نظرية الاستخدامات والإشباعات Uses and Gratifications Theory :
تحظى نظرية الاستخدامات والإشباعات باهتمام خاص في الدراسات الإعلامية( ) وذلك لتركيزها على الجمهور الذي يستخدم الوسيلة الإعلامية بشكل نشط لتحقيق حاجات معينة، وقد اهتمت البحوث والدراسات في القرن الحادي والعشرين ( ) بدراسة دوافع وإشباعات وسائل الاتصال الحديثة وقدرتها على الوصول لأكبر قدر من الأفراد كلٍ على حدا( ). وقد كشفت دراسات النظرية عن وجود عوامل يُمكن أن تؤثر على علاقة الجمهور بالوسيلة، منها عوامل متعلقة بالأفراد أنفسهم (سماتهم العامة والاجتماعية) وعوامل متعلقة بالوسيلة ( سمات وسائل الاتصال الحديثة ) ( )،
و ظهر مفهوم الاستخدامات والإشباعات (uses and gratification) في مجال الدراسات الإعلامية( ) كرد على الأبحاث التي تتعامل بمفهوم التأثير المباشر لوسائل الاتصال مع جمهور المتلقين، حيث ساد في العقود الثلاث الأولى من القرن العشرين اعتقاد يقول بالتأثير الكبير والمباشر لوسائل الإعلام وخاصة نظرية (الرصاصة) أو (الحقنة تحت الجلد) التي ترى إن جمهور الاتصال عبارة عن مجموعة من الناس يتأثرون على انفراد بوسائل الإعلام التي يتعرضون لها وأن رد الفعل تجاه وسائل الإعلام تجربة فردية أكثر منه تجربة جمعية( ).
وقد اختلف الباحثون حول تسمية الاستخدامات والاشباعات، فقد تعددت مسمياتها بين نظرية( ) theory، ونموذج أو مدخل approach، ومنظور perspective وحتى مصطلح النظرية نفسها ، فالبعض يسميها نظرية المنفعة والبعض الأخر يسميها الاستخدامات والإشباعات، وإن اختلاف هذه التسميات يعكس اختلاف النماذج الإرشادية التي يستند إليها الباحثون، فضلا عن اختلاف تخصصاتهم، إذ يركز النموذج المعرفي على الفرد والعوامل النفسية مقابل تركيز النموذج الوظيفي على الجوانب الاجتماعية، ويبدو أيضا أن أغلب البحوث التي أجريت على الموضوع وأعتمد على النموذج المعرفي بخلفيته المنتمية لعلم النفس قد فضلت تسمية منظر، بينما استخدمت البحوث التي اعتمدت على النموذج الوظيفي تسميته مدخل أو نظرية( ).
وترى نظرية الاستخدامات والإشباعات أن الأفراد يختارون بوعي وسائل الاتصال التي يرغبون في التعرض لها، كما ينتقون المضمون الذي يلبي حاجاتهم النفسية والاجتماعية عبر قنوات المعلومات والترفيه المتاحة( )، ويقومون بدور ايجابي ونشط في العملية الاتصالية، إذ توجد لديهم دوافعهم التي تقودهم إلى استخدام وسائل الاتصال، وتقدم نظرية الاستخدامات والإشباعات مجموعة من المفاهيم والشواهد التي تؤكد على ان أسلوب الأفراد إمام وسائل الإعلام أكثر شدة من المتغيرات الاجتماعية والسكانية والشخصية( ).فالنموذج الذي يفترضه المدخل لعملية استخدام وسائل الاتصال هو إنها نظام مفتوح تؤدي من خلاله الخبرة الاجتماعية للفرد إلى ظهور حاجات معينة، فبعضها متجه إلى وسائل الاتصال لإشباعها، والبعض الآخر متجه إلى مضمون الوسيلة نفسه، فأفراد الجمهور يأخذون على نحو مؤقت وضع معين في علاقاتهم بما يتعرضون له من خلال وسائل الاتصال، وهو وضع يتأثر بعدد هائل من العوامل النابعة من الشخصية، والخلفية الاجتماعية، الخبرة،الإطار الاجتماعي الحالي الذي يعيش فيه الفرد، وبالطبع من المضمون نفسه الذي يتعرض له من خلال وسائل الاتصال الذي ينتج عنه توقعات معينة واستجابات ينتج عنها إشباعات معينة( ).
في حين يرى كاتز وزملاءه ان لدى كل فرد عددا من العوامل الاجتماعية والنفسية التي تولد حاجات معينة، من خلال خبرة الفرد حيث يبدأ في رسم توقعاته عن تلبية وسائل الإعلام لهذه الحاجات مقارنة بمصادر أخرى لإشباعها (الحاجة إلى التسلية، والهروب من الواقع، فمثلا يرسم توقعاته عن إمكانية تحقيق ذلك من خلال مشاهدة التلفزيون أو الذهاب إلى النادي)( ).
ويترتب على ذلك قراره بالاختيار بين وسائل الإعلام أو المصادر الأخرى، ونتيجة لهذا التعرض يتم إشباع بعض الحاجات( )، بجانب نتائج أخرى كامنه وهو يؤدي مرة أخرى إلى محاولة إشباعها لتبدأ في التفاعل مع العناصر الاجتماعية والنفسية، وهكذا تتم دورة العلاقة بين نشوء الحاجة وقرار الفرد بالتعرض لوسائل الإعلام آملا في إشباعها( ).
وبدأ التحول في البحث الإعلامي من دراسة تاثير وسائل الإعلام في الجماهير إلى البحث حول تاثير الجماهير( ) في هذه الوسائل - أي أن البحوث الإعلامية تحولت من المدخل التأثيري إلى المدخل الوظيفي- وتعتبر نظرية الاستخدامات والإشباعات هي إحدى ثمرات المدخل الوظيفي ( )، ومن خلالها يختار الأفراد بوعي وسائل الاتصال التي يرغبون في التعرض إليها، ونوع المضمون الذي يلبي حاجاتهم النفسية والاجتماعية من خلال قنوات المعلومات والترفيه المتاحة( ).
أهداف نظرية الاستخدامات والإشباعات:
تسعى نظرية الاستخدامات والإشباعات إلى تحقيق الأهداف التالية:
1- الكشف عن كيفية استخدام الفرد لوسائل الإعلام، حيث انهم أعضاء في جمهور نشط يختار ويستخدم الوسائل التي تشبع حاجاته.
2- الكشف عن دوافع استخدام الوسيلة.
3- التوصل إلى نتائج تسهم في الفهم الأعمق لعملية الاتصال الجماهيري.
4- التعرف على مدى الإشباعات التي يحففها استخدام الجمهور لوسائل الإعلام.
5- المساعدة في توضيح بعض المتغيرات الوسيطة التي ينبغي أن تؤخذ في الحسبان عند دراسة تأثير وسائل الاتصال( ).
في حين يرى البعض أن هذه النظرية تحقق ثلاثة أهداف رئيسية وهي:
1- السعي إلى اكتشاف كيف يستخدم الأفراد وسائل الاتصال، وذلك بالنظر إلى الجمهور النشط الذي يستطيع أن يختار ويستخدم الوسائل التي تشبع حاجاته وتوقعاته.
2- شرح دوافع التعرض لوسيلة معينة من وسائل الاتصال، والتفاعل الذي يحدث نتيجة هذا التعرض.
3- التأكيد على نتائج استخدام وسائل الاتصال بهدف فهم عملية الاتصال الجماهيري( ).
وبذلك فإن نظرية الاستخدامات والإشباعات تهتم بتحديد وظائف الاتصال الجماهيري التي تخدم أفراد الجمهور أكثر من اهتماماتها بأهداف القائم بالاتصال( ).
وتفترض نظرية الاستخدامات والإشباعات( ) أن دوافع التعرض لوسائل الاتصال تنتج أساسا عن الحاجات النفسية والاجتماعية وتؤدي إلى توقعات معينة بحكم إشباعها من خلال وسائل الاتصال، وتوجد وجهات نظر متباينة لدراسة دوافع تعرض الجمهور لوسائل الإعلام ويمكن عرض هذه الآراء بالتالي:
1- ينظر بعض الناس إلى الدوافع باعتبارها حالات داخلية بحكم إدراكها وفهمها مباشرة من جانب أفراد الجمهور، ولديه الوعي والقدرة على التعبير عن اتجاهاته بشكل مباشر ويسعى لإشباع دوافعه من خلال التعرض لوسائل الإعلام( ).
2- ترى وجهة نظر ثانية أن دوافع الجمهور لا تحكم إدراكها وفهمها بشكل مباشر، ولكن يمكن إدراكها بشكل مباشر من خلال أنماط السلوك.
3- ترى وجهة نظر ثالثة إن دوافع التعرض لوسائل الإعلام لا يمكن الوصول إليها عن طريق ما يقرره الجمهور بشكل ذي معنى، فالحاجات الأساسية مثلا قد تؤثر على تعرض الجمهور لوسائل الإعلام بشكل مباشر.
4- سلوك تعرض الجمهور لوسائل الإعلام ليس له دافع، وتتفق هذه النظرة مع الفكرة العامة التي ترى السلوك الإنساني يرتبط غالبا بالتعود واللامعقول( ).
كما يرى (كاتز وزملاءه) أن منظور الاستخدامات والإشباعات يعتمد على خمس فروض لتحقيق أهداف رئيسية:
1- أن أعضاء الجمهور مشاركون فعالون في عملية الاتصال الجماهيري، ويستخدمون وسائل الاتصال لتحقيق أهدافهم بصورة تلبي توقعاتهم.
2- يعبر استخدام وسائل الاتصال عن الحاجات التي يدركها أعضاء الجمهور ويتحكم في ذلك عوامل الفروق الفردية، وعوامل التفاعل الاجتماعي وتنوع الحاجات اختلاف الأفراد.
3- التأكيد على أن الجمهور هو الذي يختار الوسائل والمضمون الذي يشبع حاجاته، فالأفراد هم الذين يستخدمون وسائل الاتصال، وليست وسائل الاتصال هي التي تختار الأفراد.
4- يستطيع أفراد الجمهور دائما تحديد احتياجاتهم ودوافعهم وبالتالي يختارون الوسائل التي تشبع تلك الحاجات.
يمكن الاستدلال على المعايير الثقافية السائدة من خلال استخدامات الجمهور لوسائل الاتصال، وليس من خلال محتوى الرسالة فقط( ).
ويرى بابرو ضرورة ربط دوافع تعرض الجمهور لوسائل الإعلام بالأطر التفسيرية، وبوجه عام، فإن معظم دراسات الاتصال تقسم دوافع التعرض إلى فئتين هما( ):
أ) دوافع نفعية: Instrumental Motives
وتستهدف العرف على الذات، واكتساب المعرفة والمعلومات والخبرات وجميع أشكال التعلم والتي تعكسها نشرات الأخبار والبرامج التعليمية والثقافية.
ب) دوافع طقوسية: Ritualized Motives
وتستهدف تمضية الوقت، الاسترخاء الصداقة، الألفة مع الوسيلة، الهروب من المشكلات، وتنعكس هذه الفئة في البرامج الخيالية والمسلسلات والأفلام والمنوعات ومختلف برامج الترفيه( ).
ويقصد بالإشباعات "إرضاء الحاجة وتحقيق المطلب الذي يلح عليه الدافع" إشباع الدافع قد لا يكون إشباعا كاملا ولا يكون إشباعا مباشرا، ففي كثير من الحالات عندما يتعرض الفرد إلى وسائل إعلام تكون لديه حاجات معينة يريد إشباعه ( )، وقد يتحقق من خلال التعرض إشباع بعضها أو كلها، إلى جانب تحقيق إشباعات لم تكن مقصودة، وإن الرضا أو الإشباع هو نتيجة لتقييم الفرد عما سبقه من وقائع من خلال خبرته عن الوسيلة( )، فقد عرفت الإشباعات كبعض أو كل أوجه الرضا التي يقررها الجمهور، والتي يمكن ان تدرس كأحد عوامل نجاح أو فشل وسائل الإعلام في تحقيق الوظائف المنوطة بها( ).
الانتقادات الموجهة إلى نظرية الاستخدامات والإشباعات:
مثلما كانت لهذه النظرية مزايا تجعلها ملائمة لكثير من الدراسات كذلك لها عيوب ومآخذ أشار إليها الكتاب والباحتين ويمكن حصرها بما يلي:
1- يرى العديد من الباحثين إنها لا تزيد عن كونها إستراتيجية لجمع المعلومات من خلال التقارير الذاتية للحالة العقلية التي يكون عليها الفرد وقت التعامل مع الاستقصاءات، وهذا تستطيع للأمور( ).
2- يرى دينيس ماكويل، إن نتائج البحوث وربما تتخذ ذريعة لإنتاج المحتوى الهابط، وخصوصا عندما يرى البعض إنه يلبي حاجات أعضاء المتلقين في مجالات التسلية والترفيه والهروب، مما يؤدي إلى إغراق (سوق المعلومات) بالهابط والسفيه على حساب الجاد والبناء.
3- المأخذ الثالث في تطبيق هذه النظرية، هو عدم التحديد الواضح لمفهوم الجمهور النشط، إذ أن هذا المفهوم قد يأخذ أشكالاً أخرى من المفاهيم أو المعاني، مثل المنفعة أو العمد أي الاستخدام من خلال الدوافع وكذلك معنى الانتقاء، أو مقاومة التأثير من خلال مفهوم الجمهور العنيد إضافة إلى تركيزها على الاختيار الكلي للوسائل والمحتوى ولم تحدد ماذا يفعل الجمهور بالمحتوى((
4- رفض مبدأ إمبريالية الجمهور، فالتأكيد على نشاط الجمهور، لا يجب أن يقودنا إلى الثقة الزائدة باستقلالية الجمهور في اختيار الوسيلة ومضمونها، لان هناك شئ أسمه المتاح وغير المتاح.
5- الأدوار الاجتماعية تقرر حاجات وفرص اختيار الجمهور، فالفرد جزء من البناء الاجتماعي ويجب أن تربط اختياراته للوسيلة والمضمون بهذا البناء( ).
6- هناك مبالغة بشأن العلاقة الفردية بين محتوى الوسيلة الإعلامية وبين دوافع الجمهور أدت إلى الإدعاء بأن أي نوع من المحتوى يخدم أي نوع من الإشباع( ).
7- تحوي هذه نظرية الاستخدامات والإشباعات غموضاً، أو عدم مرونة، أو عدم أتفاق بين ما تشير إليه أفكارها الأساسية وبين المصطلحات المستخدمة في دراستها التطبيقية، حيث أن تحديد هذه المصطلحات بدقة، مثل: الاستخدام، الحاجة، الدافع، الإشباع، ساعد على خلق غموض وحيرة لمن يطلع على تلك الدراسات،فالنتائج قد تختلف في كل دراسة تبعا لاختلاف هذه التعريفات، مما جعل البعض ينظر إلى ان استخدام هذه المصطلحات - في دراسة ما- قد لا يصلح إلا لهذه الدراسة فقط( ).
الاتجاهات الحديثة في بحوث الاستخدامات والإشباعات:
1- اتجاه يهتم بالربط بين دوافع الاستخدام وبين سلوكيات تلك الوسيلة واتجاهاتها.
2- اتجاه يهتم بدراسة العلاقة بين دوافع الاستخدام وبين سلوكيات تلك الوسيلة واتجاهاتها.
3- اتجاه يهتم بدراسة تأثير العوامل النفسية والاجتماعية على استخدام الأفراد لوسائل الإعلام وتعرضهم لها، مثل المتغيرات الشخصية، والسياق الذي يتم فيه التعرض، والنشاط الاجتماعي( ).
التعليقات (0)