بعد فترة طويلة من الجدل حولها , بين المؤيد الذي يعتبرها وثيقة ضمان لمصر , ومعارض يعتبرها خيانة للثورة والتفافا على الإجماع الشعبي , وبعد فترة طويلة من تردد حول صدورها من المجلس العسكري والحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور عصام شرف , وبعد شد وجذب من نائب رئيس الوزراء السابق الدكتور يحيي الجمل , عرض الدكتور علي السلمي النائب الحالي لرئيس الوزراء هذه الوثيقة على عدة أحزاب لمناقشتها وإقرارها .
ولنا مع هذه الوثيقة التاريخية التي تسمى بالوثيقة الحاكمة أو وثيقة المواد فوق الدستورية , لنا معها عدة وقفات نتمنى أن يتسع صدر المسئولين لسماعها , وربما تبلغ أمنياتنا مداها أن تحظى تلك الوقفات بمناقشة ما يرد فيها .
1-دون الحاجة إلى مناقشة محتواها – مهما كان ما في داخلها من مواد – يجب أن نعلم أنه بمقتضى تسمية هذه الوثيقة بالمواد فوق الدستورية , وهي التي لا يستطيع الشعب المصري بأية آلية أن يغير ما جاء فيها حتى لو حدث منه إجماع على ذلك , ونتساءل هل يجوز الحجر على إرادة أي شعب في تغيير دستوره في أي لحظة إن أراد أن يغير بعض مواده ؟ ومن الذي يستطيع أن يحكم على الشعب المصري بالسفه ويحجر على عقله الجماعي إن أحب تعديل أي شيئ ؟ وهذا هذا معمول به ذلكم الحجر على أي شعب في العالم ؟ , وبأي صفة يحكم أفراد على شعب كامل بأن يتصوروا أو يصوروا أنفسهم بالعلماء الأذكياء العارفين بمصلحة الشعب المصري ويصفون باقي الشعب بالجهل والغباء وعدم إدراكه لمصلحته بكل ما فيه من تخصصات أو كفاءات ؟ .. ولذا فهذه الوثيقة سبة في حق الشعب المصري كله وتصفه بأنه شعب جاهل سفيه , وهذا عين ما قاله مبارك وهو يحكم البلاد وقاله عمر سليمان وهو نائب لرئيس الجمهورية , فهل يكرره الآن المجلس العسكري وعصام شرف ونائبه على السلمي بطرحهم لتلك الوثيقة ؟
2-قيل أن سبب كتابة هذه الوثيقة هي أن الانتخابات القادمة التي يخشاها العلمانيون ويخشون نتيجتها , وهي التي ستأتي كما يتحسبون بعدد كبير من الإسلاميين في مجلس الشعب ويتصورون أنه ستتشكل لجنة وضع الدستور من أغلبية إسلامية ولذا فهم يخشون الإقصاء ويقولون لا لكتابة الدستور من قِبل فصيل واحد دون غيره ..
وهذا عين ما فعلوه أن أقصوا الإسلاميين من تلك الوثيقة الحاكمة , أنهم فعلوا نفس ما ادعوا أنهم يتخوفون منه , وأنهم في ذلك الوقت قد كتبوا مواد في الوثيقة تعبر عن فصيل واحد وأقصوا باقي الفصائل , والفارق الوحيد أنهم لو أُقصوا من لجنة إعداد الدستور القادمة التي سيشكلها مجلس الشعب فإنهم سيقصون ساعتها – وفق إرادة الشعب واختياره – وستتشكل لجنة تم اختيارها من أعضاء المجلس النيابي المنتخبين بانتخابات شعبية نزيهة , ولذا ما يفعلونه الآن إقصاء - بلا إرادة شعبية - لكافة الفصائل دونهم .
3-بحسب بيانات المجلس العسكري التي أذاعها بداية من يوم التنحي إلى يومنا هذا , فإن المجلس – كما يقول ويردد كثيرا - جاء ليقود مرحلة انتقالية حتى يسلم السلطة لحكومة مدنية ولرئيس مدني منتخب وأنه لا يريد التدخل المباشر في الحياة السياسية , وأيضا كما عُرفت الحكومة الحالية أنها حكومة تسيير أعمال لفترة انتقالية حتى تتشكل الحكومة الحقيقية بعد الانتخابات واختيار الرئيس القادم وبالتالي سيكلف رئيسا للوزراء وستتشكل الحكومة الجديدة المعبرة عن الإرادة الشعبية , إذن فليس من حق المجلس العسكري كتابة وثيقة للدستور بحكم أن قيادته مؤقتة وانتقالية فقط وكذلك ليس للحكومة ولا لرئيسها ولا لنائبه السلطة ولا الصفة التي تسمح لهم جميعا بوضع دستور أو مواد دستورية أو فوق دستورية أو وثيقة حاكمة أو حتى مجرد اقتراحها أو عرضها على غيرهم .
4-كما كان وعد بلفور تماما الذي أعطى فيه من لا يملك إلى من لا يستحق , يجمع الدكتور السلمي – مع تقديرنا له ولمنصبه - بعضا من الأحزاب ذات الشعبية الجماهيرية – مع كامل تقديرنا لهم ولدورهم الوطني – ليعرض عليهم الوثيقة الحاكمة لمناقشتها وإقرارها , فالدكتور السلمي وحكومته ليس لهم صفة تجيز لهم ذلك , وأولئك الأحزاب لا يمثلون إلا جزء قليلا من المجتمع المصري حتى يعتبر إقرارهم – إن أقروا وأشك في ذلك - له قيمة أو وجاهة أو حتى يعتد به في العمل بهذه الوثيقة أو عدم العمل بها .
5-هذه الوثيقة تخالف ما هو أكبر منها وهو ذلكم الاستفتاء الشعبي الذي جاء بأغلبية كبيرة حددت الشكل النهائي لصياغة الدستور , وهذا ما تعهد المجلس العسكري وأيضا الحكومة الانتقالية بالحفاظ عليه تحقيقا لأوامر الشعب , والغريب أن هذه الوثيقة المزعومة تدعي في المادة الثالثة منها بأن السلطة للشعب وأنه مصدر السلطات !!! كيف وهم يهدرون رأيه الذي أعلنه في الاستفتاء بكتابتهم لهذه الوثيقة التي سلبت منه هذا الحق !! وكأن تلك المواد كلمات جوفاء يتشدقون بها فقط لا غير ولا تأخذ مكانها أو مكانتها في التفعيل , فأين سيادة الشعب إذن ؟!!!
6-هذه الوثيقة أعدها من يسبحون ليلا ونهارا بحمد الديمقراطية كنظام سياسي لا يرون غيره , ولكنهم يعادونها ولا يعتبرون بها إن أفرزت غيرهم لتولي المناصب , أنهم يخدعون أنفسهم أو يخدعوننا بتلك الأوهام , فمَن الآن الذي يخالف أبسط قواعد اللعبة الديمقراطية التي هي اختيارهم الأوحد ؟!! , أليس الاحتكام في المبادئ الديمقراطية لصناديق الانتخاب ؟!! أيخشون نتيجة الصناديق فقرروا مصادرة النتيجة قبل خوض اللعبة الديمقراطية لأنهم اشتموا النتائج ؟
هذه الوثيقة مرفوضة تماما من جموع كبيرة من الشعب المصري الذي قال رأيه في الاستفتاء , لأنها تسلبه أبسط حقوقه التي دفع من أجلها دماءه ودماء أبنائه وتحمل من أجلها كل المحن السابقة , ولذا فهي مرفوضة بداية من ناحية المبدأ وذلك قبل الخوض في تفاصيلها التي كتبت في غفلة من الشعب المصري كله والتي أعتبر أن مجرد مناقشة التفاصيل هو نوع من الإقرار الضمني لما ورد فيها .
التعليقات (0)