مواضيع اليوم

نظرية الثورة

انور محمد

2011-02-28 00:43:48

0

 نظرية الثورة

 

      إن العمل الضخم الذى يغير مصائر الشعوب لابد له من تنظير ، والمعنى أن العمل الثورى الذى ليس له اتجاه ، شأنه شأن الكلام المرسل الغير محدد ؛ قد يعجبك لفظه ، لكنه لا يصيب تأثيرا فى مستمعيه ، وذاك لأنه لم يقدم فلسفة حقيقية ، أو محتوى مقصودا ، فالعامل المشترك بين الكلام الجيد ، والكلام المرسل هو اللفظ ، أما ما يعطى للكلام ثقله  وفحواه ، فهو المعنى ، وذاك ما يعرف بنظرية النظم فى اللغة .

 

       بكل الصدق هذا ما تعانى منه الثورة المصرية المعاصرة ، إنها تحاول أن تجد لها من ينظر لها ، ويضع لها الأطر والأهداف والمراحل ، إنها تعانى من أن صانعيها ليسوا ذوى هدف واحد ، وذلك دائما أساس الثورات الشعبية ، لأن الشعب دائما متعدد الاتجاهات لا يملكه رأى واحد ، ولا يتحدث به لسان واحد ، بالإضافة إلى أنها – أى الثورة - قد تجمع عليها من كل حدب وصوب قطعان وجماعات تريد أن تستفيد منها ، ناهيك عن من يتحدثون باسمها ، ومن يضعون لأنفسهم قدما فيها ، والمشكلة الأعمق أن إطلاق لفظ ثورة الشباب عليها قد أكثر عليها من الطامعين ، وجعلها صيد من لا صيد له بدعوى أنها ثورة شباب ، ولا زعيم لهم أو مهيمن عليهم ، فكثر علها الأوصياء المزعومون ، فراحت بين أمرين ، الأول أن تحاول إثبات أنها تمتلك أصحاب الفلسفة والنظريات السياسية ، وفى ذلك خطر أيما خطر لأنهم بالفعل قد تفتقد للعدد الوافى منهم ، والثانى أن تترك نفسها نهبا لكل قلم ضال أو لسان لاذع أو فكر موجه ، وكلاهما فيه من الخطر ما فيه .

 

       عشنا طوال الحقب الماضية نعانى من هؤلاء الأدعياء الذين يمتلكون ساحة الفكر والإعلام ، ولا أكون متحاملا عليهم إن قلت إنهم من أساب الفساد القائم فى بلادنا ، شأنهم شأن النظام نفسه ، فقد شغلونا بالهابط من القول ومنعوا أصوات الحق والإبداع ، فلم يكن يقدر على الوصول لنافذة من نوافذ الفكر والإبداع إلا من كان له نصيب من الثروة أو داعم من الأهل ، وناهيك عن تحويل المؤسسات الثقافية إلى مرتع للعبث ، وملكيات خاصة بالوراثة ، فإذا كان هذا هو الحال والشأن لديهم ، فمن أين لهم اليوم بالحديث عن الثورة أو اللحاق بها ، وكأنى بقول المتنبى ساخرا من كافور الإخشيدى الذى وصل لمقعد السلطان بمصر قائلا :

       من أية الطرق يأتى مثلك الكرم           أين المحاجم ياكافور والجلم

 

        لقد كان كافور خادما ؛ يحلق لأبناء الحاكم ، فمن أين له طريق المجد ، وكأن الزمان يتقلب اليوم كالأمس ويصعد اليوم سلم الشرف والكرامة من لا يمتلكونهما ، إن هذا إن كان يحسب عليهم فى الماضى ، فسوف يحسب بميزان السئيات التى تثقل كاهلهم ، وتزيدهم صغارا أى صغار .

 

        ذكرت فى مقالاتى عن الثورة ، أن الرئيس قد تخلى عن منصبه إعترافا منه بفشله فى القيادة ، ووجهت دعوة مماثلة لكل الوجوه الفاشلة أن تتخلى هى الأخرى عن مقاعدها ، فقد تدرك بفعلها هذا مالم تصبه بماضيها البائس ، إن شجاعة الاعتراف بالذنب مفقودة لدينا نحن العرب ، وهؤلاء الرؤساء العرب يصعب على الواحد منهم أن يعترف بأخطائه ، أو أن يترك مكانه ليحقن الدماء ، ولاتزال الأمثلة أمامنا فى ليبيا وما سيتبعها من دول أخرى لم ولن تتعلم الدرس ، إننى لا ألوم الرؤساء العرب وحدهم ، ولكن اللوم مشترك بيننا جميعا لأننا لم ندرك حتى الآن فضيلة الاعتراف بالذنب والعودة للرشاد .

      أعود لثورتنا المعاصرة ، والتى أرجو أن ترتفع كل الأقلام الفاشلة عنها ولا تلتمس بالقرب منها مجدا أو فخرا لم تستطع جمعه سابقا ، فليرحموا بلدهم ، وليتقوا ربهم ، أفرادا وجماعات ، أما نحن أبناء الثورة فنحن أقدر من ينظر لها وأن يضع لها القواعد والفلسفات المرجوة فى مستقبلها حتى لا تكون نهبا لكل يد ولقمة سائغة لكل فم .

                   والله من وراء القصد

                              أنور محمد أنور    

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !