ما أجمل أن تملك طائرة وأن تسافر بها أينما تريد وقتما تريد لا حجوزات للسفر لا مواعيد أنت مرغم عليها تتحكم بك الشركات كما تشاء، فما بالك بقول لا يوجد أماكن شاغرة ... إنها مشكلة نعاني منها وكل من يسافر كثيراً من أجل العمل ومن لديه مواعييد محددة ... على العموم ليس هذا موضوعنا الآن.
في يوم من الأيام وفي ثمانينات القرن المنصرم أحببت القيام بزيارة لشقيقي الذي اصرَّ أن يُقيم في لبنان بعدما تعرض لكثير من المضايقات من قبل شريكه في العمل الذي أسسه في دولة الكويت، كان لبنان في تلك الفترة الحرجة من تاريخه يمر بحرب طاحنة بين الفرقاء المتنازعين على إدارته من الطوائف والإثنيات المختلفة وكانت بيروت وقتها مقسمة إلى غربية يعيش بها المسلمون وشرقية يعيش بها المسيحيون، بالنسبة لي كلبناني كنت كغيري من اللبنانيين نحاول السفر على متن الخطوط الجوية اللبنانية المسماة بالميدل إيست لأسباب ليس من ضمنها جودة الخدمة لا ولكن لمساعدة هذه الشركة الوطنية في البقاء على قيد الحياة وايضاً لتوفر الوقت الملائم والأماكن الشاغرة بها دائماً ... ففي تلك الرحلة على سبيل المثال كان هناك سبعة مسافرين على متنها ومنهم أنا مع العلم أن عددنا يساوي تقريباً عدد الموظفين على هذه الطائرة، لذا فكان من المسموح لنا أن نجلس في الدرجة الأولى بل نفترش أرض الطائرة للعب الطرنيب والليخة بعدما تبين لنا أن هناك من يحمل في جيبه أوراق اللعب الورقية المُسماة الشدّة في بلاد الشام.
لست من هواة لعب الورق لذا فلم أكن مشاركاً بها لكنني كنت من المشجعين لأحد الفريقين اللآعبين في هذه الرحلة وبينما نحن في هذه المتعة الزائلة ومن حولنا أطباق الطعام وما يجانبها من المشروبات كالعصير والقهوة والشاي لمحت أحد المسافرين معنا وهو جالس على كرسيه لا يُشاركنا فيما نقوم به، لذا توجهت إليه بالحديث متسائلاً عما به بعدما جلست قربه فأخبرني أنه فلسطيني من شمال لبنان مقيم في مخيم النهر البارد، يعمل في دولة الكويت وأن أمه مريضة وهو بحاجة لزيارتها إذ يبدو أنها تنازع النزاع الأخير لذا فإن إخوته طلبوا منه تفقدها بعدما أخبرتهم أنها تود رؤيته قبل أن تودع الحياة، تبادلت الكثير من الأحاديث معه وطلبت منه مرافقتي إلى طرابلس بما أن هناك سيارة ستكون بإنتظاري وبما أن الحصول على سيارة متوجهة إلى طرابلس كان عسيراً وشاقاً تلك الأيام وخاصة في الليالي لذا فقد وافق بسرعة لكنني لاحظت الوجوم وبعض الخوف على سحنته مترافقاً ببعض القلق ... أخبرني بأنه خائف من أن يُقبض عليه في المطار بعدما أصررت عليه في السؤال عما هو قلق من أجله، لذا كان من الطبيعي أن اسأله لما يقبض عليك؟ ما السبب ؟ نظر إليَّ مطولاً وقال لي أنه فلسطيني فضحكتُ قائلاً و... ، اقصد ما المشكلة؟ كونك فلسطيني وتحمل جواز سفر لبناني لاجئ لا يعطي أحد حقاً للقبض عليك، وهل هذه تهمة؟ لكنه اخفى عيناه عني مدعياً النظر من نافذة الطائرة فيما إنعكست عيناه على زجاجها ورأيت بعض الدموع تنساب منهما على وجنتيه.
عند وصولنا إلى مطار بيروت أخبرته أن يبقى معي وأن يعطيني جواز سفره وأخبرته باسمي وعنواني في الكويت وفي لبنان وبأننا مترافقين كما اخبرني بعنوانه في لبنان والكويت وبما يعمل، وما ان قدمت جوازات سفرنا إلى الموظف المسؤول حتى رأيته يوسم جوازي بختم الدخول وينادي على رجل ذا لباس مدني ليعطيه جواز السفر المؤقت الخاص برفيق سفري ثم نظر إليَّ قائلاً: تفضل إستاذ الحمد لله على السلامة! فسألته عن مرافقي فقال سيأخذ وقت طويل لذا فمن الأفضل الذهاب لأن طريقي إلى طرابلس طويل فأخبرته أنني بإنتظاره فما كان من الموظف المدني إلآ أن وجه إليَّ نظره شذراً ثم قال: يلا ولآ إذا ما بتروح هلق راح حطك معه بالحبس، أووووف فسألته لماذا؟ فلم يرد عليَّ إلآ أن الموظف اللبناني الذي ختم لي جواز السفر أخذ بيدي وأخرجني وهو يقول لي: أرجوك إذهب لأن المخابرات السورية لا تسمح للفلسطيني بالدخول إلى لبنان إلآ بعد التحقيق المضني معه ولا أظنه سيخرج من هنا اليوم..... هذا إذا خرج!
التعليقات (0)