مواضيع اليوم

نص خطاب الرئيس السوداني بذكرى اتفاقية السلام

رجاء داؤد

2009-01-10 18:14:16

0

الرئيس المشير عمر حسن احمد البشير خطابا مهماً وجهه للامة السودانية بمناسبة الذكرى السابعة لتوقيع اتفاقية السلام الشامل بمدينة ملكال امس.
 حيث شهدت المدينة احتفالاً ضخماً بهذه المناسبة وفيما يلي نص خطاب السيد الرئيس:
...................................................................................................
أخي الكريم الفريق أول سلفاكير ميارديت
النائب الاول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة جنوب السودان
المواطنون الكرام،،
أنه لمن جميل الصدف أن نلتقي اليوم وبلادنا قد فرغت لتوها من الإحتفاء بأعياد أربعة: عيد الأضحى، وعيد ميلاد المسيح، وعيد رأس السنة الهجرية، وعيد الإستقلال. ولعل في توالي هذه الأعياد ما يبعث على الإستبشار لأن في هذه المناسبات جميعاً دروساً وعبرا، كما هي نقاط بارزة في حياة الإنسان يتوقف عندها ليستلهم منها العبر والدروس، ويسائل النفس: أين كنت بالأمس وإلى أين أسير.
المواطنون الكرام،،
في مثل هذا اليوم منذ أربعة أعوام، دخل السودان مرحلة جديدة كان، وما زال، أملنا أن تكون فاتحة عهد ينتهي فيه إلى الأبد ما منيت به بلادنا منذ إستقلالها من تشتت في الرأي، وإضطراب في الحكم، وفقدان للبوصلة الهادية. ذلك الوضع المؤسسي أقعد وطننا العبقري عن إحتلال مكانته تحت الشمس من بعد أن كان قبلة الدنيا في هذا الوادي الخصيب. فالسودان بلد ذو تاريخ عريق يعود إلى ممالك النوبة التي أنشأت - الى جانب الحضارة الفرعونية- أولى حضارات الإنسان على ضفاف النيل. كما يعود إلى الممالك الإسلامية - من سنار إلى دارفور - التي وحدت أهله على هوى واحد، وأشاعت في قلب افريقيا جميل الخلال وكريم الأخلاق بقبس من نور الله جل وعلا. هذا التاريخ المجيد بناه الأقدمون بالإعجاز، ولئن قصرنا في الحفاظ على مواريثه فلن يكون ذلك إلا لعجز منا، وشتان ما بين الإعجاز والعجز. وحقا، لو عجزنا عن ذلك فإن أنفسنا نلوم، لان الله لا يظلم الناس مثقال ذرة، هم ظالمو أنفسهم.
الإخوة المواطنون،،
عبر السنوات الماضية ظللنا نبذل الغالي والنفيس حتى يستعيد وطننا العبقري الموقع اللائق به بين الأمم بحكم وضعه الجغرافي الإستراتيجي، وإرثه التاريخي التالد. على أن أكبر مبادراتنا لإستعادة أمجاد هذا الوطن بعزم وإرادة أهل السودان جميعاً، هي الاتفاق الذي نحتفى بذكراه اليوم. ولا أحسب أنني غاليت في القول عندما أعلنت لحظة التوقيع على ذلك الإتفاق أن إتفاقية السلام هي الإستقلال الثاني للسودان. وكيف لا تكون كذلك وقد حققنا عبرها ما ظلت قوى السودان السياسية كلها تتلاحى حوله منذ الإستقلال. مثال ذلك قضايا الحرب والسلام، والحكم الذاتي للجنوب برضي أهله، ووحدة الوطن القائمة على الإختيار الحر لأبنائه، واللا مركزية الفاعلة كنظام للحكم في كل السودان، والإعتراف ، بل التأطير الدستوري والقانوني، للتنوع الثقافي واللغوي في بلادنا. هذه كلها إمور كنا نتجادل حولها جدلاً إشتدت معه الخصومة حتى كادت  تأخذنا الصيحة ونحن في جدال عقيم. ومهما قيل عن أن تلك الإتفاقية قد أبرمت بين طرفين، فإن ذلك ما كان ليحدث لولا الواقع الذي فرضته الحرب. فبدون إنهاء الحرب لن يكون هناك دستور يتراضى عليه الناس، ولن تكون هناك تنمية يتوافق على مقوماتها المواطنون، ولن يكون هناك تحول ديمقراطي. رغم ذلك تداعت الى الإتفاق وأرتضته كمدخل لحل مشاكل السودان جل القوى السياسية السودانية، كان ذلك في إتفاق القاهرة أو إتفاقي أبوجا وأسمرا.
الإخوة المواطنون،،
هذا الإتفاق التاريخي أيضاً ما كان ليرى النور لولا إعتبارين: الأول هو نفاذ المتفاوضين الى لب المشاكل التي ظلت تؤرق السودان خلال ما يقارب نصف القرن من الزمان. والثاني هو الروح الوطني العالي الذي تميز به فريقا التفاوض بحيث إنتهى كلاهما إلى الإتفاق على جذر المشكل السوداني ومعالجته بإدراك حصيف لما هو ممكن وما هو عصى على التحقيق في واقع السياسة السودانية بكل حمولاتها الثقافية والدينية والعرقية. لهذا حق لنا بعد أن عبرنا البرزخ من العداوة والبغضاء إلى السلم والإخاء أن نشكر الله على نعمائه: «وأذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا» صدق الله العظيم.
وبعد شكر الله على نعمائه، الشكر أيضاً مستحب ، بل هو واجب، لمن أمسكوا بدفة سفين التفاوض حتى إستوى على الجودى في مرفأ آمن؛ والذي لا يشكر الناس لا يشكر الله. لهؤلاء جميعاً تقديرنا، بل تقدير كل أهل السودان. وإن كان لي أن أشير إلى واحد منهم فذلكم هو الزعيم الراحل جون قرنق دي مابيور الذي شاءت إرادة الله أن لا ينعم بفيوض سلام هو أحد صانعيه.
إنقضت، ما قلت أيها الإخوة المواطنون، أربع سنوات منذ توقيع الإتفاقية سالت خلالها مياه غزيرة تحت الجسر، وتعاقبت أمواج على شط النهر. لهذا، فإن ما انجزناه في تلك الفتر يكاد يشبه الإعجاز. فالكل يعرف أننا في غضون السنوات الأربع الماضية أجزنا الدستور القومي، بل ودساتير الولايات جميعاً كأساس لحكم إتحادي يشمل القطر كله. والحكم الإتحادي، بهذه الصورة، كان مطلباً تعصى تحقيقه في العهود الماضية رغم إلحاف الولايات في المطالبة به. كما أنشأنا حكومة الوحدة الوطنية التي إتسعت لكل راغب في المشاركة، وأقمنا المفوضيات القومية، والتي هي إبتداع دستوري اردنا به خلق جهاز إضافي للمراقبة. أشدنا أيضا حكومة جنوب السودان التي حققت للجنوب حكماً ذاتياً غير مسبوق. ذلك الحكم لم يتجاوز فقط ما منح للجنوب من تفويض لحكم نفسه في الماضي، بل تعدى كل ما تواطأت عليها الأعراف الدستورية حول السلطات الولائية في الدول الإتحادية.
من جانب آخر، أيها المواطنون، مضينا قدماً في معالجة المشاكل التي طرأت أثناء تطبيق الاتفاقية وكان فيها خلاف. مثال ذلك مشكلة أبيي، وإعادة إنتشار القوات، وإحصاء السكان الذي لم يبق لإكتماله غير تحليل النتائج، والبدء في ترسيم الحدود الجغرافية بين الشمال والجنوب. هذه المشاكل جمعاء أفلحنا في تحقيقها عبر المواعين التي أتفق عليها الطرفان دون دفع من أحد، وبروح الشراكة التي أنجبتها الإتفاقية وأوجبتها المواثيق. هذه الروح التي تسود اليوم علائق الشريكين على مستوى رئاسة الدولة ومستوى حزبيهما لابد لها أن تسرى في كل مستويات الحكم القطاعية، والولائية، والتشريعية، وإلا عدنا إلى ماض خلفناه وراء ظهورنا، ماضي الشقاق والإختلاف والتصدع. إن توافق الشريكين وإجتماعهما على رأي واحد في كل خلاف يطرأ بينهما، كان ذلك على المستويين التنفيذي والتشريعي في حكومة الوحدة الوطنية، أو بين تلك الحكومة وحكومة الجنوب، أو على ا لمستوى الولائي، هو السبيل الوحيد لتحقيق ما تواصى عليه الطرفان في إتفاقية السلام الشامل.
أيها الإخوة المواطنون
إن من بين القضايا التي تم تجاوزها، قضايا يعود الخلاف فيها إلى طبيعة الإتفاقية نفسها. فالإتفاقية تمثل نقلة كبرى في البناء المؤسسي للدولة، وفي صلاحيات مستويات الحكم المختلفة. هذه النقلة الجذرية خلقت وضعاً لم يألفه الناس، خاصة في أجهزة الدولة المختلفة، والناس دوما عبيد لما أنسوا به وآلفوه.
والحال هذا، يتوجب علينا أن نضاعف الجهد لتبصير المواطنين وأجهزة الإعلام المختلفة بإستحقاقات السلام التي لابد من رعايتها، كما يستلزم تنوير المسئولين في مستويات الحكم المختلفة بما إقتضت الإتفاقية والدستور من توزيع للسلطات حتى يستبطن الجميع ما عليهم من واجبات ومسئوليات.
الإخوة المواطنون..
لم تنعت إتفاقية السلام بالشمول إعتباطاً، بل أطلق عليها ذلك النعت لأنا أردنا بها العلاج الشافي لكل أدواء السودان الموروثة. ولئن كان إيقاف الحرب هو القاعدة الأساس لإستقرار السودان السياسي، ونمائه الإقتصادي، والتعاون بالبر بين جميع أهليه لا يفرق بينهم دين أو عرق أو جنس، فإن ذلك السلام لا يصمد أو يدوم إن لم يتبعه إيلاف الناس، وعمارة الأرض، وإشاعة العدل. لهذا ثمة اهداف خمسة لابد من إنجازها حتى يضحى السلام شاملا يعم البلاد من أقصاها إلى أقصاها، ويتفيأ ظله كل مواطن ومواطنة.
الهدف الأول: هو المصالحة الوطنية التي دعت لها الإتفاقية، كما ألزمنا بها الدستور. تلك المصالحة، أيها المواطنون، هي مصالحة لتضميد الجراح لا نكأها. وهي مصالحة لتحقيق التوافق الوطني بين كل أهل السودان وإزالة ما بينهم من مرارات موروثة أو مفتعلة، لا إستجاشتها. وهي مصالحة للتعايش السلمي بين جميع السودانيين بدلاً عن بث البغضاء بينهم على أساس الدين أو الجنس أو الأصل العرقي. هي أيضاً مصالحة تغلب مصلحة المجموعة على مصالح الأفراد؛ وتوفر فرص المشاركة الفاعلة في العمل العام وفق أحكام الدستور الفيصل الذي إرتضيناه؛ وتزيل المضاغنة بين الإخوة الاعداء من حاملي السلاح في الماضي. بهذا الفهم، فإن المصالحة الوطنية التي ننشد حسبما أوصت بها الإتفاقية ونص عليها الدستور ليست هي وفاقاً حزبياً لإقتسام السلطة بقدرما هي عمل وطني متكامل.
ذلك العمل، أيها المواطنون، تتشاركه القوى السياسية بلا مراء، ولكنه أيضاً يتجاوز هذه القوى الى ما هو أشمل، مثل التصالح والتعافي المتبادل بين الجيشين اللذين ظلا يتحاربان على مدى عقدين من الزمان؛ وبين القبائل في حدود الشمال والجنوب، بل في داخل الجنوب والشمال، لإزالة كل عوامل التوتر والنزاع بينها بسبب الماء والكلأ؛ وبين أهل الديانات حتى لا يصبح الدين عظمة نزاع بين الناس. فالدين لله، والناس للديان.
ولعلني في هذه المناسبة أناشد جميع أجهزة الإعلام أن تكف عن إشاعة كل ما من شأنه أن يثير الفتن بين أهل الديانات، فإثارة الفتن النائمة لعنة ؛ أو ما يكرس البغضاء بين أقوام السودان، فما بهذا يتوحد أهل السودان على قلب رجل واحد.
وإنطلاقاً من هذا المفهوم تعتزم الرئاسة تكوين لجنة تمثل هذه الطوائف جميعاً لتعين الرئاسة على إنفاذ ما أقرته الإتفاقية ونص عليه الدستور حول الوحدة الوطنية وعلى الوجه الذي عرضت عليكم بحسبانه ترجمة أمينة لما إبتغاه الدستور. وكلنا أمل في أن تصبح توصيات هذه اللجنة أساساً لقرار رئاسي حول الأمر، على أن لا يتجاوز ذلك العمل من بدئه الى منتهاه نهاية الربع الأول من هذا العام. لقد صبر أهل السودان طويلاً على مضض المحن والكروب بسبب التصدع الحزبي، والقبلي، والديني والمجتمعي، حتى كادت  تغلب علينا شقوتنا. ولكن، وبحمد الله، مهد لنا إتفاق السلام سكة مستوية إن إتبعناها إتسق الامر بين الفرد والجماعة، وبين الحاكم والمعارض، وبين السلطة والمجتمع المدني.
الهدف الثاني: هو الإنتخابات التي تواصى طرفا إتفاقية السلام الشامل على إجرائها على كل مستويات الحكم في موعد لا يتجاوز نهاية العام الرابع من الفتر الإنتقالية. هذا عهد قطعناه على أنفسنا طوعا لا إكراهاً. ولعل الذين يأخذون على إتفاقية السلام الشامل إيلاءها الأمر في الجزء الأول من الفترة الإنتقالية لطرفيها لأسباب أشرنا إليها، لا يستذكرون ابداً ذلك العهد الطوعي. فكلا طرفي الإتفاقية لا يحسبان، ولم يحسبا أبداً ، أن السودان ملك لهما. لهذا، أتفقا على إجراء إنتخابات عامة يقرر عبرها أهل السودان بمحض إختيارهم من يولونه أمر حكمهم في ظل نظام دستوري وإداري جديد تمت، في إطاره، معالجة كل القضايا التي أدت لإضطراب الحكم، وتنامى الصراعات، وإنفراط عقد الأمن للحد الذي اصبحت معه السلطة غاية في ذاتها، لا وسيلة لمعالجة المشاكل التي لا يصلح حال البلاد والعباد إلا بمعالجتها. تلك الحياة السياسية غير السوية هي التي قادت لتدخل الجيش في الحكم ثلاث مرات منذ الاستقلال، دون ذكر المحاولات العسكرية التي لم تنجح . أسال الله أن نكون قد وعينا الدرس.
وعلى أي، أيها الإخوة المواطنون، أصدرنا قانون الإنتخابات ، إلتزاما بالعهد الذي قطعناه على أنفسنا وكان، هو الآخر، قانوناً بلا نظير قياساً على ممارساتنا الإنتخابية السابقة. فبصدور ذلك القانون تبدل نظام الإنتخابات ليتضمن التمثيل النسبي بدلاً عن نظام الصوت الواحد للشخص الواحد الذي ثبت عبر التجارب انه لا يحقق تمثيلاً وافياً لكل قطاعات الشعب، كما ادرجنا للمرة الاولى في القانون نصاً يكفُل للمرأة الحق في تمثيل نسبي مضمون في الهيئة التشريعية دون ان يحرمها ذلك من التنافس مع الرجال في المواقع الاخرى. ثم ألحقنا قانون الانتخابات بتكوين مفوضية الانتخابات التي ضمت نفراً من خيرة ابناء وبنات السودان بما لهم من خبرة طويلة في العمل العام، وامانة مشهودة في كل ما أدوه من عمل، فباسمكم جميعاً أسأل الله لهم التوفيق في مهمتهم الشاقة.
بقى شيء واحد لابد من استكماله حتى تصبح الانتخابات حرة ونزيهة ومعافاة. ذلكم هو إعادة النظر في القوانين لكيما تتوافق مع الدستور. هذا عمل لابد من استكماله لكيما تستقيم موازين العدالة، ويكون الحكم شورى بين الناس أجمعهم. هذا امر قطع فيه الشريكان مراحل متقدمة، ويأملان في ان يدخل ما سيتوافقان عليه، بعد التشاور مع القوى البرلمانية الاخرى، حيز التنفيذ في موعد لا يتعدى نهاية الربع الاول من هذا العام. كما اؤكد لكم ان مؤسسة الرئاسة لن تسمح أبداً ان يكون هناك فراغٌُ تشريعيٌٌُ حتى تكمل الهيئة التشريعية القومية كل الاجراءات اللازمة للتمهيد للانتخابات، لا سيما والواجب الاول لحكومة الوحدة الوطنية هو تخطيط سياسات الدولة وانفاذ الاتفاقية، كما ان من اولى واجبات الهيئة القومية التشريعية صيانة الوحدة الوطنية.
الهدف الثالث:
هو معالجة قضية دارفور، اذ مازالت دارفور تدمي وتدمي قلوبنا معها. وكما تعلمون، أيها الإخوة المواطنون، ظللت اسعى منذ منتصف العام الماضي لتحقيق وفاق بين اهل السودان على حل دائم لمشكلة دارفور، وليس هناك من هو اكثر قدارةً من الشعب السوداني على فض ما شجر بين اهله من خلاف. لقد اضحت قضية دارفور نهباً للمصالح والمطامع الخارجية، وتكأة وذريعة للتوغل الاجنبي في اخص شؤون البلاد. بيد ان الحل النهائي لذلك المشكل لن يتم إلا على ايدي السودانيين انفسهم، فهم الادرى بشعاب بلادهم. هذه مسؤولية سياسية وادبية واخلاقية ان لم نقم بها ستظل دارفور نهباً لأطماع الطامعين، وتزيد الممترين، وتآمر الذين لا يريدون لأهلنا خيراً. وان كنا قد افلحنا في إنهاء حرب ظلت تستعر في السودان على مدى عقدين من الزمان، فما أحرانا بالوصول الى حل ناجع لمشكل دارفور حلاً ترتضيه جميع اطراف النزاع مستمسكين بعروة وثقى لا انفصام لها.
أيها المواطنون...
لقد ظللنا نتبادل الرأي، بصورة مباشرة وغير مباشرة، مع كل المجموعات المعارضة في دارفور خلال الفترة الماضية، ونتشاور مع كل ألوان الطيف السياسي والاجتماعي في دارفور العزيزة علينا. بهذا تجمعت لدينا معلومات وافرة حول مقومات الازمة والعناصر الاساسية التي تفضي الى معالجتها. ولعل هذه مناسبة مواتية للتوجه بالشكر لكل دول الجوار والمنظمات الدولية والاقليمية التي ما فتئت تسعى معنا الى احلال السلام في ربوع دارفور، وبوجه خاص أزجي الشكر لسمو الشيخ خليفة بن حمد حاكم قطر الذي تحتضن بلاده اليوم المبادرة العربية الافريقية لسلام دارفور.
وإنطلاقاً مما استقر عليه الرأي في مبادرة أهل السودان، ورغبةً منا في تسريع الخطى للوصول الى حل نهائي متفق عليه، ويتوفر له اكبر قدر ممكن من الاجماع الوطني، فان هيئة رئاسة ملتقى اهل السودان، ولجنة الازمة واللجنة العليا لدارفور سيعملون بتناسق وتداعم وتكامل، وسيسرعون الخطى من أجل إنجاز حل شامل ودائم للمشكل الدارفوري حتى يلحق اهل دارفور بإخوتهم في مناحي القطر المختلفة في الانتخابات المقبلة، وحتى يسلك اهل السودان جميعاً طريقاً قاصداً لمستقبل واعد، بإذن الله.
الهدف الرابع:
هو الوحدة الطوعية عبر ممارسة جنوب السودان لحق تقرير المصير. لقد تبقى، ايها الإخوة المواطنون، عامان من الفترة الانتقالية تفضيان في نهايتهما، عبر الاستفتاء، الى تقرير اهل جنوب السودان لمصيرهم. هذا امر تعاهدنا عليه منذ يوليو 2002م في بروتوكول مشاكوس الاطاري. لهذا هو عهد لا رجعة منه، ولا نكوص عنه، ولا شبهة فيه. وإنفاذاً لهذا العهد سنصدر قبل اجراء الانتخابات العامة قانون استفتاء جنوب السودان حسبما اقرت الاتفاقية ونص الدستور.
بيد ان الاتفاقية تُلزم الطرفين الموقعين عليها السعي لجعل الوحدة خياراً جاذباً. على ان جاذبية الوحدة، ايها المواطنون، لا تتحقّق فقط ببناء الهياكل التشريعية والتنفيذية، رغم أهميتها لنظام الحكم واستقراره. إن الذي يُعنى به كل مواطن جنوبي، في المقام الاول، هو تحقيق عائد السلام في أمنه الشخصي، كان ذلك في ارض الجنوب، أو بقاع السودان المختلفة التي نزح اليها هرباً من ويلات الحرب، فأمان الجمع لا يتحقق إلا بأمان الآحاد. ذلك المواطن يريد ايضاً ان يلمس عائد السلام في غدائه وكسائه وتعليمه ومأواه وصحته ووسائل ترحاله، ورغم ان الدستور ينص على ان هذه الأنشطة والخدمات من مسؤولية حكومة جنوب السودان وقد بدأت التحرك في ذلك الاتجاه، إلا أن واجب المسؤولية الوطنية يدعونا الى دعم ومساندة حكومة الجنوب لتسريع الخطى في التحرك لتلبية تلك الاحتياجات، مع إدراكنا ووعينا التأمين بجملة التحديات والعوامل القاهرة التي اعاقت ذلك التحرك نذكر منها:
اولاً: تقاعس المانحين عن الوفاء بما إلتزموا به في أوسلو.
ثانياً: التلوث اللغمي الذي تأثرت به تسع عشرة ولاية، اكثرها تأثراً هي ولايات الجنوب وجنوب كردفان والشرق. وحسب التقديرات الفنية فان هناك حوالي اثنين مليون لغم وذخائر غير متفجرة خلفتها الحرب في مساحة اشتباه تبلغ «000.008» كيلومتراً. لازالة هذا التلوث اللغمي انشأنا في العام 5002م الجهاز الوطني لمكافحة الالغام كجهاز يضم ممثلين لحكومتي الوحدة الوطنية وجنوب السودان، ويكمل العمل الذي تقوم به الامم المتحدة الذي انحصر في فتح ممرات لا يتجاوز عرضها الثمانية امتار بهدف نقل مواد الاغاثة. الجهاز الوطني اتجه خلال العامين 7002م و8002م الى القيام بإزالة الالغام، ليس فقط بهدف تسهيل اعمال الاغاثة وانما ايضاً للتمهيد للعمل التنموي. وقد بلغ اجمالي المساحة التي اكمل الجهاز الوطني تطهيرها من الالغام «000.058.59» متر مربع، في حين بلغت المساحة الكلية التي قامت الامم المتحدة بتطهيرها «209.179.24» متر مربع . هذا جهد عظيم نشكر الفريق الوطني المشترك على ادائه ونحثه على التوسع في عملية تطهير الارض من الالغام لتشمل ما تبقى من الطرق الرئيسية ومناطق الانتاج.
ثالثاً: قضية النزوح الداخلي بسبب الحرب والالتزام بتمكين من يرغب من النازحين من العودة الى مواطنهم الاصلية. وحسب التقارير تمت العودة التلقائية لمليون ونصف المليون شخص حتى ابريل 8002م، والعودة الطوعية المنظمة لـ «550.535» شخصاً حتى ذلك التاريخ. تلك العودة، تلقائية كانت ام منظمة، قوبلت بصعاب جمة يلزم على حكومة الوحدة الوطنية وحكومة جنوب السودان التصدي لمعالجتها. من تلك الصعاب: ضيق سبل كسب العيش لعدم توافر فرص العمل، ضعف الخدمات الاجتماعية الاساسية كالصحة والتعليم، اختلاف انماط السلوك الاجتماعي بين العائدين والمقيمين، اي التضارب بين ثقافة المدن وثقافة الريف مما حمل البعض اما على الانتقال من مواطنهم الى عواصم الجنوب، أو العودة أدراجهم الى الشمال. وبدلاً عن الجدل العقيم كجدل علماء القرون الوسطى حول البيضة والدجاجة، ايهما كان الاول، يتوجب علينا الذهاب الى حلول عملية للمشكل. فثمة ظروف موضوعية نعرفها جميعاً حالت دون التنمية في الجنوب بالقدر الذي يوفر فرص العمل للملايين من العائدين. كما ان عودة النازحين، خاصة من يؤثر منهم العودة طوعاً لمواطنهم الاصلية، امر ضروري لارتباطه بعوامل اسرية وسياسية واجتماعية. هذا امر فطنت له الاتفاقية وكلفت بأدائه، في مصفوفة التطبيق، الفريق القومي والمجتمع الدولي. لكل ذلك يتوجب على الجهاز المكلف بتنفيذ برامج العودة الطوعية لجنوب السودان، وللمناطق الثلاث، التركيز في المرحلة القادمة على عمليات اعادة تأهيل العائدين لضمان استقرارهم في مواطنهم الاصلية، واستيعابهم في مجتمعاتهم، وتوفير مجالات العمل التي تؤمن لهم عيشاً شريفاً، ريثما تدور عجلة التنمية. اضافة الى ذلك على الجهاز التواصل عبر القنوات الرسمية، مع المانحين لحثهم على الايفاء بالتزاماتهم.
رابعاً: نزع السلاح وتسريح واعادة دمج المقاتلين من القوات المسلحة والجيش الشعبي، هذا جهد تشارك في انفاذه الامم المتحدة ومع ذلك لم يتحقق منه إلا النذر اليسير، ليس فقط بسبب النزاعات القبلية التي اعاقت خطط نزع السلاح، أو ضعف الامكانات المحلية لتنفيذ مشروعات اعادة الدمج في المجتمع، وانما، قبل ذلك لعدم التزام الشركاء الدوليين بتوفير المكون الاجنبي لخطة التسريح واعادة الدمج للمسرحين، رغم الاتفاق الذي تم في جنيف «مايو 8002م». ذلك الاتفاق يقضي بأن توفر الامم المتحدة لهذا المشروع اربعمائة وعشرين مليوناً من الدولارات.
هذه، ايها المواطنون، هي مجمل الاسباب التي ادت الى ما يبدو تباطؤاً في تنمية الجنوب اعرضها عليكم تبياناً للحقائق، لا تبريرا للبطء المفترض. ومهما كان من امر، نعلن هذا الصباح ان يومنا هذا سيكون يوم الانطلاقة الكبرى لمبادرة الوحدة الطوعية والمصالحة الوطنية. كما نعلن ان عامنا هذا سيصبح عاماً للوئام الوطني، وتجديد الروح لاتفاقية السلام الشامل، واجتماع اهل السودان جميعاً، بمن فيهم اهل دارفور، على كلمة سواء.
بهذه المناسبة، سنشرع منذ اليوم في انفاذ المشروعات التي تربط بين الشمال والجنوب كخطوة لا غنى عنها في تمتين أواصر الصلة بين شقي القطر، والتواصل الدائب بين اهليهما، ثم التمهيد لخلق البيئة المناسبة للاستثمار في جزء من اجزاء السودان حبيب الى انفسنا. ونسأل الله ان تكتمل تلك المشروعات قبل ان يحول عام على لقائنا هذا:
اولاً: طريق السلام (الرنك- ملكال- القنال) الذي سيتم خلال هذا اللقاء التوقيع على الاتفاق على تنفيذه مع الشركة الصينية المنفذة بتمويل من صندوق دعم الوحدة وحكومة الصين.
ثانياً: تأهيل الخط الحديدي بين بابنوسة واويل وواو، خاصة وقد اكتملت ازالة الالغام التي كانت تحول دون ذلك العمل.
ثالثاً: تأهيل المجرى النهري من كوستي الى جوبا ودعوة القطاع الخاص للاستثمار في عمليات النقل النهري للبضائع والركاب.
رابعاً: تنمية مناطق التمازج الحدودية لتكون نموذجاً حياً للوحدة الوطنية.
خامساً: إعادة إعمار منطقة أبيي.
سادساً: تنفيذ ما قطعت على نفسي من وعد بالمساهمة في اكمال الطرق الداخلية بمدينة جوبا وتطوير مدينة رومبيك.
سابعاً: وهدية خاصة لاهل مدينة ملكال الذين استضافوا هذه المناسبة العظيمة، اعلن التزامي بتشييد استاد ملكال، ورصف عشرة كيلومترات من طرق المدينة الداخلية بالاسفلت وتأهيل المطار.
المواطنون الكرام
إن دور الدولة وحكومة الوحدة الوطنية في تنمية الجنوب هو المبادرة والتحفيز والتسهيل والتنسيق. ومن الجانب العملي أنشأنا صندوق دعم الوحدة وبادرنا بالشروع في تمويل هذه المشروعات. رغم ذلك فان بناء الجنوب يستلزم مشاركة اهل السودان جميعاً، كما يستاهل الدعم من رجال الاعمال السودانيين، واخوتنا في الوطن العربي الذي بادر الكثير منهم بالسعي للاستثمار في الجنوب والمشاركة في إعادة بنائه وتنميته، كان ذلك في مشروعات النقل، أو الطاقة، أو الانشاء والتعمير، أو الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية، أو التصنيع الزراعي، أو السياحة في المناطق التي حباها الله بحياة برية وثروة من الحيوانات الوحشية لا نظير لها في العام. واخيراً فان على المجتمع الدولي مسؤولية الزم بها نفسه منذ مؤتمري اوسلو للمانحين في مارس 5002م - 7002م نجدد دعوتنا له للوفاء بذلك الالتزام.
وبوجه خاص، اقول لرجال الاعمال الوطنيين ان في الاستثمار بجنوب السودان أجرين، الاول مادي يتمثل في عوائد الربح المرتجاة من الاستثمار، والثاني معنوي يتمثل في رضاء الخلق والخالق عن ما سيقوم به هؤلاء من اجل تكريس السلام، وتحقيق الوئام، وتوحيد الاقوام. ولعلني اضيف ان الاستثمار في السودان، وفي جنوبه بوجه خاص، لا تقارب المخاطرة فيه أو المجازفة به تلك التي منيت بها الاستثمارات في بلاد كان يظنها البعض اكثر بلاد العالم مواتاة واماناً للاستثمار. ولست في حاجة للتنبيه الى ما شهده سوق المال العالمي من دمار مازال دوى زعازعه يصم الآذان. من جانب آخر، اوجه صندوق دعم الوحدة، بالتشاور مع حكومة جنوب السودان بغية تنسيق الجهود، لحث مجتمع رجال الاعمال في الداخل، ولتعبئة الموارد من الخارج، حتى لا يكون هناك تضارب أو ترادف في الجهود.
الإخوة المواطنون،،
لتكن ايضاً انطلاقتنا لبناء الجنوب وتعميره انطلاقة لتطوير السودان الريفي. فالسودان هو الريف الذي يوفر القوت لجميع اهل السودان، في حين يعيش اغلب اهله بما هو دون القوت، ويحيون بلا مال في الجيب، أو سرور في القلب. ولن اسمح لنفسي، وقد وليت امركم، أو اسمح لكم، بالعيش على فضل الآخرين. هذا رضاء بالدون لا اتمناه لكم ولا لنفسي. ان النقص في الخدمات الذي تعاني منه بعض المدن، وتكدس الفقر في اطرافها، وتفشي جرائم المعوزين، خاصة بين الصغار، في أحيائها واسواقها، كلها نتاج للفقر. وان ظن احد ان علاج هذه الظواهر غير المستحبة هو الردع بالقانون، فذلك ظن باطل. العلاج هو ازالة الفقر المدقع لان الفقر هو اس الشرور. لهذا لابد من ان تحتل مشروعات التنمية الريفية المركز الاول في خططنا التنموية. ولن يتحقق هذا بالتهويم النظري في المؤتمرات وورش العمل والسمنارات، وانما بالانتقال بتلك النظريات الى حيز التنفيذ العملي في مجالات الزراعة، والرعي، والتصنيع الزراعي، كما في مجالات الصحة، والتعليم، وتنمية المهارات. وستعمل الرئاسة بشكل دوري مباشر على متابعة تنفيذ هذه الخطط والمشروعات حتى تصبح عملية بناء السلام عملية متكاملة ومتماسكة ومستدامة. بهذا وحده يتحقق للبلاد كلها الأمن والاستقرار والنماء.
الإخوة المواطنون،،
خاتمة قولي وانا اقف امامكم الآن، بل اقف امام ربي، هي التوكيد لكم جميعاً ان لا غاية لي من الحكم غير رضاء قلبي، ورضاء شعبي، ورضاء ربي، وهو أرحم الراحمين. ان سبيلنا لما يرضي الله، ويرضي الوطن، ويرضي النفس الوفاء بالعهود، وتطمين النفوس حتى لا يؤخذ احد بظنة، والاقساط والعدل حتى لمن خالفنا في الدين أو عارضنا في الرأي، لان ذلك من التقوى: «ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى» صدق الله العظيم. فلنبق جميعاً أوفياء لعهودنا أعزة في ديارنا، آخذين بالوثيقة في أمرنا، ثم لنذكر دوماً ان الوطن، بعد الله رب العالمين، هو الباقي.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات