الأنعام: 38]. انظروا معي إلى دقة التعبير البياني: (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ) فالنمل يشبهنا في كل شيء تقريباً!
فعلماء الغرب، وبعد آلاف التجارب وأكثر من مئة سنة من الدراسات والأبحاث في عالم النمل، يقولون بالحرف الواحد: إن مجتمع النمل هو نسخة طبق الأصل عن المجتمع الإنساني، والقرآن يقول: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ) فهل هناك أبلغ من كلمات الله تعالى؟!
وإلى هذه الصور من حياة النمل التي لا تقل أهمية عن حياة البشر، لننظر ونتأمل ونقرأ ونسبح الله تعالى:
نملتان تتصارعان من أجل شيء ما! إن هذه المخلوقات على الرغم من صغرها إلا أنها تملك ذكاء فائقاً، وتقوم بعملية القتال بحرفية عالية، فسبحان الله!
فك النملة قوي جداً وحين تطبقه على فريستها يُسمع له صوت نقرة تسجله الأجهزة الحساسة، ويقول العلماء إن سرعة انطباق فك النملة أسرع من أي حيوان من الحيوانات! وقياساً لحجمها يعتبر فك النملة أقوى بكثير من فك التمساح! فتأمل هذه القوة الخارقة التي تتمتع بها نملة!
نملة تحاول اصطياد صرصور صغير بفكيها فتهاجمه وترعبه وتستخدم تقنيات شبيهة بتلك التي يستخدمها البشر في اصطيادهم للحيوانات!
معركة حامية الوطيس بين نملتين تُستخدم فيها أدوات حادة جداً هي "الفك"، ويقول الخبراء في عالم النمل إن لدى النمل استراتيجيات في القتال ربما يتفوق بها على عالم البشر، أو على الأقل يشبه عالم البشر.
جسر حي من النمل، حيث تقوم النملات بطريقة هندسية تشبه تلك الطريقة التي نصمم بها الجسور، يقومون بجميع الحسابات الضرورية ويقيمون جسراً تعبر عليه النملات الأخريات، وهذه التقنية معقدة جداً، ولا يمكن تفسيرها إلا إذا اعتبرنا أن النمل عالم ذكي جداً ومتطور مثلنا تماماً!
حرب كيميائية! صدقوا أو لا تصدقوا، فالنملة الصغيرة السوداء تفرز مادة كيميائية على شكل رغوة تظهر في الصورة، تضع هذه المادة السامة على رأس النملة الكبيرة الحمراء، وتقضي عليها بهذه الطريقة. إن النمل يستخدم هذه التقنية منذ مئات الملايين من السنين، ولكن البشر لم يستخدموها في الحروب إلا منذ مئة سنة!!
انظروا معي إلى هذا التصميم المحكم لفكي النملة، إنها تستطيع مهاجمة أي فريسة والقضاء عليها بضربة واحدة فقط! وسؤالي: ألا تستحق هذه المخلوقات الذكية أن تُذكر في القرآن؟ لقد سخر بعض الملحدين من أن القرآن يذكر النمل والنحل والعنكبوت، ولكنهم بنفس الوقت يعترفون بأن هذه الكائنات على درجة عالية من التعقيد، بل إنهم يحاولون الاستفادة من خبرات النمل في البناء وتنظيم المرور والتأقلم بشكل عام!
تملك النملة عيون تميز بها الكثير من الأشياء من حولها، ولا تزال الكثير من الأشياء مجهولة في عالم النمل، ويؤكد الباحثون أن النمل يتمتع بقدرة عالية على الخداغ، و"الحسد" والغش والمراوغة، تماماً مثل الإنسان، وهذه الاكتشافات لم يكن أحد يعلمها من قبل.
معركة بين نملتين، تستخدم فيها كل نملة فكيها بطريقة فنية، وأثناء هذه المعركة تمكنت أجهزة تسجيل العلماء رصد أصوات عنيفة تشبه أصوات التحطم التي نسمعها في المعارك بين البشر، سبحان الله، حتى في الأصوات التي تصدرها تشبه البشر!!!
نملة تعتدي على صديقتها لتنتزع منها فريستها، يقول العلماء: لا يقتصر وجود الشر بين البشر، بل هو موجود أيضاً في عالم النمل، ويقولون أيضاً: إن النمل يستخدم وسائل للخداع والغش والتزييف من أجل الحصول على طعامه، ومنهم من لا يستخدم هذه الوسائل، بكلمة أخرى: الخير والشر موجود عند النمل مثلنا تماماً!
وهنا نود أن نكرر قولنا لأولئك المستهزئين بهذا النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام: من أين جاء هذا الرسول بتعبير علمي دقيق جداً في زمن لم يكن أحد على وجه الأرض يعلم شيئاً عن هذه المخلوقات الصغيرة؟!
فسبحان الله الذي أحكم هذه الآيات وجعلها نوراً لكل مؤمن، وحجة على كل ملحد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عجائب الحشرات: حقائق تدعو للإيمان
نظام المرور عند النمل
أسرار عالم النمل
تحطم النمل
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com
1- Antagonism rife in the ant world, 12 March 2008. http://news.bbc.co.uk/2/hi/science/nature/7292334.stm
2- Super ant colony hits Australia, www.news.bbc.co.uk
3- Ants,www.en.wikipedia.org
4- Ants best at crowd control, The Daily Telegraph, August 03, 2007.
5- Ants, The Center for Insect Science. University of Arizona.
تعريف الحسد
الحسد: هو تمني زوال نعمة الغير (نعمة المحسود) وإن لم يصر للحاسد مثلها ويعرف الحسد باسم العين أي الإصابة بالعين ويقال : رجل عائن أو معيان أو عيون أى شديد الإصابة بالعين
أسباب الحسد
ا لتعزز
وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره . فإذا أصاب بعض أمثاله ولاية . أو علما،أو مالأ، خاف أن يتكبر عليه ، وهو لا يطيق تكبره ، ولا تسمح نفسه باحتمال صلفه وتفافخره عليه . وليس من غرضه أن يتكبر، بل غرضه أن يدفع كبره وحتى إذا قد رضي بمساواته مثلا، ولكن لا يرضى بالترفع عليه .
الكبر
وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه ، ويستصغره ويستخدمه ، ويتوقع منه الانقياد له ، والمتابعة في أغراضه ، فإذا نال نعمة خاف أن لا يحتمل تكبره ، ويترفع عن متابعته ، أو ربما يتشوف إلى مساواته ، أو إلى أن يرتفع عليه ، فيعود متكبرا عليه بعد أن كان متكبرا . ومن التكبر والتعزز كان حسد أكثر الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم سما إذ قالوا كيف يتقدم علينا غلام يتيم وكيف نطأطئ رؤوسنا فقالوا قولهم الذي ذكر في قوله تعالى : ملأ وقالوا لولا نزل هذا القرآن على ر جل من القريتين عظيم أي كان لا يثقل علينا أن نتواضع له ، ونتبعه إذ كان عظيما . وقال تعالى يصف قول قريش : أهؤلاء من الله عليهم من بيننا
العجب
كما أخبر الله تعالى عن الأمم السالفة، إذ قالوا ، ذكر ذلك في قوله تعالى : قالوا ما أنتم إلا بشرمثلنا وقالوا: نجد ذلك في قوله تعالى : فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة، والوحي ، والقرب من الله تعالى ، بشر مثلهم فحسدوهم ، وأحبوا زوال النبوة عنهم ، جزعا أن يفضل عليهم من هو مثلهم في الخلقة . لا عن قصد تكبر، وطلب رياسة وتقدم ، أو سبب اخر من سائر الأسباب . وقالوا متعجبين - ذكر ذلك في قوله تعالى : أبعث الله بشررسولا وقالوا لولا أنزل علينا الملائكة وقال تعالىأو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم.
الخوف
من فوت المقاصد وذلك يختص بمتزاحمين على مقصود واحد ، فإن كل واحد يحسد صاحبه في كل نعمة تكون عونا له في الانفراد بمقصوده . ومن هذا الجنس تحاسد الضرات في التزاحم على مقاصد الزوجية . وتحاسد الإخوة على نيل المنزلة في قلب الأبوين ، للتوصل به إلى مقاصد الكرامة والمال . وكذلك تحاسد التلميذين بالنسبة للأستاذ الواحد على نيل المرتبة من قلب الأستاذ . وتحاسد ندماء الحاكم وخواصه في نيل المنزلة من قلبه ، للتوصل به إلى المال وا لجاه. وكذلك تحاسد الواعظين على أهل بلدة واحدة، إذا كان غرضهما نيل المال بالقبول عندهم . وكذلك تحاسد العالمين المتزاحمين على طائفة من المتفقهة محصورين ، إذ يطلب كل واحد منزلة في قلوبهم للتوصل بهم إلى أغراض له .
حب الرياسة وطلب الجاه لنفسه
من غير توصل به إلى مقصود. وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون ، واذا غلب عليه حب الثناء، واستفزه الفرح بما يمدح به من أنه واحد دهره وفريد عصره في فنه ، وأنه لا نظير له ، فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم لساءه ذلك ، وأحب موته ، أو زوال النعمة عنه ، التي بها يشاركه في المنزلة ،من شجاعةأو علم ، أو عبادة، أو صناعة ، أو جمال ، أو ثروة أوغير ذلك مما يتفرد هو به ، ويفرح بسبب تفرده . وليس السبب في هذا عداوة ، ولا تعززا ، ولا تكبرا على المحسود ، ولا خوفا من فوات مقصود؟ سوى محض الرياسة بدعوى الانفراد . وهذا وراء ما بين آحاد العلماء من طلب الجاه والمنزلة في قلوب الناس ، للتوصل إلى مقاصد سوى الرياسة وقد كان علماء اليهود ينكرون معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يؤمنون به ، خيفة من أن تبطل رياستهم واستتباعهم مهما نسخ علمهم .
خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله تعالى
، فإنك تجد من لا يششغل برياسة، وتكبر، ولا طلب مال ، إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله تعالى، فيما أنعم الله به عليه ، يشق ذلك عليه ، وإذا وصف له اضطراب أمور الناس ، وإدبارهم ، وفوات مقاصدهم ، وتنغص عيشهم ، فرح به . فهو أبدا يحب الإدبار لغيره ، ويبخل بنعمة الله على عباده ، كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزانته. ويقال : البخيل من يبخل بمال نفسه ، والشحيح هو الذي يبخل بمال غيره ، فهذا يبخل بنعمة الله تعالى على عباده الذين ليس بينه وبينهم عداوة ولا رابطة . وهذا ليس له سبب ظاهر إلا خبث في النفس ، ورذالة في الطبع . ومعالجة مثل هذا شديدةلأن الحسد الثابت بسائر الأسباب أسبابه عارضة يتصور زوالها فيطمع في إزالتها، وهذا أخبث في الجبلة، لا عن سبب عارض فتعسر إزالته ، إذ يستحيل في العادة إزالته . فهذه هي أسباب الحسد، وقد يجتمع بعض هذه الأسباب أو أكثرها أو جميعها في شخص واحد فيعظم فيه الحسد بذلك ، ويقوى قوة لا يقدر معها على الإخفاء والمجاملة، بل ينهتك حجاب المجاملة، وتظهر العداوة بالمكاشفة . وأكثر المحاسدات تجتمع فيها جملة من هذه الأسباب وقلما يتجرد سبب واحد منها .
دليل الحسد من القرآن والسنة
ولايمكن أن ننكر الحسد فقد ذكره الله تبارك وتعالي في خمسه مواضع من القرآن الكريم كما صحت الأحاديث فيه عن المعصوم صلي الله علية وسلم ومنها
قال رسول الله صلي الله علية وسلم " العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين "
وعن سهل بن حنيف أن رسول الله صلي الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخوار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد فنظر إليه عامر بن ربيعه وهو يغتسل فقال ما رأيت كاليوم ولاجلد مخياة !! فلبط سهل فأتي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقيل له : يا رسول الله هل لك ما يرفع رأسه وما يفيق قال:" هل تتهمون فيه أحد؟" قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعه فدعا رسول الله صلي الله عليه وسلم عامرا فتغيظ عليه وقال:" عدام يقتل أحدكم أخاه هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت(ثم قال له " أغتسل له" فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخله ثم يكفي القدح وراءه ففعل به ذلك فراح سهل مع الناس ليس به بأس
وروى البزار عن جابر بن عبد الله أن رسول اله صلي الله عليه وسلم قال:"أكثر من يموت من آمتي بعد كتاب وقضائه وقدره بالأنفس "قال البزار يعني بالعين وقالت أسماء بنت عميس للنبي صلي اله عليه وسلم يا رسول الله إن بني جعفر تصيبهم العين أفاسترقي لهم؟ قال:" نعم فلو كان في يسبق القدر لسبقته العين"
العلم الحديث يثبت الحسد
لقد تكلم العلماء في عصرنا عن أشعة غير مرئية تخرج من عين الحاسد فتصيب من يحسدهوآخر ما أمكن للعلم أن يصل إليه في هذا الشأن ما أعلنته الجامعات ومعاهد العلم من أن العين تخرج منها أشعة تستطيع التأثير عن بعد في الماديات
وعقلاء الأمم علي اختلاف مذلهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ولاتنكره فقالت طائفة إن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة انبعثت من عينه قوه سمية تتصل بالمعين(المحسود) فيتضرر
وقد ذكرنا في موضع سابق كيف أصيب الشيخ أحمد القطان بالحسد حتى فقد صوته تماما فتأمل
حسد الجن للأنس
صح عن أم سلمة أن النبي صلي الله عليه وسلم رأى بيتها جارية في وجهها سفعة فقال: " استرقوا لها فإن بها النظرة"
قال الحسين بن مسعود الفاء (البغوي) : وقوله: سفعة أي نظرة يعني من الجن يقول بها عين أصابتها من نظر الجن أنفذ من أسته الرماح
قال ابن القيم: العين عينان : عين إنسية وعين جنية
قلت: ويؤيده حديث أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:"العين حق ويحضرها الشيطان وحسد ابن أدم"
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلي الله علية وسلم يتعوذ من اعين الجن وأعين الإنس ولولا ظان الجن تصيب الإنسان بالعين لما تعود النبي
صلي الله علية وسلم منها… والجن تنظر إلي عورة وجسم الإنسان إذا دخل الحمام (المرحاض- الكنيف) أو عندما يبدل ثيابه فتصيبه بالعين كما جاء في الحديث
الوقاية من حسد الجن
في حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلي الله علية وسلم " ستر مابين أعين الجن وعورات بني أدم إذا وضعوا ثيابهم أن يقولوا: بسم لله "
وفي رواية عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلي الله علية وسلم : "ستر ما بين الجن وعورات بني آدم دخل الكنيفأن يقول : بسم الله "
الوقاية من الحسد عموما
وذلك بمايلي
1- التحصن والتعوذ بالتحصينات والأدعية القرآنية والنبوية الدعاء بالبركة إذا رأى المرء ما يعجبه:
عن سعيد بن حكيم رضي الله عنه قال : كان النبي صلي الله علية وسلم إذا خاف أن يصيب شيئا بعينه قال:" اللهم بارك فيه ولا تضره" وقد قدمنا قول النبي صلي الله علية وسلم لعامر بن ربيعة:" هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت؟" وفي رواية" إذا رأى أحدكم مايعجبة في نفسه أو ماله فليبرك عليه
نقول للنساء: ستر المحاسن بارتداء اللياس الشرعي الذي يستر الجسد يدفع نظرات الذئاب الآدمية وسمومها .
علاج المحسود
1- يرقي المحسود نفسه صباحا ومساءا لمدة ثلاثة أيام بالتعوذات القرآنية التالية:
الفاتحة- أية الكرسي- أخر سورة البقرة- الإخلاص- المعوذتين بالإضافة التحصينات النبوية المذكورة اغتسال المحسود بماء غسل الحاسد وتستخدم هذه الطريقة إذا عرف الحاسد علي وجه التعيين .
وقد قدمنا حديث سهل حنيف رضي الله عنه وكيف النبي صلي الله علية وسلم أمر الحاسد بالاغتسال فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وأطراف رجليه وداخله إزاره ثم صب ذلك الماء عليه يصبه رجل علي رأسه وظهره من خلفه ثم يكفا القدح وراءه
وأحسن شئ في تفسير الاغتسال ما وصفه الزهري قال: يؤتي بقدح من ماء ثم يصب الحاسد بيده اليسرى علي كفه اليمني ثم يكفه اليمني علي كفه اليسرى ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها علي مرفق يده اليمني ثم بيده اليمني علي مرفق يده اليسرى ثم يغسل قدمه اليمني ثم يدخل يده اليمني فيغسل قدمه اليسرى ثم يدخل يده اليمني فيغسل الركبتين ثم يأخذ داخله إزاره فيصب علي رأسه صبة واحدة ولا يضع القدح حتى يفرغ وان يصب من خلفه صبة واحدة يجرى علي جسده ولا يوضع القدح في الأرض أثناء الاغتسال ويغسل أطرافه وركبتيه وداخلة إزاره في القدح
رقية عجيبة في علاج الحسد
ومن الرقي التي ترد العين ماذكر عن أبي عبد الله الساجي وكان مجاب الدعوة وله آيات وكرامات بينما كان في بعض أسفاره للحج أو الغزو علي ناقة فارهة وكان في الرفقة رجل عائن فما نظر إلي شئ الإأتلفه وأسقطه!! فقيل لأبي عبد الله : أحفظ ناقتك من العائن فقالك ليس له إلي ناقتي سبيل فأخبر العائن بقوله فتحين غيبة أبي عبد الله فجاء إلي رجله فنظر إلي الناقة فاضطربت وسقطت أبو عبد اله فقيل له: إن هذا العائن قد عان ناقتك وهي كما تراها تضطرب فقال: دلوني عليه فدل عليه فوقف عليه وقال بسم الله حبس حابس وحجر يابس وشهاب قابس رددت عين العائن عليه وعلي أحب الناس إليه في كلوتيه رشيق وفي ماله بليق (فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير) فخرجت حدقتا العائن وقامت الناقة لابأس بها
ثلاثة أمور تتعلق بعلاج المحسود
أولا: مشروعية رقية المحسود
عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرني رسول الله صلي الله علية وسلم – أو أمر-أن يسترقي من العين
وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلي الله علية وسلم قال لأسماء بنت عميس: "مالي أري أجسام بني أخي ضارعة؟- أى نحيفة- تصيبهم الحاجة؟! " قالت:لا ولكن العين تسرع إليهم قال:"ارقيهم
لايجوز شرعا تعليق التمانم والاحجبة للوقاية من الحسد
اعتاد الكثيرون والكثيرات من الجهلة تعليق خرزة زرقاء أو حدوة حصان أو فردة حذاء أو أجراس أو قرون وعظام الحيوانات …. إلخ
ويتم تعليق هذه الأشياء علي الآدميين او المنازل أو السيارات والممتلكات للوقاية من الحسد
(العين) وهذا لا يجوز شرعا لأنها من التمانم المنهي عنها ففي الصحيح عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه انه كان رسول الله في بعض أسفاره فأرسل لرسوله أن لاييقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت فقد كان أهل الجاهلية يعلقون أوتارا علي الدواب اعتقادا منهم أنها تدفع العين عن الدابة
ثالثا : لا يجوز التبخر بالشب والأعشاب والأوراق للوقاية أو العلاج من الحسد :
في الفتوي رقم (4393) بتاريخ 25/2/1402 هـ سئل الشيخ ابن باز: هل يجوز التبخر بالشب أو الأعشاب او الأوراق وذلك لمن أصيب بالعين؟فأجاب: لا يجوز علاج الإصابة بالعين بما ذكر لأنها ليست من الأسباب العادية لعلاجها وقد يكون المقصود بهذا التبخر استرضاء شياطين الجن والاستعانة بهم علي الشفاء وأنما يعالج ذلك بالرقي الشرعية ونحوها مما ثبت في الأحاديث الصحيحة أ هـ
الحسد
1ـ من المعتقدات البدائية التى لاتزا ل تعيش بيننا ذلك الاعتقاد فى الأرواح الشريرة والأنفس السفلية والأشعة التى تخرج من عين الحاسد فتصيب المحسود .
والنساء بالذات أكثر خلق الله اعتقادا فى الحسد وخوفا من عين الحسود ، ويتردد على الألسنة دائما أن الحسد مذكور فى القرآن الكريم .. وبعضهم لايحفظ من القرآن الكريم إلا سورة الفلق ، وهو يتمتم بها إذا أحس بالعيون تتطلع إليه، وأغلبية المصريين على اختلاف مستوياتهم – يؤمنون بهذا الاعتقاد ، يستوى فى الشيخ الشعراوى ـ الذى وضع كتابا فى الحسد ـ ببائع الفول الذى يكتب على عربته الخشبية البائسة : " العين صابتنى ورب العرش نجانى ."
2 ـ ولكن .. هل صحيح أن الحسد المذكور فى القرآن يعنى قدرة الحاسد بعينه الشريرة على إلحاق الأذى والمرض بالمحسود؟ وما هو معنى الحسد فى القرآن الكريم وماالمقصود بقوله تعالى " وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ "؟
إن ( الحسد ) فى القرآن الكريم يعنى فقط مجرد الحقد والكراهية دون أى رتوش أخرى .
3 ـ وتبدأ القصة بخلق آدم ورفض ابليس السجود له حقدا وحسدا، وقد عبر عن حقدة وحسده لآدم فقال عنه يخاطب رب العزة جل وعلا " قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (62) ) سورة الاسراء .
ان ابليس فى غمرة حقده وحسده على آدم طلب من الله تعالى ان يبقيه الى يوم القيامة ليمارس تصفية حساباته مع أبناء آدم ،وقد استجاب الله تعالى له ، فهو يمارس عمله معنا فى حياتنا، ونستطيع التخلص بسهولة من شروره اذا أستعذنا بالله تعالى من شروره ، وكنا مخلصين فى الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم .
4ـ والله تعالى يعلمنا الأستعاذة بالله من شر ابليس ويوضح صفاته ومكائده فى قوله تعالى " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
فأبليس هو شر الخلق اذ لا مجال للخير عنده ابدا وابليس هو الذى يتحرك فى الظلام ليكيد لنا وتلك صورة مجازية تعبر عن وسوسته للنفس البشرية وذلك معنى قوله تعالى " وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ " وهو الذى ينفث بسمومه فى نفوسنا ليلوث الفطرة السليمة فى داخلنا " وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) ." ثم هو ذلك الحاسد الذى اعلن فى غمرة حسده لأبينا آدم ان يسيطر علينا ليهلكنا ،فقوله تعالى " وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) " مقصود به ابليس وحده حين قال لله تعالى عن آدم " أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً ." ونحن حين نستعيذ بالله تعالى منه انما نخشى ان نكون من ضحاياه حين توعد ذرية آدم فى ذلك الموقف امام الله تعالى ، حيث كان حاسدا حاقدا ..
وابليس لا يملك الا الوسوسة والحث على الشر وليس بأمكانه اكثر من ذلك،وكفى بذلك شرا .
5 ـ ويخطىء الذين يعتقدون ان قوله تعالى " وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ " تعنى الحاسدين من البشر بعيونهم المشعة الشريرة والخطيرة , والسبب ان الآية تخاطب النبى محمدا عليه السلام فى المقام الأول وتقول له السورة " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ " فهل يعنى ذلك ان يستطيع ا لحاسد من البشر ان يضر النبى الى درجة ان يأمره الله تعالى بالاستعاذة بالله منه ؟..
انهم يعتقدون ان أحد الحساد كاد أن يصيب بعينه النبى محمدا.وتلك من الاساطير المضحكة، فالقرآن الكريم ينفى ان يكون باستطاعة أى بشر من الناس ان يتسلط على النبى بضرر يمنعه من اداء الرسالة ، والله تعالى يقول له " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة (67) " اذن فالله تعالى كان يعصم رسوله ـ أى يحفظه ـ من الناس الحاسدين والمتآمرين وغيرهم على كثرتهم حتى بلغ الرسالة كاملة ، واذن فقوله تعالى للنبى محمد عليه السلام : " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ " لاتعنى البشر ، لأنه عليه السلام محفوظ من شرور البشر ، ويتعين ان يكون الاستعاذة من ابليس وحده . وذريته من الشياطين ، والله تعالى يقول للنبى " وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) المؤمنون ): 23/97. ويقول له ( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) الأعراف. ويقول أيضا ( إ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)) النحل )
ولم تأت الأوامر بالاستعاذة للنبى الا فيما يتعلق بابليس والشياطين . وذلك يؤكد ان سورة الفلق كلها تتحدث عن ابليس وذريته فقط وانه هنا هو الحاسد الذى نستعيذ بالله تعالى من شره .
6 ـ على أن القرآن الكريم يتحدث أيضا عن حاسدين من بنى آدم ولكن لا يأمر بالاستعاذة منهم، ونفهم أن حسدهم مجرد حقد لايستحق سوى الشفقة من المحسود . يقول تعالى عن بعض اهل الكتاب فى عصر النبى" وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) البقرة ) " – ولو كان حقدهم يفرز أشعة كما كتب الشيخ الشعراوى فى كتابه ( الحسد ) لاستطاع ذلك الحقد الضارى أن يبيد النبى والمؤمنين ، ولما قال تعالى للمؤمنين " فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا ".
7 ـ وبعضهم يستدل على وجود الحسد المهلك والضار بالمحسود بما جاء فى سورة يوسف عليه السلام حين قال أبوه يعقوب عليه السلام لأبنائه حين ذهبوا الى مصر (َ يَا بَنِي لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ) ( 12 / 67 ) أى أن النبى يعقوب ـ أو اسرائيل ـ عليه السلام خاف ـ بزعمهم ـ على أبنائه من الحسد ـ وكان عددهم بدون يوسف احدى عشر رجلا ـ فأمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة حتى لا تنالهم أعين الحاسدين وأشعتها القاتلةّّ!!
إلا إننا نفهم من النسق القرآنى فى سورة يوسف أن يعقوب عليه السلام كان يخشى على أولاده من مضايقات كان يمكن أن يتعرضوا لها عند الحدود المصرية فى أطراف سيناء. وطبقا لما جاء فى الآية الكريمة فقد كانت هناك أبواب عند دخول مصر ـأو بتعبير عصرنا ـ بوابات على الحدود. وبالتالى يتم تفتيش ومراقبة القادمين من البدو.
وفيما بعد حين التقى يوسف بوالديه وإخوته قال يشكر الله تعالى (ُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ ) 12 / 100) أى كانوا قادمين من البدو والصحراء. ومن الطبيعى أن تكون هناك احتياطات أمنية وحربية على الحدود المصرية الصحراوية الشرقية. وبالتالى فإن من دواعى الاشتباه وجود أخوة متشابهى الملامح فى صف واحد فى بوابة واحدة يتفرس فيهم الحراس الشكاكون بطبيعة مهنتهم . وأيضا فمن دواعى الحذر أن يدخل الأبناء الاحدى عشر الحدود المصرية من أبواب متفرقة.
ودخل الأبناء من أبواب متفرقة كما أمر أبوهم وقال الله تعالى فى القرآن (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (68)
أى إن هذا الحذر لن يغير شيئا من القدر الحتمى المرسوم سلفا. فالله تعالى أوحى من قبل للنبى يعقوب عليه السلام بما سيحدث لابنه يوسف من اخوته ، وهذا هو العلم الذى أعلمه الله تعالى به وجاءت الاشارة اليه فى سورة يوسف فى أكثر من موضع ( 5 ، 6 ، 18 ، 83 ، 86 ـ ، 94 ، 96 ) إلا أن عاطفة الأبوة عنده أذهبت عينيه من الحزن وجعلته يشفق على أبنائه من دخول الحدود المصرية.
من ناحية أخرى فان التقدم الهائل الذى كانت تعيش فيه مصر فى تلك الفترة كان يجعلها فى حذر من مجىء البدو اليها. وبعض ملامح هذا الترف والحضارة تظهر بين ثنايا سورة يوسف فيما يخص قصر العزيز ـ ولم يكن هو الملك بل أحد خدمه.
إقرأ قوله تعالى عن امرأة العزيز ومحاولتها مع يوسف ( خادمها حينئذ )( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ) يهمنا هنا أنها أغلقت الباب ـ آسف ـ بل أحكمت اغلاق الأبواب. أى ان لديها فى جناحها الخاص أكثر من حجرة وأكثر من باب ، وأن لكل باب منها أقفالا مزدوجة تستطيع بها من الداخل قفل الأبواب وإحكام قفلها.ولكن المفاجأة أن زوجها كانت لديه مفاتيح يفتح بها نفس الأبواب من الخارج.
قد يبدو هذا عاديا فى عصرنا، ولكننا نتكلم هنا عن عصر يوسف أثناء الدولة الوسطى فى التاريخ الفرعونى. أى أنه فى الوقت الذى كان معظم البشر لم يهبطوا بعد من فوق الأشجار كانت إمرأة العزيز تقيم حفل استقبال للنساء المترفات فى المدينة فى قصرها العامر لتفتح معهن حفلة للثرثرة تنتهى بأن تريهن جمال يوسف. وهكذا فى وقت انشغالهن بالثرثرة والنميمة وآخر أخبار الاشاعات وهن متكئات على الأرائك يدخل عليهن يوسف فتتوقف الألسنة ويخيم الصمت ثم يصرخن جميعا (حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) 12 / 31 )
من الطبيعى فى وجود دولة بهذا القدر من الحضارة والرفاهية أن تحمى نفسها من الشرق حيث يوجد البدو، أى لابد أن تكون لمصر أبوابا على حدودها,و لا بد ان يشتهر الحراس على هذه الأبواب باليقظة والغلظة. ومن هنا خاف النبى يعقوب على أبنائه الاحدى عشر. لم يخش من الحسد ولكن من حراس الحدود.
ونرجع الى موضوع الحسد لنقول إن ابليس استطاع أن يتلاعب بنا ، اقنعنا أنه ليس هو المقصود بسورة الفلق وأنه ليس الحاسد وجعلنا نعتقد فى خرافات الارواح الشريرة والانفس السفلية والحاسد ذى العين السحرية المدورة.. ويبدو انه قد أحكم سيطرته على الاغلبية منا لأنه مهما قيل من أدلة قرآنية وعلمية فسيظل بعض الشيوخ وبعض الأئمة وبعض السيدات وبعض العوانس يعتقدون فى الحسد وخمسة وخميسة والنهارده الخميس والشر بره وبعيد .. ودستور ياأسيادى . !!
بقلم : أحمد صبحى منصور
الحسد فى الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد :
هذا كتاب يتحدث عن الحسد وما يتصل به من أمور حسبما ورد فى الإسلام .
ماهية الحسد :
الحسد عند الناس تمنى الحاسد زوال النفع والخير من عند المحسود أى كراهية الحاسد نعمة الله على أخيه وحبه لزوالها عنه والحق هو أن الحسد كراهية للمحسود سببها هو فضل الله الذى أعطاه للمحسود أى كراهية لمن عنده النعمة وليست كراهية للنعمة وقد ورد ذكر الحسد فى القرآن فى مواضع قليلة هى :
-قوله &Egravgrave;سورة البقرة "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد أن تبين لهم الحق "وهذا القول يعنى أن عدد كبير من أهل الكتاب اليهود والنصارى أحبوا أن يعيدوا المسلمين بعد إسلامهم إلى الكفر والسبب هو الحسد عند أنفسهم وهو الكراهية فى أنفسهم ،إذا فسبب تمنى ارتداد المسلمين بعد أن نالوا نعمة الإسلام هو الكراهية والبغض المتمكن فى قلوب أهل الكتاب وهذا التمنى كان بعد معرفتهم الحق وفى تلك الكراهية قال تعالى بسورة آل عمران "قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر ".
2-قوله بسورة النساء "أم يحسدون الناس على ما أتاهم من فضله "يبين الله لنا أن أهل الكتاب يحسدون أى يكرهون الناس وهم المسلمين والسبب ما أتاهم الله من فضله وهو رحمته .
3-قوله بسورة الفلق "ومن شر حاسد إذا حسد "أى ومن أذى كاره إذا كره أى ومن ضرر باغض إذا بغض ومن هنا نعرف أن الحاسد هو الكاره له شر أى أذى وهو موجه للمحسود وسبب توجيهه هو إزالة النعمة التى عند المحسود ومن ثم فالحسد هو كراهية صاحب النعمة سواء تحولت الكراهية لأذى قولى أو فعلى .
على ماذا يحسد الحاسد ؟
إن الحاسد يحسد المحسود على النعمة وهى فضل الله مصداق لقوله بسورة النساء "أم يحسدون الناس على ما أتاهم من فضله "إذا فالحاسد يكره أن تكون عند من يكرهه نعمة أى فضل من الله أى خير أى رحمة وقد أخبرنا الله أن الكفار من كتابيين ومشركين لا يودون أى يكرهون نزول الخير على المسلمين وفى هذا قال بسورة البقرة "ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم خير من ربكم ".
لماذا يحسد الحاسد ؟
معنى السؤال لماذا يكره الكاره ؟والجواب الذى يدفع الحاسد وهو الكراهية هو ظنه أن المكروه أحسن أى أفضل منه ويترتب على هذا الظن ظن أخر هو أنه يجب أن يكون أحسن من المكروه أو على الأقل فى حالة تساوى معه ومثال هذا هو أن الكفار يحبون أن يرتد المسلمون عن الإسلام فيكفرون وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم "ودافعهم لهذا هو أن يكونوا مع المسلمين سواء أى متساوين فى الحال وهو الكفر وفى هذا قال تعالى بسورة النساء "ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء "إذا فالدافع للحسد هو الإحساس بالنقص تجاه الأخرين .
هل حسد إبليس آدم (ص)؟
قال بعضهم "والحسد داء سيىء قديم موجود منذ وجدت الإنسانية بمشكلاتها ومعضلاتها ومنذ افتتح الله ذلك الوجود العجيب فهو أول معصية سجلت فى السماء بين إبليس وآدم (ص)يوم أن علمه الله أسماءه كلها ويوم أن قال للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس "ومن ثم فالسؤال هل حسد إبليس أدم (ص)؟والجواب :البادى من كلام إبليس أمران :الأول أن إبليس اعتبر نفسه أحسن من أدم(ص)أو بلفظه خيرا منه والسبب أنه من نار وأدم (ص)من طين وفى هذا قال إبليس ردا على سؤال الله له عن سبب عدم سجوده لأدم (ص) فى سورة الأعراف "أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين "،الثانى أن إبليس اعترض على تكريم أدم (ص)وفى هذا قال بسورة الإسراء "أرأيتك هذا الذى كرمت على "وهذا يعنى أن إبليس أحس بالنقص تجاه أدم (ص)فحاول أن يجعل لنفسه مكانة أكبر وأحسن بالكلام وقد سمى الله هذا العمل التكبر وفى هذا قال بسورة الأعراف "قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها "إذا فجريمة إبليس هى التكبر الناتج عن الحسد أى من إحساسه بالنقص تجاه أدم (ص).
شر الحاسد :
إن الحسد يدفع الحاسد لإرتكاب الشر وهو إيذاء المحسود وقد أمرنا الله أن نتعوذ به من شر الحاسد وهو أذاه إذا حسد أى كره وفى هذا قال بسورة الفلق "ومن شر حاسد إذا حسد "وهذا يعنى أن الحاسد يقوم بالسعى لإلحاق الأذى بالمحسود سواء لحق بالمحسود أو بماله أو بمن يحب وهذا السعى يتخذ صورة من صورتين :
1-الإيذاء الظاهر وهو الحرب المعتدية .
2- الإيذاء الباطن وهو إخفاء المعاداة مع إلحاق الأذى فى السر بالمحسود وهذا يكون فى حالة ضعف المحسود ومثال الحاسد هنا المنافق .
حسد الإبن القاتل للإبن الطيب .
إن الحسد وهو الكراهية كان السبب فى وقوع أول جريمة قتل بشرية حيث اعترض ابن أدم (ص) على حكم الله وهو عند الناس زواجه من أخت الإبن الطيب ويقال أن السبب هو أن هذه الأخت لم تكن على نفس درجة جمال أخته المولودة معه والتى أراد أن يتزوجها لعلو درجة جمالها فى نفسه والحق أن السبب هو أن الإبن القاتل أحس أن الإبن الطيب أفضل منه عند الله والدليل تقبل الله لقربانه ورفض الله لقربانه ،لقد شعر أنه ينقص فى المكانة عند الله ومن ثم أراد أن يعوض هذا النقص فكان أن قرر قتل أخيه لأن القتل فى ظنه الخاطىء -والله أعلم - وفى هذا قال تعالىلن يجعل أحد فى مكانته لانتفاء وجود هذا الأحد بسورة المائدة "واتل عليهم نبأ ابنى أدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الأخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين " وكانت نتيجة هذا الإحساس هى أن إرادة الابن القاتل تحولت لفعل هو القتل حيث قتل أخيه الطيب وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة "فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ".
أنواع الحسد :
يقال أن الحسد على نوعين :
1- حسد مذموم وهو عندهم أن تكره أن تكون النعمة للأخر فتتمنى زوالها .
2- حسد محمود وهو عندهم أن لا تكره وجود النعمة عند الأخر ولا تحب زوالها ولكن تشتهى لنفسك أن يكون لك مثلها وهو تقسيم خاطىء لأنه يخالف معنى الحسد وهو الكراهية وتعريف الحسد المحمود هو ألا تكره وهو ما ينافى معنى الحسد والحسد ينقسم عدة تقسيمات هى :
حسب الأساس الأول :1-حسد النفس لنفسها والمراد مقت أى كراهية النفس لنفسها وفى هذا قال تعالى بسورة غافر "إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذا تدعون إلى الإيمان فتكفرون "فانظر لقوله "من مقتكم أنفسكم "ترى كراهية النفس لنفسها فى رفضها الإسلام وتمسكها بالكفر .
2-حسد النفس للأخرين وهو كراهية النفس للأخرين ككراهية الكتابيين للمسلمين وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم ".
حسب الأساس الثانى:1- حسد قولى وهو الكراهية التى تظهر فى الكلام الخارج من الأفواه أو فى الكلام الدائر داخل النفس وفيه قال تعالى بسورة آل عمران "قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر " .
2-حسد قولى عملى وهو الكراهية التى تظهر فى كلام النفس داخلها أو فى كلامها الخارج من الفم ويتبع هذا القول فعل هو شر أى أذى يعمل الحاسد على إلحاقه بالمحسود وفى هذا قال تعالى بسورة الفلق "ومن شر حاسد إذا حسد ".
حسب الأساس الثالث :1- الحسد المباح وهو الكراهية المحللة وتنقسم لقسمين :
أ-كراهية يباح فيها القول والفعل وقاعدة هذه الكراهية قوله بسورة البقرة "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ".
ب-كراهية يباح فيها القول فى داخل النفس ويحرم فيها الاعتداء بالقول الخارج من الفم أو الاعتداء بالفعل على الأخر ومن أمثلة هذا كراهية الرجل لزوجته وفيها قال تعالى بسورة النساء "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ".
2-الحسد المحرم وهو كراهية المسلم بالاعتداء عليه قولا أو فعلا .
حسد الاخوة لأخيهم يوسف (ص):
الملاحظ فى بداية العلاقة بين الاخوة أن الاخوة اعتقدوا اعتقادا خاطئا هو أن يعقوب (ص)يحب يوسف وأخيه أكثر مما يحبهم ومن ثم شعروا بالنقص فى مقدار الحب عند الأب ومن ثم أجروا مقارنة ظالمة حيث جعلوا أنفسهم وهى العصبة فى كفة ويوسف (ص)وأخيه من الزوجة الأخرى فى كفة أخرى وطبقا لميزان العدد فإن العدل هو أن يحبهم الأب أكثر من يوسف (ص)وأخيه ولذا انتهوا إلى أن الأب فى ضلال ظاهر وهذا يعنى أن الأب هو الظالم وفى هذا قال تعالى بسورة يوسف "إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفى ضلال مبين "ورغم أن النتيجة هى أن الأب هو الظالم إلا أنهم اختاروا اختيار غريب هو ألا يعاقبوا الظالم فى رأيهم وأن يعاقبوا أخر هو يوسف (ص)وقد تشاوروا فى العقاب فاقترح بعضهم أن يقتلوه أو يطردوه بعيدا عن أرضهم وقد قرروا فى النهاية طرده بعيدا عن الأرض برميه فى البئر حتى يأسره بعض المارة فيأخذه معه للبلد المسافر لها وفى هذا قال تعالى بسورة يوسف "اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه فى غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين "ولكن فى النهاية عاد الاخوة للحق فاعترفوا بأنهم كانوا على خطأ واعترفوا أن الله فضل يوسف (ص)عليهم وفى هذا قال تعالى بسورة يوسف "قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين ".
يعقوب والحسد :
قال بعضهم "نلمح حذر يعقوب (ص)وخوفه أن يحسد بنوه فيقول لهم ما حكاه المولى عز وجل "وقال يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغنى عنكم من الله من شىء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون "والخطأ هنا هو أن يعقوب (ص)نسب له الكاتب خوفه من أن يحسد الناس أولاده والحق هو أن الكاتب أخطأ فى تقديره وأما حقيقة الأمر فهى أن يعقوب (ص)خاف على أولاده من أن يلحق بهم أذى وضرر مرة واحدة فيفقدهم جميعا ولذا أوصاهم بالدخول من أبواب متفرقة حتى إذا كان هناك من يتربص بهم لم يقدر إلا على إيذاء من دخل من الباب الذى هو فيه ومن ثم ينجو الأولاد الباقين وليس من المعقول أن يخاف يعقوب (ص) على أولاده من الحسد وهو الكراهية وهو يعلم أن الإنسان لا يحسد أى لا يكره إلا من يعرف حقيقة أمره أى لا يكره إلا من يظن أنه أحسن منه مكانة وقدرا ،زد على هذا كيف سيعلم الناس أن كل هؤلاء اخوة وهم لم يتحدثوا مع أحد بعد ؟.
يوسف (ص)والحسد :
ورد فى التوراة المحرفة "يوسف غصن شجرة مثمرة غصن شجرة مثمرة على عين "سفر التكوين 49-22 وقد فسر بعضهم كلمة عين هنا بأنها عين الحسود ومن ثم استنتجوا "أن عين الحسود لا تصيب أحدا من نسل يوسف (ص)لأنه كان غصن شجرة متسلط على العيون الشريرة فهى لا تصيب أحدا من نسله "وقد حكى المفسرون حكاية وردت فى التلمود تدل على صحة زعمهم تقول "أن رابى حذر رجلا من ضرر عين الحسود فنصحه بأن يبتعد عنه كى لا تقع عينه عليه فيصيبه ضرر فرد عليه الرجل قائلا أنا من نسل يوسف لا تستطيع العين الشريرة أن تصيبنى بضرر "وقد قال البعض أن كلمة عين فى نص سفر التكوين السابق ذكره تعنى عين الماء وفى رأيى معناها الوحى فهى تعنى ما تعنيه فى قوله بسورة طه "ولتصنع على عينى "أى ولتنمو بأمرى أى ولتكبر بوحيى فيوسف(ص)غصن شجرة مثمرة بأمر الله والنص لا علاقة له بعين الحسود التى لا وجود لها أساسا للتالى :
-أن لو كانت هناك علاقة للعين بالحسد لوجدنا البشرية بكاملها قد وقعت فريسة للأمراض والفقر وغيره من المتاعب بسبب أن كل واحد يصيب الأخرين بعينه الحاسدة .
-أن الحسد أصاب يوسف (ص)فتسبب فى إبعاده عن أبويه وتسبب فى أنه أصبح عبدا لسنوات عدة وتسبب فى سجنه عدة سنين فإذا كان هذا الحسد قد أصاب يوسف (ص)بالأضرار من أقرب الناس له فكيف لا يصيب نسله ؟وأقصد هنا الحسد الحقيقى وقد يحلو للبعض أن يقول أن النساء قد حسدن يوسف (ص)بأعينهن عندما رأينه فقلن أنه ملك وليس بشرا وفى هذا قال تعالى بسورة يوسف "فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاشا لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم "ومن ثم أصابه الضرر الممثل فى دخول السجن وهو استدلال باطل لأنه دخل السجن بأيدى القوم ومنهم امرأة العزيز ولم يدخل عن الطريق الطبيعى عند المتحدثين بالباطل وهو العين التى يصبح معناها هنا ارتكابه لجريمة حقا ومن ثم دخوله السجن وقد ورد فى الإنجيل المحرف أن الاخوة حسدوا يوسف (ص)وقد ورد هذا فى كتاب أعمال الرسل للوقا حيث قال استفانوس فى خطبته "وحسد الآباء الأولون يوسف وباعوه فأصبح عبدا فى مصر ولكن الله كان معه وأنقذه من جميع المحن التى مر بها ووهبه نعمة وحكمة عند فرعون ملك مصر فولاه على مصر وشئون بيته "(9:7-10)ورغم وجود أخطاء عدة فى الكلام إلا أنه أقر
أن الحسد قد أثمر ثمرته مع يوسف (ص)فأصابه .
سبب شيوع خرافة عين الحسود :
هو وجود طائفة من الناس لا تريد أن تعمل عملا مفيدا وإنما تريد كسب المال بأقل جهد ممكن وهى أهل الشعوذة والدجل الذين يزعمون أنهم يقدرون على إبطال مفعول عين الحسود ولكى ترسخ هذه الخرافة فى نفوس البشر قام القوم بنسبة أحاديث للرسول (ص)تثبت وجود الخرافة وأن علاجها بالرقى وغيرها من الخرافات ونشر حكايات لم تقع فى الحياة عن أناس لهم أعين شريرة وأناس لهم القدرة على إبطال مفعول هذه الأعين وتنسب لرجال معروف عنهم الصلاح والتقى حتى تروج وتدخل على الناس .
بداية خرافة عين الحسود :
هى إنسان كان يكره إنسان أخر وقد حصل مصادفة أن نظر الكاره للمكروه نظرة عادية وبعدها بقليل حدث ضرر للمكروه ثم تكررت النظرة وتكرر حدوث مكروه للمكروه ومن ثم وقر فى نفس المكروه أن السبب فى حدوث الضرر له هو عين الكاره ،إذا فالحكاية ليست سوى ربط بين أحداث عشوائية وهذا الربط حدث لمعرفة المكروه أن الكاره يكرهه وقد ربط بين الضرر ونظرة الكاره رغم أنه يقع له أضرار كثيرة فى حالات كثيرة لا يكون الكاره فيها موجودا وقد تكون البداية إنسان اتفق مع إنسان أخر أو أناس أخرين أن يبتزوا مال إنسان فاتفقوا على أن يقابل واحد منهم هذا الإنسان وينظر له ثم يفعلون أذى بمال هذا الإنسان بعد النظرة وكرروا ذلك عدة مرات ثم ذهب الأخرون له ونصحوه أن يطلب إيقاف مفعول عين فلان من فلان لأنه عارف وعالم وواصل ومن ثم يطلب منه فلان العارف مالا ويقتسمه مع إخوانه وهكذا .
هل عين الحاسد ضارة بالفعل ؟
إن العين لا علاقة لها بالحسد والأدلة هى :
-أن النعمة لو كانت تزول بالحسد ما بقيت نعمة على إنسان لأن كل واحد سيحسد الأخرين ومن ثم تزول النعم نهائيا وعليه تنعدم الحياة لعدم وجود نعمة الطعام أو الشراب وغير هذا من النعم .
-أن النعمة لو كانت تزول بالحسد لزالت نعمة الإيمان عن المسلمين بمجرد أن حسدهم أهل الكتاب ولكن هذا لم يحدث بدليل قوله بسورة البقرة "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم " .
-قال تعالى بسورة الفلق "ومن شر حاسد إذا حسد "وهذا يعنى أن للحاسد شر ولكن الله لم يقل أنه العين والسبب هو أن الأذى يصدر من الجوارح ومنها العين التى تصدر شرا هو النظر لما حرم الله من النساء أو الرجال ولكن لم يقل الوحى أنها تصدر زوالا للنعمة
-أن أهل الكتاب لما حسدوا الناس على فضل الله لم يزل فضل الله منهم بدليل قوله بسورة النساء "أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله فقد أتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وأتيناهم ملكا عظيما ".
-أنه طبقا لخرافة عين الحسود فإن كل العميان لا يحسدون لعدم وجود عين عندهم وهو مخالف للحق وهو حسد العميان كما يحسد المبصرون .
-أن العين طبقا للخرافة تنفع وتضر أى ترحم وتمسك الرحمة وبهذا فهى شريكة لله فى ملكه وهو تخريف لأن الله وحده هو النافع الضار لقوله بسورة فاطر "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده ".
وأما الأحاديث المنسوبة للرسول (ص) فكلها زور وحتى قولهم العين حق قد يعنى أن الوحى حق لأن كلمة العين وردت بمعنى الوحى فى قوله بسورة هود "واصنع الفلك بأعيينا ووحينا "واعمل بوحينا أى قولنا ،وقول القائل العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر "يخالف أن محدث الموت هو الله عن طريق ملائكة الموت بدليل قوله بسورة الأنعام "ولو ترى إذ الظالمون فى غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم "و"حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون "إذا فالمميت للرجل هو رسول الموت وليس العين وأما قولهم "كاد الفقر أن يكون كفرا وكاد الحسد أن يغلب القدر "فكذب على الله ورسوله (ص)لأن الفقر بلاء وليس كفرا بدليل قوله بسورة الأنبياء "ونبلوكم بالخير والشر فتنة "فالفقر إذا اعتبرناه شرا أى أذى فهو بلاء وليس كفرا وزيادة على هذا أن القدر غلب الحسد وهذا يعنى أن القدر هو الذى يسير فى الكون ومن ثم فالحسد ليس له أثر وإلا لما غلبه القدر .
علاج الحسد :
إن علاج الحسد وهو الكراهية ليس بالرقى والتمائم والتعاويذ الخرافية وإنما علاجاته هى :
1-الاستعاذة برب الفلق من شر الحاسد عند حسده مصداق لقوله بسورة الفلق "قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات فى العقد ومن شر حاسد إذا حسد "والاستعاذة هى الاستجابة لأحكام الله الممثلة فى التالى :
-الاستعداد للحاسد وهو إعداد السلاح اللازم لملاقاة الحاسد إذا أراد بنا شرا مما يجعله يرهبنا ولا يقدم على الاعتداء علينا وفى هذا قال تعالى بسورة الأنفال "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وأخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم "وهو الحذر المذكور بقوله بسورة النساء "خذوا حذركم ".
-رد الاعتداء على من اعتدى علينا تطبيقا لقوله بسورة البقرة "ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم "وهذا الدواء وهو الحذر والقتال هو دواء القادرين الأقوياء .
2-العفو والصفح والمراد ألا يعاقب المسلم الحاسد إذا كان حسده كلاميا لم يخرج للإعتداء وقد طلب الله تنفيذه بقوله بسورة البقرة "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتى الله بأمره "والملاحظ هنا هو أن الحسد أى الكراهية لم تخرج عن تمنى نفس أى كراهية نفسية لم تخرج إلى الاعتداء على المسلمين بالفعل والدواء الثانى هو الصبر أى احتمال أذى الحاسد وفى هذا قال تعالى بسورة النحل "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين "وهذا التحمل للأذى يكون فى حالتين :
أ-ألا يكون شر الحاسد اعتداء بالفعل وقد سبق أن تحدثنا فى الدواء الثانى .
ب-أن يكون المسلم ضعيفا إذا رد العدوان تسبب فى قتل الكفار له أو له ولأهله أو تسبب فى إيذاءهم له وللمسلمين .
أشعار فى الحسد :
قال أحدهم :
داريت كل الناس لكن حاسدى مداراته عزت وعز نوالها
وكيف يدارى المرء حاسد نعمة إذا كان لا يرضيه إلا زوالها
وقال منصور الفقيه :
ألا قل لمن ظل لى حاسد أتدرى على من أسأت الأدب
أسأت على الله فى حكمه إذا أنت لم ترض لى ما وهب
وقال بعضهم :
اصبر على حسد الحسو د فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
وقال أخر :
دع الحسود وما يلقاه من كمده يكفيك منه لهيب النار فى كبده
إن لمست ذا حسد فرجت كربته وإن تركته فقد قتلته بيده
وقال مالك بن الريب :
ولا تحسدانى بارك الله فيكما من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا .
بقلم : رضا البطاوى البطاوى
تعريف الحسد و حقيقته
قالت طائفة من الناس: إنّ الحسد هو تمني زوال النعمة عن المحسود ، وإن لم يصر للحاسد مثلها. بخلاف الغبطة فإنها تمني مثلها من غير حب زوالها عن المغبوط. والتحقيق أن الحسد هو البغض والكراهة لما يراه من حسن حال المحسود. وهو نوعان:أحدهما كراهة للنعمة عليه مطلقاً فهذا هو الحسد المذموم وإذا أبغض ذ لك فإنه يتألم ويتأذى بوجود ما يبغضه فيكون ذلك مرضاً في قلبه ، ويلتذ بزوال النعمة عنه وإن لم يحصل له نفع بزوالها. والنوع الثاني: أن يكره فضل ذلك الشخص عليه فيحب أن يكون مثله أو أفضل منه فهذا حسد وهو الذي سموه الغبطة وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حسداً في الحديث المتفق عليه من حديث ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما قال:(لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها، ورجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق). ورواه البخاري من حديث أبي هريرة ولفظه(لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار فسمعه رجل فقال: يا ليتني أوتيت مثل ما أوتي هذا فعملت فيه مثل ما يعمل هذا. ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: يا ليتني أوتيت ما أوتي هذا فعملت فيه ما يعمل هذا).فهذا الحسد الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم إلا في موضعين هو الذي سماه أولئك الغبطة ، وهو أن يحب مثل حال الغير ويكره أن يفضل عليه.وقد يشكل هنا تسميته حسداً ما دام همه أن ينعم الله عليه بمثل ما أنعم على صاحبه؟ فيقال: مبدأ هذا الحب هو نظره إلى إنعامه على الغير وكراهيته أن يفضل عليه.ولولا وجود ذلك الغير لم يحب ذلك ، فذلك كان حسداً لإنه كراهة تتبعها محبة. واما من أحب أن ينعم الله عليه مع عدم التفاته إلى أحوال الناس فهذا ليس عنده من الحسد شىْ. ولهذا يبتلى غالب الناس بهذا القسم الثاني.وحقيقة الحسد شدة الأسى على الخيرات تكون للناس الأفاضل وهو غير المنافسة.قال صاحب اللسان:إذا تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضيلته أو يسلبهما هو.وقال الجوهري: تمني زوال النعمة عن المنعم عليه وخصه بعضهم بأن يتمنى ذلك لنفسه والحق أنه أعم.وقال النووي: قال العلماء: هو حقيقي: تمني زوال النعمة عن صاحبها وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصريحة ، ومجازي: هو الغبطة وهو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها فإذا كانت من أمور الدنيا كانت مباحة وإذا كانت طاعة فهي مستحبة.وقيل :الحسد تمني زوال النعمة عن صاحبها سواء كانت نعمة دين أو دنيا.وقيل: أن تكره النعم على أخيك وتحب زوالها ، فحد الحسد: كراهة النعمة وحب وإرادة زوالها عن المنعم عليه، والغبطة:ألاّ تحب زوالها ، ولا تكره وجودها ودوامها ، ولكن تشتهي لنفسك مثلها.والمنافسة: هو أن يرى بغيره نعمة في دين أو دنيا ، فيغتم ألا يكون أنعم الله عليه بمثل تلك النعمة ، فيحب أن يلحق به ويكون مثله ، لا يغتم من أجل المنعم عليه نفاسة منه عليه ، ولكن غمّاً ألا يكون مثله. وفي الحسد في الحقيقة نوع من معاداة الله ، فإنه يكره نعمة الله على عبده وقد أحبها الله ويحب زوالها والله يكره ذلك فهو مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته و لذلك كان إبليس عدوه حقيقة لإن ذنبه كان عن كبر وحسد.وللحسد حد وهو المنافسة في طلب الكمال والأنفة أن يتقدم عليه نظيره فمتى تعدى صار بغياً وظلماً يتمنى معه زوال النعمة عن المحسود ويحرص على إيذائه ، ومن نقص عن ذلك كان دناءة وضعف همة وصغر نفس.
وقد اُبتلي يوسف بحسد إخوته له حيث قالوا(لَيوسف وأخوه أحب إلى أبينا منّا ونحن عصبة إنَّ أبانا لفي ضلال مبين) فحسدوه على تفضيل الأب له ولهذا قال يعقوب ليوسف ( لاتقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدو مبين) ثم إنهم ظلموه بتكلمهم في قتله وإلقائه في الجبّ وبيعه رقيقاً لمن ذهب به إلى بلاد الكفر فصار مملوكاً لقوم كفار ، وقد قيل للحسن البصري: أيحسِد المؤمن ؟ فقال: ما أنساك إخوة يوسف لا أبا لك؟! ولكن غمه في صدرك فإنه لايضرك ما لم تعد به يداً ولساناً. وقال تعالى في حق اليهود(ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمنكم كفرا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) يودون أي يتمنون ارتدادكم حسدا ، فجعل الحسد هو الموجب لذلك الودّ ، من بعد ما تبين لهم الحق لإنهم لمّا رأوا أنكم قد حصل لكم من النعمة ما حصل - بل ما لم يحصل لهم مثله حسدوكم. وكذلك في الآية الأخرى( أم يحسدون الناس على ما ءاتهم الله من فضله فقد ءاتينا آل إبراهيم الكتب والحكمة وآتينهم ملكاً عظيماً فمنهم من ءامن به ومنهم من صدّ عنه وكفى بجهنم سعيراً) وقال تعالى( قل أعوذ برب الفلق من شر ماخلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد) وقد ذكر طائفة من المفسرين أنها نزلت بسبب حسد اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم حتى سحروه ، سحره لبيد بن الأعصم اليهودي. وقال الله تعالى( ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أُوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) أي مما أُوتي إخوانهم المهاجرون . قال المفسرون: لا يجدون في صدورهم حاجة أي حسداً وغيظاً مما أُوتي المهاجرون. ثم قال بعضهم: من مال الفئ ، وقيل: من الفضل والتقدم ، فهم لا يجدون حاجة مما أُوتوا من المال ولا من الجاه ، والحسد يقع على هذا. وكان بين الأوس والخزرج منافسة على الدين ، فكان هؤلاء إذا فعلوا ما يفضلون به عند الله ورسوله أحب الآخرون أن يفعلوا نظير ذلك ، فهي منافسة فيما يقربهم إلى الله كما قال تعالى( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون). والحسد يبقى إلى لحظة نزول عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان قبيل قيام الساعة، وهذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ففي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (والله لينزلن ابن مريم حكماً عادلا، فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القلاص نوع من أشرف أنواع الإبل فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد).
رجوع لأعلى الصفحة
________________________________________
مراتب الحسد
ومراتبه: الأولى: يتمنى زوال النعمة عن الغير، ويعمل ويسعى في الوسائل المحرمة الظالمة ويسعى في اساءته بكل ما يستطيع وهذا الغاية في الخبث والخساسة والنذالة وهذه الحالة هي الغالبة في الحسّاد خصوصاً المتزاحمين في صفة واحدة ويكثر ذلك في طلاب المناصب والجاه. الثانية: يتمنى زوال النعمة ويحب ذلك وإن كانت لا تنتقل إليه ، وهذا في غاية الخبث ، ولكنها دون الأولى. الثالثة: أن يجد من نفسه الرغبة في زوال النعمة عن المحسود وتمني عدم استصحاب النعمة سواء انتقلت إليه أو إلى غيره ولكنه في جهاد مع نفسه وكفها عن ما يؤذي خوفاً من الله تعالى وكراهية في ظلم عباد الله ومن يفعل هذا يكون قد كفي شر غائلة الحسد ودفع عن نفسه العقوبة الأخروية ولكن ينبغي له أن يعالج نفسه من هذا الوباء حتى يبرأ منه. الرابعة: أن يتمنى زوال النعمة عن الغير ، بغضاً لذلك الشخص لسبب شرعي ، كأن يكون ظالماً يستعين على مظالمه بهذه النعمة فيتمنى زوالها ليرتاح الناس من شره. ومثل أن يكون فاسقاً يستعين بهذه النعمة على فسقه وفجوره فيتمنى زوال المغل هذا عنه ليرتاح العباد والبلاد من شره القاصر والمتعدي فهذا لايسمى حسداً مذموماً وإن كان تعريف الحسد يشمله ، ولكنه في هذه الحالة يكون ممدوحاً لا سيما إذا كان يترتب عليه عمل يرفع هذا الظلم والعدوان ويردع هذا الظالم. الخامسة: ألاّ يتمنى الشخص زوال النعمةعن غيره ولكن يتمنى لنفسه مثلها فإن حصل له مثلها سكن واستراح ، وإن لم يحصل له مثلها تمنى زوال النعمة عن المحسود حتى يتساويا ولايفضله صاحبه.السادسة: أن يحب ويتمنى لنفسه مثلها فإن لم يحصل له مثلها فلا يحب زوالها عن مثله فهذا لابأس به، إن كان من النعم الدنيوية كالمال المباح والجاه المباح ، وإن كان من النعم الدينية كالعلم الشرعي والعبادة الشرعية كان محموداً كأنّ يغبط من عنده مال حلال ثم سلطه على هلكته في الحق من واجب ومستحب فإن هذا من أعظم الأدلة على الإيمان ومن أعظم أنواع الإحسان وكذا من آتاه الله الحكمة والعلم فوفق لنشره كما في الحديث (لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها). فهذان النوعان من الإحسان لا يعادلهما شىء ؛ إلا أن ترتب عليه وساوس شيطانية وخواطر نفسانية تجر الإنسان إلى مواضع الخطر التي تفسد عمله كأن يقول في نفسه: أنا أحق منه بهذا ، فهذا اعتراض على حكمة الله وقسمته ولايجوز ذلك.
رجوع لأعلى الصفحة
________________________________________
الفرق بين المنافسة والحسد
وإذا لم ينظر إلى أحوال الناس فهذه منافسة في الخير لا شىء فيها فيتنافس الأثنان في الأمر المطلوب المحبوب كلاهما يطلب أن يأخذه وذلك لكراهية أحدهما أن يتفضل عليه الآخر كما يكره المستبقان كل منهما أن يسبقه الآخر. والتنافس ليس مذموماً مطلقاً ، بل هو محمود في الخير.قال تعالى(إن الأبرار لفي نعيم.على الأرائك ينظرون . تعرف في وجوههم نظرة النعيم . يسقون من رحيق مختوم. ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) وهذا موافق لحيث النبي صلى الله عليه وسلم فإنه نهى عن الحسد إلا فيمن أوتي العلم فهو يعمل به ويعلمه، ومن أوتي المال فهو ينفقه. فأما من أوتي علماً ولم يعمل به ولم يعلمه ، أو أوتي مالاً ولم ينفقه في طاعة الله فهذا لايحسد ولا يتمنى مثل حاله ، فإنه ليس في خير يرغب فيه ، بل هو معرّض للعذاب. وحال أبي بكر الصديق رضي الله عنه أفضل فهو خال من المنافسة مطلقاً لا ينظر إلى حال غيره وكذلك موسى صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج حصل له منافسة وغبطة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى بكى لما تجاوزه النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: ما يبكيك؟ قال:أبكي لإن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي) رواه البخاري ومسلم. قاعدة: أن من عنده همة الخير وليست لديه منافسة وغبطة أفضل ممن لديه تلك المنافسة والغبطة مثل أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ونحوه فقد كانوا سالمين من الغبطة والمنافسة وإن كان ذلك مباحاً ولهذا استحق أبو عبيدة رضي الله عنه أن يكون أمين هذه الأمة ؛ فإن المؤتمن إذا لم يكن في نفسه مزاحمة مما ائتمن عليه كان أحق بالأمانة ممن يخاف مزاحمته. وفي الحديث عن أنس رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة قال: فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من الوضوء .... )إلى آخر الحديث. رواه أحمد. فالحاسد المبغض للنعمة على من أنعم الله عليه بها ظالم معتد ، والكاره لتفضيله المحب لمماثلته منهي عن ذلك إلا فيما يقربه إلى الله ، فإذا أحب أن يعطى مثل ما أعطي مما يقربه إلى الله فهذا لا بأس به ، وإعراض قلبه عن هذا بحيث لا ينظر إلى حال الغير أفضل. وربما غلط قوم فظنوا أن المنافسة في الخير هي الحسد وليس الأمر على ما ظنوا لإن المنافسة طلب التشبه بالأفاضل من غير إدخال الضرر عليهم والحسد مصروف إلى الضرر لإن غايته أن يعدم الأفاضل فضلهم من غير أن يصير الفضل إليه فهذا الفرق بين المنافسة والحسد. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:المؤمن يغبط والمنافق يحسد.
رجوع لأعلى الصفحة
________________________________________
حكم الحسد
الحسد مرض من أمراض النفوس وهو مرض غالبٌ فلا يخلص منه إلا القليل من الناس ؛ ولهذا قيل: ما خلا جسد من حسد. ، لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه. والحسد ذميم قبيح حيث أن الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ من شر الحاسد كما أمر بالاستعاذة من شر الشيطان .قال الله تعالى(ومن شر حاسد إذا حسد) وناهيك بحال ذلك شراً. فبالحسد لُعن إبليس وجعل شيطاناً رجيماً. ومن أجل أن الحسد بهذه الدرجة ورد فيه تشديد عظيم حتى قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم (الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب). وإن قوي ذلك الحسد فيك حتى بعثك على إظهاره بقول أو فعل بحيث يُعرف ذلك من ظاهرك بأفعالك الأختيارية فأنت حسود عاص أما الفعل فهو غيبة وكذب وهو عمل صادر عن الحسد وليس هو عين الحسد ويجب الاستحلال من الأسباب الظاهرة على الجوارح وإن كففت ظاهرك بالكلية إلا أنك بباطنك تحب زوال النعمة وليس في نفسك كراهة لهذه الحالة فأنت حسود عاص لأن الحسد صفة القلب لا صفة الفعل قال الله تعالى(ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا) وقال عز وجلّ(ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) وقال تعالى(إن تمسسكم حسنة تسؤهم). والحسد الذي محله القلب دون الجوارح ليس بمظلمة يجب الاستحلال منها بل هو معصية بينك وبين الله تعالى. وقد ذهب ذاهبون إلى أنه لا يأثم إذا لم يظهر الحسد على جوارحه ولما روي عن الحسن أنه سئل عن الحسد فقال: غمه فإنه لا يضرك مالم تبده. والأولى أن يحمل على أن يكون فيه كراهة من جهة الدين والعقل في مقابلة حب الطمع لزوال نعمة العدو وتلك الكراهة تمنعه من البغي والإيذاء فإن جميع ما ورد من الأخبار في ذم الحسد يدل ظاهره على أن كل حاسد آثم ، ثم إن الحسد عبارة عن صفة القلب لا عن الأفعال فأما إذا كففت ظاهرك وألزمت مع ذلك قلبك كراهة ما يترشح منه بالطبع من حب زوال النعمة حتى كأنك تمقت نفسك على ما في طبعها فتكون تلك الكراهة من جهة العقل في مقابلة الميل من جهة. وفي الحسد إضرار بالبدن وإفساد للدين وفيه تعدي وأذى على المسلم نهى الله ورسوله عنه. والحسد حرام بكل حال إلا نعمة أصابها فاجر أو كافر وهو يستعين بها على تهييج الفتنة وإفساد ذات البين وإيذاء الخلق فلا يضرك كراهتك لها ومحبتك لزوالها فإنك لا تحب زوالها من حيث هي نعمة بل من حيث هي آلة الفساد ولو أمنت فساده لم يغمك بنعمته ، و لاعذر في الحسد ولا رخصة وأي معصية تزيد كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك منه مضرة. وقال بعض السلف: الحسد أول ذنب عُصي الله به في السماء يعني حسد إبليس لآدم عليه السلام وأول ذنب عُصي الله به في الأرض يعني حسد أبن آدم لأخيه حتى قتله.
رجوع لأعلى الصفحة
________________________________________
بعض الأسباب التي تؤدي إلى الاتصاف بالحسد:
قد تجتمع أسباب الحسد المذكورة هنا في شخص واحد أو أكثرها.
1 - العدواة والبغضاء والحقد (هذا السبب من الحاسد): وهذا من أشد أسباب الحسد وأصل المحاسدات العدواة وأصل العدواة التزاحم على غرض والغرض الواحد لا يجمع متباعدين بل متناسبين فلذلك يكثر الحسد بينهما.والحسد نتيجة من نتائج الحقد وثمرة من ثمراته المترتبة عليه فإن من يحقد على إنسان يتمنى زوال نعمته ويغتابه وينمّ عليه ويعتدي على عرضه ويشمت به لما يصيبه من البلاء ويغتّم بنعمة إن أصابها ويسر بمعصية إن نزلت به وهذا من فعل المنافقين والعياذ بالله.
2 - التعزز والترفع(هذا السبب من الحاسد): فإذا أصاب أحد زملائه ولاية أو مالاً خاف أن يتكبر عليه وهو لا يطيق تكبره وافتخاره عليه. ومن التكبر والتعزز كان حسد أكثر الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قالوا: كيف يتقدم علينا غلام يتيم فنطأطئ رؤوسنا له فقالوا(لولا نزّل هذا القران على رجل من القريتين عظيم).
3 - الكبر(هذا السبب من المحسود): وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عل الحاسد ويستحقره ويستصغره ويستخدمه فإذا نال ولايةً خاف ألاّ يحتمل تكبره.
4 - التعجب(هذا السبب من الحاسد): كما أخبر الله عن الأمم الماضية إذ (قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا) فتعجبوا أن يفوز برتبة الرسل والوحي والقرب من الله بشر مثلهم فحسدوهم وأحبوا زوال النعمة عنهم.
5 - الخوف من المزاحمة وفوات مقصد من المقاصد بين النظراء في المناصب والأموال: وذلك يختص بمتزاحمين على مقصود واحد وذلك مثل الضرات عند زوجهن والتلاميذ عند الأستاذ والإخوة في التزاحم على نيل المنزلة في قلوب الأبوين ليتوصل بها إلى مقاصد الكرامة والمال وخدّام الملك في نيل المنزلة من قلبه. والتاجر يحسد التاجر والصانع يحسد الصانع والنجار يحسد النجار والفلاح يحسد الفلاح وأرباب الجاه يحسدون أرباب الجاه والمناصب الحكومية يحسد بعضهم بعضاً، ومن الأمثال المتدوالة قولهم: عدو المرء من يعمل عمله. والحسد يقع كثيراً بين المتشاركين في رئاسة أو مال إذا أخذ بعضهم قسطاً من ذلك وفات الآخر.ويكون بين النظراء لكراهة أحدهم أن يفضل عليه الآخر ، كحسد إخوة يوسف وكحسد ابني ءادم أحدهما لأخيه فإنه حسده لكون الله تقبل من قربانه ولم يتقبل قربان هذا ، فحسده على ما فضله الله من الإيمان والتقوى كحسد اليهود للمسلمين ، وقتله على ذلك.و لهذا قيل: أول ذنب عصي الله به ثلاثة: الحرص والكبر والحسد. فالحرص من ءادم ، والكبر من إبليس ، والحسد من قابيل حيث قتل هابيل. والحسد يكثر في المناصب والأموال ، ويقع لما يحصل للغير من السؤدد والرياسة وإلا فالعامل في العادة ولو كان تنعمه بالأكل والشراب والنكاح أكثر من غيره.بخلاف نوعي العلم والمال فإن صاحبيهما يُحسدان كثيراً ، ولهذا يوجد بين أهل العلم الذين لهم أتباع من الحسد مالايوجد فيمن ليس كذلك ، وكذلك فيمن له أتباع بسبب إنفاق ماله فذلك ينفع الناس بقوت القلوب، وهذا ينفعهم بقوت الأبدان والناس محتاجون إلى ما يصلحهم من هذا وهذا. ولهذا كان الناس يعظّمون دار العباس: كان عبدالله يعلم الناس وأخو يطعم الناس، فكانوا يعظّمون لذلك.و رأى معاوية الناس يسألون ابن عمر عن المناسك وهو يفتيهم فقال: هذا والله الشرف.أو نحو ذلك. هذا وعمر بن الخطاب رضي الله عنه نافس أبا بكر رضي الله عنه الإنفاق كما ثبت في الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي ، فقلت:اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً .فقال :فجئت بنصف مالي، قال: فقال لي رسول صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك؟ فقلت: مثله.وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده ، فقال له رسول صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله فقلت: لا أسابقك إلى شىء أبداً.رواه الترمذي. وكما جرى لزينب بنت جحش رضي الله عنه رضي الله عنها فإنها كانت هي التي تسامي عائشة رضي الله عنها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وحسد النساء بعضهن لبعض كثير غالب لا سيما المتزوجات بزوج واحد، فإن المرأة تغارعلى زوجها لحظها منه، فإنه بسبب المشاركة يفوت بعض حظها.
6 - حب الرياسة وطلب الجاه لنفسه من غير توصل به إلى مقصود ومن غير قصد شرعي صحيح وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون إذا غلب عليه حب الثناء والمدح واستفزه الفرح بما يمدح به، فإنه لو سمع بنظير له في أقصى أقطار الأرض لساءه ذلك وأحب موته أو زوال تلك النعمة التي عند الذي يشاركه بها في المنزلة من شجاعة أو علم أو صناعة أو جمال أو ثروة أو نحو ذلك.
7 - خبث النفس وحبها للشر وشحها بالخير لعباد الله: فتجد المتصف بذلك شحيحاً بالفضائل بخيلاً بالنعم وليست إليه فيمنع منها ولابيده فيدفع عنها لإنها مواهب قد منحها الله من شاء فيسخطه على الله عز وجلّ في قضائه ويحسد على ما منح من عطائه وإن كانت نعم الله عز وجلّ عنده أكثر ومنحه عليه أظهر، وإذا ذكر له اضطراب ونكبات تصيب الناس وكذلك إدبارهم وفوت مقاصدهم وتنغيص عيشهم استنار وجهه وفرح به وصار يبثّه وربما أتى بإشاعة في صورة الترحم والتوجع فهوأبداً يحب الإدبار لغيره ويبخل بنعمة الله على عباده كأن ما أعطاهم الله يؤخذ من ماله وخزانته على أنه ليس بينه وبينهم عدواة وهذا ليس له سبب إلا التعمق في الخبث والرذالة والنذالة والخساسة في الطبع اللئيم ولذلك يعسر معالجة هذا السبب لإنه ظلوم جهول وليس يشفي صدره ويزيل حزازة الحسد الكامن في قلبه إلا زوال النعمة فحينئذ يتعذر الدواء أو يعزّ ومن هذا قول بعضهم:
وكلٌ أدوايه على قدر دائه------- سوى حاسدي فهي التي لاأنالها
وكيف يدواي المرء حاسد نعمة------- إذا كان لايرضيه إلا زوالها
وهذا النوع من الحسد أعمها وأخبثها إذ ليس لصاحبه راحة ولا لرضاه غاية. فإن اقترن بشر وقدرة كان بوراً وانتقاماً وإن صادف عجزاً ومهانة كان جهداً وسقاماً. وقال عبدالحميد: الحسود من الهمّ كساقي السم فإن سرى سمه زال عنه همّه.أما الأسباب الأخرى فيتصور إزالتها في المعالجة .
8 - ظهور الفضل والنعمة على المحسود: بحيث يعجز عنه الحاسد فيكره تقدمه فيه واختصاصه به فيثير ذلك حسداً لولاه لكفّ عنه وهذا أوسطها لإنه لا يحسد إلا كفاء من دنا وإنما يختص بحسد من غلا وقد يمتزج بهذا النوع ضرب من المنافسة ولكنها مع عجز فصارت حسداً.وأعلم أنه بحسب فضل الإنسان وظهور النعمة عليه يكون حسد الناس له فإن كثر فضله كثر حسّاده وإن قلّ قلّوا لإن ظهور الفضل يثير الحسد وحدوث النعمة يضاعف الكمد ولذك قال رسول صلى الله عليه وسلم (استعينوا عى قضاء الحوائج بسترها فإن كل ذي نعمة محسود).وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ما كانت نعمة الله على أحد إلا وجّه الله لها حاسداً فلو كان الرجل أقوم من القدح لما عدم غامزاً . وقد قال الشاعر:
إن يحسدوني فإني غير لائمهم ------- قبلي من الناس أهل الفضل قد حُسدوا
فدام لي ولهم مابي ومابهم ------- ومات أكثرنا غيظاً بما يجد
9 - حب الدنيا : فمنشأ التزاحم حب الدنيا فإن الدنيا هي التي تضيق على المتزاحمين أما الآخرة فلا ضيق فيها.
10 - حب تسخير البشر للنفس 11 - المجاورة والمخالطة 12 - شدة البغي وكثرة التطاول على العباد(هذا السبب من المحسود) 13 - شدة البخل (هذا السبب من المحسود) 14 - أن يكون له الرفعة والرياسة 15 - ألاّ يكون الحاسد تابعاً لغيره 16 - أن يقبل قول الحاسد منه ويتبع 17 - محبة الحاسد أن يزول غيره عن الرفعة 18 - كراهية رفعة المنزلة للمحسود 19 - الرياء وحب المنزلة والرياسة أن يعلوالحاسد غيره 20 - التعزز و الترفع 21 - الغضب
رجوع لأعلى الصفحة
________________________________________
آثار الحسد واضراره على الحاسد والمجتمع
1 - حلق الدين: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: دبّ إليكم داء الأمم قبلكم البغضاء والحسد هي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر والذي نفسي بيده لا تؤمنوا حتى تحابّوا ألا أنبئكم بأمر إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم).
2 - انتفاء الإيمان الكامل: قال صلى الله غليه وسلم(لا يجتمع في جوف عبد غبار في سبيل الله وفيح جهنم ، ولا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد) رواه ابن حبان والبيهقي. والذي يجب أن يُفهم من هذا الحديث أن الإيمان الصادق الكامل الذي يستحضر صاحبه أن كل أفعال الله لحكمة لايجتمع هذا الإيمان مع الحسد الذي يعترض على فعل الله وحكمته.وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أن الحسد يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل.
3 - رفع الخير وانتشار البغضاء في المجتمع: يقول صلى الله عليه وسلم(لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا) رواه الطبراني. والمعنى والله أعلم أنهم إذا تحاسدوا ارتفع الخير منهم وكيف لايرتفع منهم الخير وكلٌ منهم يتمنى أن يزول الخير الذي عند صاحبه.
4 - إسخاط الله وجني الأوزار:يسخط الله في معارضته ويجني الأوزار في مخالفته إذ ليس يرى قضاء الله عدلاً ولا من الناس لنعمه أهلاً. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم(الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) وقال عبدالله بن المعتز: الحاسد مغتاظٌ على من لاذنب له بخيلٌ بما لا يملكه طالبٌ مالا يجده.
5 - مقت الناس للحاسد وعدواتهم له: حتى لا يجد فيهم محباً ولا يرى فيهم ولياً فيصير بالعدواة مأثوراً وبالمقت مزجوراً ولذك قال النبي صلى الله عليه وسلم(شر الناس من يبغض الناس ويبغضونه).
6 - انخفاض المنزلة وانحطاط المرتبة للحاسد: لانحراف الناس عنه ونفورهم منه وقد قيل في منثورالحكم:الحسود لا يسود.
7 - الحسرات على الحاسد والسقام والغمّ الغير منقطع وقصر العمر: ثم لا يجد لحسرته انتهاء ولا يؤمل لسقامه شفاء. قال ابن المعتز:الحسد داء الجسد. وقال الأصمعي: قلت لأعرابي:ماأطول عمرك؟ قال: تركت الحسد فبقيت. والحاسد يُقتل غمّاً بصبر المحسود. قال بعض الحكماء: يكفيك من الحاسد أنه يغتمّ في وقت سرورك. وقيل في منثور الحكم: عقوبة الحاسد من نفسه. وقال بعض الأدباء: ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحسود نفس دائم وهمّ لازم وقلب هائم فأخذه بعض الشعراء فقال:
إنّ الحسود الظلوم في كرب ------- يخاله من يراه مظلوماً
ذا نفس دائم على نفس ------ يظهر منها ما كان مكتوماً
قال معاوية رضي الله عنه: ليس في خصال الشر أعدل من الحسد يقتل الحاسد قبل أن يصل للمحسود.وقال عبدالله ابن المعتز رحمه الله تعالى:
اصبر على كيد الحسو------- د فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها-------- إن لم تجد ما تأكله
8 - عدم نفع الحاسد: قال رجل لشريح القاضي: إني لأحسدك على ما أرى من صبرك على الخصوم ووقوفك على غامض الحكم. فقال: ما نفعك الله بذلك ولاضرني.
9 - الحسد نوع من معاداة الله في الاعتراض على قسمته وفعله10- الحاسد مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته وكراهته 11- الحاسد قد أبغض كل نعمة قد ظهرت على غيره 12- الحاسد سخط لقسمة الله تعالى 13- الحاسد ضنّ بفضله عز وجلّ 14- الحاسد خذل ولي الله تعالى 15- الحاسد أعان عدوه إبليس لعنه الله 16- الحاسد لا ينال في المجالس إلا مذمة وذلاً ولا ينال من الملائكة إلا لعنةً وغضباً ولا ينال في الخلوة إلا جزعاً وهمّاً ولا ينال عند النزع إلا شدةً وهولاً ولا ينال في الموقف إلا فضيحةً ونكالاً ولا ينال في النار إلا حراً واحتراقاً 17- الحاسد متشمت بما أصاب المحسود من بلاء 18- الحاسد يهجر المحسود ويصارمه وينقطع عنه وإن طلبه وأقبل عليه 19- الحاسد يعرض عن المحسود استصغاراً له 20- الحاسد يتكلم في المحسود بما لايحل من كذب وغيبة وإفشاء سرّ وهتك ستر وغيره 21- الحاسد يحاكي المحسود استهزاءً به وسخرية منه 22- الحاسد يؤذي المحسود بالضرب وما يؤلم البدن 23- الحاسد يمنع المحسود من قضاء دين أو صلة رحم أو ردّ مظلمة 24- الحاسد في مصيبة لا يُؤجر عليها 25- وفي مذمة لا يُحمد عليها 26- يسخط الله على الحاسد 27- تُغلق أبواب التوفيق على الحاسد.
رجوع إلى أعلى الصفحة
________________________________________
موقف المحسود من الحاسد
1 - الرجوع إلى الله وتجديد التوبة مع الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه. 2 - التوكل على الله وقول: حسبنا الله ونعم الوكيل. 3 - الاستعاذة بالله تعالى وقراءة الأذكار والأوراد الشرعية. 4 - الدعاء والتضرع إلى الله بأن يقيك الله ويحفظك من شر أعدائك وحسّادك. 5- العدل مع الحاسد وعدم الإساءة إليه بالمثل وإنصاف حقه وعدم ظلمه بسبب فعله. 6 - الإحسان إالى الحاسد. 7 - مداراة الحاسد والتودد إليه. 8 - التعوذ بالله من شر الحاسد والتحصن بالله واللجأ إليه. 9 - تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه. 10 - الصبر على العدو وألاّ يقاتله ولا يشكوه ولا يحدّث نفسه بأذاه أصلاً. 11 - فراغ القلب من الاشتغال به والفكر. 12 - الإقبال على الله والإخلاص له وجعل محبته ورضاه والإنابة إليه في محل خواطر النفس وأمانيها. 13 - الصدقة والإحسان ما أمكنه. 14 - تجريد التوحيد والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبِّب العزيز الحكيم. 15 - عدم إخبار الحاسد بنعمة الله عليه. 16 - اغتسال الحاسد وصبّ ماءه على المحسود. 17 - الرقيّة.
وإذا بُلي الإنسان بأحدٍ من الحسّاد استعاذ بالله من شره وتوقى مصارع كيده وتحرز من غوائل حسده وأبعد عن ملابسته وادنائه لعضل دائه وإعواز دوائه ، فقد قيل: حاسد النعمة لايرضيه إلا زوالها.وقال بعض الحكماء: من ضرَّ بطبعه فلا تأنس بقربه فإن قلب الأعيان صعب المرام. وقال عبدالحميد: أسدٌ تقاربه خيرٌ من حسود تراقبه. وقال محمود الورّاق:
أعطيت كل الناس من نفسي الرضا ------- إلا الحسود فإنه أعياني
ما إن لي ذنباً إليه علمته ------- إلا تظاهر نعمة الرحمن
وأبى فما يرضيه إلا ذلتي ------- وذهاب أموالي وقطع لساني
رجوع لأعلى الصفحة
________________________________________
الدواء المزيل للحسد من الحاسد نفسه
1 - التقوى والصبر: فمن وجد في نفسه حسداً لغيره فليستعمل معه الصبر والتقوى فيكره ذلك في نفسه.
2 - القيام بحقوق المحسود: بعض من الناس الذين عندهم دين لا يعتدون على المحسود ، فلا يعينون من ظلمه ، ولكنهم أيضاً لا يقومون بما يجب من حقه ، بل إذا ذمه أحدٌ لم يوافقوه على ذمه ولا يذكرون محامده ، وكذلك لو مدحه أحدٌ لسكتوا وهؤلاء مدينون في ترك المأور في حقه مفرطّون في ذلك لا معتدون عليه، وجزاؤهم أنهم يبخسون حقوقهم فلا ينصفون أيضاً في مواضع ولا ينصرون على من ظلمهم كما لم ينصروا هذا المحسود. أما من اعتدى بقول أو فعل فذلك يعاقب ، ومن اتقى الله وصبر فلم يدخل في الظالمين نفعه الله بتقواه.
3 - عدم البغض: في الحديث(ثلاثٌ لا ينجو منهن أحد:الحسد والظن والطيرة وسأحدثكم بما يخرج من ذلك :إذا حسدت فلا تبغض وإذا ظننت فلا تحقّق وإذا تطيّرت فامض) رواه ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة.
4 - العلم بإن الحسد ضرر على الحاسد في الدين والدنيا ومنفعته للمحسود في الدين والدنيا: فلا ضرر به على المحسود لا في الدنيا ولا في الدين بل ينتفع به فيهما جميعاً. أما ضرره في الدين فلأنه سخطٌ لقضاء الله وقدره وكراهة لنعمته على عبده المؤمن وانضم إليه غش المسلم وترك نصحه وترك العمل بقول النبي صلى الله عليه وسلم(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وانضم أيضاً إلى ذلك أنه شارك أبليس وهذه خبائث تأكل الحسنات.وأما ضرره في الدنيا فإنه الألم النقد الحاضر والعذاب الأليم وأما كونه لا ضرر على المحسود فواضحٌ لإن النعمة لا تزول بالحسد. وأما منفعته في الدين فهو أن المحسود مظلوم من جهة الحاسد لا سيما إذا أخرج الحسد صاحبه إلى القول والفعل بالغيبة والقدح فيه وهتك ستره وذكر مساويه فهذه هدايا تُهدى إليه ، وأما منفعته في الدنيا للمحسود فهو أن أهم مقاصد أكثر أبناء الدنيا إيصال الضرر والهمّ إلى أعدائهم وهو متوفر في الحسد وقد فعل الحاسد بنفسه مرادهم. فأنت إذا حسدت بالحقيقة عدوٌ لنفسك صديق لعدوك ومع هذا كله فقد أدخلت السرور على أبليس وهو أعدى عدو لك ولغيرك ولو عقلت تماماً لعكست وكلفت نفسك نقيض الحسد إذ أن كل مرض يعالج بضده كمثلً:
5 - الثناء على المحسود وبرَّه: فيكلف نفسه الثناء عليه من غير كذب ويلزم نفسه بره إن قدر ، فهذه الأفعال تعمل مقاربة تطِّيب قلب المحسود ويحب الحاسدَ ويصير ما يتكلفه أولاً طبعاً آخراً. ولا يعمل بوساوس الشيطان أنَّ هذا عجزٌ ونفاق وخوف لإن ذلك من خدعه ومكائده فهذا الدواء إلا أنه مرٌّ قلَّ من يقدر عليه .قال تعالى(ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه ولي حميم). والعمل النافع فيه عدم البغي وكذلك أن يحكم الحسد فكل ما يتقاضاه الحسد من قول وفعل فينبغي أن يكون نقيضه فإن بعثه الحسد على القدح في محسوده كلَّف لسانه المدح له والثناء عليه ، وإن حمله على التكبر عليه ألزم نفسه التواضع له والاعتذار إليه ، وإن بعثه على كفّ الإنعام عليه ، فمهما فعل ذلك عن تكلف وعرفه المحسود طاب قلبه وأحبه ومهما ظهر حبه عاد الحاسد فأحبه وتولَّد من ذلك الموافقة التي تقطع مادة الحسد لإن التواضع والثناء والمدح وإظهار السرور بالنعمة يستجلب قلب المنعَم عليه ويسترقه ويستعطفه ويحمله على مقابلة ذلك ثم ذلك الإحسان يعود إلى الأول فيطيب قلبه.وإنما تهون مرارة هذا الدواء أعني التواضع للأعداء والتقرب إليهم بالمدح والثناء بقوة العلم بالمعاني التي ذكرنا وقوة الرغبة في ثواب الرضا بقضاء الله تعالى وحب ما أحبه وعزة النفس وترفعها عن أن يكون في العالم شيء عى خلاف مراده.
6 - إفشاء السلام : قال صلى الله عليه وسلم(أفشوا السلام بينكم) فأخبر صلى الله عليه وسلم بحال الحسد وأن التحابب ينفيه وأن السلام يبعث على التحابب فصار السلام إذن نافياً للحسد. وقد جاء كتاب الله تعالى يوافق هذا القول في قوله تعالى (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه ولي حميم) قال مجاهد: معناه ادفع بالسلام إساءة المسىء . قال الشاعر:
قد يلبث الناس حيناً ليس بينهم ------- ودٌّ فيزرعه التسليم واللطف
7 - القناعة بعطاء الله: قال بعض الحكماء: من رضي بقضاء الله تعالى لم يسخطه أحد ومن قنع بعطائه لم يدخله حسد ، فيكون راضياً عن ربه ممتلئ القلب به.ويتيقن بأن الحرمان أحيانا للإنسان خيرا من العطاء، وأن المصيبة قد تكون له نعمة، وأن الإنسان احيانا يحب ما هو شر له ويكره ما هو خير له .
8 - نقل الطباعة(الطبع): أما يستعمله من كان غالباً عليه الحسد وكان طبعه إليه مائلاً لينتفي عنه ويكفاه ويسلم من ضرره وعدواه فأمور هي له حسمٌ إن صادفها عزم ، فمنها: اتباع الدين في اجتنابه والرجوع إلى الله عز وجل في آدابه فيقهر نفسه على مذموم خلقها وينقلها عن لئيم طبعها وإن كان نقل الطباعة عَسِراً لكن بالرياضة والتدرج يسهل منها ما استصعب ويحبب منها ما أتعب وأن نقدِّم قول القائل : من ربّه خلقه كيف يخلي خلقه ، غير أنه إذا عانى تهذيب نفسه تظاهر بالتخلق دون الخلق ثم بالعادة يصير كالخلق . قال أبو تمام الطلئي:
فلم أجدِ الأخلاق إلا تخلقاً ------- ولم أجدِ الأفضال إلا تفضلاً
9 - العقل: الذي يستقبح به من نتائج الحسد مالا يرضيه ويستنكف من هجنة مساويه فيذلل نفسه أنفة ويطهرها حمية فتذعن لرشدها وتجيب إلى صلاحها. وهذا إنما يصح لذي النفس الأبية والهمة العلية وإن كان ذو الهمة يجلّ عن دناءة الحسد الذي يريد بعقله - بما استودعه الله عز وجل من المعرفة بضرر الحسد - على منازعة الطبع ودعاء العدو.
-10 استدفاع ضرر الحسد وتوقي أثره: ويعلم أن مكانته في نفسه أبلغ ومن الحسد أبعد فيستعمل الحزم في دفع ما أكدّه وأكمده ليكون أطيب نفساً وأهنأ عيشاً . وقد قيل: العَجَب لغفلة الحسّاد عن سلامة الأجساد.
11 - رؤية النفور الناس منه(أي الحاسد) وبعدهم عنه: فيخافهم إما على نفسه من عدواة أو على عرضه من ملامة فيتألفهم بمعالجة نفسه ويراهم إن صلحوا أجدى نفعاً وأخلص ودّاً. وفي الحديث عند ابن ماجة عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أفضل؟ قال: (كل مخموم القلب، صدوق اللسان), قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: (هو التقي النقي لا أثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد).
12 - مساعدة القضاء والاستسلام للمقدور: ولايرى أن يغالب قضاء الله فيرجع مغلوباً ولا أن يعارضه في أمره فيُرَدَّ محروماً مسلوباً ، وقد قال أردشير بن بابك:إذا لم يساعدنا القضاء ساعدناه. وفال محمود الورّاق:
قدر الله كائنٌ ------- حين يقضي وروده
قد مضى فيك علمه ------- وانتهى ما يريده
وأخو الحزم حزمه ------- ليس مما يزيده
فأرِد ما يكون إن ------- لم يكن ما تريده
13 - قمع أسباب الحسد: فأما الدواء المفصَّل فهو تتبع أسباب الحسد من الكبر وغيره وعزة النفس وشدة الحرص على مالا يغني ، فهو مواد المرضى ولا يقمع المرض إلا بقمع المادة.
14 - كراهة القلب لحب زوال النعمة: أما إذا ألزمت نفسك وقلبك كراهة ما يترشح منه بالطبع من حب زوال النعمة حتى كأنك تمقت نفسك على ما في طبعها فتكون تلك الكراهة من جهة العقل في مقابلة الميل من جهة الطبع ، فقد أديت الواجب عليك ولا يدخل تحت اختيارك في أغلب الأحوال أكثر من ذلك.
15 - العلم بأضرار الحسد على الحاسد في الآخرة: بإن : الحاسد معترض على أقدار الله - الحاسد متشبه بالكافرين - الحاسد جنديٌ من جنود إبليس - الحاسد مفارقٌ للمؤمنين - الحاسد معَذَّب في الآخرة - حسنات الحاسد تذهب للمحسود.
16 - العلم بأضرار الحسد على الحاسد في الدنيا : بإن: الحاسد دائماً في الهمّ والحزن - الحاسد قد يتمنى لنفسه البلاء - الحاسد تنزل عليه البلايا.
17 - أن يعلم الحاسد أنه قد غشَّ من يحسده من المسلمين وترك نصيحته وشارك أعداؤه:إبليس والكفار في محبتهم للمؤمنين زوال النعم عنهم وكراهةما أنعم عليهم به ، وأنه قد سخط قضاء الله عز وجلَّ الذي قسم لعباده.
18 - أن يعلم الحاسد أنه لو كان الذي يحسده أبغض الناس إليه وأشدهم عدواة له ، أنه لا تزول النعمة عنه بحسد الحاسد له.
19 - أن يعلم الحاسد أنَّ الحسد في الدين والدنيا من حسد إبليس.
20 - أن يعلم الحاسد أنه لو كان حسد الحاسد يضر المحسود فيزيل عنه بحسده له النعم ، لدخل على الحاسد أعظم الضرر ؛ لإنه لا يعرى أن يحسده غيرُه.
21 - العلم بإنه خلق دنئ يتوجه نحو الأكفاء والأقارب ويختص بالمخالط والمصاحب.
22 - الإخلاص
23 - قراء القران وتدبره
24 - تذكر الحساب والعقاب
25 - الدعاء والصدقة
26 - تذكر الحاسد أن من ينفث سمومه عليه من إخوانه ويناله بسهمه ، هو أخٌ مسلم ليس يهودياً ولا نصرانياً.
فإن أظفرته السعادة بأحد هذه الأسباب وهدته المراشد إلى استعمال الصواب سلم من سقامه وخلص من غرامه واستبدل بالنقص فضلاً واعتاض من الذم حمداً.
من موقع : http://www.heartsactions.com/s6.htm
ومن شر حاسد إذا حسد
العين... للوقاية من الحسد!
ارسال | حفظ | طباعة | تصغير الخط | الخط الرئيسي | تكبير الخط
| تحقيق هاني شاكر |
يشكو كل مجتمع من داء اسمه الحسد، والكويتيون أحيانا ما يجأرون بالشكوى من أن لديهم حسدا يكفي بلدانا كثيرة، ويعبرون أن الحسد ينتشر ويشمل كل شيء حتى صار مرضا.
لكنك بالمقابل تسمع الحكمة أو النصيحة الشرعية بأنه يجب على كل انسان أن يؤمن بأن الله جل جلاله هو الذي يعطى ويمنع، ويبسط ويقبض، ويوسَّع ويقتَّر، لا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى، كل شيء عنده بمقدار.
ولا اله الا الله.
الحسد موجود منذ القدم، في العصور الفرعونية، وفي العصر الجاهلي، وفي شتى حضارات شبه الجزيرة العربية، وأرض الرافدين وغيرها، في كل الحضارات والثقافات، وهو ممتد الى الآن ونسمع أو نقرأ أن لكل الشعوب أدبياتها وأقوالها وأمثالها حول الحسد.
والحسد من أمراض النفوس، وهو مرض غالبٌ فلا يخلص منه الا القليل من الناس، ولهذا قيل: ما خلا جسد من حسد.
لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه، فالحسد ذميم قبيح حيث ان الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ من شر الحاسد كما أمر بالاستعاذة من شر الشيطان.
قال الله تعالى: (ومن شر حاسد اذا حسد) فبالحسد لُعن ابليس، وجعل شيطاناً رجيماً، عندما استكثر على سيدنا آدم أن يسجد له من جانبه، فهو (آدم) مخلوق من طين، بينما الشيطان من نار، ومن أجل أن الحسد بهذه الدرجة من السوء، ورد فيه تشديد عظيم حتى قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم (الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب).
واتفق علماء الدين واللغة في تعريف الحسد، فهو تمني زوال النعمة عن المحسود ان لم يكن للحاسد مثلها.
فيقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي هذا فعملت فيه مثل ما يعمل هذا.
ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق).
فهذا الحسد الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم الا في موضعين: رجل آتاه الله مالا يهلكه في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة يعلمها للناس.
وقد اُبتلي يوسف عليه السلام، بحسد اخوته له حيث قالوا (لَيوسف وأخوه أحب الى أبينا منّا ونحن عصبة انَّ أبانا لفي ضلال مبين) فحسدوه على تفضيل الأب له ولهذا قال يعقوب ليوسف (لاتقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيداً ان الشيطان للانسان عدو مبين) ثم انهم ظلموه بتكلمهم في قتله والقائه في الجبّ، ثم نقرأ تفاصيل وبواقي القصة حيث أحسن القصص في القرآن الكريم، وفيها عبرة كبيرة في أمر الحسد.
وهناك فرق بين المنافسة والحسد، فاذا لم ينظر بالنية السيئة الى أحوال الناس فهذه منافسة في الخير لا شيء فيها فيتنافس الاثنان في الأمر المطلوب المحبوب، وكلاهما يطلب أن يأخذه وذلك لكراهية أحدهما أن يتفضل عليه الآخر كما يكره المستبقان كل منهما أن يسبقه الآخر. ولهذا قيل التنافس ليس مذموماً مطلقا، والناس لهم أن يغبطوا بعضهم البعض على ما حباهم به الله، لكن شرط أن يقود ذلك الى الزيادة في الخير دون أذى.
عن قضية الحسد استطلعت «الراي» آراء بعض من الخبراء والمتخصصين في علم النفس، وسألنا أيضا رجال الدين وبعضا من فئات المجتمع فكانت هذه الحصيلة:
في البداية يقول الدكتور خضر البارون أستاذ علم النفس في جامعة الكويت أن الحسد الآن يأخذ حيزا كبيرا في المجتمع الاسلامي، والمجتمع الكويتي على وجه الخصوص، حيث هناك اعتقاد بوجود أفراد عندهم قدرة عقلية ونفسية أو قدرة سلوكية على التأثير على الآخر، هذا هو المفهوم المتداول والشائع بين الناس، ولو تطلعنا الى محتوى القرآن الكريم ومحتوى السيرة النبوية والأحاديث فسنجد خلاف ذلك تماما، اذ انه لا يوجد سلطان على الانسان غير الله سبحانه وهناك آيات تقول: (قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا) وهناك آيات وأحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن الانسان له الاختيار بأن (أفعل هذا السلوك أو لا أفعله) وألا أربط ما يحدث لي من مصير بقدرات أناس آخرين، لا أبدا لا يوجد شيء أو أحد يدعمني لأن أطلق هذا الكلام أو أطلق هذا السلوك غير الله.
مرض نفسي
وأشار البارون الى أن الحسد يعد من الأمراض النفسية لأن الانسان الذي يعتقد أن الآخر يستطيع أن يؤثر عليه لا يستطيع أن يتحكم في حياته، أنه ضعيف نفسيا لا يثق بذاته ولا بقدراته ولا يثق بامكانياته، لا يثق بحياته وهو سلبي في كل النواحي.
وتابع البارون «ان من يدعي أنه محسود أو حسد فهو فشل وأخفق في تحقيق ما كان يطلبه وبالتالى يلجأ لأن يلقي هذا الفشل على الآخرين لدرجة أنه وصل أن يحدث دائما، فان تعثرت أو سقطت فتقول قدر الله وماشاء فعل، فلماذا لا تقول يحكم الله ولا معقب لحكمه؟».
ويضيف: الله لا يحتاج الى انسان يعقب حكمه وهناك آية قرآنية (لا معقب لحكمي) والانسان دائما يريد النجاح ولا يريد الفشل،
ولذلك اذا فشل يلجأ الى التبرير والحسد، هو الذي يعلق على فشله.
وقال نحن علميا نسميه (التدعيم العشوائي) أو (السلوك الخرافي) مثلا وأضرب مثالا بالطالب لأنه من واقع يومياتي على غير العادة جلس للامتحان في كرسي معين وعلى غير العادة حصل على درجات عالية 25 من 25 فيقول (المكان كويس) وليس قدراتي والعكس صحيح.
ويكمل دكتور البارون:
ومن المصيبة الكبرى التي تقابلها أن تجد مثقفين وعلى درجات علمية يعتقدون بالحسد ويلجأون الى عرافين ورجال دين.
اننا دائما نريد ما يبرر سلوكياتنا ولا نلقي اللوم على أنفسنا وتقصيرنا بل نلقي باللوم على البيئة والأشياء التي لا دخل لها ومن ذلك قول ان الظروف هي التي تحدد... الظروف لا تحدد... أنت الذي تحدد، ولك حرية الاختيار في اطلاق هذا السلوك أو لا.
وأوضح البارون أن الناس تشعر بالذعر وهو ما يردده البعض بأن الظروف هي التي تتحكم في حياته.
وقال: نحن دائما نريد أسبابا ومبررات، فلا نلوم أنفسنا، بل نلقي المسؤولية على الآخرين دون أن نضع أهمية لأن الأمر بيدنا وأساسا مرتبط بارادة الله، وهذا ماشاء الله وقدر وفعل.
ان الله لا يريد التنافر بين الناس، والله سبحانه دائما يدعونا الى التراحم، فكيف أرمي تهمة الحسد على شخص آخر وأقول: «كله منك... أنت أعطيتني عيناً... أنت حسدتني... أنت عملت؟
وأذكر أحدهم قال ان امرأة دخلت المنزل وقبلت ابنته فخرجت هذه الزائرة واذا بالبنت تمرض، هل هي فيروس؟! وبالتالى لا ندخلها البيت مرة أخرى؟!
ان الله يمنعنا عن ذلك ونحن نقول تعاونوا وتحابوا وتعارفوا وترابطوا، فمن يعتقد بالحسد الذي يؤدي الى التباعد؟
طريقة للعلاج
وعن كيفية الخروج من تلك الظاهرة وسبل العلاج حثّ الدكتور البارون على ضرورة العودة الى الدين وتفسيره بشكل صحيح
وقال: واحد يقول لك الحسد موجود في القرآن... نعم هو موجود في القرآن، ولكن الله يقسم بشرور النفس المريضة... اللوامة، ولماذا كل نفس مريضة؟ لأن الذي يحسد يحسد في ذاته، وهو مريض وفي صراع داخلي مع نفسه، ولو كان لهؤلاء أثرهم التدميري دائما لما تقدمت البشرية ووصلنا لما نحن فيه.
أحدهم يقول ان هناك أشخاصا يوقعون الطير من السماء... هل هذا معقول؟!
ويضيف: أميركا تدفع المليارات في صناعة الصواريخ، ولو كان الأمر بيد الحسد للجأنا الى عشرة حساد... فدمّرنا أميركا!
لو كان هناك حاسد فعلا كان أحد هؤلاء حسد صدام وقتله من أول يوم، ولما كانت الحرب العراقية - الايرانية استمرت ثمانية أعوام والأمثلة كثيرة.
ويقدم البارون وصفة تعيننا على الخروج من تلك الحالة المرضية وهي الايمان الصحيح بالله سبحانه وتعالى... الايمان والاعتقاد بأن ما يصيبك هو من الله... وأن هذا نصيبك فتناله كما أراده لك الله سبحانه.
لابد من الاعتقاد في ذلك، وأن لك القدرة على الاختيار وأن لا أحد يتحكم في حياتك الا الله... وهو جل شأنه أعطانا حرية الاختيار وخير دليل على ذلك اختلاف الاديان، حيث لكل انسان حق الاختيار، لا أحد يتحكم في حياتي الا الله وعملي الذي أقوم به باختياري.
مثلا واحد يقول لك أرغموني على كشف السر... لا يوجد شيء اسمه أرغموني... أنت أطلقت، أنت لك الحرية تريد أن تصر على عدم البوح صح فعلا أنت أطلقت.
أحدهم يقول لك انه مرغم على شرب السجائر.. هذا غير صحيح، فأنت الذي تضع يدك في جيبك وتخرج المال وتشتري وتشعل الولاعة فيها وتضعها في فمك... اذن أنت صاحب القرار والاختيار في أي مرحلة من المراحل لأن تتوقف... أنت غير مرغم على أي شيء، وارادة الانسان هي التي تحدد خطواته، ومفروض أن يستغل ارادته، وأن يحكم عقله في شتى أموره وتصرفاته لينجز ما يريد.
عالم الشعوذة
وبين الباررون أن هناك أموالا تنفق على هذا المجال وأن هناك مشعوذين يستغلّون الناس الضعفاء، ممن لا يجدون له حيلة ولا يتحكمون في حياتهم، ويقللون من ثقتهم بأنفسهم فتجد هؤلاء يستغلونهم، فمثلا هناك من يقول اعطوني عين تعيد جمعنا أنا وزوجتي بعد أن افترقا، هذا أمر عجيب، فأنت من أطلق الكلمات النابية ضد زوجتك حتى افترقتما وأسأت التصرف والظن فلا هو ساحر ولا الكاهن ولا أي شخص آخر.
بل اليوم وجدت أحد الطلبة يقول « انني أحاول اقناع والدتي بكلامك يا دكتور لأنه كلام جميل ومقنع وتعطي دلائل سواء علمية أو دلائل دينية ولكن الوالدة لا تقتنع»!
ان كل انسان يلجأ الى آية قرآنية أو جزء منها ليفسرها حسب رغبته دون أن يقرأ ما قبلها وما بعدها مثل قوله تعالى (مسهم طائف من الجن)... ان الآية نزلت بأكل الربا.
ان الملاحظ هو أن المتلبسين هم دائما ضعاف نفوس ومرضى وعندهم اضطرابات ولديهم طقوس اجتماعية ونفسية ولذلك يهربون من واقعهم الى (واقع) الخيال.
وفي العالم العربي فان المترددين على العيادات النفسية قليلون جدا لأنهم يخافون أن يقال لهم أنهم مرضى نفسيون، فكلمة مريض نفسي تعني الكثير في العالم العربي، مثل الجنون، علما أن العيادة ليست للمرضى النفسيين فقط بل لكل انسان سوي... ومثلا أنا لا أستطيع أن أتعامل مع أولادي أو أنا لا أقدر على التعامل مع مدير في العمل، اذن من الضروري أن أذهب الى الدكتور النفسي وألقي عليه ما لا أستطيع التعامل معه وما هي نقاط الضعف وماذا أعمل وما الطريق والسبل للخروج من تلك الأمور التي أمر بها، هذا يوجب أن أذهب الى المختصين لا الى العرافين.
ومع التقدم العلمي والتكنولوجي في العالم هناك فئة من الناس تريد أن تعيش في العصور المظلمة، عصور ما قبل التاريخ.
هناك عالم اسمه (جمس راندي) رصد مكافأة مالية قدرها مليون دولار لمن يأتي بعمل خارق من دون خدعة لم يجد لأن كل من ذهبوا اليه يستخدمون الخدع وأجريت اختبارات ووجد أن ما يعرفونه يساوي فقط نسبة الصدفة وهي 5 في المئة.
ولأعطيك مثلا بسحرة فرعون الذين سجدوا لموسى.
وهنا مجموعة من الآراء المؤمنة أو الرافضة لسيطرة الحسد على علاقات الناس.
كذب مضاد!
عبد الله الرشيدي - موظف: الحسد شيء غير طيب، وليس كل الناس يحسدون وقد تعرضت للحسد وأنا صغير وكنت أريد أن أشتري سيارة وكنت صغيرا ولم أستخرج بعد رخصة قيادة والناس قالت لأبي جايبه ليه وهو صغير؟! وأذكر أنه وقع لي حادث والسيارة متوقفة أمام البيت.
وهناك مثل يقول (ديرة الفسد ولا ديرة الحسد) وأعتقد أن الفقراء هم الذين يحسدون لأنه ينقصهم الكثير ولذلك يلجأون الى الحسد، وحدث موقف لأحد أصدقائي الذي تزوج وهو صغير و تكلم عنه الناس وثاني يوم حدث له حادث أثناء وجوده في غرفته وهي تطل على الشارع اذ بحجر يكسر زجاج النافذة وأصاب رأس العروس وذهبت الى المستشفى!
ويضيف: دائما ما ألجأ الى قراءة القرآن كي أقي نفسي من الحسد ولا أذهب الى المطوعين ولا العرافين، وفي بعض الأوقات أكذب لأهرب من الحسد.
صديقتي حرقت بيتي!
فاطمة العبد الله ... مذيعة تلفزيون: الحسد هو تمني زوال ما يتمتع به الآخرون وهو موجود ومذكور في القرآن، وأنا أعتقد بالحسد (وأخاف منه موت) وأتجنبه بعدم الحديث عن ما عندي، مثل لوعندي عشرة دنانير أقول ان لدي دينارين فقط!
وكنت أذكر ما يحصل عليه أبنائي من علامات وبعد ذلك كان يحدث لهم مرض وعندما زارتني صديقة قالت لي بيتك جميل وحلو وبعد خروجها حدث في البيت حريق وجاء رجال المطافئ وتدمّر البيت!
الأغنياء يحسدون
وتضيف فاطمة قولها: لا ألجأ الى المشايخ والتعويذات والتمائم والخرزة الزرقاء وما شابه ولكن الجأ الى القرآن وقراءة المعوذتين وآية الكرسي وقليل من سورة البقرة، حتى قبل الخروج على الهواء اقرأ آية الكرسي والمعوذتين ولم أجرب الحسد عن طريق الشاشة حتى الآن.
وهل الحسد من الفقراء أكثر من الأغنياء؟ قالت: الفقراء لا يحسدون بل الحسد دائما يأتي من الأغنياء لأنهم يتطلعون الى الفقراء ويحسدونهم على سعادتهم ولا أقول غير لا اله الا الله.
الحسود لا يسود
أبو محمد - محاسب في احدى الشركات: الحسد تمني زوال نعمة ما هوأعلى منك، أو هو شيء ناقص عندك وتتمنى الحصول عليه عن غير قناعة بعطاء الله، وهناك مقولة (الحسود لا يسود) أي لا يصل الى ما يريد مهما حدث لأنه غير قانع، والغيرة هي أساس الحسد أو أهم أسبابه، وأساس الحسد هو الفقر فقد قال سيدنا علي رضي الله عنه (لو كان الفقر رجلا لقتلته) وأنا أقي نفسي من الحسد بقراءة القرآن الكريم وعدم ذكر ما عندي ولا أحدث الا في القليل ولا أذهب الى العرافين ولا الى رجال الدين.
صديق يفجّر الشاشة!
كمال محمد صادق - مهندس مدني: الحسد موجود في كل مكان وزمان وهو مذكور في القرآن ولكن ليس بهذه الطريقة حيث أصبح مرضا وانتشر في المجتمع بشكل مخيف وهناك أناس تعتقد في الحسد وتدعي قدرات على الآخرين مثل أن يجعلك تمرض. هذا مستحيل أو خرافة.
وأشار الى أنه تعرض الى مواقف حسد كثيرة، فقد كنت أعمل على الكمبيوتر وقد زارني أحد أصحابي وكان زميلا في البلد ولم يكمل تعليمه، وشاهد الكمبيوتر وسألني عن عملي، وهل أكلم أهل بيتي، فقلت له بالساعات، قال جميل وبعد أن انتهى من كلامه اذا بالشاشة تنفجر!
وهل يلجأ الى رجال الدين أو العرافين واستعمال التمائم... يقول: لا... ولكن دائما ألجأ الى قراءة القرآن وأنا مواظب عليه.
صدفة الضرر
أحمد عبيد: الحسد مفهوم وفكرة موجودة ولكن تفسيره هو الذي يقع عليه الخلاف... والانسان الذي يقول انه محسود فاشل ويعلق فشله على شماعة الحسد لأنه يفسر كل ما يقع من سوء معه بالحسد وهذا غير صحيح لأن الحاسد هنا يأخذ صفة وقدرة الله سبحانه جل شأنه وهذا لا يجوز.
وتابع: ان الحسد مجرد رغبة أن يحقد عليك ويحسدك أحدهم ويتمنى زوال نعمتك، وان حدث ذلك فهو من باب الصدفة لا أكثر.
والحسد موجود ويمكن أن يأتي من أي انسان يغار من آخر غيره، لكن تفسير الحسد هو عبارة عن شخص عنده رغبة دفينة بزوال النعمة عنك أي يكره لك الخير، لكنه لن يستطيع أن يجلب لك الضرر أو النفع الا بارادة الله، وأنا لا أؤمن نهائيا أن هناك شخصا يحسد ويستطيع أن يقودك لعمل حادث، أو يسقط ابنك في الامتحان، هذا كلام فارغ وخرافة، ولو كان الحاسد يستطيع أن يفعل هذا وهذا لكان فعل لنفسه أولا قبل أن يؤذي الآخرين، مثل الساحر الذي يشتغل ويحصل مالا... هذا ليس ساحرا اذا لم يصبح بسحره أغنى الناس! ونسأله:
هل تعرضت للحسد؟ فيجيب: ليس لدي شيء حتى أحسد عليه. لكنه استدرك قائلا: الحسد موجود في القرآن نعم، ولكن الانسان الذي يرجع كل شيء يحدث له في حياته الى الحسد فاشل وهو يلجأ الى التبرير ليفسر فشله وعجزه، ومن يدع أنه محسود في شيء ما يكن ناقص العقل والتفكير مثله مثل الريشة التي يحركها الهواء ليس له ارادة فلا يوجد حسد، فاذا أردت عمل مشروع فان عليك أولا اعداد دراسة جدوى، ان الله منحنا العقل وميّزنا بهذا عن الحيوان، ولا بد من الحساب والتحسب واليقظة قبل الاقدام على شيء.
زميلتي (جلطتني)!
أم يوسف - موظفة في وزارة الصحة: الحسد هو تمني زوال نعمة الغير وهو ناتج عن الحقد، والغيرة بداية الحسد لأن صاحبها يحس بالنقص عندما يرى أمورا لدى غيره وهو يفتقدها أو يتمناها.
وتضيف: تعرضت للحسد يوم قالت لي زميلتي في العمل أنت صحتك (كويسة) وأحسن من زمان بكثير! ففي نفس اليوم حدث لي جلطة ودخلت المستشفى! ومن يومها وأنا أخاف الحسد بصور تصل الى الجنون، وألجأ أحيانا الى الكذب، ودائما ما أتحدث عن مشاكل عندي وهي ليست عندي! وكل ذلك للهروب من الحسد.
وتضيف: لقد تعرضت لكثير من الحسد، وعلى سبيل المثال ابنتي كانت من المتفوقين في الدراسة، وقد حسدها أقاربها وهي الآن تعرقلت كثيرا في الجامعة.
وتتابع: أقي نفسي من الحسد بقراءة القرآن والبخور والخرزة الزرقاء في سيارتي والبيت، لأني أعتقد بها كثيرا، وكذلك أقوم بتبخير البيت بالبخور والشبة والملح كل يوم اثنين وخميس، وهذا ما ورثته عن والدتي لأنها كانت تقول ان الملح يطرد العين، ولكن لا أذهب الى رجال الدين والحسد موجود ومذكور في القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
مجدي حسن: الحسد دليل على ضعف الإيمان
لكن لا أمر يحدث في الكون إلا بأمر الخالق عز وجلّ
يلاحظ الدكتور مجدي محمد حسن الامام والخطيب في مسجد محمد الصباح بمنطقة الفروانية تفشي الحسد في العالم ويرى أن الظاهرة منتشرة منذ القدم، وعند جميع الأمم، ويشير الى أن الله عز وجل حدثنا في كتابه عن ذلك، فقد ورد في محكم التنزيل: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم).
ويضيف: ربما يكون هذا المرض الذي حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم منه نتيجة ضعف الايمان والبعد عن الله عز وجل، ذلك لأن الحسد كما قال العلماء (هو تمني زوال النعمة عن الغير وأن تأتي النعمة الى الحاسد أو تمني زواله من غير أن تكون اليه)، وهذا في حد ذاته يتعارض ويتناقض مع الايمان بالله فالمؤمن لابد أن يكون عنده رضى بما قسم الله له، ولا بد من قناعته بما قسم الله له، وعليه أن يحب لأخيه المسلم ما يحبه لنفسه، وهناك أمر آخر يسمى الغبطة هي (تمني ما عند الغير ولكن من دون أن يتمنى زوال ذلك الأمر) والقرآن ينهانا أن ننظر أو نتمنى ما عند الأخرين وقال تعالى: (لا تمدن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا) وأن لله عز وجل في خلقه شؤون يعطي ويمنع ويوسع ويضيق، وهذا هو ابتلاؤه واختباره لعباده، فالله سبحانه تعالى يهب لمن يشاء ويمنع عمن يشاء ويوسع على من يشاء، وليس كل أمر يتمناه الانسان يتحقق، فهناك أمور الله عز وجل يحبسها عنه بارادته، ولشر الانسان، والبشر يتمنون كثرة المال والولد والمناصب وما شابه، وربما يأتي من ورائها الشر الوبيل فيحجزها الله عنه وربما يدخر الله له أمور خير في الآخرة فيكون تأخيره له في الآخرة خيرا من اعطائها له في الدنيا.
وأوضح أن الحسد هو التمني ونسبية وقوع التمني ضعيفة، فيكون الحسد قليلا كذلك، والحسد أمر حق تحدث عنه القرآن ونريد أن نشير الى أن كل ما يحدث في الكون أمره بيد الله وبأذنه، ولابد من أن يطمئن قلب المؤمن الى أن الله عز وجل عندما تحدث عن السحر قال: (وما هم بضارّين به من أحد الا بأذن الله).
وأن ما يحدث من نظر أو حسد أو سحر، لا يحدث ولا يقع الا بأمر الله، لابد من أن يتيقن المؤمن من أن ما يحدث لنا وكما قال العلماء مسجل في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة، فلا يظن الانسان أن الحاسد يؤثر بنفسه بل بقدرة الله عز وجل، لأنه لا يحدث شيء في الكون الا بأذن الله وارادته تعالى.
وعند بعض الناس يكون مرض الوسوسة أو من الأمراض النفسية مثل الاكتئاب الذي يجعل الانسان يعتزل الناس ويرفض المعاملة والانخراط بالمجتمع، لا نريد أن يصل الواحد الى هذا فتتحول حياته الى آلام، والى عذابات الواحد تلو الأخر، أي لم نقدر الأمور حق قدرها الا أن الحسد حق ويقع ولا شيء يقع في الكون الا بأدن الله تعالى.
ان تأثير الحسد على العلاقات الاجتماعية والأسرية كبير بعكس المنهج الاسلامي الذي يدعو الى التعاون والاخاء والمحبة وبالتالي يذهب بعض الناس الى العزلة والتقوقع، ونحن لا نريد من المسلم أن يكون عنده سوء الظن بالمسلمين كلما رأى انسانا ينظر اليه على أنه يحسده. لا نريد من المسلم أن يخالف منهج الله تعالى، فالله يريد من المؤمن أن ينخرط في المجتمع ويتعامل مع الناس ويخرج لكسب الرزق ويخرج لطلب العلم، فالمؤمن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) فالمسلم لا يجعل نفسه حبيس التوقعات والخيال الواسع والمبالغة في الحسد أو غيره حتى يجعله انسانا مكتئبا أو منعزلا في المجتمع.
وقال: يلجأ كثير من الناس الى التمائم والخرزة الزرقاء والحجب وما شابه ذلك، واذا كان هناك من أمر فيجب على الانسان في موضوع الحسد أن يلجأ الى كتاب الله تعالى، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم (يرقي الحسن والحسين بالمعوذتين الفلق، الناس وسورة الاخلاص) وأيضا بذكر الله تعالى، والاستمرار والمواظبة عليها أما أن يذهب الى الشركيات التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم كالرقية بغير ما شرع الله، كوضع الخرزة الزرقاء والتمائم وما شابه ذلك حتى يدفع عنه شر الحسد كما يتصور ويعتقد، فانها أمور توقع في الشرك وفي نفس الوقت لا تغني عنه ولا تنفعه بل تضره في دينه وايمانه.
وأضاف: الحاسد أو الساحر بشر لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولو كان الحاسد أو الساحر، يملك لنفسه خيرا لأغنى نفسه وشفاها من الأمراض، لكن حاله كحال الناس يمرض ويتعرض للفقر والفاقة ويتعرض للبلاء فلو كان يملك لنفسه خيرا لنفع نفسه. والحاسد ما هو الا بشر وله قدرات محدودة، عاجز عن أي شيء، ولو كان عنده القدرة لنفع نفسه، أو دفع الأضرر لحماية نفسه من ذلك وارتقى بحاله الى الغنى واليسر والثراء ولكن هذا لا يحدث.
وأشار الى الرقية الشرعية فاذا الانسان أراد أن يرقي نفسه فعليه بالرقية الشرعية وأن يوقن بحقيقة التوكل، بمعنى ألا يجعل قلبه مضطربا خائفا ويجعل أي شيء يتعرض له، ولابد أن يكون معتقدا بالله، فان الله عز وجل هو النافع والضار والعلماء عرفوا التوكل (بأنه انعقاد القلب على الله في جلب ما ينفع ودفع ما يضر) والانسان مهما رأى وسمع و قيل له لا يخاف ولا يضطرب ولا يهتز، فان الله عز وجل بيده مقاليد الأمور وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن هذا الأمر.
ان على المحسود أن يلتزم بالرقية الشرعية التي شرعها القرآن وعلمنا اياها النبي صلى الله عليه وسلم، بتلاوة القرآن قال تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) وعليه أيضا الاستعانة بذكر الله تعالى من القرآن وذكر الله من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام وهو دعاء نافع والقرآن في سورة الكهف تحدث عن استمرار التذكر بقوة الله وحوله، قال تعالى: (ولولا اذا دخلت جنتك قل ما شاء الله لا قوة الا بالله).
وعلى الانسان أن يستخدم هذا الدعاء عندما يرى ماله وأولاده ما شاء الله لا قوة الا بالله الاستعانة بذكر الله دائما في الضيق وأوقات الشدة أمر ندبنا اليه الشرع والله تعالى يقول (يأيها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) والاسلام أمرنا بالاحسان، وسبحانه وتعالى أراد من المسلم أن يكون محسنا الى غيره، وهذا يكفي المسلم شرورا لا يعلمها الا الله، والنبي صلى الله عليه وسلم قال (داووا مرضاكم بالصدقات) وقال تعالى (هل جزاء الاحسان الا الاحسان) والنبي عليه أفضل الصلاة والسلام أعلنها عندما قال (الصدقة على ذي الرحم الكاشح) وهو انسان قريب اليك وذو رحم ولكن مضمر العداوة في قلبه ضغينة أو حاقد أو حاسد أو ما شابه ذلك، وان عمل الصدقة والمعروف في أمثال هؤلاء ربما يغير من حاله أو ربما يخفف من غلواء الحقد والحسد في قلبه فيسالمه بعد ذلك.
ومن خلال عملي في المسجد أقوم بالحديث عن الحسد واعطاء دروس في ذلك، ودائما ندعو الناس لأن يحرصوا على تعلم ما ينفعهم، وألّا يركنوا الى قراءة الفنجان وضرب الودع وتعليق الخرزة الزرقاء، والرقى غير الشرعية، وألا يهملوا ما شرعه الله تعالى،وقلب الانسان لا يطمئن الا اذا توجه الى كتاب الله وسنن رسوله وابتعد عن الخزعبلات والطلاسم والأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وخلص الى أن المحسود بعيد عن الله وربما يحدث ذلك الحسد ويقع في غفلة، من ذكر الله تعالى فتوجد أوقات غفلة تعتري الانسان ربما في هذه الأوقات يحدث له الحسد وما شابه ذلك، ويلجأ الكثير من الناس الى الله وقراءة القرآن بعد الحسد.
ولا شك أن المسلم يتحول الى الدعاء والذكر وعبادة الله سواء في الشدة والرخاء، وفي الصحة والمرض، والغنى والفقر... في كل وقت وحين ولكن اذا أحس بذلك ويكون هذا احساسا صادقا لا نوعا من الوسوسة أو الخيال الواسع، كلما رأى أحدا ظن أنه حسده أو أجرى اليه عملا أو القى بين يديه بسحر، فعليه أن يلتزم بما فعله النبي عليه الصلاة والسلام وهو المواظبة على قراءة المعوذات وأيضا بقراءة آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة ودعاء النبي عليه الصلاة والسلام فقد قال: (أعوذ بك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامّة ومن كل عين لامّه).
ان قضية الابتلاء ثابتة في القرآن وهي مرتبطة بالايمان بالله تعالى، فالفتنة مرتبطة بالايمان والفتنة والاختيار والابتلاء مرتبطة بالايمان والله عز وجل ابتلى صفوة الخلق من الأنبياء والرسل قبل أن يبتلي عوام الناس والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن الابتلاء أمر مقرون بالايمان فقد قال (يبتلى الرجل على قدر دينه وان كان في دينه صلابة زيد في البلاء) فالبلاء قرين الايمان، وهذا لادخل فيه لا الحسد ولا السحر، بل كله يرجع الى الله عز وجل.
اللون الأزرق «يكسر» العين!
اتقاء من شر الحاسدين... مجرد اعتقاد
بقلم : مجدي حسن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصداق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس التاسع والثلاثين من دروس العقيدة الإسلامية ، ولازلنا في موضوع الحسد ، ولكن حينما تجد في القرآن الكريم الذي هو كلام الله ، والذي تعبَّدنا الله بتلاوته ، والذي يتلوه المسلمون آناء الليل وأطراف النهار ، حينما تجد موضوعاً في القرآن الكريم فهو من الأهمية بمكان ، كتاب يتلى إلى آخر الدوران ، وفيه موضوعات ، هذه الموضوعات أساسية جداً في حياة الإنسان ، لذلك حينما ذكر الله الحسد في أربع آيات في كتاب الله معنى ذلك أن الحسد يحتل مساحة كبيرة جداً ، العلاقات بين بني البشر ، وأن مشكلات لا تنتهي ، وأن حروباً لا تنتهي أساسها الحسد ، وأن خصومات بين الأسر وبين حالات طلاق وبين انفصام شركات أساسها الحسد .
فلذلك أيها الإخوة الكرام ، الإنسان حينما يراقب نفسه ، وحينما يتعاهد قلبه ، وحينما يبلغ درجة الوعي والتأمل لحال قلبه يكون قد قطع مسافةً جيدة في طريق سلامته وسعادته ، أحياناً الإنسان ـ بالتعبير الحديث ـ بعقله الباطن يحسد دون أن يشعر ، وبسبب حسده ينتقم ، وبسبب حسده يقسو ، وبسبب حسده يتحرك ليوقع الأذى بأخيه ، وحينما يرى الأخ أن أخاه ناله بالأذى تنشأ العداوة والبغضاء ، ولا شيء يخدم الشيطان كالعداوة والبغضاء بين المؤمنين ، الحسد مع السلوك مع القسوة يرافقه الغيبة والنميمة هو الذي يفتت المجتمع .
لكن أيها الإخوة الكرام ، حينما نبحث عن صفات الحاسد فهذا البحث مفيد جداً ، لأنه مقياس وإنذار مبكر ، الله عز وجل يقول :
[ سورة آل عمران : 118]
إذا تفوقت طُعِنتَ في الظهر ، إذا تفوقت هناك من يقول : إخلاصه ليس جيداً ، هناك من يقول : لقد حققت مصلحة مادية من عمله ، بل إن الناس الذين التقوا بالأنبياء وهم قمم البشر ، وهم من الكمال بحيث لا يصدق ، قالوا لهم : إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تتفضلوا علينا.
أنتم همّكم الاستعلاء ، هذه تهمة اتهم بها الأنبياء ، فالحسود لا يفتأ يبخس عمل المتفوق ، لا يفتأ يطعن في نيته ، لا يفتأ يطعن في إخلاصه لا يفتأ يقلل من قيمة عمله ، هذا شأن الحسود ، فالصفة التي ذكرها القرآن الكريم :
[ سورة آل عمران : 118]
صفة أخرى بينها القرآن الكريم من صفات الحاسد ، وأنا متأكد أن الإنسان أحياناً يحسد دون أن يشعر ، يحسد فيتجه إلى الطعن بالآخرين , إلى بخس عملهم ، وإلى التقليل من شأنهم، وإلى إلصاق التهم بهم دون أن يشعر بدافع الحسد ، قال تعالى :
[ سورة آل عمران : 119]
حينما يحسد الإنسان يأخذ وجهين حفاظاً على مكانته وسمعته ، إذا التقى بإنسان تفوق عليه يهنئه ، ويقول : نحن نعتز بك ، لكن حينما ينطوي على نفسه يتألم ألماً لا حدود له ، وفي غيبته يطعن به ، هذه مشكلة المسلمين حينما يضعف إيمانهم ، فيفشوا بينهم الحسد والضغينة .
صفة أخرى من صفات الحسود ، قال تعالى :
[ سورة آل عمران : الآية 120]
إن جاءكم الخير يتألمون ، وإن جاءتكم المصائب تترى يفرحون ، إذاً هم في خندق آخر ، هذه الفكرة شرحتها مرة ، هل تجد على وجه الأرض من دون استثناء أُمًّا تفرح بسقوط ابنتها؟ بفضيحة ابنتها ؟ مستحيل ، إلا أنك إن رأيت امرأة تفرح بفضيحة ابنتها فاعلم أنها ليست ابنتها، ولا يمكن أن تجد مؤمناً يفرح بمصيبة نزلت بالمؤمنين ، أو يتألم بخير أصاب المؤمنين، فإن فعل هذا فاعلم أنه ليس مؤمناً ، الإنسان حينما يحسد يضع نفسه في خندق المنافقين ، علامة النفاق الحسد ، وعلامة الإيمان الغبطة .
صدق أيها الأخ أن أخاً لك أصابه خير إن لم تفرح له ، وكأن الخير أصابك فأنت لست بمؤمن ، إن لم تفرح له بهذا الخير فأنت لست بمؤمن ، هذا كلام دقيق جداً أسوقه في هذا الموضوع ، إن لم تفرح لخير أصاب أخاك فلست بمؤمن ، إن لم تتألم لمصاب أصاب أخاك فلست بمؤمن .
[ سورة آل عمران : الآية 120]
من صفات الحاسدين في القرآن الكريم ، قال تعالى :
[ سورة محمد ]
تعرفهم في لحن القول ، سبحان الله ! الإنسان حينما يخفي شيئاً يظهر بفلتات لسانه ، أراد رجل أن يمدح إنساناً لمصلحة ، لكنه لا يحبه ، بل يبغضه ، بل يحسده ، فقال :
أحبُّ الصالحين ولستَ منهم ، هي : ولستُ منهم ، البيت الذي قاله الشافعي :
أحب الصالين ولستُ منهـم لـعلّي أن أنال بهم شفاعـة
وأكره من بضاعته المعاصي ولـو كن سواءً في البضاعة
ماذا قال ؟ أحب الصالحين ولستَ منهم ، هذه فلتة لسان عبرت عن مكنون هذا الإنسان ، إذاً لحكمة أرادها الله عز وجل الغيظ والحقد والحسد الذي ينطوي عليه الإنسان يظهر من فلتات لسانه ، قال تعالى :
[ سورة محمد ]
بسيماهم أي صفحة الوجه ، أيضاً لحكمة بالغة بالغة جعل الله وجه الإنسان مرآة قلبه ، وهناك أناس عندهم خبرة عالية ، أنت حينما تغتاظ يظهر الغيظ على صفحة وجهك ، وحينما تتألم يظهر الألم على صفحة وجهك ، وحينما تظهر شيئاً مفرحا تظهر ابتسامة ساخرة على ملامح وجهك ، الوجه مرآة القلب ، وما من شيء يضمره الإنسان في قلبه إلا ويظهر في طريقتين ، يظهر في صفحة وجهه ، وعلى لسانه ، فلتات اللسان تعبر عن حقيقة القلب ، وصفحة الوجه كذلك ، لذلك أحياناً تظهر على وجه تراه ملائكياً بريئًا طاهرًا لا يحمل حقداً ، ولا غلاً ، ولا حسداً ، ولا شيئاً من هذا القبيل ، فالوجه مرآة القلب .
مرة سيدنا عثمان ـ هكذا يروى ـ دخل على مسجده رجل قد ارتكب الزنا ، فقال : أيزني أحدكم ، ويأتي إلى المسجد ؟ فدهش الصحابة ، قالوا : أوحي بعد رسول الله ؟ قال : لا ، ولكنها فراسة صادقة .
ترى الشهواني وجهه أزرق ، المؤمن الطاهر وجهه منير مشرق ، لكن أنا أتمنى ألاّ يستعملها أحد ، قد تكون ضعيف الإحسان ، وقد تكون ضعيف الخبرة فتتهم إنسانًا من دون دليل ، هذا شيء لا يمكن أن يتخذ دليل قضيةِ الفراسة وقضية الإشراق ، وأحياناً تجد إنسانًا لونه أبيض ، ودائماً يشرب عصيرًا ، وينام خمس ست ساعات كل يوم ، ترى وجهه مثل البدر ، ما شاء الله على هذا الصلاح ، يكون أكبر مجرم ، ممكن ، وقد تجد إنسانًا ملوّنًا ، ولكن الطهر والبراءة في وجهه وكأنه بدر ، والله ، القضية ليست قضية مادية ، أن اللون أبيض ، وعلى كل خد وردة ، وفيه تألق ، وعين زئبقية ، ليس هذا هو المقياس ، المقياس أن إنسانا حينما يتصل بالله عز وجل تظهر البراءة على وجهه ، والإشراق على وجهه ، قال تعالى :
[ سورة محمد : الآية 30]
أيها الإخوة الكرام ، كلام دقيق ، أن المنافق حسود ، وأن الحسود منافق ، وهناك تطابق بين صفات المنافق وبين صفات الحسود ، فحينما تحسد فهذا الحسد يدل على أنك في خندق المنافقين ، لأن المؤمنين بعضهم لبعض نصحة متوادون ، ولو ابتعدت منازلهم ، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون ، ولو اقتربت منازلهم .
أحد كبار المفسرين ، الإمام القرطبي يقول : " الحاسد بارزَ ربَّه من خمسة أوجه ـ تطاول على الذات الإلهية من خمسة أوجه ـ أحدها : أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره ـ والله يا أيها الإخوة هناك نماذج بشرية لا يتحمل أحد أن يكون أحسن منه ، وحينما يشعر ، وهذا في النساء أكثر ، وحينما يشعر أن فلانًا أحسن منه دون أن ينتبه يطعن به ، يستصغره ، يحتقره ، يبحث عن نقائصه ، وكأنه قناص ، وينسى كل فضائله ، قال " هذا الحاسد أبغض كل نعمة ظهرت على غيره ، وثانيها : أنه ساخط لقسمة ربه .
قل لي من بات لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدبا
أسأت إلى الله في فعلـه إذ لم ترض لـي ما وهـبا
إنك تطعن بحكمة الله عز وجل .
ثالثها : أنه ضاد فعل الله ، أي إن فضل الله يؤتيه من يشاء ، وهو يتمنى ألاّ يؤتى هذا الإنسان فضل الله حسداً من عند أنفسهم .
رابعها : أنه خذل أولياء الله ، الإنسان قد يتفوق ، قد يأخذ الله بيده ، الذي يحسده لا يريد لهذا الخير أن ينتشر ، هو يقطع السبيل إلى الله ، مثلاً : اثنان على مقاعد الدراسة ، أحدهما تفوق في الدعوة إلى الله ، والثاني بقي في مرتبة دنيا اجتماعية ، ما درس ، ولا اهتم ، ولا اعتنى بقلبه ، ولا اعتنى بعلمه ، ولا طلب العلم ، ولا حمل هم المسلمين ، فلو أن هذا الرفيق الثاني الذي أهمل قلبه ، وأهمل علمه ، ولم يتحرك لخدمة المسلمين سمع أن شاباً يحضر دروس هذا الصديق الذي كان صديقه مباشرةً يطعن به ، مباشرة ينصحه ألاّ يتابع دروسه ، لماذا ؟ أنت لك أن تحل محله ؟ لا ، قال تعالى :
[ سورة البقرة : الآية 27]
ترى كلام الناس أحياناً أربعة أخماسه كلام شياطين ، يكون الشاب شاردًا ، التقى بصديق دله على جامع ، التزم ، غض بصره ، ضبط لسانه ، صلى ، صلى قيام الليل ، قرأ القرآن ، حفظ كتاب الله ، قُلِب مئة وثمانين درجة ، يأتي صديق الشيخ الذي هو عنده فيقول له : هذا الله يصلحك ! ما وجدت غيره ؟ ماذا تريد منه ؟ هذا جاهل ، بلا دليل ، حسداً من عند أنفسهم.
أيها الإخوة الكرام ، الحاسد خذل أولياء الله ، أو أراد خذلانهم ، وزوال النعمة عنهم ، الحاسد أعان عدو الله إبليس على تحقيق مراده ، لأن إبليس يقطع ما أمر الله به أن يوصل ، مهمة إبليس الأولى أن يقطع ما أمر الله به أن يوصل ، وقيل : الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة ، ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاء ، ولا ينال في الخلوة إلا جزعاً وغماً ، ولا ينال في الآخرة إلا حزناً واحتراقاً ، ولا ينال من الله إلا بعداً ومقتاً .
موضوع الحسد خطير جداً ، لأن هذا المرض الأول الذي يفشو بين ضعاف الإيمان ، ترى المجتمع ممزقًا مشرذمًا ، في البيت الواحد حسد ، بين الإخوة حسد ، بين الزملاء حسد ، بين الأقرباء حسد ، بين سكان القرية حسد ، بين أصحاب الحرفة حسد ، شيء لا ينتهي ، عداوات، ومشاحنات ، وطعن ، واتهامات ، وعدوان .
أيها الإخوة الكرام ، بعض العلماء أحصى صفات الحاسدين في بنود فقال : الحسود دائم السخط على أقدار الله ، أينما جلس يشتكي ، أينما جلس يتبرم ، أينما جلس هو متشائم ، لأن الحسد أكل قلبه ، ولأن الحسد قطعه عن الله عز وجل ، سخط من فضل الله عز وجل الذي آتاه لزيد أو عبيد .
أنا تحدثت في درس سابق أنه من مستويات الحسد أن تتمنى زوال النعمة عن أخيك لتصل إليك ، المستوى الأسوأ أن تتمنى زوال النعمة عن أخيك دون أن تصل إليك ، المستوى الأسوأ أن تكتب تقريرًا ، أو أن توغر صدر فلان من أجل أن تزول هذه النعمة عن أخيك ، شيطان يحرك الناس وهم لا يشعرون ، إنما تخدم كيد الشيطان ، دائماً الحسود أحد جنود إبليس .
إذاً متبرم ، ساخط .
والله مرة التقيت بإنسان من شدة تبرمه وسخطه وتشاؤمه وسوداويته وانتقاداته شيء لا يحتمل ، تجلس معه فتكاد لا تتحرك من الوهن الذي أصابك ، هذا الإنسان عنده بيت خمسمئة متر ، عنده مركبة ، وتجارة كبيرة ، مرة التقيت بإنسان أيضاً من شدة تبرمه لا يحتمل أن يبقى مع الناس ، ولا أن يسكن هذه البلدة ، فلما لاح له شبح مرض عضال اختلف اختلافًا كليًّا.
أحياناً أيها الإخوة الكرام ، الإنسان يتشكى بلا سبب مبرر ، أنا أخشى على هذا الإنسان أن يتشكى بعد حين لسبب مبرر ، لا يوجد عنده مشكلة ، صحته جيدة ، زوجته جيدة أولاده أصحاء ، بيته ملكه ، دخله جيد ، عنده مركبة ، يتشكى ، وإلى متى ؟ لذلك هذا الإنسان علاجه أن تأتيه مصيبة حقيقية تستدعي أن يتشكى ، إذا شكر إنسان الله عز وجل ، لك مأوى، وكم من لا مأوى له ، تتمتع بحواسك الخمس ، وكم ممن لا يتمتع بحواسه ، لك زوجة ، وكم إنسان محروم من الزواج ، ما تمكن أن يتزوج ، أو امرأة لها زوج ، أيّة امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس لم ترح رائحة الجنة .
إخواننا الكرام ، أتمنى عليكم أن تعدوا نعم الله ، لا أن تتحدثوا عما ينقصكم ، أن تتحدثوا عما بين أيديكم ، مثلاً نعمة قد لا ينتبه إليها أحد ، أن زوجتك شريفة ، تسافر خمسة أيام لا يخطر ببالك لثانية أن إنسانًا دخل البيت ، ولما ألتقي مع إنسان يشكّ في زوجته أراه كالبركان، يكاد ينفجر ، أنت عندك نعمة كبيرة ، أن زوجة شريفة لا يمكن أن تخونك ، ولا بنظرة ، ولا بكلمة ، هذه نعمة كبيرة جداً ، نعمة ثانية أنك تتمتع بصحة ، اسأل إنسانًا لاح له شبح مرض خبيث ، أو مرض عضال ، يتمنى أن يكون دخله محدوداً ، يتمنى أن يكون ساكنًا في بيت أجرة ، يتمنى أن يفقد كل ميزاته .
واللهِ صديق صديقي درس في فرنسا ، وجاء إلى هنا ، واعتلى منصباً رفيعاً جداً في إحدى الوزارات ، معاون وزير ، وتزوج امرأة تروق له ، وعنده مركبة ، وبيت ، ومكانة ، وشأن ، فَقدَ بصره ، خلال شهر يأتيه الموظف بالبريد ، يقرأ له المعاملة ، ويعطيه التوجيه ، مرة زاره صديقه ، قال له : و الله يا فلان ، أتمنى أن أقبع على الرصيف أتسول ، وليس لي من الدنيا إلى هذا المعطف ، وأن يرد الله لي بصري ، لا يريد دكتوراه ، ولا معاون وزير ، ولا بيت بالمالكي ، ولا سيارة ، يريد بصره أن يرده الله إليه .
إذا كنت بنعمة البصر والسمع ، وعندك زوجة وأولاد ، وتسكن بمنزل ، ولك دخل يغطي حاجاتك الأساسية فاشكر الله عز وجل ، وكلما شكرته زادك نعمة ، وكلما شكرك حصنك من ضياع النعمة ، الحسود دائم التشكي ، الحسود قليل الشكر لله عز وجل ، ولو ملك الدنيا بأسْرها ، الحسود يتتبع العثرات ، ويلتمس الأخطاء ، ويظهرها في المجالس ، ويضخمها ، قناص لا همّ له إلا الحديث عن أخطاء الناس ، الحسود يخفي المحاسن : اللهم إن أعوذ بك من جار سوء ، إن رأى خيراً كتمه ، وإن رأى شراً أذاعه ، اللهم إني أعوذ بك من إمام سوء ، إن أحسنت لم يقبل ، وإن أسأت لم يغفر .
الحسود يخفي المحاسن والمميزات في المحسود .
الآن ، الحسود يستخدم المزاح والسخرية للتقليل من قيمة المحسود ، كيف يشفي غليله ؟ بالسخرية والاستهزاء .
أيها الإخوة الكرام ، في معظم الأحيان الحسود يتهم بلا دليل ، الدليل حسده فقط ، أو بدليل ضعيف ، أو بدليل ظني ، أو من دون تحقيق ، أو من دون تريث ، أو من دون سؤال ، تهم لم يتحقق ، لم يسأل ، لم يتريث ، لذلك :
[ سورة الحجرات : الآية 6]
أهم شيء أنه ينتقد ، ويوجه التهم من دون دليل .
الآن ، الحسود لا يدع فرصة لإيقاع الأذى بمن يحسده إلا وانتهزها ، الحسود إنسان مضطرب ، توازنه مختل ، ويوجد غليان ، الحقد والحسد مؤلم جداً ، الحقد والحسد يجعلان الإنسان كالمرجل ، بالمناسبة الحسود غالباً ما يكون كاذباً ، يستخدم الكذب للنيل من المحسود .
أيها الإخوة الكرام ، بشكل سريع ، كيف يعالج الحسد ؟ قال بعض العلماء : يعالج بالإكثار من ذكر الله ، والإلحاح في الدعاء ، يا رب ، اشفني من كل مرضٍ نفسيّ ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : ثلاثة لا يرد دعاؤهم ، الذاكر الله كثيراً ، ودعوة المظلوم ، والإمام المقسط .
إذا ذكر الإنسان الله كثيراً فلعل الله سبحانه وتعالى يشفيه من الحسد ، أما العلاج العظيم للحسد :
[ سورة النساء : الآية 32]
في نهاية الآية :
[ سورة النساء : الآية 32]
أنت عبد لله ، وذاك عبد لله ، كما أعطاه يعطيك ، وكما رفعه يرفعك ، وكما أكرمه يكرمك، وكما وفقه يوفقك ، إله موجود ، لذلك إذا تمنى أحدكم نعمة على أحد فليكثر ، فإنما يسأل ربه ، إذا تمنى الإنسان على ربه نعمة فليسأله بإلحاح ، وليكثر ، وإذا سأل أحدكم فليكثر ، فإنما يسأل ربه ، لذلك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، أَمَرَهُمْ بِالظُّلْمِ فَظَلَمُوا ، وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا ، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا ...)) .
[ متفق عليه ]
أما المؤمنون فيتصرفون على عكس تصرف الحاسد ، قال تعالى :
[ سورة الحشر : الآية 9]
كان بعض الصحابة الكرام يطوف بالبيت ، ويقول : ربي قنِي شح نفسي ، ربي قنِب شح نفسي ، وقيل : إذا وقيت شح نفسك فقد وقيت البخل والظلم والقطيعة .
علاج آخر ، أول علاج أن تسأل الله من فضله ، الذي أعطاه يعطيك ، والذي كرمه يكرمك ، والذي وفقه يوفقك ، والذي أغناه يغنيك ، والله رب الجميع ، هذا علاج أول .
العلاج الثاني : أن تهتم بمعالي الأمور ، وأن تنصرف عن سفاسفها ، الإنسان الفارغ يحسد ، عنده وقت ، ليس له هدف ، ما عنده رسالة يؤديها ، لا يحمل هم المسلمين ، تافه ، التفاهة والفراغ ، وعدم الاشتغال بمعال الأمور تدعو إلى الحسد ، لذلك لا تجد بين عظماء الناس من يحسد ، الوقت عنده ثمين جداً ، وهدفه واضح ، والوسائل واضحة لهدفه .
لذلك قال عليه الصلاة والسلام : (( إن الله يحب معالي الأمور ، ويكره سفسافها )) .
[رواه الطبراني في الأوسط والكبير عن سهل بن سعد]
وعلو الهمة من الإيمان :
[ سورة العنكبوت : الآية 64]
إذا كان الابن عمره أربع أو خمس سنوات ، والده اشترى له سيارات صغيرة ، فهذا الطفل أمسك هذه السيارة على أثاث البيت ، يرافقها صوت من عنده ، في الصعود يقوي الصوت ، وهو غارق بسعادة لا توصف بهذه السيارة الصغيرة التي اشتراها له أبوه ، ويمشيها على أثاث البيت ، لو صورناه في الخمسة وأربعين سنة كان يحتل منصبًا رفيعًا جداً ، وعنده دور في الحياة كبير ، وأطلعناه على هذه الفيلم ، هل يليق به أن يمسك سيارة ويمشي بها ؟
هذا هو اللهو واللعب ، إذا كان الإنسان بعيدًا عن الأهداف الكبرى تراه غارقًا في موازنات ، فلان اشترى بيتًا ، مساحته خمسمئة متر ، والله هذا إسراف يا أخي ، ماله همّ إلا أن يرى الناس ماذا اشتروا ، وماذا أكلوا ، وماذا أنفقوا ؟ هذا الاهتمام إلى ما عند الناس مشكلة كبيرة جداً ، فلذلك الله عز وجل يقول :
[ سورة العنكبوت : الآية 64]
قلت لواحد البارحة : الإنسان تتنامى خبراته ، كلما تقدمت به السن صار ناضجًا يعرف كيف يتكلم ، يعرف كيف يتصرف ، كيف ينفق المال ، كيف ينجو من متاهات ومن مطبات ، فإذا بلغ ذروة النجاح والنضج يأتي ملك الموت ، تفضل ، بأعلى درجة من النجاح والنضج يأتيه ملك الموت ، هذه الحياة هكذا .
لكل شيء إذا ما تم نقصانُ فلا يغرّ بطيب العيش إنسانُ
يروى أن إنساناً أراد أن ينتحر ، القصة رمزية ، جاءه ملك الموت ، قال له : لا تنتحر ، أنا أدلك على طريقة تكسب بها المال الوفير ، اجعل نفسك طبيباً ، قصة رمزية فقط ، فإن رأيتني عند رأس المريض فإياك أن تعالجه ، فإنه سيموت ، وإن رأيتني عند قدميه فعالجه ، ولا تخشَ شيئاً ، سوف يشفى ، فهذا أعطاه ملك الموت هذه الطريقة ربح أرباحًا طائلة ، إن كان عند رأسه يقول : أعتذر ، ليس اختصاصي ، وإن كان عند قدميه يعالجه ، يعطيه ماء ملونًا ، ويتقاضى أجرًا كبيرًا ، إلى أن مرضت بنتُ الملك ، فقال الملك : من يشفها أزوجه إياها ، ويكون ولي العهد ، جاءها ، فإذا ملك الموت عند قدميها ، فعالجها ، فشفيت ، وأقيم عقد القران ، وفي اليوم التالي سيتوج ولياً للعهد ، جاءه ملك الموت ، قال له تشرّف ، قال له : الآن ؟ قال : والله سابقاً كان أهون .
هذه الدنيا إن تفوقت بها بعد النضج ، وأن تملك كل شيء ، وأن تعرف التصرف يأتي ملك الموت ، لذلك هي أحقر من أن تكون عطاءً لإنسان ، (( لو أن الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقا الكافر منها شربة ماء )) .
[ الترمذي عن سهل بن سعد ]
أنت حينما تهتم بمعالي الأمور تحمل رسالة ، تسعى لطلب العلم ، تسعى لنشر العلم ، ليس عندك وقت تحسد أحدًا ، لذلك عظماء الناس والناجحون في الحياة ليس عندهم وقت لهذه السفاسف كلها .
العلاج الثالث : أن تعيش مع الصالحين ، تعيش مع الصالح سنوات ، لا يحسد أحدًا ، متواضع ، يشكر الله على نعمه التي أولاه الله إياها ، تتعلم من أخلاق الصالحين الأدب والتواضع والبعد عن السفاسف ، والالتفات إلى معالي الأمور ، قال تعالى :
[ سورة الكهف : الآية 28]
وفي الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلَا تَجَسَّسُوا ، وَلَا تَحَسَّسُوا ، وَلَا تَبَاغَضُوا ، وَكُونُوا إِخْوَانًا ، وَلَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ )) .
[ متفق عليه ]
آخر علاج أيها الإخوة الكرام : الإكثار من ذكر الموت ، وأن هذا الموت ينهي كل شيء ، وأن هذا الموت ينهي غنى الغني ، وفقر الفقير ، ينهي قوة القوي ، وضعف الضعيف ، ينهي ذكاء الذكي ، ومحدودية المحدود ، يلغي وسامة الوسيم ، و دمامة الدميم ، كله ينتهي عند الموت ، لكن هناك ملاحظة مهمة جداً ، أنت حينما تبالغ بإظاهر ما عندك ، وحينما تزهو على الناس بما عندك كأنك تبذر بذور الحسد في المجتمع ، لا تحاول أن تخرج على قومك بزينتك ، حاول أن تكون متواضعاً ، وأن تكون بين الناس .
والحمد لله رب العالمين
من موقع موسوعة النابلسي
http://www.nabulsi.comlk
التعليقات (0)