نظام بن علي لا يتجمل بل يكذب.. ..على نفسه وعلى العالم:
لا تحتمل صوت بن بريك وتستضيف مؤتمرا دوليا عن الشباب!
ممدوح الشيخ
"عندما أدركت أن تونس ليست بلد الحرية".. صدر في فرنسا قبيل الانتخابات الرئاسية فأغلقت السلطات جامعة الحرة
هيومان رايتس ووتش: النظام يستخدم تهمة الإرهاب والتطرف الديني لقمع المعارضين السلميين ويستخدم التعذيب
السلطات ترفض لعشر سنوات منح الاعتراف القانوني لكل منظمة حقوق الإنسان مستقلة بالفعل
هدايا بن علي للنشطاء الحقوقيين: رقابة مشددة..حظر سفر تعسفي..فصل من العمل..انقطاع الهاتف ..اعتداءات جسدية، و.. .. وحملات تشهير بالصحافة
فرنسا تنتقد وأميركا قلقة والاتحاد الأوروبي يندد... وبن علي فخور بحالة الحريات في تونس!!
مشهد عبثي مشهد العاصمة التونسية، فبينما تشهد احتقانا ديموقراطيا وقمعا يتعاظم بمعدل أعلة بكثير من معدلات النمو التي تتباهى بها وتسوقها عالميا بإعلانات مدفوعة الأجر، تشهد ممارسات ضد المعرضين السياسيين والحركة النقابية والإعلام الورقي والإليكتروني و ......
وهي تتجمل أمام الخارج الذي لم يعد يكتفي بالصمت على ممارستها إذ تتوالى التقارير الحقوقية التي تدين واقع الحريات فيها بشكل دائم. ومؤخرا كانت تونس على موعد مع واحدة من مفارقات هذا الوضع العجيب عندما شهدت مؤتمرا دوليا عن قضايا الشباب بينما تواصل التنكيل بالكاتب المعروف بمواقفه المعارضة توفيق بن بريك.
منتدى المستقبل بعاصمة القمع
المؤتمر الدولي كان موضوعه ضرورة دعم الشباب عبر التعاون بين الشمال وبين الاتحاد الأوروبي والعالمين العربي والإسلامي، وحسب البيان الختامي لـ "المنتدى الدولي حول الشباب والمستقبل" فإن من الضروري "دعم البناء المعرفي للشباب وتطوير مؤهلاتهم ومهاراتهم التخصصية والحياتية وتنمية كفاياتهم وقدراتهم على التدبـير المسـتقل والتصرف الرشيد والحل الناجع للمشكلات". وأكد المشاركون في الحدث "أن الأمم بشبابها والعالم بشبابه وأن الشباب إشراقة حاضر الأمة وأمل مستقبلها". والندوة نظمتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم واتحاد المغرب العربي.
وفي كلمته الافتتاحية قال الرئيس بن علي "إن هذه المبادرة وما سبقها من عديد المبادرات التي حظيت بإجماع أممي تهدف إلى خدمة قضايا التربية والصحة والتضامن والتنمية والسلام في العالم باعتبارها قواسم مشتركة تجمع بين البشر كافة وتحفز وازع الخير لدى الرأي العام العالمي لترسيخ هذه الفضائل في العلاقات الدولية". وبهذه العبارات البراقة لم يفلح ديكتاتور تونس في إخفاء التجاعيد التي أصبحت تشوه وجه النظام.
معاقبة جامعة
وبينما الإعلام الرسمي التونسي يهلل كالمعتاد للمؤتمر وحصيلته الوفيرة كانت السلطات التونسية تتخذ قرارا بإغلاق جامعة الحرة بسبب كتاب لمديرها ينتقد فيه النظام السياسي الحاكم، والحرة واحدة من أقدم الجامعات إذ تأسست عام 1973 وتستقبل 1500 طالب معظمهم من دول فرنكفونية. مدير جامعة الحرة وهو فرنسي تونسي قال إن إغلاقها يعتبر ردا من السلطة في تونس على كتاب نشره مؤخرا ينتقد فيه النظام. وقد تلقت الجامعة إشعارا من وزير التعليم العالي يقضي بغلقها "نظرا إلى المخالفات الإدارية والبيداغوجية التي تم رصدها في أداء هذه المؤسسة"!!.
الكتاب الذي تسبب بإغلاق الجامعة "عندما أدركت أن تونس ليست بلد الحرية" وصدر في فرنسا قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها بن علي، وفيه ينتقد السياسة الحكومية التونسية.
صفعة هيومان رايتس ووتش
وبالتزامن مع قرار غلق الجامعة جاء صدور التقرير السنوي لمنظمة هيمان رايتس ووتش حاملا صفعة أخرى لنظام بن علي، فالتقرير يؤكد أن النظام يستخدم تهمة الإرهاب والتطرف الديني لقمع المعارضين السلميين وهناك تقارير مستمرة وموثوقة عن اللجوء للتعذيب وسوء المعاملة للحصول على اعترافات من المحتجزين المشتبه بهم.
وعن الانتخابات الرئاسية قال التقرير إنها تمت في ظل قوانين تهدف لاستبعاد المعارضين صراحة، فضلا عن أعمال الترهيب والرقابة ضد أولئك الذين سمح لهم بمنافسة الرئيس وهو ما تلاه إجراءات منعت التصويت من أن يكون حرا ونزيها.
ومن الوقائع الواردة بالتقرير أن محامية حقوق الإنسان راضية نصراوي وزوجها حمة الهمامي، رئيس حزب العمال الشيوعي التونسي المحظور تعرضا للاعتداء في 29 سبتمبر/ أيلول من قبل رجال شرطة في زي مدني بمطار قرطاج في تونس والهمامي قد عاد لتوه من باريس، حيث أجرى مقابلة مع قناة
الجزيرة، اتهم فيها الحكومة التونسية بالقمع وانتهاك حقوق الإنسان، ودعا لمقاطعة الانتخابات.
وعن الأوضاع العامة للمدافعين عن حقوق الإنسان قال التقرير إن السلطات رفضت منح الاعتراف القانوني لكل منظمة حقوق الإنسان مستقلة حقاً تقدمت بطلب على مدى العقد الماضي. ويخضع المدافعون عن حقوق الإنسان والمعارضون لرقابة مشددة، وحظر سفر تعسفي، فضلا عن الفصل من العمل، وانقطاع في الخدمة الهاتفية، والاعتداءات الجسدية، ومضايقة الأقارب، وأفعال التخريب والسرقة المشبوهة، وحملات التشهير في الصحافة.
أما أعضاء الرابطة الدولية لدعم السجناء السياسيين، غير المعترف بها، فهم أهداف عادية لمضايقات قوات الأمن. وفي أبريل/ نيسان 2009 تحدثت هيومن رايتس ووتش مع السجناء السياسيين السابقين في اجتماعات نظمتها الرابطة الدولية لدعم السجناء السياسيين، فراقب رجال شرطة في زي مدني عن كثب باحثي من هيومن رايتس ووتش والأشخاص الذين تمت مقابلتهم، وأوقفوا بعض هؤلاء للتحقق من هوياتهم وسؤالهم عن الاجتماعات.
محنة الحقوقيين
وفي 15 سبتمبر/ أيلول، اعتقلت الشرطة تسع ساعات المدافع عن حقوق الإنسان السجين السياسي السابق عبد الله الزواري في حاسي جربي. وقال الزواري إنهم حققوا معه حول عمله الإعلامي والحقوقي في السنوات السبع الماضية، وهددوه إذا لم يكف عن انتقاد الحكومة. وقبل أسابيع كان الزواري قد أتم 7 سنوات من الإقامة الجبرية، بعد السجن، في قرية نائية بعيدة عن منزله في تونس الكبرى، وضمن ذلك عامين فرضتها السلطات بأمر شفوي (دون أن توفر أساسا قانونيا) في ختام العقوبة الأصلية بخمس سنوات من "الرقابة الإدارية".
ورغم أن دستور تونس ينص على استقلال القضاء، فإن السلطة التنفيذية تؤثر تأثيرا قويا في عمل القضاء عموما وفي القضايا ذات الطابع السياسي، تفشل المحاكم في ضمان محاكمات عادلة للمتهمين. والادعاء العام والقضاة عادة ما يغضون الطرف عن مزاعم التعذيب، حتى عندما يطلب محامو الدفاع رسميا إجراء تحقيق. فالقضاة يدينون المتهمين فقط أو في الغالب على أساس اعترافات انتزعت قسرا، أو بناء على شهادة الشهود الذين لا يملك المتهم فرصة مواجهتهم في المحكمة.
ويسمح القانون التونسي للقضاة بالحكم على المتهمين بعقوبتي السجن والرقابة الإدارية بعد انتهاء مدة السجن والسلطات تعرض السجناء السابقين المدانين بالاشتباه في انتمائهم للحركات الإسلامية لمجموعة متنوعة من القيود التي تتجاوز ما يسمح به القانون مثل إعطائهم تعليمات شفهية للحضور بصورة منتظمة إلى مراكز الشرطة، وحرمانهم من جوازات السفر من دون مبرر مكتوب، والضغط على أرباب العمل للامتناع عن توظيفهم.
فرنسا تنتقد
وندد التقرير تنديدا شديدا بواقع الحريات الإعلامية، فلا يوجد من بين المطبوعات ووسائل الإعلام المحلية ما يُقدم تغطية نقدية لسياسات الحكومة، باستثناء عدد قليل وتقوم الحكومة بحظر الوصول إلى مواقع الإنترنت السياسية أو الحقوقية المحلية والدولية التي تتميز بالتغطية الصحفية المنتقدة لتونس. وفي 15 أغسطس/آب، 2009، قام صحفيون مؤيدون للحكومة بفصل مكتب النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، والاستعاضة عنه بآخر جديد يسيطر عليها أعضاء موالون للحكومة. وجاء هذا الإجراء عقب حملة لتشويه سمعة المكتب السابق ورئيسه المنتخب ديمقراطيا، بعد ما أصدرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في مايو/ أيار تقريرا ينتقد قمع الحكومة لوسائل الإعلام.
ويرصد التقرير أنه رغم أن فرنسا الشريك التجاري الأول لتونس ورابع أكبر مستثمر أجنبي فإن أقر وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أقر بأن هناك انتهاكات لحقوق الإنسان في تونس، وأن صحفيين يتعرضون للمضايقة، وأحيانا السجن، واصفا ما يحدث بأنه "سياسة عامة صارمة. وردا على موجة الاعتقالات التي تلت الانتخابات، أعلن برنار فاليرو المتحدث باسم الخارجية الفرنسية أن فرنسا تشعر بالقلق إزاء الصعوبات التي يواجهها الصحفيون والمدافعون عن حقوق الإنسان في تونس. وبينما أكثر من 80 % من التجارة الخارجية التونسية تتم مع أوروبا ينتقد أحياناً مسؤولون بالاتحاد الأوروبي السجل الحقوقي التونسي وفي 3 يوليو/ تموز 2009، انتقدت بنيتا فيريرو فالدنر عن لجنة العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي تونس لإغلاق إذاعة كلمة. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية في 26 أكتوبر/ تشرين الأول إن أميركا تشعر "بالقلق الشديد" حيال الانتخابات التونسية.
برن بريك الرمز
وقد تحول ملف الصحافي المعارض توفيق بن بريك إلى نموذج للفشل الذريع الذي تواجهه الديبلوماسية التونسية، في مسعاها لتصوير تونس تجربة تقدمية وفي الوقت نفسه الصمت العاجز إزاء الإدانات المتكررة لما يمارس بحق بن بريك الذي فشلت تونس في احتمال انتقاداته!!
وقد مثل بن بريك أمام القضاء مجددا ليصف مثوله أمام قضاء بلاده بأنه "محاكمة سياسية" في وكان بن بريك قد حكم عليه بالسجن 6 أشهر من قبل محكمة ابتدائية في تشرين الثاني/ نوفمبر. وأكد بن بريك خلال محاكمته ابتدائيا أنه وقع "ضحية شرك" نصب له من الشرطة السياسية على حد قوله وذلك بسبب كتاباته التي ينتقد فيها النظام التونسي. وأدين بتهم "أعمال عنف والإساءة علنا للأخلاق الحميدة والإضرار المتعمد بأملاك الغير". وقد أثارت محاكمة بن بريك التي اعتبرت على نحو واسع محاكمة رأي" بسبب مقالاته في الصحف الفرنسية التي انتقد فيها الرئيس بن علي، ما سبب توترا دبلوماسيا بين تونس وباريس. وسبقت المحاكمة حملة للإفراج عن بن بريك في فرنسا والبرلمان الأوروبي.
التعليقات (0)