مواضيع اليوم

نظرات في كتاب السباعي رحمه الله: "السيرة النبوية: دروس وعبر"(6)

حسن محمد لمعنقش

2012-10-03 23:21:15

0

الحديث في سيرة السباعي رحمه الله.

من المعلوم أن أي مصنف في السيرة إنما يحوز على قيمته العلمية باعتماده على صحيح الروايات التي يوردها.
ومن المعلوم أيضا أن الحديث قد حظي بمجهودات جبارة في مجال التوثق والتحقق من صحته، يشهد لذلك العلم الشامخ الذي تختص به هذه الأمة، وهو علم الجرح والتعديل.
غير أن روايات السيرة النبوية لم تحظ بمثل تلك الجهود، حيث حدث تساهل من لدن الإخباريين في التوثق من صحة تلك الروايات. ولاعجب في ذلك مادام غرض الإخباريين ذكر الأخبار، في حين كان الحلال والحرام –أي التشريع، وهو من الدين- غرض المحدثين. ولذلك تشددوا:
" قيل ليحيى بن سعيد القطان: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة؟ فقال: لأن يكون هؤلاء خصمي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لِمَ لَمْ تذُبّ الكذب عن حديثي؟" (1).
غير أن هذا لايعني أن موضوع السيرة خلا من الروايات الصحيحة، بل يمكننا العثور على أئمة أعلام رووا السيرة بطريقة المحدثين، أي بذكر الأسانيد، وحرصوا على أخذها ممن عُرِف بعدالته وضبطه. ولذلك يُذكَر عن الإمام الزهري رحمه الله أنه جمع في السيرة كتابا عُرِف بِ "سير الزهري" (2)، قال عنها السهيلي رحمه الله: "وهي أول سيرة في الإسلام" (3).
كما يُذكَر أن لموسى بن عقبة رحمه الله –وهو تلميذ للإمام الزهري- مغازي صحيحة. ولذلك كان الإمام مالك رحمه الله "يثني عليه، ويقول: عليكم بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة، فإنها أصح المغازي"(4). وممن استجاب لهذا التوجيه الإمام الشافعي رحمه الله، إذ "كان يعتمد مغازي ابن عقبة"(5)، والإمام البخاري رحمه الله، إذ ذكر روايات لموسى بن عقبة في صحيحه.
ومن أمثلة التزام منهج المحدثين في رواية السيرة كتاب ابن عبدالبر رحمه الله: "الدرر في اختصار المغازي والسير" الذي يقول عنه محققه: "نحن إذن بإزاء سيرة نبوية محررة، سيرة لاتعتمد على كتب السيرة المشهورة وحدها، بل تعتمد أيضا على كتب الحديث ورواية الموثقين مع الموازنة بين الأخبار والأحاديث واستخلاص الآراء الصحيحة، ومع الوفاء بالدقة في أسماء الأعلام، ومع التوقف في موضع التوقف والنفوذ إلى الرأي السليم، ومع المعرفة الواسعة بالحديث ورجاله وتمييز صحيحه من زائفه"(6).
والأمثلة عند الاقدمين كثيرة.
وعلى خطى مثل هؤلاء حاول بعض المعاصرين من العلماء كتابة سيرة صحيحة، وقد مرت إشارة إلى ذلك مما يغني عن إعادته هنا (7)، والمقصود التأكيد على أن من الباحثين في السيرة من حاول التثبت من أحداثها. غير أننا في هذا الفصل لن نفعل ذلك، وإنما سنحاول الكلام عن الأحاديث التي ذكرها السباعي رحمه الله في سيرته، سواء جاء ذكره لها باللفظ أم بالمعنى، من حيث صحتها أو ضعفها، ومن حيث ما أثاره بعضها من إشكالات تخص بعض جوانب العقيدة مثلا، خاصة مع الهجوم الرافضي الخبيث، بعد الهجوم الاستشراقي الحقود، على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأول شيء ينبغي التنويه به أن معظم ماذكره السباعي رحمه الله في كتابه من الأحاديث صحيح، والضعيف فيه قليل، وبعض من ذلك الضعيف يمكن الاستعاضة عنه بأحاديث أخرى صحيحة.
وقد أورد السباعي رحمه الله بعض تلك الأحاديث بمعناها لا بلفظها، ومنها المرفوع وهو أكثرها، ثم
الموقوف وهو قليل.
أما مالم يثبت أنه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حديث واحد سيذكر في حينه.
______________
1- السباعي رحمه الله، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص 92.
2- الروض الأنف للسهيلي، ص 1/205-214.
3- نفسه.
4- تهذيب التهذيب، ص 10/360.
5- مصادر السيرة للدكتور فاروق حمادة حفظه الله، ص 88.
6- الدرر في اختصار المغازي والسير، لابن عبدالبر رحمه الله، ص 14.
7- موضوع "ضوابط في منهجية دراسة السيرة".

_______________________________________________________________________
وقبل إيراد تلك الأحاديث، أشير إلى أنها ستذكر مقرونة –إذا تطلب الأمر ذلك- ببعض ما يرتبط بها من معنى أو إشكال أو شبهة أو غير ذلك كما مر، وفيما يلي التوضيح:

أ- الحديث الصحيح في كتاب السباعي رحمه الله:

الحديث الأول:
قال السباعي رحمه الله:
" وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من نبيء إلا ورعى الغنم). قالوا: وأنت يارسول الله؟ قال: (وأنا). وفي رواية أخرى أنه قال: (ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم)، فقال له أصحابه: وأنت يارسول الله؟ فأجاب: (وأنا رعيتها لأهل مكة على قراريط)" (1).
ذكر السباعي رحمه الله الحديث هكذا دون تخريج، وهو –أي الحديث- في صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم- قال: (ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم). فقال أصحابه: وأنت؟ قال: (نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة) (2).
وعند ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَاعِيَ غَنَمٍ " ، قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ : وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " وَأَنَا كُنْتُ أَرْعَاهَا لِأَهْلِ مَكَّةَ بِالْقَرَارِيطِ " ، قَالَ سُوَيْدٌ : يَعْنِي كُلَّ شَاةٍ بِقِيرَاطٍ (3).
الحديث الثاني:
قال السباعي رحمه الله:
" ...كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا)" (4).
وهذا طرف حديث ورد في صحيح البخاري عن ٍأبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تجدون الناس معادن : خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ، وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشدَّهم له كراهية ، وتجدون شر الناس : ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه ، ويأتى هؤلاء بوجه"(5).
وفي مسلم عن ٍأبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" الناس معادن كمعادن الفضة والذهب . خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا . والأرواح جنود مجندة . فما تعارف منها ائتلف . وما تناكر منها اختلف" (6).
الحديث الثالث:
ذكر السباعي رحمه الله في كتابه مايلي:
كان أول ما سأل عنه هرقل أبا سفيان بعد أن أرسل الرسول إلى هرقل كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام هو وقومه: كيف نسبه فيكم؟ فأجاب أبوسفيان وهو يومئذ على شركه: هو من أشرفنا نسبا" (7).
هذا الكلام ورد في حديث طويل للبخاري رحمه الله عن عبد الله بن عباس أن أباسفيان بن حرب
أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ، وكانوا تجاراً بالشام ، في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش ، فأتوه وهم بإبلياء ، فدعاهم في مجلسه وحوله
_____________
1- السيرة النبوية للسباعي، ص 20.
2- أخرجه في الإجارة ، باب رعي الغنم على قراريط، حديث 2262.
3- أخرجه في كتاب التجارات، باب الصناعات، حديث 2149. وقال الألباني: صحيح.
4- ص 22.
5- أخرجه البخاري في المناقب، باب قول الله تعالى: (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى....عند الله أتقاكم، حديث 3493.
6- مسلم في البر والصلة والآداب، باب الأرواح جنود مجندة، حديث 160.
7- ص 21.

______________________________________________________________________
عظماء الروم ثم دعاهم ودعا بالترجمان فقال : أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ قال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسباً . قال: أدنوه مني وقربوا أصحابه فأجعلوهم عند ظهره. ثم قال لترجمانه: قل لهم : إني سائل هذا عن هذا الرجل ، فإن كذبني فكذبوه . قال فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عني كذباً لكذبت عنه .
ثم كان أول ما سألني عنه أن قال : كيف نسبه فيكم ؟ قلت: هو فينا ذو نسب . قال : فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت : لا . قال : فهل كان من آبائه من ملك ؟ قلت : لا .
قال : فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ قلت : بل ضعفاؤهم . قال : أيزيدون أم ينقصون ؟ قلت : بل يزيدون . قال : فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ قلت : لا . قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت : لا . قال : فهل يغدر ؟ قلت : لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها . قال : ولم يمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة . قال : فهل قاتلتموه ؟ قلت: : نعم " قال . فكيف كان قتالكم إياه ؟ قلت :الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه . قال : ماذا يأمركم ؟ قلت : يقول: " أعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا مايقول آباؤكم . ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة .
فقال للترجمان: قل له : سألتك عن نسبه فزعمت أنه فيكم ذو نسب . وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها .
وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول قبله ؟ فذكرت أن لا ، فقلت : لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت : رجل يتأسى بقول قيل قبله .
وسألتك : هل كان من آبائه من ملك ؟ فذكرت أن لا ، فلو كان من آبائه من ملك قلت : رجل يطلب ملك أبيه .
وسألتك : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فذكرت أن لا ، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله !
وسألتك : أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه ، وهم أتباع الرسل .
وسألتك : أيزيدون أم ينقصون ؟ فذكرت أنهم يزيدون ، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم .
وسألتك : أيرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ فذكرت أن لا . وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب .
وسألتك : هل يغدر ؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر .
وسألتك : بم يأمركم ؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشكروا به شيئا ، وينهاكم عن عبادة الأوثان ، ويامركم بالصلاة والصدق والعفاف .
فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، لم أكن أظن أنه منكم ، فلو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه ...(1).
الحديث الرابع:
قال السباعي رحمه الله:
" ...وما أبدع القول المأثور: (خاطبوا الناس على قدر عقولهم، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟)"(2).
وفي هامش الصفحة قال: "جاء في البخاري 1/199 في العلم، باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا ، وقال علي: حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟"(3).
وبالفعل هو في ذلك الموضع معلقا، من قول علي رضي الله عنه، ثم ذكر سنده بعد ذلك مباشرة تحت رقم 127.
ومعنى المعلق "ما حذف من مبتدإ إسناده واحد فأكثر ولو إلى آخر الإسناد" (4). وفي صحيح البخاري
_____________
1- أخرجه البخاري في بدء الوحي، باب بدون ترجمة، حديث 07.
2- ص 24.
3- نفسه بنفس الصفحة.
4- الفتح، من المقدمة، ص 18.

__________________________________________________________________________
رحمه الله منه كثير، صنف فيه ابن حجر رحمه الله كتابه القيم: "تغليق التعليق"، حيث يقول عنه رحمه
الله: "وقد بسطت ذلك جميعه في مصنف كبير سميته تغليق التعليق ذكرت فيه جميع أحاديثه المرفوعة وآثاره الموقوفة وذكرت من وصلها بأسانيدي إلى المكان المعلق فجاء كتابا حافلا وجامعا كاملا لم يفرده أحد بالتصنيف" (1).
وقد لخص ابن حجر رحمه الله مضمون ذلك الكتاب في مقدمته لفتح الباري في عدة صفحات، ومرتبا على كتب وأبواب صحيح البخاري.
الحديث الخامس:
حديث نزول الوحي الذي ذكره السباعي رحمه الله (2) عن عائشة رضي الله عنها هو حديث طويل جدا في صحيح البخاري رحمه الله، وقد ورد في موضعين:
1- في كتاب بدء الوحي، باب بدون ترجمة، حديث 03.
2- في كتاب التفسير، باب بدون ترجمة، حديث 4953.
الحديث السادس:
قال السباعي رحمه الله:
" ...وفي رواية ابن هشام عن ابن إسحاق...إلخ"(3).
هذه الرواية ذكر بعضها في حديث للبخاري رحمه الله، وهو ما ذكره السباعي رحمه الله نفسه في الفقرة الثالثة من نفس الصفحة، من حديث جابر بن عبدالله الأنصاري.
والحديث في الصحيح، في كتاب بدء الوحي، باب بدون ترجمة، حديث 04.
الحديث السابع:
قال السباعي رحمه الله:
" ...قال الرسول صلى الله عليه وسلم لما مات أبوطالب:(رحمك الله وغفر لك، لاأزال أستغفر لك حتى ينهاني الله)، فاقتدى المسلمون برسولهم يستغفرون لموتاهم المشركين، حتى نزل قول الله تبارك وتعالى:( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) (التوبة:114). فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار لأبي طالب، كما امتنع المسلمون عن الاستغفار لموتاهم" (4).
ما ذكره السباعي رحمه الله هو مضمون حديث أخرجه البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبيه أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم –وعنده أبوجهل- فقال: أي عم، قل لاإله إلا الله كلمة أُحاجُّ لك بها عند الله. فقال أبوجهل وعبدالله بن أبي أمية: يا أبا طالب، ترغب عن ملة عبدالمطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به: على ملة عبدالمطلب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنه. فنزلت: (ما كان للنبيء والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) (التوبة:114)، ونزلت: (إنك لاتهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء) (القصص: 56) (5).
وبنفس اللفظ أخرجه مسلم في الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في النزع...حديث 39.
ملحوظة:
هذا سبب من أسباب أخرى لنزول هذه الآية، وقد اقتصر عليه السباعي رحمه الله وحده.
وهناك أحاديث أخرى تذكر أسبابا أخرى لنزول هذه الآية، ومن ذلك:
____________
1- مقدمة الفتح، ص 21.
2- ص 25.
3- ص 26.
4- ص 33.
5- أخرجه في التفسير، باب قول الله -تعالى-: إنك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء، حديث 4772.
__________________________________________________________

1- أخرج الحاكم وابن أبي حاتم من طريق أيوب بن هانئ عن مسروق عن ابن مسعود قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً إلى المقابر فاتبعناه , فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى , فبكينا لبكائه , فقال : إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي , واستأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي , فأنزل عليَّ : (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين)، وهو حديث ضعيف (1).
2- وأخرج أحمد من حديث أبي بريدة عن أبيه نحوه، وفيه ( نزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب ) ولم يذكر نزول الآية. وللحديث طرق أخرى "يعضد بعضها بعضاً , وفيها دلالة على تأخير نزول الآية عن وفاة أبي طالب..." كما قال ابن حجر رحمه الله (2).
وقال أيضا :
"يحتمل أن يكون نزول الآية تأخر وإن كان سببها تقدم , ويكون لنزولها سببان : متقدم وهو أمر أبي طالب ومتأخر وهو أمر آمنة . ويؤيد تأخير النزول ما تقدم في تفسير براءة من استغفاره صلى الله عليه وسلم للمنافقين حتى نزل النهي عن ذلك ، فإن ذلك يقتضي تأخير النزول وإن تقدم السبب" (3).
3- قال ابن حجر رحمه الله:
"ويؤيد تعدد السبب ما أخرج أحمد من طريق أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي قال : ( سمعت رجلاً يستغفر لوالديه وهما مشركان ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله : ما كان للنبي... الآية ) (4).
وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : وقال المؤمنون ألا نستغفر لآبائنا كما استغفر إبراهيم لأبيه ؟ فنزلت... " (5).
ويذكر السيوطي رحمه الله في الإتقان أنه "كثيرا ما يذكر المفسرون لنزول الآية أسبابا متعددة" (6). ويوضح أحوال ذلك التعدد ومنهجية التعامل معه، ومن ذلك الحال السادس، وهو أن تتعدد أسباب النزول ولايمكن التأكد من نزول الآية عقب تلك الأسباب، "فيحمل على تعدد النزول وعلى تكرره" (7). ويذكر الأحاديث السابقة، وهي أحاديث: البخاري في التفسير، والحاكم وابن أبي حاتم، ثم أحمد في الرجل الذي استغفر لوالديه وهما مشركان، ثم يقول:
"...فيجمع بين هذه الأحاديث بتعدد النزول" (8).
ولاينبغي أن ندع الفرصة تمر، دون أن نشير إلى حكاية "إسلام أبي طالب" في نظر الشيعة، وقد مر طرف من ذلك. لكننا نزيد الأمر توضيحا، خاصة مع الهجوم التبشيري الشيعي على العالم السني هذه الأيام.
إن عمدتنا في القول بعدم إسلام أبي طالب مجموعة من الأحاديث الصحيحة، وقد سبق ذكر بعض
منها. غير أن بعض علماء الشيعة يحاولون جاهدين تضعيفها أو إظهار تناقض مزعوم فيما بينها. وهو أمر مستغرب منهم، خاصة وأن كتبهم المعتبرة – مثل الكافي وغيره – تزخر بالآلاف من الأحاديث
____________
1- أخرجه الحاكم في المستدرك ()، وقال:
2- الفتح 8/652.
3- نفسه بنفس الصفحة.
4- عن علي قال : سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت له: أتستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: أو ليس استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك؟ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت: ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين). أخرجه الترمذي في تفسير القرآن، باب ومن سورة التوبة، حديث 3101، وقال: حديث حسن. وقال الألباني: صحيح.
5- الفتح 8/652.
6- الإتقان، ص 1/94.
7- نفسه، ص 1/98.
8- نفسه بنفس الصفحة.

_____________________________________________________________________
الضعيفة والموضوعة، ومع ذلك يأخذون بها !(1). بل إن تقسيم الحديث إلى صحيح وغيره لم يظهر لديهم إلا في زمن متأخر، "وكان أول من وضع هذا الاصطلاح عندهم هو العلامة الحلي (726 هجرية)، ثم تبعه المتأخرون" (2).
أما حكاية إسلام أبي طالب، فإن الكثير من كتبهم تتفق مع رأي أهل السنة والجماعة في وفاة أبي طالب على الشرك، ومن ذلك ماجاء في "بحار الأنوار" للمجلسي من أقواله :
- "روى كثير من المحدثين أن قوله تعالى:
(مَا كـَانَ لِلنَّبِىّ وَالَّذِينَ ءَامَنـُوا أَن يَسْـتَغْفِـرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلىِ قـُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبـَيـَّـنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَـابُ الْجَحِيـم. وَمَـا كَانَ اسْتِغْـفَـارُ إِبْراَهِيم لأَبِـيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِـدَةٍ وَعَـدَهَا إِيَّاهُ، فَلَمَّا تَبـِيَّـنَ لَـهُ أَنَّـهُ عَـدُوٌّ لّلّهِ تـَبَرَّأَ مِنْهُ)، أنزلت في أبي طالب لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استغـفر له بعـد مـوته" (3).
____________
1- يقولون عن الكافي مثلا:
- " كتاب الكافي...أضبط الأصول وأجمعها، وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية" (المجلسي، مقدمة أصول الكافي، 1/27-28).
- يذكر بعضهم أن هذا الكتاب عُرِض على الإمام المهدي فاستحسنه وقال: "كافٍ لشيعتنا" (نفسه، 1/26).
- "الكافي وهو من أجل كتب الشيعة وأكثرها فائدة" ( المفيد، تصحيح الاعتقاد، ص 27).
- " ...وأحسن ما جمع منها الكتب الأربعة التي هي مرجع الإمامية في أصولهم وفروعهم من الصدر الأول إلى هذا الزمان، وهي الكافي والتهذيب والاستبصار، ومن لايحضره الفقيه ، وهي متواترة ومضامينها مقطوع بصحتها ، والكافي أقـدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها ، وفيه ستة عشر ألف ومئة وتسعة وتسعون حديثا ، وهي أكـثر مما اشتملت عليه الصحاح الستة بأجمعها، كما صرح به الشهيد في الذكرى، وغير واحد من الأعلام" (عبدالحسين شرف الدين الموسوي، المراجعات، المراجعة 110، ص 424).
غير أن من علماء الشيعة من يشكك في صحة الكثير من الأحاديث الموجودة في الكافي، تكفي الإشارة إلى أن المجلسي قد حكم في "مرآة العقول" على ما يقرب من ثلثي الكافي بالضعف، كما أن أحد علماء الشيعة المعاصرين (محمد باقر البهبودي) زاد كثيرا في تضعيفه لروايات الكافي على ما ضعفه المجلسي، وسمى كتابه "صحيح الكافي"( طبع أخيرا في بيروت في ثلاثة أجزاء). وهذان الكتابان –أي: كتابَي المجلسي والبهبودي- كثيرا ما يتناقضان في الحكم على روايات كتاب الكافي. فما يصححه المجلسي هنا يضعفه البهبودي هناك في الغالب. وفي ذلك قال أحد علماء الشيعة: " وإن أقدم الكتب الأربعة زمانا وأنبهها ذكرا وأكثرها شهرة هو كتاب الكافي للشيخ الكليني ، وقد ذكر المحدثون بمدرسة أهل البيت أن فيها خمسة وثمانين وأربعمائة وتسعة آلاف حديث ضعيف من مجموع 16121 حديث ، وإذا رجعت إلى شرح الكافي المسمى بمرآة العقول وجدت مؤلفه المجلسي - أحد كبار علماء الحديث - يذكر لك في تقييمه أحاديث الكافي ضعف ما يراه منها ضعيفا ، وصحة ما يرى منها صحيحا ، ووثاقة ما يرى منها موثقا أو قويا باصطلاح أهل البيت. وقد ألف أحد الباحثين في عصرنا "صحيح الكافي" اعتبر من مجموع 16121 حديثا من أحاديث الكافي 3328 حديثا صحيحا وترك 11693 حديثا منها لم يرها حسب اجتهاده صحيحة " (معالم المدرستين - السيد مرتضى العسكري ج 3 ص 282) .
2- توثيق السنة بين الشيعة الإمامية وأهل السنة في أحكام الإمامة ونكاح المتعة، أحمد حارس سحيمي، ص 328.
3- بحار الأنوار (35 / 155).
________________________________________________________________

- "ورووا أن قوله تعالى:( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) نزلت في أبي طالب" (1) .
- " ورووا أن علياً(ع) جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد موت أبي طالب فقال له: إن
عمك الضال قد قضى فما الذي تأمرني فيه ؟ واحتجوا به لم ينقل أحد عنه أنه رآه يصلي، والصلاة هي المفرقة بين المسلم والكافر، وأن علياً وجعفرا لم يأخذا من تركته شيئا" (2) .
- "ورروا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إن الله قد وعدني بتخفيف عذابه لما صنع في حقي، وإنه في ضحضاح من نار"(3) .
- "ورووا عنه أيضاً أنه قيل له: لو استغفرت لأبيك وأمك فقال: لو استغفرت لهما لاستغفرت لأبي طالب فإنه صنع إليّ ما لم يصنعا ،و أن عبد الله وآمنة وأبا طالب في حجرة من حجرات جهنم" (4) .
وقد قدم المجلسي لما سبق بقوله: " قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: اختلف الناس في إسلام أبي طالب فقال الإمامية والزيدية: ما مات إلا مسلماً، وقال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك منهم : الشيخ أبو القاسم البلخي وأبو جعفر الإسكافي وغيرهما، وقال أكثر الناس من أهل الحديث والعامة ومن شيوخنا البصريين وغيرهم: مات على دين قومه ويروون في ذلك حديثاً مشهوراً : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عند موته: قل يا عم كلمة أشهد لك بها غداً عند الله تعالى، فقال: لولا أن تقول العرب أن أبا طالب جزع عند الموت لأقررت بها عينك، وروي إنه قال: أنا على دين الأشياخ ! وقيل: إنه قال: أنا على دين عبد المطلب وقيل غير ذلك " (5).
الحديث الثامن:
ذكر السباعي رحمه الله حديث غيرة عائشة من خديجة رضي الله عنهما، فقال: "روى البخاري عنها رضي الله عنها أنها قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكْثِر ذِكْرَها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق – صديقات – خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول: إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد (6).
هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم، ولفظ البخاري في مناقب الأنصار، باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها، حديث 3818. أما لفظ مسلم فهو في فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، حديث 74.
الحديث التاسع:
قال السباعي رحمه الله، وهو يتكلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه وهما في طريقهما في الهجرة: "خرجا من الغار مع دليلهما، وأخذا طريق السواحل –ساحل البحر الأحمر- وقطعا مسافة بعيدة أدركهما من بعدها سراقة، فلما اقترب منهما، ساخت قوائم فرسه في الرمل فلم تقدر على السير، وحاول ثلاث مرات أن يحملهما على السير جهة الرسول صلى الله عليه وسلم فتأبى، عندئذ
_________________
1و2و3و4و5- نفسه بنفس الجزء والصفحة.
6- السيرة النبوية للسباعي، ص 33.
________________________________________________________________
أيقن أنه أمام رسول كريم..." (1). وهذا مضمون حديث أخرجه:
1- البخاري رحمه الله قال: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ ـ وَهْوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ ـ أَنَّ أَبَاهُ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ، سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ، يَقُولُ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ ـ أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ‏.‏ قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلاَنًا وَفُلاَنًا انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا‏.‏ ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وَهْىَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَىَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تُقَرَّبُ بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ، فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلاَمَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لا،َ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَعَصَيْتُ الأَزْلاَمَ، تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ لاَ يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الاِلْتِفَاتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً، إِذَا لأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلاَمِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالأَمَانِ فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ‏.‏ وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمِ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي وَلَمْ يَسْأَلاَنِي إِلاَّ أَنْ قَالَ أَخْفِ عَنَّا‏.‏ فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم(2).
2- مسلم عن البراء قال: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة فأتبعه سراقة بن مالك بن جعشم‏.‏ قال: فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فساخت فرسه‏.‏ فقال‏:‏ ادع الله لي ولا أضرك‏.‏ قال فدعا الله‏.‏ قال : فعطش رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فمروا براعي غنم‏.‏ قال أبو بكر الصديق‏:‏ فأخذت قدحا فحلبت فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كثبة من لبن‏.‏ فأتيته به فشرب حتى رضيت (3)‏.
الحديث العاشر:
ذكر السباعي رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب منه سراقة بن مالك، لما أيقن أنه أمام رسول كريم، "أن يعده إن نصره، فوعده بسواري كسرى يلبسهما، ثم عاد سراقة إلى مكة "(4), ثم قال السباعي رحمه الله بعد ذلك:" وفي وعد الرسول صلى الله عليه وسلم لسراقة بسواري كسرى معجزة أخرى، فالإنسان الذي يبدو هاربا من وجه قومه لايؤمل في فتح فارس والاستيلاء على كنوز كسرى، إلا أن يكون نبيا مرسلا. ولقد تحقق وعد الرسول صلى الله عليه وسلم له، وطالب سراقة عمر بن الخطاب
_______________
1- نفسه، ص 38.
2- أخرجه في مناقب الأنصار، باب هِجْرَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، حديث 3906. ‏
3- أخرجه في الأشربة، باب جواز شرب اللبن، حديث 91.
4- السيرة النبوية للسباعي، ص 38.
________________________________________________________________
بإنفاذ وعد الرسول صلى الله عليه وسلم له حين رأى سواري كسرى في الغنائم، فألبسهما عمر سراقة
على ملإ من الصحابة وقال: الحمد لله الذي سلب كسرى سواريه، وألبسهما سراقة بن جعشم الأعرابي"(1).
لكن الشيخ عبدالرحمن الوكيل رحمه الله علق، في "الروض الأنف"، على القصة بما يلي:
"...وقصة سراقة في البخاري، ولكن ليس في روايته مسألة السوارين، وإنما فيها أنه قال بعد أن حدث لفرسه ما حدث والتقى برسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني، ولم يسألاني إلا أن قال: اخف عنا. فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة، فكتب في رقعة من أديم" (2).
والحديث المذكور موجود في الصحيح،وقد مر ذكره قريبا من حديث الزهري عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ.
غير أن المؤرخين ذكروا صنيع عمر رضي الله عنه مع سراقة، وممن ذكر ذلك ابك كثير رحمه الله في "البداية والنهاية"، إذ قال :
"...وقد روى أبو داود، عن محمد بن عبيد، عن حماد، عن يونس، عن الحسن‏:‏ أن عمر بن الخطاب، ورُوِينا من طريق أخرى، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما جيء بفروة كسرى وسيفه ومنطقته وتاجه وسواريه، ألبس ذلك كله لسراقة بن مالك بن جعشم، وقال‏:‏ قل‏:‏ الحمد لله الذي ألبس ثياب كسرى لرجل أعرابي من البادية‏.‏
قال الشافعي ‏:‏ وإنما ألبسه ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسراقة‏ ، ‏ونظر إلى ذراعيه: " كأني بك قد لبست سواري كسرى‏" (3).
وقد أخرجه من المحدثين البيهقي رحمه الله في "دلائل النبوة" (4).
الحديث الحادي عشر:
دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: "اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تهلك هذه العصابة لاتعبد في الأرض" (5).
_____________
1- نفسه، ص 44.
2- الروض الأنف للإمام السهيلي، ص 4/218، من كلام المحقق الشيخ عبدالرحمن الوكيل، هامش 2.
3- البداية والنهاية، ص 9/143-144.
4- ص 6/325.
5- السيرة النبوية للسباعي، ص 50.
________________________________________________________________
هذا الدعاء موجود في صحيح مسلم، كتاب الجهاد، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، حديث 58، وهو من رواية عمر رضي الله عنه، في حديث طويل فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يهتف: " اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض".
الحديث الثاني عشر:
حديث ترغيب المسلمين في الشهادة في غزوة بدر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول لهم: "والذي نفسي بيده، لايقاتلهم اليوم رجل، فيقتل صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة"(1).
هذا الحديث في صحيح مسلم لكن بلفظ آخر، وذلك عن عبدالله بن أبي قتادة، عن أبي قتادة؛
أنه سمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قام فيهم فذكر لهم ‏(‏أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال‏)‏ فقام رجل فقال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي‏؟‏ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏نعم‏.‏ إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر‏)‏ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏كيف قلت‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏نعم‏.‏ وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر‏.‏ إلا الدين‏.‏ فإن جبريل عليه السلام، قال لي ذلك‏) (2)‏‏.‏
وبنحوه أخرجه:
- مالك في الموطإ، كتاب الجهاد، باب الشهداء في سبيل الله، حديث 31.
- أحمد في 2/308-330 و3/352 و5/297- 304 – 308.
- الترمذي في الجهاد، باب ما جاء فيمن يستشهد وعليه دين، حديث 1712، وقال: "حسن صحيح". وذكر للألباني أيضا أنه صحيح.
- النسائي في الجهاد، باب من قاتل في سبيل الله تعالى وعليه دين، حديث 3155. وذكر الألباني رحمه الله عقبه أنه حسن صحيح.
الحديث الثالث عشر:
قوله صلى الله عليه وسلم للرماة: " احموا ظهورنا لايأتونا من خلفنا، وارشقوهم بالنبل، فإن الخيل لاتقوم على النبل، إنا لانزال غالبين ماثبتم في مكانكم، اللهم إني أشهدك عليهم". وقال لهم في رواية أخرى: "إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلاتبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم أو ظاهرناهم وهم قتلى، فلاتبرحوا مكانكم حتى أرسل إليكم" (3).
__________
1- نفسه، ص 50.
2- أخرجه في الإمارة، باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه، إلا الدين، حديث 117.
3- السيرة النبوية للسباعي، ص 52.
__________________________________________________________
هذا الحديث أخرجه البخاري بنحوه، وفيه قول البراء: " لقينا المشركين يومئذ، وأجلس النبي صلى الله عليه وسلم جيشا من الرماة، وأمّر عليهم عبدالله وقال: لاتبرحوا، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلاتبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا" (1).
وأخرج أحمد عن البراء بن عازب في حديث طويل أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم: " إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلاتبرحوا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا ظهرنا على العدو وأوطأناهم فلاتبرحوا حتى أرسل إليكم" (2).
وأخرج أيضا عن ابن عباس في حديث طويل أنه صلى الله عليه وسلم قال للرماة: " احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلاتنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا، فلاتشركونا" (3).
الحديث الرابع عشر:
قال السباعي رحمه الله:
"وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع يوم الخندق ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل وقد عصب رأسه الغبار فقال: وضعت السلاح، والله ماوضعته، اخرج إليهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فأين؟ فأشار إلى بني قريظة.." (4).
وفي صحيح البخاري:
عن عائشة - رَضيَ اللهُ عَنْها - قالت: فلما رجع رسول الله - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - من الخندق وضع السلاح واغتسل، فأتاه جبريل - عليه السلام – وهو ينفض رأسه من الغبار، فقال: قد وضعت السلاح؟ والله ما وضعته، اخرج إليهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأين؟) قال: فأشار إلى بني قريظة..."(5).
الحديث الخامس عشر:
حديث ذُكِر بالمعنى، إذ قال السباعي رحمه الله: "أمر الرسول صلى الله عليه وسلم من ينادي في
___________
1- كتاب المغازي، باب غزوة أحد، حديث 4043.
2- أحمد في (4/293).
3- احمد (1/287).
4- السيرة النبوية للسباعي، ص 56.
5- البخاري في المغازي - باب مرجع النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم، حديث 4122.
والحديث أيضا في مسلم في الجهاد، باب جواز قتال من نقض العهد... حديث 64.
وبنحوه رواه أحمد (6/56).
__________________________________________________________
الناس بأن لايصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" (1). هذا الحديث في صحيح البخاري عن نافع عن ابن عمر قال: قال النبي لنا لما رجع من الأحزاب لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك. فذكر للنبي فلم يعنف واحدا منهم (2).
الحديث السادس عشر:
حديث: لما أشرف النبي صلى الله عليه وسلم " على خيبر قال لأصحابه: قفوا، ثم عاد فقال: اللهم رب السموات وما أظللن ، ورب الأرضين وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ، وخير ما فيها ، ونعوذ بك من شرها ، وشر أهلها ، وشر ما فيها، أقدموا باسم الله"(3)، هذا الحديث مذكور في مستدرك الحاكم (1/446) في المناسك، باب: الدعاء عند رؤية قرية يريد دخولها، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في الذيل.
الحديث السابع عشر:
قال السباعي رحمه الله وهو يتكلم عما حدث في غزوة حنين: "وفر أهل مكة والمسلمون الجدد، وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتا على بغلته يقول: أنا النبي لاكذب، أنا ابن عبدالمطلب" (4).
وقد أخرج البخاري رحمه الله عَنِ الْبَرَاءِ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عُمَارَةَ، وَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ لاَ، وَاللَّهِ مَا وَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنْ وَلَّى سَرَعَانُ النَّاسِ، فَلَقِيَهُمْ هَوَازِنُ بِالنَّبْلِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِهَا، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏ أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ‏"‏(5).
الحديث الثامن عشر:
قال السباعي رحمه الله: "أُثِر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب قوله لعروة بن مسعود: الحرب خدعة" (6). هذا الحديث أخرجه البخاري عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ـ رضى الله عنهما ـ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الْحَرْبُ خُدْعَةٌ ‏"(7)‏‏.‏
____________
1- السيرة النبوية للسباعي، ص 56.
2- أخرجه في كتاب الخوف، باب صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماءا، حديث 946. وأخرجه مسلم بنحوه في الجهاد، باب المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين المتعارضين، حديث 69.
3- السيرة النبوية، ص 59.
4- نفسه، ص 63.
5- البخاري في الجهاد والسير، باب بَغْلَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْبَيْضَاء، حديث 2874.
6- السيرة النبوية، ص 74.
7- كتاب الجهاد والسير، باب الْحَرْبُ خَدْعَة، حديث 3030.
__________________________________________________________
وقال ابن حجر رحمه الله: " (تكميل): ذكر الواقدي أن أول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الْحَرْبُ خُدْعَةٌ ‏" في غزوة الخندق "(1)‏‏.‏
وتصدير حديث في صحيح البخاري رحمه الله بكلمة "أُثِرَ" –بصيغة التمريض- غير دقيق. قال ابن الصلاح رحمه الله: "إذا أردت رواية الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه‏:‏ قال رسول الله كذا وكذا، وما أشبه هذا من الألفاظ الجازمة بأنه قال ذلك‏.‏ وإنما تقول فيه‏:‏ روي عن رسول الله كذا وكذا، أو‏:‏ بلغنا عنه كذا وكذا، أو ورد عنه، أو‏:‏ جاء عنه، أو‏:‏ روى بعضهم، وما أشبه ذلك‏.‏ وهكذا الحكم فيما تشك في صحته وضعفه، وإنما تقول‏:‏ ‏‏قال رسول الله ‏‏ فيما ظهر لك صحته"(2).
الحديث التاسع عشر:
استعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية عدة أدرع، فقال له صفوان: "أغصبا يامحمد؟ فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم: بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك" (3).
هذا الحديث أخرجه أبوداود عن أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه : [أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه أدراعا يوم حنين فقال أغصب يا محمد ؟ فقال : " لا بل عارية مضمونة"](4).
وقد ذكر الشيخ الألباني رحمه الله عدة طرق لهذا الحديث، وصححه بمجموعها، فقال: "وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع هذه الطرق الثلاث..." (5).
الحديث العشرون:
قال السباعي رحمه الله: " وفي قول بعض المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهم في طريقهم إلى المعركة: يارسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، وفي جواب الرسول صلى الله عليه وسلم لهم: قلتم والذي نفس محمد بيده كما قال قوم موسى لموسى: (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال إنكم قوم تجهلون)، إنها السنن، لتركبن سنن من كان قبلكم " (6).
هذا الحديث أخرجه الترمذي عن أبي واقد الليثي أن رسول الله لما خرج إلى خيبر مر بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم فقالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم
____________
1- الفتح 6/195.
2- معرفة علوم الحديث لابن الصلاح، ص 83/84.
3- السيرة النبوية، ص 80.
4- أخرجه في البيوع، باب في تضمين العارية، حديث 3562. وقال الألباني: "صحيح".
وأخرجه ايضا:
- الحاكم في المستدرك (3/48-49) في المغازي، باب ذكر غزوة حنين، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في الذيل.
- أحمد (3/401) و(6/365).
- البيهقي في الكبرى (6/89) في العارية، باب العارية المضمونة.
5- الألباني رحمه الله، إرواء الغليل، ص 5/346.
6- السيرة النبوية، ص 81.
__________________________________________________________
ذات أنواط فقال النبي: سبحان الله، هذا كما قال قوم موسى أجعل لنا إلها كما لهم آلهة . والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم (1).
الحديث الواحد والعشرون:
قال السباعي رحمه الله: "...وفي هذه المعركة –أي حنين- مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة وقد قتلها خالد بن الوليد، والناس متقصفون (مزدحمون) عليها فقال: ماهذا؟ قالوا: امرأة قتلها خالد بن الوليد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض من معه: أدرك خالدا فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا" (2).
وفي الباب:
أخرج البخاري عن نافع: أن عبد الله رضي الله عنه أخبره:
أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان (3).
وأخرج أيضا عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
وُجِدَتِ امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان (4).
وأخرج أبوداود عن رباح بن الربيع – رضى الله عنه – قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فى غزوة فرأى الناس مجتمعين على شىء فبعث رجلاً فقال : أنظر علام اجتمع هؤلاء ؟ فقال : على امرأة قتيل . فقال : ما كانت هذه لتقاتل . قال : وعلى المقدمة خالد بن الوليد قال : فبعث رجلاً فقال: قل لخالد : لا يقتلن امرأة ولا عسيفاً (5).
وعند ابن ماجة عن حنظلة الكاتب، قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمررنا على امرأة مقتولة قد اجتمع عليها الناسُ، فأفرجوا له، فقال:" ما كانت هذه تُقاتِلُ فيمن يُقاتِلُ "، ثم قال لرجل:" انطلق إلى خالدِ بن الوليد، فقل له: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يأمرُك، يقول: لا تقتلَ ذُرِّيَّةً ولا عَسِيفاً (6).
_______________
1- أخرجه في الفتن، باب ماجاء لتركبن سنن من كان قبلكم، حديث 2180، وقال الترمذي:" حسن صحيح".
وهو في أحمد 5/218 بطريقين، عن أبي واقد الليثي.
2- السيرة النبوية، ص 86.
3- أخرجه في الجهاد والسير، باب: قتل الصبيان في الحرب، حديث 3014.
4- أخرجه في الجهاد والسير، باب: قتل النساء في الحرب، حديث 3015.
5- أخرجه في الجهاد، باب في قتل النساء، حديث 2669. وقال الألباني: "حسن صحيح".
6- أخرجه في الجهاد، باب الغارة والبيات وقتل النساء والصبيان، حديث 2842. وقال الألباني: "حسن صحيح".
________________________________________________________________
الحديث الثاني والعشرون:
قال السباعي رحمه الله: "...ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت الحرام يوم فتح مكة، رأى صور الملائكة وغيرهم، فرأى إبراهيم عليه السلام مصورا في يده الأزلام يستقسم بها، فقال: قاتلهم الله، جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام ! ما شأن إبراهيم والأزلام؟ (ما كان إبراهيم يهوديا ولانصرانيا ، ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين)، ثم أمر بتلك الصور كلها فطمست "(1).
هذا الحديث أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة، أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت، فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما من الأزلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قاتلهم الله، لقد علموا: ما استقسما بها قط). ثم دخل البيت، فكبر في نواحي البيت، وخرج ولم يصل فيه (2).
وأخرج أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت ورأى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بأيديهما الأزلام فقال قاتلهم الله والله إن استقسما بالأزلام قط (3).
الحديث الثالث والعشرون:
قال السباعي رحمه الله: "...قال ابن عباس: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح على راحلته، فطاف عليها، وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يشير بقضيب في يده إلى الأصنام ويقول: (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) (الإسراء:81)، فما أشار إلى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه، ولا أشار إلى قفاه إلا وقع لوجهه، حتى ما بقي منها صنم إلا وقع" (4).
ورد هذا الحديث في صحيح البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود ـ رضى الله عنه ـ قَالَ دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلاَثُمِائَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ ‏"‏ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ، جَاءَ الْحَقُّ، وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ‏"(5).
قال ابن حجر في الفتح: "وفي حديث ابن عمر عند الفاكهي وصححه ابن حبان ‏"‏ فيسقط الصنم ولا يمسه‏"‏، وللفاكهي والطبراني من حديث ابن عباس ‏"‏ فلم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه، مع أنها كانت ثابتة بالأرض، وقد شـد لهم إبليس أقدامها بالرصاص ‏"‏ (6).
وفي مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ين مسعود، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلاَثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ كَانَ بِيَدِهِ وَيَقُولُ: ‏(‏ ‏جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا‏)‏، (جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ‏) (7).
_____________
1- السيرة النبوية، ص 96.
2- أخرجه في المغازي، باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، حديث 4288.
3- كتاب أحاديث الأنبياء ، باب قول الله تعالى (واتخذ الله إبراهيم خليلا)، حديث 3352.
4- السيرة النبوية، ص 96.
5- أخرجه في المغازي، باب باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، حديث 4287.
¬6- ص 8/20.
7- كتاب الجهاد والسير، باب إزالة الأصنام من حول الكعبة، حديث 87.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !