مواضيع اليوم

نظرية الغرس الثقافي ووسائل الاعلام

مقدمة:
تعتمد هذه الدراسة في إطارها النظري، وصياغة فروضها، وتحليل نتائجها على نظرية الغرس الثقافي Cultivation theory.
وتعد نظرية الغرس الثقافي إحدى النظريات التي قدمت مبكراً لدراسة تأثيرات وسائل الإعلام()، كما تهتم بالتأثير التراكمي طويل المدى لوسائل الإعلام، حيث يشير الغرس إلى تقارب إدراك جمهور التليفزيون للواقع الاجتماعي()، وتشكيل طويل المدى لتلك الإدراكات والمعتقدات عن العالم نتيجة للتعرض لوسائل الإعلام().
وتصنف نظرية الغرس الثقافي ضمن نظريات الآثار المعتدلة لوسائل الإعلام Moderate effects theories والتي تتميز بالتوازن والاعتدال، بحيث لا تضخم في وسائل الإعلام ولا تقلل من هذه القوة()، ولكنها تقوم على العلاقات طويلة الأمد بين اتجاهات وآراء الأفراد من ناحية، وعادت مشاهداتهم من ناحية أخرى()، لذا فقد أكد جربنر Gerbner وزملاؤه على أن نظرية الغرس ليست بديلاً وإنما مكملاً للدراسات والبحوث التقليدية لتأثيرات وسائل الإعلام، ففي الغرس لا يوجد نموذج قبل أو بعد التعرض، ولا نموذج للاستعدادات المسبقة كمتغيرات وسيطة لأن التليفزيون يشاهده الأفراد منذ الطفولة، كما أنه يشكل دوراً كبيراً في هذه الاستعدادات المسبقة التي تعتبر متغيرات وسيطة بعد ذلك().
أسباب اختيار نظرية الغرس كإطار نظري للدراسة:
تعد نظرية الغرس امتداداً لدور وسائل الإعلام في عملية التنشئة الاجتماعية على الفرد حيث أن كلاً منهما عملية تعلم وتعليم يقوم على التفاعل الاجتماعي بين الفرد والوسائل التعليمية والتثقيفية المختلفة، وتهدف إلى إكساب الفرد اتجاهات وسلوكيات تتناسب مع دوره الاجتماعي، تسهل له عملية التفاعل والاندماج في حياته الاجتماعية.
إن التعرض المستمر للدراما العربية (الأفلام والمسلسلات) والتفاعل معها يؤثر على الواقع الاجتماعي للأفراد ويسيطر على عالمهم الرمزي، فرسائل الدراما عن الواقع الاجتماعي يتزايد في القضايا التي تقل فيها خبراتهم الشخصية.
استخدمت نظرية الغرس بشكل واسع لاختبار التأثيرات المعرفية لكثافة مشاهدة الدراما (الأفلام والمسلسلات)، كما تغرس وجهة نظر عن الواقع تتسق مع وجهة النظر التي تعرضها الدراما عن القضايا والمشكلات الاجتماعية.
دراسة تأثير معالجة الدراما للقضايا والمشكلات الاجتماعية من خلال معرفة إدراك المشاهدين لواقعهم الاجتماعي.
تقوم نظرية الغرس بقياس التأثير التراكمي للدراما العربية التي تعرض قضايا الفساد عبر المشاهدة الكثيفة والممتدة والتأثير طويل الأجل.
نشأة وتطور نظرية الغرس الثقافي:
يرجع ملفين دي فلير Melvin Deflir بدايات وجذور نظرية الغرس الثقافي إلى مفهوم والتر ليبمان Walter Lipman للصورة الذهنية، التي تتكون في أذهان الجماهير من خلال وسائل الإعلام المختلفة سواء كانت عن أنفسهم أو عن الآخرين، وأحياناً تكون هذه الصورة الذهنية بعيدة عن الواقع، نتيجة لعدم وجود رقابة على المواد المعروضة في وسائل الإعلام، مما يؤدي إلى غموض في الحقائق وتشويه المعلومات وسوء فهم للواقع، وبناءاً على هذا التصور حاول دي فلير تطوير نظرية الأعراف الثقافية Cultural Norms والتي تشبه إلى حد كبير نظير الغرس().
وفي أواخر الستينيات، شهد المجتمع الأمريكي فترات الإضرابات بسبب مظاهر العنف والجريمة وذلك في أعقاب اغتيال مارتن لوثر كينج وكيندي وتزايد الاهتمام بتورط الدولة في حرب فيتنام. وفي عام 1968 تم تشكيل لجنة قومية أمريكية لبحث أسباب العنف والوقاية منه وعلاقة التليفزيون بذلك().
وقام الباحثون بأبحاث عديدة منذ هذه الفترة ركزت معظمها على تأثير مضمون برامج التليفزيون التي تقدم وقت الذروة وفي عطلة آخر الأسبوع على إدراك الجمهور للواقع الاجتماعي وكان العنف هو الموضوع الرئيسي محل البحث().
وبدأ الباحث الأمريكي جورج جربنر George Gerbner دراساته، وأكد على أن التليفزيون أصبح قوة مسيطرة للكثير ومصدراً رئيسياً لبناء تصوراتهم عن الواقع الاجتماعي(). وبالتالي فإن العلاقة بين التعرض للتليفزيون والأفكار المكتسبة، يكشف عن مدى إبراز أهمية دور التليفزيون في القيم والتصورات المدركة للواقع الاجتماعي، وبذلك أصبح الواقع الإعلامي المدرك من التليفزيون هو ما يعتمد عليه الفرد في علاقاته مع الآخرين()، مما يستلزم استخدام مدخل مختلف عن المداخل التي تستخدم في دراسة تأثير تلك الوسائل. ويرجع ذلك في رأي جرنبر إلى أن التليفزيون قد أصبح المركز الرئيسي للثقافة الجماهيرية، وأن تأثيره قد أصبح أساسياً في التنشئة الاجتماعية للغالبية العظمى من المشاهدين، بما يعرضه من نماذج مكررة ونمطية للسلوك والأدوار الاجتماعية المختلفة().
ووضع جربنر وزملاؤه من خلال هذه الدراسات مشروعه الخاص بالمؤشرات الثقافية، والتي اهتمت بثلاث قضايا متداخلة هي():
تحليل العملية المؤسسية Institutional process Analysis أي دراسة سياسات الاتصال في علاقتها بمضمون واختيار وتوزيع الرسائل الإعلامية().
تحليل محتوى الرسائل الإعلامية Message System Analysis وهي عبارة عن دراسة الأنماط السائدة للصور الذهنية والسلوك الأكثر تكراراً التي تعكسها الرسالة الإعلامية، مثل تصوير العنف والأقليات والنوع والمهنة وغيرها من القضايا().
تحليل الغرس الثقافي Cultivation Analysis والتي تدرس العلاقة بين التعرض للرسائل التليفزيونية في إدراك الجمهور للواقع الاجتماعي().
وتعد نظرية الغرس المكون الثالث من مكونات مشروع المؤشرات الثقافية، وهذا المشروع يهدف إلى إقامة الدليل الإمبيريقي على تأثير وسائل الاتصال الجماهيرية على البيئة الثقافية(). حيث ترى نظرية الغرس أن التليفزيون من بين وسائل الإعلام الأخرى يعد الأساس الثقافي المركزي للمجتمع، وأنه يقدم القصص والحواديت والمصمم الأساسي للصور الرمزية التي تساهم في تكوين المعتقدات عن العالم الحقيقي()، وبالتالي فإن كثيفي المشاهدة سيدركون الواقع الحقيقي الذين يعيشون فيه بصورة تتفق مع الصور الذهنية المقدمة في العالم التليفزيوني()، ولكن يعمل الغرس التليفزيوني على تغيير بعض المعتقدات عند الأفراد كثيفي المشاهدة، ويحدث ذلك من خلال التعرض التراكمي للتليفزيون، في حين الإبقاء على هذه المعتقدات لدى آخرين().
الدعائم الأساسية التي تقوم عليها نظرية الغرس:
وضع جربنر مجموعة من الدعائم الأساسية لنظرية الغرس تتمثل في:
يعتبر التليفزيون وسيلة فريدة للغرس بالمقارنة مع وسائل الاتصال الأخرى:
ترجع أهمية التليفزيون وتفرده عن غيره من وسائل الاتصال لشيوع وجوده في المنازل وسهولة التعرض له()، كما يساهم في تنشئة الأطفال بدرجة لا تحدث مع الوسائل الأخرى، حيث يجد الطفل نفسه مستغرقاً في بيئة التليفزيون منذ ولادته نظراً لتوافر عناصر الصوت والصورة والحركة واللون، كما يقضي الطفل معظم أوقاته أمام التليفزيون نظراً لسهولة استخدامه()، كما يختلف التليفزيون عن الوسائل المطبوعة لعدم احتياجه للقدرة على القراءة والكتابة، كما أنه يتميز عن الراديو في إمكانية توفير الرؤية بجانب السمع، ويختلف عن السينما في كونه وسيلة مجانية تعمل طوال الوقت وليس في أوقات محددة ولا تحتاج إلى مغادرة المنزل.. لذلك فالتليفزيون يعتبر من أهم وسائل الإعلام التي تترك أثراً في تقديم الأفكار والقيم والصور الإعلامية المختلفة لجميع فئات وشرائح وقطاعات المجتمع().
يقدم التليفزيون عالماً متماثلاً من الرسائل والصور الذهنية تعبر عن الاتجاه السائد:
فالغرس عبارة عن عملية ثقافية تؤدي إلى خلق مفاهيم عامة توحد الاستجابة لأسئلة ومواقف معينة، ولا ترتبط بالحقائق والمعتقدات المنعزلة، وتأتي هذه المفاهيم من التعرض الكلي لبرامج التليفزيون وليس من خلال بعض البرامج المنتقاة().
ويقوم التليفزيون بدور مهم في حياتنا لأنه يعكس الاتجاه السائد لثقافة المجتمع، ويقلل أو يضيق الاختلافات في القيم والاتجاهات والسلوك بين المشاهدين()، إلى الحد الذي يعتقدون معه أن الواقع الاجتماعي يسير على الطريقة التي يعبر عنها العالم التليفزيوني، ولذلك ينظر إلى التليفزيون على أنه أداة الربط بين الصفوة والجمهور العام، حيث تقدم الرسائل التليفزيونية المختلفة العديد من الثقافات والآراء والصور الذهنية التي يشاهدها كل الفئات والمستويات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة للمجتمع().
تحليل مضمون الرسائل الإعلامية يقدم مفاتيح للغرس:
يجب أن تعكس أسئلة المسح المستخدمة في تحليل الغرس ما يقدمه التليفزيون في الرسائل التليفزيونية لجماعات كبيرة من المشاهدين على فترات زمنية طويلة، مع الاهتمام بالتركيز على قياس المشاهدة الكلية().
وأسئلة المسح المستخدمة في تحليل الغرس يجب أن تتجه نحو اعتبارات "العالم الواقعي" وهو المطلب الأول لعملية الغرس وكذلك توجد أهمية موازية للعالم الرمزي الذي يقدمه التليفزيون وهو المطلب الثاني لعملية الغرس().
يركز تحليل الغرس على مساهمة التليفزيون في نقل الصور الذهنية على المدى البعيد:
تهتم نظرية الغرس بأهمية التغيير الذي يحدثه التليفزيون نتيجة للأشكال المتكررة والقصص لجذب الجماهير، وبهذا يعد التليفزيون أداة للتنشئة الاجتماعية().
وبالتالي يستطيع التليفزيون خلق حالة من التوافق والتجانس بين المشاهدين، من خلال ما يقدمه من الأشكال والنماذج المتكررة، وبالتالي يخلق وجهة نظر مشتركة موحدة بين الجمهور وتذوب الفروق الاجتماعية التقليدية والفروق الأخرى().
أي أن هذه النظرية تهتم بالتأثير التراكمي وليس التأثير الفجائي وفي هذه الحالة يستطيع التليفزيون أن يخلق لدى المشاهد ما يسمى "بالاتجاه السائد" وخاصة لدى كثيفي المشاهدة الذين يستنبطون معاني مشتركة بنسبة أكبر من قليلي المشاهدة().
تساهم المستحدثات التكنولوجية على زيادة قدرة الرسائل التليفزيونية:
تقدم نظم الكابل، والمحطات الجديدة المستقلة والفيديو، سيطرة أكثر على تلقي البرامج ويمكن أن تحل محل قراءة المجلات والذهاب للسينما، وتشير الدلائل إلى أنه برغم أن التكنولوجيا الجديدة تقدم طرقاً بديلة لتقلي البرامج والأفلام، فإنها لا تبدل تعرض الجماهير فعلياً لأنواع البرامج، بل يزيدون مثل هذا التعرض().
وتؤكد النظرية على أن المستحدثات التكنولوجية تساعد على زيادة قدرة الرسائل التليفزيونية فهي تزيد من الأسواق والثروة والقوة والاختيارات التي تدعم في مجموعها عملية الغرس وأهدافها().
يركز تحليل الغرس على النتائج العامة والمتجانسة:
يعتبر العالم الرمزي الذي يقدمه التليفزيون من خلال الرسائل المتكررة والصور النمطية المصدر المهم في تحقيق التنشئة الاجتماعية وتنمية المفاهيم والسلوكيات في المجتمع(). ومساهمة التليفزيون المستقلة تكون متجانسة داخل الجماعات الاجتماعية المختلفة، كما يقوم أيضاً على تدعيم هذا التجانس وثبات المفاهيم الخاصة بالواقع الاجتماعي بدلاً من التغيير أو ضعف هذه المفاهيم والمعتقدات().
مفهوم الغرس:
إذا كانت الثقافة Culture حسب تعريف "تايلور" هي "كل معتقد من القيم والعادات والتقاليد والأخلاقيات، وأنماط السلوك"()، ويحددها المنظور المعرفي بأنها "الأفكار والمعتقدات وأنواع المعرفة بصفة عامة عند شعب من الشعوب، وأن الثقافة ليست ظاهرة مادية، وليست أشياء وسلوكيات وانفعالات، وإنما هي تنظيم لهذه المكونات وهي ما يوجد في العقل من صور وأشكال لهذه الأشياء().
كما يعرف الثقافة أيضاً الأستاذ/ زكي نجيب محمود بأنها "إدراك بالبصيرة أو الوجدان أو بما تختاره من لفظ يؤدي معنى الإدراك، الذي يتم بصورة مباشرة بين الذات العارفة والشيء الذي نعرفه، لذا فهي تقوم على دعامتين الإلهام والعقل، فالأول ندرك ما ينبغي، وبالثاني نحقق ما أنبغى"(). فالثقافة هي الوسيط الذي تعيش فيه الإنسانية وتتعلم().
ويمكن تعريف الغرس (Cultivation) بأنه "زرع وتنمية مكونات معرفية ونفسية تقوم بها مصادر المعلومات والخبرة لدى من يتعرض لها، وقد أصبح مصطلح الغرس منذ منتصف السبعينيات يرتبط بالنظرية التي تحاول تفسير الآثار الاجتماعية والمعرفية لوسائل الإعلام وبخاصة التليفزيون، والغرس حالة خاصة من عملية أوسع هي التنشئة الاجتماعية().
وتعتبر عملية الغرس نوع من التعلم العرضي الناتج عن التعرض لوسائل الاتصال الجماهيرية وخاصة التليفزيون، حيث يتعرف الجمهور على حقائق الواقع الاجتماعي نتيجة التعرض لوسائل الاتصال، كما أن مداومة التعرض لوسائل الإعلام ولاسيما التليفزيون لفترات طويلة تنمي لدى المشاهد اعتقاداً بأن العالم الذي يراه على شاشة التليفزيون ما هو إلا صورة مماثلة للعالم الواقعي الذي يعيش فيه().
فروض نظرية الغرس:
تقوم نظرية الغرس على الفرض الرئيسي ويشير إلى أن:
"الأفراد الذين يتعرضون لمشاهدة التليفزيون بدرجة كثيفة Heavy Viewrs يكونوا أكثر إدراكاً لتبني معتقدات عن الواقع الاجتماعي تتطابق مع الصور الذهنية والنماذج والأفكار التي يقدمها التليفزيون عن الواقع الواقعي، أكثر من ذوي المشاهدة المنخفضة Light Viewers"().
وتقوم نظرية الغرس على مجموعة من الفروض الفرعية هي:
يتعرض الأفراد كثيفي المشاهدة للتليفزيون أكثر، بينما يتعرض الأفراد قليلي المشاهدة على مصادر متنوعة مثل التليفزيون ومصادر شخصية().
يختلف التليفزيون عن غيره من الوسائل الأخرى، بأن الغرس يحدث نتيجة التعرض والاستخدام غير الانتقائي من قبل الجمهور().
يقدم التليفزيون عالماً متماثلاً من الرسائل الموحدة والصور الرمزية عن المجتمع بشكل موحد أو متشابه عن الواقع الحقيقي().
يزيد حدوث الغرس عند اعتقاد المشاهدين بأن الدراما واقعية Realistic، وتسعى لتقديم حقائق بدلاً من الخيال Fiction().
النماذج المفسرة لعملية الغرس:
قدمت بعض النماذج لحالات الغرس والمفسرة لكيفية حدوثها من أهمها:
1- نموذج هوكنزوينجري Hawkins & Pingree (1983) ().

 

 

 

 

شكل رقم (1)
نموذج هوكنز وبنجري لعمليتي التعلم والبناء
قام الباحثان هوكنز وينجري بمراجعة شاملة، للعديد من الدراسات الخاصة ببناء التليفزيون للواقع، ولاحظا وجود دلائل متفرقة عن العلاقة المتوقعة بين التليفزيون وبناء الواقع الاجتماعي، كما وجد أيضاً أن العلاقة بين المشاهدة والواقع الاجتماعي علاقة متبادلة، وأن التليفزيون يستطيع أن يعلم عن الواقع. ويرى الباحثان أن العنصرين الأساسيين في عملية الغرس هما():
أولاً: التعلم Learning:
وتتضمن أكثر من عنصر:
1- القدرات أو المهارات العقلية (Capacity):
تلعب القدرات أو المهارات دوراً هاماً في عملية التعلم، كما تقوم أحياناً بطريقة مختلفة فيما يتعلق بعوامل أخرى مثل السن.
2- استراتيجيات التركيز (Focus):
تلعب القدرة على التركيز على بعض المعلومات الرئيسية أكثر من المعلومات الثانوية دوراً رئيسياً في إحداث عملية الغرس.
3- الانتباه (Attention):
درجة الانتباه للمضمون والتي يشار إليها نسبياً المشاهدة النشطة أو المشاهدة السلبية، يمكن أن تكون هامة، فالمشاهدة السلبية تؤدي إلى التعلم العارض واكتساب الثقافة بطريقة عارضة من التليفزيون.
4- الاندماج في المشاهدة (Involvement):
يمكن أن يعلب الاندماج في المشاهدة دوراً هاماً وخصوصاً وجهة النظر القائلة بأن الاندماج الأقل في المشاهدة يسهل أنواعاً معينة من التعلم والتأثيرات().
ثانياً: البناء (Construction):
وتتضمن أكثر من محدد منها:
1- الخبرة الشخصية (Personal Experience):
تشكل الخبرة الشخصية مصدراً للمعلومات عن الواقع الاجتماعي والتي يمكن أن تتفق أو تختلف مع الصور المقدمة في التليفزيون.
2- المكونات الاجتماعية (Social Structures):
والتي تتمثل في الأبنية الاجتماعية للأسرة مثل جماعة الرفاق أو العائلة، وتلعب دوراً هاماً في تدعيم الصورة المقدمة في التليفزيون، فكلما كانت الجماعة تؤيد وجهة النظر التليفزيونية زاد التأثير المتوقع على الأفراد().
2- نموذج بوتر Potter للعمليات الفرعية للغرس():

 

 

 

 

شكل رقم (2)
نموذج بوتر للعمليات الفرعية للغرس
ويوضح بوتر أن هناك أربعة عمليات رئيسية هي:
1- التعلم (Learning):
تمثل العلاقة بين التعرض للتليفزيون وإدراك العالم التليفزيوني سواء كانت تقديرات أو معتقدات.
2- البناء Construction:
ويقصد به العلاقة إدراك عالم التليفزيون والعالم الحقيقي، وإذا لم يوجد تدعيم لعملية البناء الفرعية يصبح من الصعب الادعاء بوجود علاقة بين التعرض للتليفزيون ومقاييس الغرس، لأن المعلومات العرضية المقدمة من التليفزيون تشكل المادة الخام التي يدعم بها المشاهد عملية الاستدلال المطلوب للوصول إلى مدركات حول العالم الواقعي.
3- التعميم Generalization:
يقصد به العلاقة بين تقديرات المستوى الأول ومعتقدات المستوى الثاني عن نفس الموضوع من خلال نفس العالم، كما أن الحقائق العرضية التي يكتسبها الأفراد من العالم الواقعي أو مشاهدة التليفزيون، تستخدم كأساس لمعتقداتهم حول العالم.
4- الغرس Cultivation:
هو العلاقة بين مشاهدة التليفزيون وقياسات العالم الواقعي سواء كانت تقديرات للمستوى الأول أو معتقدات المستوى الثاني.
ويتضح من عرض النموذجين أن كلاً منهما مكمل الآخر، فالنموذج الأول اتسم بالتفسير، والتوضيح لمكونات كل من عمليتي التعلم والبناء، وإن كان أغفل عملية التعميم التي أضافها بوتر في نموذجه، وأوضح دورها في إتمام عملية الغرس في شكلها النهائي().
خطوات تحليل الغرس Cultivation Analysis:
تعتمد بحوث الغرس على الخطوات التالية:
الخطوة الأولى: تحليل المحتوى التليفزيوني:
وهي تحليل مضمون الرسائل التليفزيونية، حيث توجد فروق جوهرية بين الواقع الاجتماعي الحقيقي وبين الصورة التي تنقلها الرسائل التليفزيونية لهذا الواقع، لتقييم وتحديد الصور الذهنية والصور المنعكسة والقيم التي تبثها هذه الرسائل().
وترجع أهمية تحليل المضمون لتحقيقه إلى ثلاثة أهداف رئيسية هي():
يقدم مفاتيح أو علامات عن حقيقة السياسات والأهداف التي تسعى إليها النظم الاجتماعية والقيم السائدة.
يبحث هذه الرسائل باعتبارها نظاماً معبراً عن حقيقة التأثير المتبادل بين الأفراد والعلاقات الاجتماعية والقيم السائدة.
يقدم لنا أساساً لإظهار ما يسببه الفعل من نتائج يمكن ملاحظتها.
الخطوة الثانية: إعداد صحيفة الاستبيان:
تتمثل في استخدام نتائج تحليل مضمون الرسالة التليفزيونية في إعداد صحيفة الاستبيان، حيث يتم صياغة الأسئلة التي تقيس إدراك المبحوثين للواقع الحقيقي()، وعادة ما تشمل صحيفة الاستبيان على نوعين من الأسئلة وهما():
أسئلة عن توقعات المبحوثين الكمية لحدوث بعض الظواهر في المجتمع.
أسئلة تقيس معتقدات المبحوثين عن إحدى ظواهر المجتمع من خلال تصميم العبارات التي تقيس الاتجاهات الاجتماعية نحو ظاهرة معينة.
الخطوة الثالثة: إجراء المسح الميداني على الجمهور:
إجراء المسح على الجمهور بتوجيه الأسئلة التي تم وضعها في الخطوة الثانية لتحديد حجم التعرض، وكثافة المشاهدة النسبية ويتم تقسيمها إلى():
كثيفو المشاهدة Heavy viewer.
متوسطو المشاهدة Medium Veiwer
منخفضو المشاهدة Light Viewer.
الخطوة الرابعة: تحليل البيانات واستخراج النتائج:
وهي المرحلة الأخيرة، وتتمثل في استخراج النتائج لمعرفة الفروق الأساسية بين مستويات المشاهدة الثلاثة، وعمل مقارنة الواقع الاجتماعي المدرك لكل من كثيفي ومنخفضي المشاهدة().
المتغيرات والعوامل المؤثرة في عملية الغرس:
تتعدد المتغيرات في عملية الغرس، ويتطلب قياس الغرس قياس متغيرين أساسيين على الأقل هما: التعرض للتليفزيون كمتغير مستقل واعتقادات الأفراد عن الواقع كمتغير تابع، إضافة إلى كثير من المتغيرات الوسيطة التي تحكم العلاقة بين هذين المتغيرين الأساسيين().
1- المتغير المستقل Independent Variable:
وهو حجم التعرض للتليفزيون ويتم قياسه عن طريق السؤال المباشر عن عدد الساعات التي يقضيها المبحوث أمام شاشة التليفزيون، ويرى جربنر أن حجم المشاهدة هو المؤشر الأكثر ارتباطاً بعملية الغرس، وأن كثيفي المشاهدة يتعرضون بالساعة وليس بالبرنامج وتم تقسيم المبحوثين إلى كثيفي المشاهدة وقليلي المشاهدة تمهيداً لتحديد أثر الاختلاف في التعرض على الاختلاف في متغير "الغرس"().
2- المتغير التابع Dependent Variable:
وهو الغرس الذي يمثل معتقدات وتصورات المبحوثين حول موضوع البحث().
وأشار كل من هوكينز وبينجري Hawkins & Pingree أن هناك مستويين لقياس وتحليل حدوث الغرس على مستوى هذه التقديرات والمعتقدات والتصورات (المتغير التابع) وهما():
المستوى الأول للتحليل First order Cultivation: ويشير هذا المستوى إلى التقديرات الكمية لحدوث شيء معين، فمثلاً عند سؤال المبحوثين عن تقديرهم لفرصة وقوعهم ضحية من كل 100 ألف، أو عدد العاملين في مجال تحقيق العدالة من كل مائة.
المستوى الثاني للتحليل Socond Order Cultivation: وهذا المقياس أكثر تعقيداً فهو يستخدم لقياس تقييم معتقدات المبحوثين التي يغرسها التليفزيون عن العالم الحقيقي، فمثلاً يطلب من المبحوثين إعطاء اعتقادات عامة عن العالم مثل: هل تعتقد أن الناس أمناء بدرجة كبيرة؟
وتشير نتائج بعض الدراسات إلى وجود ارتباط بين التعرض للتليفزيون وبين المستوى الأولى للغرس، وأن هذا الارتباط أقوى تأثراً بالضوابط والمتغيرات الوسيطة مقارنة بالارتباط بين التعرض للتليفزيون وبين المستوى الثاني للغرس، كما يمكن النظر إلى متغير الغرس على مستويين آخرين هما: المستوى الشخصي ويتضمن إصدار الفرد لأحكام ومعتقدات حول استعداد لظاهرة ما أو خوفه منها وتقدير فرص الوقوع كضحية، والمستوى الاجتماعي المتمثل في إصدار الفرد لأحكام ومعتقدات تتصل بآخرين مثل تقدير وقوع أصدقائه ومعارفه وغيرهم ضحايا نحو هذه الظاهرة().
ويرى بعض الباحثين أن هناك ارتباطاً بين التعرض للتليفزيون وبين المستوى الاجتماعي للغرس (المعتقدات على المستوى الاجتماعي) ويكون المستوى الشخصي أكثر ارتباطاً بالعالم الواقعي().
3- المتغيرات الوسيطة:
وهناك عدد من المتغيرات التي قد تتدخل في العلاقة بين التعرض للتليفزيون وحدوث تأثيرات الغرس، مما قد يزيد من قوة هذه العلاقة، ومن أهم هذه المتغيرات:
المتغيرات الديموجرافية: وتشمل السن، المستوى الاجتماعي والاقتصادي، النوع، التعليم.
متغيرات مرتبطة بالمشاهدة وتنقسم إلى:
أ) دوافع المشاهدة:
ويقصد بها تأثيرات الغرس التي ترتبط بنتيجة التعرض للتليفزيون بشكل عام وتقسم إلى:
1- المشاهدة الطقوسية: هي المشاهدة التي تتم بحكم العادة، والهدف منها التسلية وتمضية الوقت. ويحدث تأثير الغرس نتيجة التفاعل بين المشاهدة والمستويات المرتفعة من دوافع المشاهدة الطقوسية().
2- المشاهدة الهادفة: هي المشاهدة التي يحاول المبحوث أن يحصل من خلالها التعرف على شيء ما، وتسمى بالمشاهدة الانتقائية.
ب) المشاهدة النشطة:
ويقصد بها القيام بعدة عمليات مختلفة على المحتوى التليفزيوني، مثل العمليات النقدية أو التحليلية للمعلومات التي تستقى من خلال الرسائل التليفزيونية، فالمشاهدة النشطة تعني الانتباه أثناء المشاهدة (الانتباه إلى صفات الشخصيات ومظهرها – الخط الدرامي- التحدث مع الآخرين حول ما يشاهد) والاستغراق العاطفي للمشاهد (الشخصيات- الحبكة)، وبالتالي فإن المشاهدة تتكون من عناصر معرفية وعاطفية().
ج) إدراك واقعية المضمون:
ووضع بوتر ثلاثة أبعاد لتعريف واقعية المضمون هي():
1- النافذة السحرية Magic Window: ويقصد به الدرجة التي يعتقد عندها المشاهد أن المعلومات التي تقدم من خلال التليفزيون هو تمثيل دقيق للحياة الواقعية.
2- التعلم (المنفعة) Utility: يقصد به مدى شعور المشاهد بأن المحتوى التليفزيوني يقدم إليهم معلومات في عديد من الموضوعات، ويمكن استخدام هذه المعلومات في حياتهم الواقعية()، فمثلاً المشاهد الذي لديه اعتقاد قوي بأن المسلسلات التليفزيونية تعكس مواقف واقعية حقيقة، سوف يعتقد في إمكانية هذه المواقف على حياته الخاصة أكثر من المشاهد الذي يرى في المسلسلات مجرد أعمال خيالية ومبالغ فيها().
3- التوحد Identity: يقصد به درجة التشابه التي يدركها المشاهد بين الشخصيات والمواقف التليفزيونية وبين الناس والمواقف التي تظهر في خبرات الحياة الواقعية، فقد يشعر الشخص الذي يتوحد مع الشخصية التليفزيونية بالصداقة الحميمة، ويتولد لديه شعور بواقعية تلك الشخصيات، وتكون مشاعره تجاه هذه الشخصية متشابهة لمشاعره تجاه الشخصيات الحقيقية().
الانتقادات التي وجهت إلى النظرية:
على الرغم من أن نظرية الغرس حظيت بتأييد كثير من الباحثين، إلا أنها واجهت العديد من الانتقادات منذ نهاية السبعينيات وحتى نهاية التسعينيات، والتي تتمثل فيما يلي:
1- يرى أنصار مدخل الاستخدامات والإشباعات أن نظرية الغرس الثقافي تجاهلت متغير الدوافع، حيث أنهم يرون أن جربنر لم يبذل جهداً للتفرقة بين الذين يشاهدون التليفزيون بطريقة روتينية والذين يشاهدون التليفزيون بطريقة انتقائية نشطة، وهنا يصبح الغرس متغيراً تابعاً لمتغير الدوافع وليس التعرض للتليفزيون().
وفي هذه الجزئية أشار Carveth أثناء دراسته حول "دوافع مشاهدة المسلسلات وأثرها في عملية الغرس" أن الذين يتعرضون للمسلسلات بشكل روتيني من أجل التسلية، يكونون أكثر قابلية لأثر رسائل التليفزيون()، كما قرر بيرس وروبين Rubin & Perse أن المشاهدين يقومون ببلورة ما يشاهدونه وليس مستسلمين لتأثيره، كما استنتج كلاً من ويفر واكشلاج Weaver& Wakshlag أن الذين يتعرضون للتليفزيون يحاولون الربط بين الرسائل التليفزيونية وخبراتهم الشخصية كأساس لتكوين معتقداتهم حول الواقع الحقيقي().
2- انتقد هيرش Hirsch نظرية الغرس لعدم التحكم الدقيق والكافي للمتغيرات الأخرى، وذلك لاختلاف نتائج البحث عندما تم تحليلها مرة أخرى بمعامل الارتباط المتعدد خاصة بعد أن تم إدخال متغيرات ديموجرافية، فتأثرت العلاقة بين التعرض للتليفزيون وتأثيرات الغرس().
وفي محاولة من مؤيدي الغرس لشرح وتفسير هذه المتغيرات الديموجرافية تم عمل ضبط إحصائي بكل المتغيرات في نفس الوقت، كما قاموا بتطوير مفهومي الاتجاه السائد والتضخيم().
3- أخذ بعض الباحثين على نظرية الغرس أنها تنظر إلى التأثير التليفزيوني بشكل عام، من خلال عدد ساعات المشاهدة الكلية دون النظر إلى نوعية البرامج التي يتعرض لها المشاهد()، حيث أن التعرض لنوعية معينة من البرامج الترفيهية الدرامية يكون أكثر تأثيراً في حدوث الغرس وليس المشاهدة الكلية(). وللرد على ذلك يمكن اختبار العلاقة بين نوعية البرامج التي يتعرض لها الجمهور بإدراك الواقع().
4- تسائل عدد من الباحثين عن مدى مصداقية بحوث الغرس، إذا أظهرت معظم الدراسات معاملات ارتباط تتراوح ما بين (0.12) إلى (0.20) وهو ما يدل على ضعف العلاقة بين المشاهدة وتأثيرات الغرس أو عدم وجودها أصلاً، وما ذهب إليه هؤلاء الباحثون لا يعني –كما ذهبوا- الشك في مصداقية بحوث الغرس؛ إذ أن الضعف في معاملات الارتباط يمكن إرجاعه إلى الآتي:
أسباب تتعلق بأوجه النقص التي يعاني منها المقياس نفسه.
طبيعة الدراسات الاجتماعية التي تتناول إحدى الظواهر الإنسانية،
حيث تتميز هذه الظاهرة بتعدد أسبابها، وفي الوقت نفسه فإن هناك صعوبة في السيطرة على المبحوث، والتحكم فيه وهي مشكلة كل الدراسات الإنسانية().
ولكن يمكن الرد على ذلك بوضع اختبار صدق للمبحوث عند ذكره لعدد ساعات المشاهدة عن طريق صياغة أكثر من سؤال لقياس نفس الشيء().
5- يأخذ بعض الباحثين على بحوث الغرس الثقافي أن معظمها تركز على التأثير أكثر من تركيزها على عملية التأثير نفسها، أي أن هذه البحوث تهتم بنتائج الغرس أكثر من اهتمامها بالعملية الميكانيكية التي تتم من خلال الغرس. وبالتالي لابد عند صياغة الاستمارة يتم وضع أسئلة لماذا وكيف بصورة أكبر من التركيز على أسئلة ماذا ومن().
6- تركز إحدى الانتقادات الحديثة التي وجهت للنظرية على تأثير مشاهدة التليفزيون على إدراكات الواقع الاجتماعي، حيث يهتم بعض الباحثين بالتأثيرات الكامنة التي تؤثر على الصلة القائمة بين مشاهدة التليفزيون وأحكام الواقع الاجتماعي؛ فقد أجرت مارس Mares دراسة لبحث ما إذا كان تشويش المصدر (الأخطاء في الذاكرة) يؤدي دوراً هاماً في وجود هذه العلاقة، ووجدت أن البرامج وترتيب تقديمها يؤثر على ذاكرة المبحوثين وهذا بدوره يؤثر على الأحكام التي يشكلها المبحوثين للواقع الاجتماعي، مقابل الواقع التليفزيون().
7- تشكك كثيرون في إمكانية حدوث الغرس في أي مكان آخر غير الولايات المتحدة الأمريكية وذلك لأن استخدام التليفزيون ومحتواه يكون مختلفاً عادة، فلم يجد كل من روبر 1978 في انجلترا، ودووب وماكدونالد Doob & Mc Donald 1979 في كندا، وهيدنيسون Hedinsson 1981 في السويد، وبوومان Bouwman 1984 في هولندا تدعمياً لفروض الغرس(). وفي مصر لم تتمكن حنان عزت من إثبات فروض الغرس من خلال دراستها التي أجرتها على عينة من طلاب المدارس الثانوية().
المفاهيم التي أضيفت إلى نظرية الغرس:
قام جربنر وزملاؤه بتطوير نظرية الغرس، عندما تضارب تحليل البيانات التي جمعها عام 1976، والتي حاول هيرش (1980) أن يعيد تحليلها مرة أخرى ولم يستطيع التوصل إلى نفس النتائج التي توصل إليها جربنر، فرد عليه جربنر بإدخال مصطلحين من واقع أن كثافة المشاهدة التليفزيونية تختلف نتائجها باختلاف الفئات الاجتماعية، وهما():
أولاً: الاتجاه السائد Mainstreaming:
لقد تعددت آراء باحثي نظرية الغرس الثقافي حول مفهوم الاتجاه السائد، فيرى بعضهم أن فكرة الاتجاه السائد تقوم على التقارب في وجهات النظر بين الجماعات المختلفة حيث تميل الاختلافات التي ترجع إلى عوامل ثقافية، واجتماعية والتي تميل على أن تتلاشى أو تختفي بين كثيفي المشاهدة(). أي أن مشاهدي التليفزيون لفترات طويلة يصبح إدراكهم للعالم المقدم على شاشة التليفزيون متشابهاً، وأكثر تأثيراً بالمؤثرات والمتغيرات والعوامل الاجتماعية والثقافية(). وبالتالي فإن الاتجاه السائد يشير إلى سيطرة التليفزيون في غرس الصور والأفكار بشكل يجعل الفوارق أو الاختلافات تقل أو تختفي بين الجماعات ذات الخصائص السكانية المتباينة().
وقد فسر جربنر الاتجاه السائد من خلال ما أطلق عليه 3bs أي الثلاث كلمات التي تبدأ بحرب B وهي():
1- التلاشي Blurring: وتعني أن التعرض المكثف للتليفزيون يؤدي إلى تلاشي أو اختفاء الاختلافات الاجتماعية التقليدية في وجهات النظر وجعلها غير واضحة.
2- الاندماج Blending: يمزج التليفزيون بين آراء الجماعات المختلفة والمتباعدة في الاتجاه الثقافي السائد.
3- التحول Bending: وهو تشكيل وتحويل الاتجاه السائد في اتجاه اهتمامات، وسياسات القائمين على المؤسسات الإعلامية، أي تحول المضامين الإعلامية وما تحمله من معاني مختلفة لكي تعبر عن سياسات القائمين بالاتصال.
إذن فمفهوم الاتجاه السائد يعني أن وسائل الإعلام تخلق وجهة نظر مشتركة بين المشاهدين، فالمشاهدة الكثيفة تؤدي إلى إذابة الفروق في إدراك الواقع الاجتماعي التي تسببها العوامل الديموجرافية والاجتماعية().
ثانياً: التضخيم Resonance:
ويقصد به أن وسائل الإعلام تقدم دعماً لما يحدث في الحياة اليومية أي أنه يتطابق ما يراه الأفراد في العالم التليفزيوني مع إدراكهم الاجتماعي، وبالتالي فإن التطابق بينهما قد يسبب تضخيماً للحدث بما يؤدي إلى تأكيد عملية الغرس(). وربما يؤدي التطابق بين العالم الرمزي التليفزيوني، وظروف الحياة الواقعية إلى التضخيم الذي يؤدي إلى زيادة حدوث أنماط الغرس فيحصل كثيفو المشاهدة ممن لديهم تجارب مع العنف البدني على جرعة مزدوجة Double does().
وفي محاولة جربنر لتفسيره كيف يضخم العنف المعروض على التليفزيون من مخاوف الناس من الجريمة في أحيائهم، اعتمد في قياس ذلك ما أسماه التثقيف التبايني، ويبدأ هذا القياس بتوجيه سؤال إلى الشخص عن احتمال تورطه ذات يوم في نوع من أنواع العنف، فإذا كان الشخص قد شاهد الكثير من برامج التليفزيون وإذا كان قد تأثر بهذه التجربة، واعتقد مثل الآخرين أن مستويات العنف قد زادت في الواقع فإن فرصة تعرضه للجريمة سوف تزداد في إجابته عن السؤال (الإجابة التليفزيونية) ().
الاتجاهات الحديثة في نظرية الغرس الثقافي:
تعتبر الانتقادات التي تعرضت لها نظرية الغرس، سبباً قوياً لمنظري النظري، كي يحاولوا تفادي نقاط الضعف التي نسبت لها، وفيما يلي عرض لبعض الاتجاهات الحديثة في نظرية الغرس الثقافي:
أوضح بعض الباحثين أن تأثيرات الغرس تكون أقوى عندما يتم قياس مضمون نوع معين من برامج التليفزيون بدلاً من المشاهدة الكلية للتليفزيون().
اهتم الباحثون بدراسة العلاقة بين مشاهدة التليفزيون وتغيير الاتجاهات والسلوك الاجتماعي لدى الجمهور الذي يتعرض لمشاهدة التليفزيون().
أدى ظهور وسائل الاتصال الحديثة مثل التليفزيون الكابلي والفيديو كاسيت والبث الفضائي إلى تساؤل مهم حول ما إذا كان ظهور هذه الوسائل سيؤثر على عملية الغرس الناتجة عن المشاهدة التليفزيونية؟ وانقسم الباحثون في الرد على هذا السؤال إلى فريقين: الفريق الأول يرى أن البيئة الجديدة لوسائل الاتصال سيكون لها تأثير محدود في تأثيرات الغرس، فالوسائل الحديثة، تزيد التنوع في الخدمات المتاحة ولا تقلل ساعات المشاهدة أمام التليفزيون، كما تتيح مضامين لهم كان من الصعب مشاهدتها في الأوقات غير الملائمة لهم، بينما يرى الفريق الثاني أن تعدد وسائل الاتصال الحديثة يؤدي إلى تعدد المضامين أمام الأفراد التي لا تتسم بالضرورة وبالانسجام والتوافق، وهذا من شأنه أن يقلل حدوث الغرس().
اهتم بعض الباحثين بقياس العلاقة بين مشاهدة التليفزيون وبين كل تصورات عالم التليفزيون وتصورات العالم الواقعي في عام 2006، حيث قسمت الدراسة المشاهدين إلى خمس مجموعات الأولى (ما فوق الغرس Over Cultivation) وهم المشاهدون الذين يعتقدون بالتطابق بين عالم التليفزيون والعالم الخارجي وإن كانوا يعطون تقديرات أكثر لعالم التليفزيون، والفئة الثانية (فئة الغرس البسيط) وهم هؤلاء الذين يعتقدون أن عالم التليفزيون مطابق للعالم الواقعي ويعطون تقديرات صحيحة لعالم التليفزيون، أما الفئة الثالثة من الجمهور (فئة التشويه المزدوج Double distortion) وهي التي أعطت تقدير مبالغ فيها لعالم التليفزيون وتقديرات غير صحيحة للعالم الواقعي لا تتطابق مع عالم التليفزيون، والفئة الرابعة (فئة عدم وجود غرس بسيط) وهي الفئة المعتدلة التي أعطت تقديرات حقيقية لكل من العالم الحقيقي وعالم التليفزيون، أما الفئة الخامسة (فئة عدم وجود غرس والتقديرات المشوهة) وهي التي تحمل تقديرات صحيحة للعالم الواقعي وتقديرات غير صحيحة لعالم التليفزيون، كما أوضحت الدراسة أن كثيفي المشاهدة من الجمهور هم هؤلاء الذين يحدث لهم غرس بشكل مبالغ فيه أي فئة Over Cultivation في حين أن قليلي الغرس يقعون في فئة عدم وجود غرس مع وجود صورة مشوهة وتقديرات مشوهة().
أظهرت بعض الدراسات عام 2005 أن اختبارات الغرس وآثارها يتم تطبيقها على الصحف أيضاً، ومن ثم لم يعد هناك اليوم أسس لمقارنة القوة الصحفية مقابل القوة التليفزيونية بشأن تكوين الرؤى عن العالم الخارجي، كما أظهرت النتائج أن رؤية الأفراد للعالم الخارجي تتشكل نتيجة التعرض لوسائل الإعلام على مدار الأيام().
اهتم بعض الباحثين عام 2001 بتقنين افتراضات نظرية الغرس من خلال استخدام مدخل السلوك المبرر لتحديد ما إذا كان المشاهدين كثيفي المشاهدة للتليفزيون يتأثرون ليس فقط على مستوى الاعتقادات والاتجاهات ولكن أيضاً على مستوى نوايا السلوك أو القيام بسلوك فعلي يتم باتخاذ إجراءات وقائية ودفاعية تجاه بعض القضايا مثل العنف والجريمة في المجتمع().
قام الباحثون باختبار كل من نموذج التعلم والبناء النشط (النموذج النشط) وأيضاً النموذج العكسي (نموذج السلبية والتوافر) عام 2005 من خلال قياس هذه المفاهيم في مضامين وسائل الإعلام، حيث أوضحت النتائج أن العمر كان مؤثراً إيجابياً لإمكانية التنبؤ بحدوث الغرس، فالمبحوثون الأصغر سناً كانوا أقل في درجة الاختلاف والتباين بين اتجاهاتهم الشخصية نحو بعض القضايا مثل الزواج التي تقدمها وسائل الإعلام، في حين أن عملية التفكير النقدي كانت مؤشراً سلبياً لحدوث آثار الغرس، فالمبحوثين الذين حققوا درجة عالية من التفكير النقدي كان لديهم درجة أقل من الاختلاف والتباين بين اتجاهاتهم الشخصية وبين ما تقدمه وسائل الإعلام().
حاولت بعض الدراسات الحديثة عام 2005 أن تقيس الآثار السلوكية المترتبة على مشاهدة التليفزيون وعلاقتها بالصحة النفسية للأفراد والساعات التي يقضيها الفرد في مشاهدة التليفزيون، حيث توصلت النتاج إلى وجود علاقة ارتباطية قوية بين مشاهدة التليفزيون وبين الصحة النفسية للأفراد، وهذا يدعم فروض الغرس التي تشير إلى أن التعرض الكثيف لمجموعة من رسائل الإعلام يمكن أن يؤثر في السلوك والقيم والمعتقدات والاتجاه، حيث تمثل عملية التعلم الاجتماعية عملية غير مباشرة ترتبط ارتباطاً سلبياً بالصحة النفسية للأفراد().
اهتم الباحثون عام 2007 بقياس اتجاه آثار الغرس فيما يتعلق بتقديرات الأفراد وإدراكهم للعالم والواقع الاجتماعي ومدى تأثرهم بعدد من العوامل ذات الصلة بالسياق العام للعملية مثل ترتيب لأولويات المصدر والدافع لمعالجة المعلومات من خلال تشكيل الأحكام نحو الواقع المحيط؛ كما أظهرت هذه الدراسات أيضاً أن آثار الغرس لم تظهر عندما قيست عبر الاستبيان من خلال البريد وذلك في مقابل الاستبيان عبر التليفون().




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات