نص خطاب رئيس الحكومة الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة على خلفية المبادرة التي أطلقتها القيادة الفلسطينية للتوجّه إلى الأمم المتحدة بُغية الاعتراف بالإعلان عن إقامة دولة فلسطين على حدود العام 1967
السيدات والسادة الكرام ، ظلت اسرائيل تمد يدها للسلام منذ نشأتها قبل 63 عاما وحتى هذه اللحظة . وها انا ذا أقف اليوم أمامكم باسمي وباسم الشعب الاسرائيلي باسطا يدي للسلام . أبسط يدي للسلام الى الشعبين المصري والاردني أملا بتجديد الصداقة مع جارين سادت بيننا يوما أواصر سلام . أمدّ يدي للشعب التركي منطلقا من الاحترام والنية الحسنة . أبسط يدي للشعبين الليبي والتونسي معبرا عن اعجابي بسعيهم الى تحقيق مستقبل ديمقراطي . كما أمدّ يدي الى شعوب شمال افريقيا والجزيرة العربية متمنيا ان نفتح معكم صفحة جديدة . وأمدّ يدي الى الشعب السوري والشعب اللبناني والشعب الايراني معبرا عن مشاعر الاحترام والاعجاب لوقوفهم في وجه القمع والطغيان . وبالتأكيد يدي ممدودة بشكل خاص الى الشعب الفلسطيني مفعما بالامل بان نتوصل الى سلام عادل ودائم بيننا .
سادتي وسيداتي الاعزاء ، ان أمل الشعب الاسرائيلي بتحقيق السلام لم يخبو يوما . وان علماءنا وأطبائنا ومخترعينا يوظفون جلّ عبقريتهم لبلوغ وضمان غد أفضل لنا وللعالم أجمع ، في الوقت الذي يعكف ايضا فنانونا وكتابنا ليل نهار على اثراء التراث الانساني . وإنني على علم بان صورة اسرائيل هذه التي أصفها أمامكم ليست هي تلك الصورة المرسومة في اذهانكم . وإنني اعبر عن أسفي بان هذه القاعة شهدت عام 1975 اعلانا مؤسفا قرن ما بين الصهيونية التي تجسد حنين شعبنا العريق منذ نشأته الاولى الى تحقيق أمانيه القوميه والتوراتية في ارض الاجداد، وبين العنصرية . وأعني قرار الجمعية العامة للامم المتحدة الذي اعتبر الصهيونية حركة عنصرية . وفي العام 1980 وفي هذا المكان تحديدا، وبدلا من الاشادة بمعاهدة السلام التاريخية التي أبرمت بين مصر واسرائيل ، تمت يومها ادانة هذه المعاهدة! وما زالت اسرائيل حتى اليوم تتعرض دون غيرها للمرة تلو المرة للادانة في هذه القاعة من قبل الجمعية العامة . ليس هذا وحسب بل ان اسرائيل تتم ادانتها اكثر من دول العالم مجتمعة!! فهنالك 21 قرار من مجموع قرارات الجمعية العامة ال 27 يدين اسرائيل، ولا يشفع لها كونها الدولة الوحيدة في الشرق الاوسط التي تمارس نظاما ديمقراطيا .
ان مثل هذا السلوك يعيب على مؤسسة كالأمم المتحدة . ويمكن وصفه بانه مسرحا عبثيا لا يكتفي بالاشارة الى اسرائيل سابغا عليها كل مرة دور الطرف الوضيع ، بل يغدق على الاشرار الحقيقيين ادوارا رئيسية، كذاك الذي مُنح لليبيا حين ترأست لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فيما ترأس عراق صدام حسين لجنة الأمم المتحدة لنزع السلاح..!
لعلكم تقولون بان هذه أحداث ووقائع أصبحت في عداد الماضي . أقول لكم ان شيئا لم يتغير. فها هو لبنان حزب الله يرئس اليوم مجلس الامن الدولي ، وهو الامر الذي معناه ان منظمة ارهابية تقف اليوم على رأس الهيئة المكلفة بحماية أمن العالم! وهو امر لم يكن من الممكن تخيله . والحاصل ان الأمم المتحدة تملك أغلبية تلقائية لاعتماد أي قرار حتى لو كان منافيا للواقع ، فهي يمكنها مثلا ان تقرر بان الشمس تغيب غرباً لكنها تستطيع ان تقرر ايضا بان الشمس تشرق من جهة الغرب رغم ان هذا الامر محسوم منذ البداية ولا يمكن التشكيك في صحته . كما يمكنها ان تقرر – وقد فعلت – بان الحائط الغربي المتبقي من آثار بيت المقدس اليهودي او ما نسميه حائط المبكى الواقع في البلدة القديمة في أورشليم (القدس) وهو أقدس بقعة في العالم للشعب اليهودي ، يمكنها اعتباره بقعة فلسطينية واقعة تحت الاحتلال .
من ناحية أخرى، قد تجد الحقيقة طريقها احيانا الى الجمعية العامة . ففي العام 1984 حين تم تعييني سفيرا لاسرائيل في الامم المتحدة ، زرت الحاخام الكبير ذائع الصيت الراحل لوبافيتش حاخام جماعة (حاباد) اليهودية الذي كان يقيم على مقربة من نيويورك ، قال يومها (ولا أقصد هنا توجيه اهانة شخصية لأي منكم او التقليل من شأن احدكم وقد علمت ان بينكم الشرفاء والأكفاء، وما اكثرهم في هذا المحفل، رجالا ونساء، الذين يدأبون على خدمة بلدانهم) قال لي إنك ذاهب لتعمل في مؤسسة مليئة بالاكاذيب، واستطرد قائلا : عليك ان تتذكر بان شمعة واحدة لا بد ان نرى ضوءها حتى لو أوقدت في مكان يلفه ظلام دامس .."
ان ما أرجوه اليوم هو ان يسطع نور الحقيقة ولو للحظات عابرة في هذه القاعة التي ظلت لأمد بعيد تعتبر مكانا حالكا بالظلام بالنسبة لبلدنا . لم أحضر الى هنا اليوم لتمطروني بهتافاتكم بل لاقول الحقيقة . والحقيقة ان اسرائيل تنشد السلام . والحقيقة أنني شخصيا أتوق الى السلام . والحقيقة ان السلام في الشرق الاوسط ، وفي هذه الفترة بالذات التي تشهد حالة من عدم الاستقرار ، يجب ان يكون عماده الامن . والحقيقة التي يجب ان نعلمها ان السلام لا يمر عبر قرارات الامم المتحدة بل يتحقق عن طريق مفاوضات مباشرة بين الاطراف المعنية . والحقيقة ان الفلسطينيين يرفضون التفاوض . والحقيقة أنكم لا يجب ان تسكتوا عن هذا .
أيها السيدات.. والسادة الكرام ، عندما كنت هنا للمرة الاولى قبل 27 عاما كان العالم مقسوما الى فسطاطين: شرق وغرب . وقد انتهت الحرب الباردة وقامت حضارات عظيمة من الانقاض بعد سبات دام قرون وتم انتشال مئات ملايين البشر من دائرة الفقر، والحبل على الجرار . علما بان كل ذلك حصل بطرق سلمية . غير ان الحقد المدفون بين عناصر من الشرق والغرب عاد ليطل برأسه من جديد مهددا السلم العالمي . ولا يسعى هذا التيار الخبيث ابدا الى التحرر بل الى الاستعباد والاقصاء ، وسعيه الدؤوب ليس الى البناء بل الى الدمار . والمقصود هنا هو التيار الاسلامي المتشدد الذي يُسرف في التلفع بعباءة الدين فيما لا يتورع عن قتل اليهود والمسيحيين والمسلمين دون ان يفرق بين احد منهم . وقد فعلها يوم 11 سبتمبر 2001 حين قتل الالاف في مركز التجارة العالمي وحوّل البرجين الكبيرين الى ركام يتصاعد منه الدخان . وقمت الليلة الماضية بوضع اكليل من الزهور عند النصب التذكاري الذي أقيم لتخليد ذكرى الضحايا تعتريني مشاعر جياشة وقلبي ينزف ألما . تتردد في خاطري كلمات الرئيس الايراني من على هذه المنصة حين ألمح بان هجوم الحادي عشر من سبتمبر لم يكن سوى مؤامرة امريكية . وقد غادر القاعة يومها فريق منكم من أعضاء البعثات الدبلوماسية من شتى دول العالم حيال سماع هذه الاوصاف المعيبة لكن ذلك لم يكن كافيا فكان على الجميع مغادرة القاعة على الفور .
ولم ينتهي الامر عند ضحايا الحادي عشر من سبتمبر فقد أمعن الاسلاميون المتشددون في غيهم وامتدت مجازرهم الى لندن ومدريد وبغداد ومومباي وتل ابيب وأورشليم وكافة اراضي اسرائيل . من هنا اعتقد جازما بان الخطر الحقيقي الذي يحدق اليوم بالعالم هو حصول جماعات التيار الاسلامي المتشدد على اسلحة نووية . وهو الهدف الذي تسعى ايران الى بلوغه . وتخيلوا الرئيس الايراني الذي نطق بتلك العبارات المريعة بالامس على هذه المنصة تخيلوه واقفا امامكم شاهرا اسلحته النووية ؟! ان هذا الامر لا يجب ان يحصل ، وعلى العالم ان يمنع ذلك قبل فوات الاوان . فان لم يفعل حين ذاك سنواجه جميعا شبح الارهاب النووي فيما قد يحوّل الربيع العربي الى شتاء ايراني . وهو أمر مأساوي بالفعل . لقد شاهدنا كيف نزل ملايين العرب الى الشوارع والميادين ليصرخوا في وجه الطغيان مطالبين بالحرية والانعتاق . اما اسرائيل فترى بانها اكبر المستفيدين من انتصار الشعوب المؤمنة بقيم الحرية والسلام . ما أجمل هذا الحلم حين يتحقق . لكن طبعا بصفتي رئيسا لوزراء دولة اسرائيل لا يمكنني ان أقامر بمستقبل دولتنا العبرية عوضا عن أماني يمكن ان تتحقق او لا تتحقق . فالقادة يتعاملون مع واقع الحال لا مع الواقع المأمول . علينا ان لا نألو جهدا في سبيل تحديد ملامح المستقبل دون ان نقفز فوق مخاطر الحاضر . فالمنطقة برمتها باتت على كف عفريت ، فها هو التيار الاسلامي الراديكالي قد أحكم قبضته على لبنان وغزة ، وهو ماضٍ في امعانه في تمزيق معاهدات السلام الموقعة مع مصر والاردن ، وهو ماضٍ قدما في سعيه لتلويث العقول وتأليب القلوب في الشارع العربي ضد اسرائيل وامريكا والغرب قاطبة . هذا التيار لا يعارض سياسات اسرائيل فحسب بل يرفض وجودها اصلا .
ثمة من يزعم بوجود علاقة طردية بين انتشار التيارات الاسلامية المتطرفة وبين سلوك اسرائيل واستعدادها او عدم استعدادها لتقديم تنازلات . بمعنى ان الطريقة الوحيدة للحد من تنامي الحركات الاسلامية المتطرفة على حد قولهم ، خصوصا في هذه الفترة العصيبة ، يستوجب تقديم تنازلات عاجلة من الطرف الاسرائيلي والتوصل بسرعة الى تسوية سياسية تتأسس على الانسحاب من اراضي متنازع عليها . يقول لنا دعاة هذه النظرية انسحبوا من الاراضي وسيحلّ السلام ويعلو شأن التيارات المعتدلة فيما تنحسر التيارات المتشددة ويتم احتواءها . ولا داعي ان تقلقوا أيها الاسرائيليين على أمن اسرائيل فسيتكفل المجتمع الدولي والقوات الدولية بهذه المهمة . هؤلاء المتفائلين يقولون لي دوما إن كل ما علينا فعله هو تقديم عرض مغري وسخي حينئذٍ سيكون كل شيء على ما يرام . أقول لهؤلاء لقد جرّبنا كل ما تقولون . كنا في هذه التجربة اكثر من مرة . ولم يتحقق شيء . اسرائيل قدّمت عرض مغري وشامل عام 2000 خلال قمة كامب ديفيد يلبي كافة الطموحات الفلسطينية لكن عرفات ضرب به عرض الحائط . وقد تلى ذلك انتفاضة دموية حصدت ارواح الالاف من المواطنين الاسرائيليين . ثم جاء دور رئيس الوزراء الاسرائيلي أولمرت حيث تقدم هو الاخر بمبادرة سخية وغير مسبوقة، غير ان هذه المبادرة كان مصيرها كسابقتها فبقيت على الرف ولم تحظى حتى بردّ من الرئيس الفلسطيني محمود عباس .
علما ان اسرائيل قامت فعلا واكثر من مرة بخطوات جريئة رافقها انسحاب من اراضي . فلقد انسحبنا من لبنان عام 2000 . وانسحبنا كاملا من غزة عام 2005 . لكن كل هذا لم يرضي الجهات الاسلامية ولم يهدأ من روعها وما ينفك هذا التيار الشرس شاهرا سيفه ووعيده في وجوهنا كما كان . بل ان الامر جعله يزداد بأسا وصلفا . فما هي الا مسألة وقت حتى انطلقت صواريخ حزب الله وحماس بآلافها تقصف القرى والمدن الاسرائيلية منطلقة من ذات الاراضي التي انسحبنا منها . لاحظوا ايضا ان ما يسمى بالتيارات المعتدلة لم تقو شوكتها بعد انسحابنا كما قيل لنا ولم يتم احتواء العناصر المتشددة بل على العكس ذابت التيارات المعتدلة وتم ابتلاعها داخل الجهات المتطرفة . ويؤسفني ان أقول بانه لا قوات حفظ السلام الدولية على حدود لبنان (اليونيفيل) ولا البعثة الاوروبية لمراقبة معبر رفح الحدودي (EUBAM ) تمكنت من وقف الهجمات ضد اسرائيل .
خرجنا من غزة املا بتحقيق السلام . ما فعلناه في غزة ليس تجميد استيطان بل اخلاء المستوطنات الاسرائيلية في غزة عن بكرة ابيها . قالوا لنا اخرجوا من غزة فخرجنا . قالوا لنا عودوا الى حدود 67 ففعلنا . طالبونا بازالة المستوطنات فقمنا بذلك . الاف من المستوطنين اليهود في غزة اقتلعوا من بيوتهم ومدارسهم وروضاتهم وتم تجريف بيوت العبادة اليهودية بل حتى افراغ القبور من الموتى ، وتم تسليم مفاتيح غزة الى الرئيس عباس . فماذا حصل ؟ ماذا كان مصير الوعود العربية والدولية التي ستصبح غزة بمقتضاها كيانا مسالما يسعى الى جوار حسن مع جيرانه ؟ هل تذكرون كيف صفّق العالم يومها بحرارة وكبّر وهلّل لهذا الانسحاب الذي وُصف بالمبارك واعتبر فعلاً سياسياً حاذقا من الدرجة الاولى وخطوة جريئة باتجاه تحقيق السلام ؟
سادتي الاعزاء .. ان ما حصلنا عليه لم يكن سلاما بل وبالا ونكالا . لقد وفّرنا بأيدينا معقلا آمنا لايران في غزة وباتت ايران تطل علينا مكشرة أنيابها عبر بوابة غزة بعد ان طُرد عباس وفتح شر طردة من غزة على يد حماس . لم تحتاج حماس الى اكثر من يوم لتقويض سلطة عباس . عن أي أحلام يتحدث الرئيس عباس وأي آمال قصد حين قال قبل قليل لقد جئنا الى هنا مسلحين بالآمال والأحلام !! هل يقصد العشرة الاف قذيفة صاروخية وصواريخ غراد التي تزودت بها حماس من ايران ؟! هذا طبعا عدا استمرار تدفق الاسلحة الفتاكة الى غزة عبر سيناء من ليبيا ومناطق اخرى . ألم يتم اطلاق الالاف من هذه الصواريخ باتجاه مدننا ؟؟ هل تملكون جوابا للسؤال ما هي ضماناتكم هذه المرة حتى لا يتكرر سيناريو غزة في الضفة الغربية ؟؟ مع الأخذ بالحسبان ان المسافة التي تفصل مدننا الرئيسية عن الضفة الغربية أقل بكثير من المسافة التي تفصلها عن غزة ، ما يجعل الاراضي الاسرائيلية كلها تحت طائلة الصواريخ لو وصلت الى الضفة الغربية . كم منكم يوافق ان يستقدم بنفسه صواريخا تهدد مدنه وبيته وعائلته ؟ هل منكم من يقامر الى هذه الدرجة وبهذا الشكل الارعن بارواح شعبه ؟
نعم اسرائيل مستعدة لقيام دولة فلسطينية على اراضي الضفة الغربية لكننا غير مستعدين لاستنساخ تجربة غزة . أجل نحتاج الى تدابير أمنية فعلية وصارمة وهو الامر الذي يرفض الجانب الفلسطيني التفاوض حوله . ما زال الاسرائيليون يتذكرون الدروس المرة المستقاة من تجربة غزة . وما زال دعاة التسوية والانسحاب يوجهون سهام نقدهم الى اسرائيل في الوقت الذي يتغاضون تماما عن الحقائق السابق ذكرها ولا يكلّون من دعوة اسرائيل بشكل غي مسئول الى تكرار تجربة غزة باعتبارها الحل الوحيد المطروح . وعندما تطالع مقالاتهم ينتابك شعور بان شيئا مما ذكرنا لم يحدث بنظرهم ، هم يكررون ذات الاسطوانة وذات الصيغة وكأن شيئا لم يكن . ويمعنون في الضغط على اسرائيل لتقديم تنازلات بعيدة الامد دون ان يقدموا اي ضمانات او يقترحوا أي حلول ترقى الى حجم الاحتياجات الامنية الاسرائيلية . ويصفون كل من يعمل ولو بحسن نية على تعاظم قوة الغول الاسلامي المتطرف، بالرجل الشجاع . فيما يصفون كل من يقف في وجه هذا الغول المنفلت من عقاله ويحاول كبح جماحه، بعدو السلام .
آن لاسرائيل ان تنال استحقاقها ايضا وان يهمسوا في أذنها نصائح صادقة وان تكون وقفة جادة معها في وجه من ينال من شرفها وكرامتها . فاسرائيل والحال هذا تفضل صحافة معادية على عبارات تعزية جميلة تعلن وفاتها !! آن لاسرائيل ان تحظى بتغطية صحفية منصفة من أناس جادين يقرّون بشرعية المخاوف الامنية الاسرائيلية وليس من أولاءك الذين لا تتجاوز ثقافتهم التاريخية مائدة افطارهم .
إنني على يقين بان المفاوضات السلمية الجادة تكون وحدها القادرة على تذليل كل العقبات وتمكننا من التعاطي بشكل لائق مع الاحتياجات والهموم المتبادلة، علما ان اسرائيل ستحتفظ بحقها في توفير الحماية لشعبها في حال غياب المفاوضات المباشرة . ومثل هذه الاحتياجات تصبح ملحة اكثر كون اسرائيل دولة صغيرة جدا لا يتعدى عرضها في بعض المناطق 15 كيلومترا بدون اراضي الضفة الغربية . وحتى نوضح الامر وطالما نحن موجودون هنا في مدينة نيويورك نقول إن هذه المسافة تعادل ثلثي طول جزيرة مانهاتن او بالاحرى المسافة بين باتيري بارك وحرم جامعة كولومبيا . مع الاخذ بالاعتبار ان سكان بروكلين ونيو جيرزي اكثر لطفا من بعض جيران اسرائيل..
طيب كيف يمكن اذن ان نوفر حماية لدولة صغيرة بحجم اسرائيل محاطة بأناس يحلفون أغلظ الايمان بأنهم لن يهدأ لهم بال ولن يهنأ لهم عيش الا بعد زوال اسرائيل، ونحن نعلم انهم مدججين بأسلحة ايرانية ؟؟ بالطبع يستحيل ان تتحقق هذه الحماية عبر الشريط الضيق الذي يشكل طول اسرائيل وعرضها بل نحتاج الى عمق استراتيجي اكبر ولهذا السبب تحديدا تجنب قرار مجلس الامن 242 مطالبة اسرائيل بالانسحاب من كافة المناطق التي احتلتها عام 67 واكتفى بالحديث عن "انسحاب من مناطق" الى حدود آمنة وقابلة للحماية .
وبالتالي تحتاج إسرائيل لغرض الدفاع عن نفسها إلى الإبقاء على حضور عسكري إسرائيلي بعيد المدى في مناطق إستراتيجية حيوية في الضفة الغربية. سبق وشرحت ذلك للرئيس عباس لكنه أجاب بأن الدولة الفلسطينية لن تستطيع أبداً القبول بترتيبات كهذه تمس بسيادتها. طيب دعونا نعيد النظر في هذا الامر من خلال استحضار بعض النماذج ، سنجد ان الولايات المتحدة لديها قوات في كل من اليابان والمانيا وكوريا الجنوبية منذ اكثر من نصف قرن. بريطانيا تمتلك قاعدة جوية في قبرص. فرنسا ترابط قواتها في ثلاث دول افريقية مستقلة ولم تشتكي هذه الدول بان الامر يمس بسيادتها.
وهناك عديد القضايا الامنية الحيوية التي تتطلب منا توفير حلول جادة . لاحظوا مثلا قضية المجال الجوي مع الاخذ بالاعتبار مساحة اسرائيل الصغيرة سترون بانها مصدر قلق أمني حقيقي. ففي الوقت الذي تحتاج طائرة نفاثة الى ست ساعات لاجتياز الاراضي الامريكية ، فانها لن تحتاج الى اكثر من ثلاث دقائق لاجتياز المجال الجوي الاسرائيلي! ان المشكل هنا هو تقاسم هذا المجال الجوي الضيق اصلا مع دولة فلسطينية معادية او في احسن الحالات لا تقيم علاقات سلام مع اسرائيل . مع ملاحظة ان مطارنا الدولي يقع على بعد كيلومترات قليلة من حدود الضفة الغربية . ما يجعل طائراتنا على مرمى قوس من الصواريخ المضادة للطائرات التي ستنشر حتما في اراضي الضفة الغربية . ولو ركزنا البصر اكثر فاننا نقصد تحديدا المناطق الجبلية في الضفة الغربية التي تشرف على الشريط الساحلي في اسرائيل حيث التجمعات السكنية الرئيسية التي تأوي غالبية سكان اسرائيل . هل من سبيل لمنع تسرب الصواريخ الى هذه المناطق او الحيلولة دون اطلاقها باتجاه المدن الاسرائيلية ؟
ليست هذه مسائل نظرية او كلاما مرسلا ولا أطلق الكلام جزافا او ألقيه على عواهنه . هذه مشكلات حقيقية ومصيرية تحتاج الى حل . ما يستدعي منا سد جميع الثغرات قبل الاعلان عن الدولة الفلسطينية وليس بعد اعلانها حيث سيغدو الامر مستحيلا . حين ذاك ستطفو كل هذه المشكلات على السطح وتنسف عملية السلام . من هنا يتوجب علينا اسرائيليين وفلسطينيين ان نصل الى صيغة توافقية تسبق الاعلان عن الدولة الفلسطينية . وقت ذاك لن تكون اسرائيل آخر من يرحب بقيام دولة فلسطينية واعتمادها عضوا جديدا في الامم المتحدة بل ستكون اول المرحبين والموقعين والمباركين .
السادة الحضور الكرام .. سبق واستعرضت العام الماضي رؤيتي لعملية السلام ضمن خطاب جامعة بار ايلان وكررته هذا العام في خطابي اما الكنيست الاسرائيلي وامام الكونغرس الامريكي، موضحا مسألة الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح وحتمية الاعتراف بدولة اسرائيل بصفتها دولة يهودية من قبل الجانب الفلسطيني . ان هذه الهيئة أي الامم المتحدة هي ذاتها التي اعترفت بالمحصلة النهائية بقيام دولة يهودية قبل 64 عاما ، فما الذي يمنع ان يفعل الفلسطينيون الامر ذاته اليوم؟
علما ان صيغة دولة يهودية معناها انها ستضمن بشكل دائم حماية حقوق كافة مكونات المجتمع الاسرائيلي بما في ذلك اكثر من مليون مواطن عربي . وكنت اتمنى في هذه المناسبة ان أؤكد الامر ذاته بالنسبة للدولة الفلسطينية العتيدة الا ان الامر بات محسوما حيث اوضح مسؤولون فلسطينيون هنا قبل ايام بان الدولة الفلسطينية ستكون خالية من اليهود تماما . وبالمناسبة هم لا يسمون ذلك تطهيرا عرقيا.. هذا فضلا عن سن قوانين في رام الله تسمح بفرض عقوبة الاعدام في حق كل فلسطيني يبيع اراضي لليهود . وهو ما نعتبره نهجا عنصريا بامتياز . على كل حال لا مانع لدينا ان تكون فلسطين ذات غالبية فلسطينية واسرائيل ذات غالبية يهودية .
عندما وقف الرئيس عباس هنا قبل قليل ذكر ان المستوطنات تشكل محور الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. واسمحوا لي إنني لا ارى هذا الامر على هذا النحو ، إذ لم تكن مستوطنة اسرائيلية واحدة في الضفة الغربية قبل نصف قرن في الوقت الذي احتدم فيه الصراع على أشده . فهل يجوز لي ان اقول بان الرئيس عباس ربما كان يقصد مستوطنات اخرى مثل تل ابيب وحيفا ويافا وبئر السبع ؟! وهل كان يقصد ذات الامر حينما قال إن اسرائيل تحتل الاراضي الفلسطينية منذ 63 عاما ؟! فلقد قالها صراحة إن احتلال فلسطين قائم منذ عام 48 وليس 67 .. واتمنى ان يجيب بصراحة عن هذا السؤال لانني اعتقد بان المستوطنات ليست جوهر الصراع بل نتيجة له . نعم يتوجب علينا ايجاد حل مرضي لمسألة المستوطنات ايضا، في اطار المفاوضات، لكن يظل جوهر الصراع من وجهة نظرنا مرتبطا برفض الجانب الفلسطيني الاعتراف المبدئي بوجود دولة يهودية ضمن حدود معترف بها ، مثلما هو انكارهم للرابطة الوثقى بين شعب اسرائيل وارض اسرائيل . والامر ذاته ينسحب على مسألة (تهويد القدس) كما يسميها الجانب الفلسطيني . وانا هنا اريد ان أقول لكم شيئا. هل تعلمون من اين جائت تسمية (يهود)؟ إنها تعود إلى منطقة يهودا التي كانت أورشليم (القدس) ضمن حدودها وعاصمة لها .
وبالمناسبة احتفظ في مكتبي بختم قديم يعود الى شخصية يهودية معروفة من العصور الاسرائيلية القديمة او ما نسميه حقبة التوراة . عثر على هذا الختم خلال أحافير اثرية بمحاذاة السور الغربي في البلدة القديمة ويعود تاريخه الى حوالي 2700 عام مضت أي الى عصر الملك حزقيا . وقد نقش عليه اسم "نتانياهو" باللغة العبرية وهو اسمي ايضا كما تعلمون . اما اسمي الاول "بنيامين" فتيمنا بجدنا بنيامين ابن يعقوب او بنيامين ابن اسرائيل فيعقوب هو اسرائيل وقد عاش قبل يحزقيا بالف عام . كان يعقوب واسباطه الاثني عشر يجوبون تلال يهودا قبل نحو اربعة الاف عام ، ولم ينقطع الوجود اليهودي في البلاد منذ ذلك الزمان . وظل اليهود الذين اقتلعوا من ارضهم يراودهم حلم العودة ولم يتنازلوا يوما عن حق العودة ، سواء يهود اسبانيا قبل طردهم أواخر القرن ال 15 ، او يهود اوكرانيا الفارين من المجازر في القرن ال 18 ، او اليهود الذين قاوموا النازية في غيتو وارسو العام 1943 . كل هؤلاء ظلوا يتضرعون الى الله ويتطلعون الى ارض اسرائيل ويلهجون بالدعاء ويخفتون القول "سنلتقي العام القادم في اورشليم" .. "العام القادم في ارض الميعاد" ..
انني بصفتي رئيس حكومة اسرائيل اتحدث باسم اجيال واجيال من اليهود الذين لم يفقدوا الامل في حلم العودة بعد ان تفرقت أيادي يهود ودخلنا في عصور من المعاناة والقهر والظلم ، وظل الامل يداعبنا باستعادة لحمتنا القومية ولم شملنا في ارضنا التي لا ارض لنا سواها ..
السيدات والسادة الكرام .. ما زال الامل يحدوني بان يكون الرئيس عباس شريكي في عملية السلام . لقد عملت جاهدا للمضي بهذا السلام قدما . فمنذ تسلمت منصبي بادرت الى مفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة . ولاثبات حسن نيتي بادرت الى ازالة العديد من الحواجز ونقاط التفتيش في الضفة الغربية لتسهيل حرية التنقل في انحاء الضفة الغربية وهو الامر الذي مهد الطريق للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني بشكل غير مسبوق . وقمت بتجميد البناء في المستوطنات لمدة عشرة اشهر كبادرة حسن نية ايضا ولمنح الجانب الفلسطيني فرصة للتجاوب والتفاعل والاستجابة غير ان ذلك لم يحدث حتى الان .
وأتوجه من هذه المنصة الى الرئيس عباس : هيا لنعمل سويا . لنتوقف عن التفاوض لمجرد التفاوض . هيا بنا نتناول الموضوع من كل جوانبه ونخوض في جوهر السلام . كلانا أنفق سنين عمره في سبيل الدفاع عن قضيته، في ميادين الحرب كما في ميادين الاعلام . هل هو قدر محتوم ان يستمر هذا الصراع الى اجل غير معلوم ام ترى ثمة بارقة امل ان يأتي يوم يذكُرنا ابناءنا واحفادنا بالخير باعتبارنا اشخاصا تمكنوا من ارساء ركائز السلام .. ما زال الامر ممكنا طالما توافرت النوايا الصادقة ..
خلال عامين ونصف العام هي عمر ولايتي الحالية لم نلتقي الا مرة واحدة في أورشليم (القدس) مع ان بابي ظل دائما مفتوحا على مصراعيه تدخله متى شئت . انا مستعد ان أزور رام الله اذا كان هذا سيحل المشكلة . وبما اننا هنا في نيويورك أدعوك بان نغتنم الفرصة لبدء الحوار هنا . ما الذي يمنعنا من ذلك .. اذا توافرت النية والرغبة سنشرع في مفاوضات على الفور . سيكون حديثا صادقا وصريحا . سيصغي كل منا الى صاحبه . سننحاز الى الطريق (الدُغري)! سنتكلم (دُغري) أي مباشرة وبصراحة وبدون مواربة . سنتحدث عن كل شيء، عن همومنا وعن ضروراتنا وسنصل بعون الله الى ارضية مشتركة للسلام . وكما يقال في المثل العربي القديم يد واحدة لا تصفق . يد واحدة لا تصنع السلام . جانب واحد لا يصنع السلام . السيد الرئيس عباس! ها انا ذا أمد يدي اليك نيابة عن دولة اسرائيل ناشدا السلام . يد اسرائيل (يعقوب) ممدودة للسلام . كلانا ابناء ابراهيم . ابراهيم هو ابراهام عندنا . سنتجاور في ارض ابراهيم جدنا وجدكم . ان مصيرنا واحد . ولنحقق رؤية نبينا اشعيا (فصل 9 آية 1 ) : (الشعب السالك في الظلام رأى نورا ساطعا) . هيا لنجعل هذا النور نور السلام ...
وكل عام وانتم بكل خير
التعليقات (0)