موضوع صراع البداوة والحضارة من المواضيع المهمة التي شغلت افكار واقلام الكثيرين على مدار العقود الماضية ، حيث تناول الاختصاصيون والكتاب الموضوع وبحثوه من اوسع ابوابه لما له تأثير مباشر وقوي على الافراد والمجتمعات ككل ، ومنها المجتمعات العربية.
كلمة الحضارة هي خلاف كملة البداوة ، الحضارة تعني انتقال الانسان من الهمجية الى المدنية ، وتعني ايضاً تشيد المدن وممارسة الزراعة والصناعة ، اما البداوة فهي نمط عيش الافراد المنتمين الى قبيلة واحدة او عدد من القبائل ، يسكنون الخيام ويعيشون على رعي الابل والماشية وينتقلون بصورة مستمرة من مكان الى اخر طلبا للماء.
الصراع بين البداوة والحضارة بدأ عندما نزع ابناء الصحراء ثوب البدوية واستعاضوا عنه بثوب المدنية بقيمه وعاداته ونزحوا الى المدن ، عندها فوجئوا بأمور جديدة عليهم لم يألفوها في الصحراء الشاسعة كسيادة القانون ، أمور تصادمت وطموحات البدوي الذي لم يرى في حياته سوى الرعي وانشاد الشعر والتنازع مع الاخرين في سبيل السيطرة على مواطن العشب والماء .
كانت نتيجة هذا الصراع هو نشوء شخصيتين متناقضتين ، حيث يرى الدكتور والعلامة علي الوردي ان الشخصية البدوية تقوم على الاستحواذ على حقوق الاخرين والشخصية الحضرية اتقوم على الانتاج ، وشتان مابين الاستحواذ والانتاج.
فالاستحواذ يأتي بمعنى الاستيلاء ، والشخصية البدوية ، اضافة الى الصفات الحميدة التي تتمتع بها كالضيافة والكرم والشجاعة وعزة النفس ونصرة المظلوم ، الا ان عقيدة الغزو والقتال والاستيلاء على اراضي ومياه الغير راسخة في عقلية البدوي.
والمشكلة كما يقول الاستاذ الوردي تكمن في مواطن العشب والمياه في الصحاري فهي قليلة مقابل عدد القبائل المتنامية هناك ، لذلك في تنافس وتنازع مستمر وبحد السيف".
ان البدو يسيرون في حياتهم على مبدأ "الحلال ما حل باليد" وهذا المبدأ لا ينطبق في المدينة واذا طبق فالخراب قادم اليها لامحالة اما اذا نادى الشخص بمبدأ (لهم مالنا وعليهم ماعلينا) في الصحراء فهو في نظر البدو جبان ضعيف لا يستحق العيش.
النزاع والتنافس والاستحواذ والغلبة وفرض السيطرة على الضعيف ، اموراً تكاد تخلو منها المدن المتحضرة البعيدة عن تيار البداوة لان سيادة القانون تفرض سلطتها على الجميع ولا احد فوق تلك السلطة ، بشرط ان لا يستخدم القانون كأداة طيعة بيد السياسيين للتحكم بمصائر الناس، ففي الصحراء هناك ساحات القتال لا سترداد الحقوق المغتصبة اما في المدن فهناك محاكم قضائية.
بالاضافة الى ذلك فأن شخصية الحضري لا تستسيغ القيم البدوية اطلاقاً ، لان الحضري وبحسب العلامة الوردي شخص منتج يصعب عليه العيش من غير مهنة سواءا كانت مهنة مادية او فكرية ، وهو يزن الناس بمقدار براعتهم بمهنهم وما يربحون منها ، اما البدوي فهو يزن الناس بمقدار القوة والشجاعة والكرم .
سيبقى الصراع قائما ، وان اختلفت درجاته ، مادامت الفجوة قائمة بين القيم البدوية والحضرية
راميار فارس الهركي
كاتب وصحافي من العراق
المراجع/ الضائع من المواد الخلقية للدكتور علي الوردي ص 13 ص 14 ه
التعليقات (0)