مواضيع اليوم

نظرية الخداع بدافع التقوى ... واخواتها

حسنين السراج

2011-06-06 09:03:32

0

 لست هنا في معرض نقاش حدوث المعجزات من عدم حدوثها . فهناك من يؤمنون بحدوث معجزات وهناك من لا يؤمنون . وأنا من المؤمنين بحدوث ظواهر خارقة للعادة كشفاء مريض يعاني من مرض يعجز الطب عن علاجه بسبب قوة أيمانه بعقيدة ما . وهناك شواهد من الواقع أثبتت لي ذلك . ما أريد الحديث عنه هنا هو أستخدام وسائل سيئة للوصول لغايات نبيلة تبدا هذه الوسائل بسوء الخلق مع الاخر والكذب على الله وعلى الاخرين واتلاف الممتلكات وغيرها وتنتهي بالسلب والنهب والأغتصاب والقتل والترويع . ما أريد الحديث عنه هو مجموعة من النظريات والمباديء التي تستند على عنوان ( الغاية تبرر الوسيلة) .

 

- نظرية الخداع بدافع التقوى

وهي نظرية ظهرت في المسيحية وأنتقلت عدواها للاسلام . وتعتمد هذه النظرية على فكرة (أن خطيئة الكذب تبررها الأهداف السامية للتغلب على خطيئة أكبر وهي عدم الايمان ). بمعنى اخر أن الاديان بحاجة الى ممارسة الخداع لأعادة الأيمان في قلوب الناس . مثل فبركة المعجزات وتزوير الاثار المقدسة وتشويه الوثائق التاريخية والتعدي على سرية الاعتراف الكنسي . ومن الامثلة على فبركة المعجزات :

1- قيام قس بقراءة كلمات من الأنجيل على شخص مشلول فيتمكن هذا المشلول من تحريك اقدامه بشكل مفاجيء يثير دهشة وعواطف الحاضرين . ليصرخ القس بصوت عالي هللويا (بمعنى سبحوا لله - أشارة لحدوث معجزة -).

2- أشاعة قصة عن فتاة مريضة عجز الاطباء عن علاجها وشاهدت العذراء مريم في المنام ( او السيدة زينب في الرواية الشيعية) . وساعدت على شفائها عن طريق المعجزة وطلبت منها كتابة هذه القصة أربعة عشر مرة وأرسالها وتوزيعها وتطلب في نفس الوقت من كل من يقرأها ان يكتبها أربعة عشر مرة . ومن يكتبها يرزقه الله ويوفقه ومن لا يكتبها ينزل عليه البلاء . ولا بد أن نشير أن المرجع الشيعي علي السيستاني وغيره من المراجع كذبوا هذه القصة ودعوا الى عدم الألتفات اليها . 

3- نشر مقطع فيديو لفتاة تحولت الى كائن مشوه (معسلانة - سعلوة) لأنها كانت تسمع الاغاني ولا تقرأ القران وحين كان والدها يقرأ القران ثارت أعصابها وأخذته منه وقامت بتمزيقه ورميه في المرحاض فتحولت الى معسلانة . ويظهر في هذا الفيديو صورة مدبلجة لكائن مشوه . وتجد في المقطع أسم المستشفى التي ترقد فيها هذه الممسوخة . 

4- نشر مقطع فيديو لقبر تخرج منه افاعي . وتبيان ان صاحب هذا القبر كان يستمع الى الاغاني في حياته .

5- نشر مقطع فيديو لمجموعة يقومون بشعيرة التطبير ويظهر بينهم خيال لرجل لا يراه الباقين ويذكرون في المقطع أنه الأمام المهدي يشاركهم العزاء والغاية من المقطع واضحة وجلية وهي دعم هذه الشعيرة . 

6- نشر مقطع فيديو لبقرة تذبح وأثناء ذبحها تصرخ ( يا حسين ) وكوني من المؤمنين بالحسين ابن علي وبحركته الثورية الرائدة . أشعر باهانة كبيرة وهذه الحيلة هي اتفه حيلة شاهدتها في حياتي . وتمثل أكبر أسائة لشخص الحسين أبن علي ومكانته التاريخية .

7- أشاعة قصة ان فتاة خرجت من القبر بعد موتها . وقد تحول نصف جسدها الى نار وقد شاهدها أهلها حين ذهبوا لزيارة قبرها وهي على هذا الحال وحين سالوها عن سبب ما حصل لها قالت أن السبب هو عدم أرتدائها للحجاب وشاعت هذه القصة في نهاية الثمانينات وقالوا حينها انها ترقد في مدينة الطب والدخول لها متاح للجميع لتكون عبرة . 

وغير ذلك من القصص والممارسات المشابهة التي قام بها مسيحيين ومسلمين (سلفيين وسنة وشيعة) . و تهدف بالدرجة الاساس الى أعادة الناس الى الدين وأبعادهم عن طريق الفساد والفجور (حسب وجهة نظرهم). عن طريق الفبركة والكذب .

بطبيعة الحال تعتمد هذه النظرية على مبدأ ( الغاية تبرر الوسيلة ) وبما أن الغاية هي نصرة الدين وأعادة احيائه فلابد أن تكون الوسيلة مبررة ومقبولة حتى لو كان منهي عنها في الدين . لكن الذنب المترتب عليها ستمحيه الغاية التي ستحققها وهي نشر الدين وغرس الأيمان في قلوب الناس . 

- كيف يفكر من يمارس الخديعة باسم التقوى ؟

من يستعمل هذه الاساليب ليس مؤمن بسيط . هو في الواقع مؤمن غير عادي . وردت أمامه روايات تتحدث عن حدوث معجزات . وهو يؤمن بها الى ابعد الحدود . لكنها مع الأسف توقفت عن الحدوث . بعد تفكير طويل سيقول في نفسه ( ما هي المشكلة لو اعدت تمثيل معجزة حدثت فعلا ؟هل سيحاسبني الله لو أعدت أحياء معجزة من معاجزه ؟ لا اظن ان الله سيحاسبني لأني قمت بأعادة تمثيل معجزة قام بها سابقا ؟ ما هي المشكلة ؟ بالعكس سيكافئني الله لأني رسمت للناس لوحة من أصدق اللوحات التي تعبر عن وجوده وقدرته ) بهذه الطريقة وغيرها سيبرر لنفسه القيام بالخديعة والكذب لخدمة الدين . هذا لو كان مؤمنا حقا . أما لو كان كاذبا يريد الانتفاع ويريد ديمومة الدكان الذي ينتفع منه والذي يزيد ثرائه يوما بعد يوم . فلن يحتاج الى تبرير وفلسفة خاصة . ولن يجد أجمل وأروع من الخديعة والفبركة لأنجاح مشروع ( المول الديني التجاري الخاص به ) . أما المؤمن البسيط فهو من يصدق هؤلاء ويدافع عنهم ويبذل في سبيلهم الغالي والنفيس .
المشكلة الكبرى لا تكمن في هؤلاء فقط بل تكمن في من يصدقوهم وهم كثر لسوء الحظ . والمشكلة انهم ليس فقط يصدقوهم بل يدافعون عنهم بقوة وبقمعون كل من يشكك بهم ليشكلون بذلك حصانة شعبية لهم . 

- نظرية الأستنقاذ 

وهي نظرية تقول بجواز سرقة المال العام في الدولة الديمقراطية العلمانية اللادينية . لأن وجود العلماني في السلطة وجود غير شرعي . والذي يجب أن يتواجد في السلطة هو الاسلامي الذي يحكم وفق شريعة السماء . وبذلك يكون العلماني المتواجد في السلطة حائز غير شرعي للمال وأخذه منه ووضعه في يد صاحب الحق الأصلي أمر جائز ولا يوضع تحت عنوان السرقة . ويجب الاشارة الى أن هذه النظرية لا يؤمن بها كل المتدينين بل نسبة معينة لا تشكل شيء يذكر قياسا بعموم المتدينين . وليس كل من يؤمن بها يطبقها . 

يقول المفكر والسياسي العراقي ضياء الشكرجي :

بعد خوض الإسلاميين للتجربة السياسية، وممارسة الكثير منهم للفساد المالي، والباطنية السياسية، والطائفية السياسية، والعنف. بعضهم يمارس سرقة المال العام وهو متدين حقا، ويخاف الله، لكنه لا يعدّ ممارسته من قبيل السرقة، بل من قبيل ما يصطلح عليه بالاستنقاذ، أي إنقاذ المال من مالكه (الخطأ) إلى مالكه (الصح)، لأن الدولة الديمقراطية اللادينية ليست دولة شرعية، بل هو الذي يمثل الامتداد الحق للشرعية الدينية ولذا فهو أولى من الدولة بهذا المال. لكن هناك من يفهم الدين على أن الدولة الديمقراطية تملك شرعية التعاقد الاجتماعي، ولذا يجب الالتزام بلوازمها.(1)

- أتلاف ممتلكات الغير لنصرة الدين 

في الحملة الانتخابية في الانتخابات قبل الماضية قام أحد الاشخاص وهو يحمل شهادة ماجستير بتمزيق دعاية أنتخابية لاحدى القوائم العلمانية . فقال له احد الأشخاص (هاي أنت المثقف هيجي تسوي لعد لا عتب على الجاهل ) فأجابه ( يابة دروح احنة بمعركة وأذا بقينا على عقليتك تضيع هويتنا المذهبية باسم الاخلاق ) بالضبط نفس المبدأ الذي أستند عليه أبو مصعب الزرقاوي لكن الفرق هو أن الزرقاوي اختار أن يلغي الاخر من خلال قتله ومثقفنا أختار أن يلغي الاخر عن طريق تمزيق أعلانه التعريفي . (الغاية تبرر الوسيلة ) والغاية هنا هي نصرة الدين والمذهب . والوسيلة هي تمزيق الهوية التعريفية للاخر .
أن هذا الشخص المتدين الذي حصل على الماجستير يعلم أن الشرع يحرم أتلاف ممتلكات الغير , لكنه يعتقد أنه يقوم بذلك لاهداف سامية وهي نصرة الدين , لذلك لا يجد ان الله سيحاسبه على خطأه البسيط في مقابل الخدمة الجليلة التي قدمها للدين والمذهب . وبكل تأكيد سيغفر الله له ذنبه البسيط مقابل المكسب الكبير الذي حققه وهو رفع اسم الدين عاليا . 

- الهوية الدينية هي المعيار 

أحدى القنوات التلفازية الارضية التابعة لحزب أسلامي عراقي تقوم بنقل الدوري الاسباني . و كما يعلم الجميع حقوق نقله حصرية لقناة مشفرة . في احدى المرات تحولت الكاميرا على الجمهور فظهرت فتاة ترتدي ملابس تظهر اجزاء كبيرة من جسدها . فتعمد المخرج أخفاء الصورة و أظهار صورة ثابتة لشعار القناة . وأعاد الصورة بعد فترة وجيزة وبعد أن تأكد أن الكاميرا أبتعدت عن تلك الفتاة التي قد تفسد بمحاسنها الشباب المسلم . لا أدري أيهما أكثر حرمة من الناحية الشرعية سرقة حقوق نقل مدفوعة الثمن من قناة اخرى أم ظهور فتاة ترتدي ملابس نصف مكشوفة ؟ 

لا أتحدث هنا عن القناة المشفرة وكيف تعرضت للسرقة . لأني بصراحة كنت من المستفيدين من هذه السرقة . ولست مهتم كثيرا لأمر هذه القناة وهي كفيلة بالدفاع عن نفسها . ما أردت الاشارة اليه هو مدى تقيدهم بالحلال والحرام حسب وجهة نظر الشرع . ان المعيار الحقيقي هو ما يؤثر على الهوية الدينية وليس ما هو غير مقبول من الناحية الشرعية أو القانونية أو الأخلاقية . فمنظر فتاة نصف عارية يؤثر على هوية القناة الأسلامية . أما سرقة حقوق نقل فهو بالعكس من ذلك , يعتبر من باب تقديم خدمة للناس وترفيههم وتسهيل أمرهم . مع أنه محرم شرعا وغير جائز . لكن لا يؤثر على الهوية الدينية لهذه القناة بنفس الدرجة التي يؤثر فيها ظهور لقطة لفتاة ترتدي قميص مكشوف . وتوفير أموال الناس كفيل بسد الذنب الناتج عن سرقة حقوق نقل مباراة وقد يزيده أجر وثواب . 

من السهولة تبرير العمل المحرم شرعا طالما انه لا يؤثر على الهوية الأسلامية . فقد يقول لك احدهم (أن القناة المشفرة تتعامل باحتكار فاحش وتسلب أموال الناس لذلك نقوم بنقل المباراة كخدمة للمجتمع . حيث اننا نخفف عن كاهل الناس شراء كارت تلك القناة . ) سيتعامل مع الحكم الشرعي بمرونة محورها ( خدمة المجتمع ) لكنه سيتعامل مع الحكم الشرعي بصرامة وقوة حين يكون المحور هو (الهوية الأسلامية ). 

قبل فترة ألتقى احد اصدقائي برجل دين عراقي مغترب وحين ذهب معه الى أحدى الجامعات العراقية . لفت أنتباه رجل الدين كثرة المحجبات . فقال لصديقي مبتهجا (ما شاء الله لم أكن أتوقع أن الالتزام الديني مرتفع الى هذه الدرجة ). فأجابه صديقي ( الحجاب لا يعبر بالضرورة عن الالتزام الديني فقد تكون أحداهن محجبة لكنها غير ملتزمة دينيا وقد تكون مضطرة لأرتداء الحجاب بسبب الضغط الاجتماعي أو ضغط الجماعات الدينية المتنفذة في المجتمع ) فقال رجل الدين ( مجرد وجود الحجاب كظاهرة , دليل قاطع على أن الهوية الاسلامية فرضت نفسها وبقوة ) . هكذا تؤخذ الامور في نظر الكثيرين .

قد يوصف شخصا ما أنه فاسق لانه يحلق لحيته . وقد يوصف شخصا ما أنه ديوث لان أبنته غير محجبة او ترتدي بنطال . بهذه القسوة يتم التعامل مع الأمور التي تصنف تحت أطار ( الهوية الاسلامية ) . لكن يتم التعامل مع الحكم الشرعي بكل مرونة وتهوين حين يكون الحديث عن افعال لا اخلاقية تأتي بمنفعة للدين ( كما يصفونها ) .


- قد تكون السارقة مؤمنة لكن السافرة ؟ مستحيل . 

بكل بساطة يمكن أن تسمى السرقة – أستنقاذ- وينتهي الموضوع . لكن لا يمكن بنفس البساطة ان تسمى السافرة –مؤمنة- وذلك لانها أخلت بالهوية الاسلامية . ولو كانت محجبة وترتدي الجبة والكفوف وتسرق المال العام باسم ( الاستنقاذ) لكان من الممكن وضعها تحت عنوان الأيمان بل قد تكون مأجورة على فعلها . لكن خلع الحجاب . فهذا أمر لا تساهل فيه ولا رحمة لانه يسقط الهوية الاسلامية . المقياس الأساسي عند الكثير من المتدينين هو (الهوية الدينية ) وليس ( الألتزام بالشرع) . تحت عنوان كبير أسمه (الغاية تبرر الوسيلة). فسرقة المال العام هو وسيلة والغاية هي حمايته من أيدي المفسدين ووضعه في أيدي المؤمنين . 

هناك نسبة كبيرة من المتدينين يرفضون مبدأ الغاية تبرر الوسيلة . ويحتمل أنهم لم يسمعوا به قط . لكنهم بفطرتهم السليمة وأنسانيتهم وأخلاقهم العالية لا يتقبلون الاعمال المنافية للأخلاق . ولا يقبلون سوى الغايات التي تشبه الوسائل المؤدية اليها . لكن هؤلاء لا يملكون التأثير في الجو العام في المجتمع الايماني بدرجة كبيرة. لأنهم ببساطة صادقين مع أنفسهم و يميلون الى تقبل الاخر وعدم الغائه . في ظل وجود أصحاب مبدأ الغاية تبرر الوسيلة فهؤلاء لديهم نفوذ لأنهم يسعون الى نصرة الدين بجميع الوسائل المتاحة . مما يؤدي الى تغلغلهم وحصولهم على ماربهم بوسائل شرعية وغير شرعية لأنهم ببساطة لا يجدون ما يردعهم . 

يقول ضياء الشكرجي :

كثير من المتدينين والإسلاميين سرقوا المال العام واستغرقوا في ملذات الدنيا بغطاء شرعي، بينما نجد الكثير من اللادينيين أو حتى الملحدين أو حتى المتدينين العلمانيين، وهم موجودون بكثرة، يكونون أكثر تضحية بوقتهم ومالهم وراحتهم من أجل القضايا الكبيرة، من أجل رفاه الناس وخيرهم، ومن أجل العدالة والحرية، كما إن منهم كما هو الحال مع الدينيين من هو مستغرق في الملذات، دون رادع ودون اهتمام بالشأن العام ... الله بالنسبة لي لا يعرف بالدين، ولا ينفى بالعلم، بل يستدل عليه بالفلسفة أو الأدلة العقلية. وهو عندي لا يثيب لمجرد إيمان أحدا من المؤمنين به، ولا يعذب لكفر أحدا من الكافرين به، إنما يثيب المحسنين بإحسانه، سواء آمنوا به أو ألحدوا، ويجزي المسيئين بعدله أيضا بقطع النظر عن عقيدتهم، والأدلة تشير عندي إلى أنه غير مهتما بمسألة الإيمان به، بقدر ما يريد من الإنسان أن يزداد تأنسُناً وتعقلُناً . (2)

لو كان المؤمنين يؤمنون بالله كما يؤمن به ضياء الشكرجي لما كان للخديعة والفيركة والتبرير وجود ولما تمكن مجموعة من المنتفعين والمجانين من خداعهم والضحك عليهم . ولما كان لمبدا الغاية تبرر الوسيلة أي مكان في هذا العالم . 

المصادر :

أنظر–ي : المعجم العلمي للمعتقدات الدينية - ( 165- 486)

1- الحوار المتمدن – ضياء الشكرجي في حوار مفتوح ... ألخ – ضمن ردوده على أسئلة القراء - 1/5/2011
2- الحوار المتمدن – ضياء الشكرجي في حوار مفتوح ... ألخ – ضمن ردوده على أسئلة القراء – 1/5/2011




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !