الفتاوى السياسة مثل كل الفتاوى الدينية هي إجابة علي سؤال...والإجابة علي السؤال لا بد أن تأخذ في الحسبان شكل السؤال والمعلومات التي تصاحبه ولنعطي مثالا لذلك....... إذا سأل أحد قائلا: هل تصح الصلاة بغير وضوء؟ فسوف يجيب المفتي على هذا السؤال بإجابة قاطعة هي (لا تصح الصلاة) فإذا استطرد السائل فسأل: وإذا لم يوجد الماء وتيمم المصلي ؟ قيل (تصح الصلاة)..... فإذا سأل: فإن وجد الماء وتيمم؟ قيل (لا تصح الصلاة) ....ثم سأل: فإذا وجد الماء وكان المصلي في صحراء ولا يكفي الماء إلا للشرب وتيمم؟...قيل ( تصح الصلاة)...فسأل فإذا وجد الماء وكان يكفي الوضوء والشرب وتيمم؟ قيل (لا تصح الصلاة)..... وإذا وجد الماء وكان يكفي للشرب والوضوء والاغتسال وكان البرد قارسا ولا يتحمله المغتسل أو المتوضئ وتيمم؟ قيل (تصح الصلاة) ....وهكذا مع المزيد من القرائن التي تذكر من تفاصيل السؤال تجد الإجابة تختلف من الموافقة إلى المنع بمعني (تصح الصلاة)... و....(لا تصح الصلاة) ونعود إلي الفتوى السياسية.... هنا نجد أن الفتوى السياسية علي سؤال معين لها عدة نتائج مختلفة تعتمد علي (ثقافة وذكاء أو مكر السياسي أو عبقريته)... و....(حسن نية المفتي أو ذكائه أو عبقريته) ...المثال الذي سقناه في موضوع الوضوء شبيه إلى حد كبير بالفتوى السياسية ....إن السياسة في بلد معين يكون لها (خصوم وأعداء) ...و...(مؤيدون وأصدقاء)...وقد سبق أن وضحنا ما تعتمد عليه الفتوى في هذه الحالة وواضح أن لها بدائل لا حصر لها لأن تزاوج القادة السياسيين مع شيوخ الإفتاء تتعدد كثيرا جدا فمن الممكن أن يكون السياسي ماكرا ويكون المفتي حسن النية أو يكون السياسي عبقريا ويكون المفتي ذكيا فقط أو الإثنان من العباقرة أو إلي آخر البدائل المحتملة...ومن الواضح أيضا أن السياسة العامة لدولة ما ليس لها وصف محدد في كل القضايا ولذلك فإن الرأي العام يتبع هذه الفرضية وإذا كان من الراسخ في الأذهان أن الدولة تعادي تلك الدولة فبالطبع تتأثر الفتوى باتجاه السياسة العامة للدولة التي ينتمي إليها المفتي لأن معطيات السياسي التي تقدم بها لطلب الفتوى ليست كاملة أمام المفتي فتظهر الفتوى مشوهة لعدم اكتمال القرائن ويقابلها في الطرف الآخر من يفتي بعكس الأول لأن مصالح الدولتين متناقضتين ...وهناك تفصيل لهذه المسألة يضيق عنها المقام ولكن هدفنا من هذه المقاربة أن نبين للقارئ الكريم أن المفتي عادة يخاف من الله ويفتي بما يعتقد صحته وليس منهم من يبيع دنياه برضا السياسيين لأننا نحسن الظن بعلمائنا.... وقد يكون المفتي معذورا بسبب إغفال قرائن موضوع الفتوى لأنه فريسة الإعلام وتضليل السياسة...ومع ذلك فإننا لا نعذره في التسرع بالفتوى في سؤال لا يعلم غرضه أو يتماشي مع غرض الحكومة المشبوه فيه ... وهو مسؤول عن فتواه لجرأته على الحكم دون الإلمام بموضوع الفتوى ولا نجد له عذرا... وهنا يظهر المفتي العبقري الذي يرفض التعرض لفتوى لا يعلم حقيقة السؤال عنها.... ويمنعه حرصه علي تجنيب المسلمين فتنة الشك في الدين بتضارب الفتاوى السياسية أن يرفض إبداء الرأي فيها....
التعليقات (0)