مواضيع اليوم

نص الحوار الذي أجرته مجلة "الفرقان" الكويتية مع د. عبد الفتاح الفاتحي

شريف هزاع

2009-12-24 18:20:45

0

نص الحوار الذي أجرته مجلة "الفرقان" الكويتية مع د. عبد الفتاح الفاتحي المسؤول الإعلامي للجمعية المغربية لحماية اللغة العربية


سـؤال: ما هي أبرز مجالات ومظاهر تدهور اللغة العربية التي تلمسونها في مناحي الحياة بالمغرب؟

   يمكننا التأكيد على أن اللغة العربية تعرف تدهورا كبيرا على جل المستويات، وللتفصيل في هذا النقطة بإمكاننا الوقوف عند بعض من مظاهر هذا التدهور.

- في المجال السياسي: تدهورت مكانة اللغة العربية لعدم مواكبة ومواصلة المؤسسات التشريعية بالمغرب؛ استصدار القوانين والتشريعات الملزمة والكفيلة بحماية اللغة القومية من المخاطر التي تتهددها. إضافة إلى تزايد النزوعات غير المحسوبة لعدد من السياسيين المغاربة حيث يصرون على إلقاء كلماتهم باللغات الأجنبية داخليا، وفي المنتديات الدولية، حالهم في ذلك كحال باقي القادة العرب، حتى أن منظمة الأمم المتحدة فكرت في حذف ميزانية الترجمة من وإلى اللغة العربية. كما يسجل لديهم رطانة في الأداء اللغوي وتهجية في قراءة الخطب، فلم تعد الخطابات السياسية نموذجا للسلامة اللغوية والفصاحة التعبيرية.

- في المجال التعليمي يبرز تدهور اللغة العربية واضحا في رطانة وضعف الأداء اللغوي بالنسبة لخرجي المؤسسات التعليمية والجامعات المغربية، بل حتى عند طلبة تخصص اللغة العربية والدراسات الإسلامية.

- في المجال الإعلامي يتجلى تدهور العربية واضحا في مستوى أداء المذيعين والمذيعات، ذلك أن غالبيتهم لم يعودوا يمتلكون لغة عربية سليمة نطقا ونحوا. كما يسجل تراجع حصة اللغة العربية في الإعلام العمومي والخاص لصالح اللهجة العامية، نكاية بها، وتعزيزا لحضور الفرنسية. فالقناة الثانية المغربية، عززت المدة الزمنية لبرامج الفرنسية كما وكيفا؛ بالنظر إلى برمجة موادها الإعلامية بالفرنسية في فترات الذروة. وفق سياسة تتغيى الحفاظ على الفرنسية لغة عالمة وارتقاء اجتماعي، وتعويض حصص العربية باللهجة المحلية، في تضييق مكشوف على اللغة الرسمية للبلاد، وهذا التوجه يأتي موازيا لتوصيات نتائج دراسة فرنسية أكدت أن نسب المشاهدة للقنوات الفرنسية من الهوائي المقعر -البرابول- فاقت في دول المغرب العربي نسبة 70 %.

    وفي تجني مقيت بات الإعلاميون يشجعون المثقفين في برامجهم على التحدث باللهجة العامية بدل اللغة العربية بدعوى نهج صحافة القرب، أو لضمان فهم أوسع للخطاب.

- في المجال الإداري تبقى أهم تعاملات الإدارة المغربية باللغة الفرنسية، رغم صدور مذكرات وزارية غير ملزمة تقضي باستعمال العربية. ويستمر خرق هذه المذكرات دون حسيب، مما يعني أن استصدارها كان لدر الرماد على العيون، وللتغطية على واقع إداري مرير تنتهك فيه هوية المغاربة كل يوم، ويتهدد فيه أمنهم الروحي والثقافي والحضاري.

- في الفضاءات العامة يغزو الحرف اللاتيني الشوارع وشرفات المؤسسات العامة، في غياب للحرف العربي حتى أن المتجول في شوارع الرباط والدار البيضاء يحسب أنه في أحد الشوارع الأوربية وليس في بلد عربي.

    سـؤال: كيف تقيم الاهتمام المتزايد بالفرنسية في وسائل الإعلام وفي الخطابات الرسمية وأيضا الاهتمام باللهجة الدارجة على حساب تأهيل اللغة العربية؟ في أي سياق يدخل هذا التعامل التفضيلي مع الفرنسية والدارجة على حساب العربية برأيكم؟

      للإجابة على هذا السؤال نسجل بروز اليوم إعلان دعوات متطرفة تحيك الدسائس زورا ضد اللغة العربية، ويتوهم الطابور الخلفي للاستعمار من الفرنكفونيين المحليين الجدد برؤية تختزل اللغة في بعدها التواصلي اليومي فقط، وهم بذلك يدعون إلى تعويض العربية بالبديل اللهجي، وبالتالي تقويض الوظائف الأساسية للعربية، وهذه الطروحات مقتبسة من الطرح الاستعماري، كما جاء به "ليوطي". ويجري اليوم تحيينها من خلال الدعم التي تقدمه جهات أجنبية منها السفارات والقنصليات الفرنسية للمؤسسات للمجلات والجرائد التي تتخذ من اللهجة العامة لغة للنشر، كما تدعم المؤسسات التي تعمل على محو الأمية بالدراجة المغربية، في تدخل سافر يهدم الهوية المغربية ولغتها العربية المشتركة.
     وتعززت هذه الادعاءات باستمرار ضغوط استعمارية خارجية، إلى درجة وصف فيها "وزير فرنسي" تطبيق قانون تعميم استعمال اللغة العربية، بأنه عدوان على الناطقين بالفرنسية، وتقوى هذا الضغط بتواطؤ مع مسامير الفرانكفونية الذين يدعون المواطنة بين ظهرانينا، فزكيت الشرعية القانونية للغة الفرنسية بالإدارة والتعليم والإعلام، وحفاظا على مصالحهم.
    إن أمر سيادة العربية الشرعي على فضائها الجغرافي رهين بتحرير صناعة القرار من الفرانكفونيون المغاربة، وهو ما يستدعي استكمال تعريب الحياة العامة وباقي مستويات التعليم، وليس ذلك بالأمر المستحيل، لأن سوريا عربت جامعاتها منذ أكثر من نصف قرن، ومستواها التعليمي والإعلامي أحسن حالا من نظيراتها في العالم العربي، وعربت العلوم التقنية والطبية والحالة الصحية لمواطنيها ربما أحسن بكثير منه في جاراتها العربية. ذلك أن مشكلة اللغة العربية سياسية، ولا تتعلق بكفاءتها أو عدم كفاءتها، والطاعن فيها إما مكابر أو حاقد.
    وإلا كيف يتأتى للصهاينة أن يحيوا العبرية من توابيت التاريخ السحيق، لتمسي في وقت وجيز لغة الإعلام والسياسة والتعليم في كل مراحله، وهي اللغة التي تدين في صرفها وتركيبها ونحوها دينونة كاملة للغة العربية، ولم تقدم للإنسانية شيئاً من الحضارة كما فعلت العربية...
    لذلك ندعو إلى العض بالنواجذ على اللغة العربية وإتقانها اتقانا عاليا يقوي شوكتنا ويحفظ خصوصيتنا الحضارية، إضافة إلى تعلم اللغات الحية، بحسب ترتيب جديد يراعي قوة كل لغة في عالم اليوم، فاللغة الإنجليزية اليوم سبيل العلوم والتكنولوجيا والعلاقات الدولية، والألمانية مفتاح اللسانيات والفلسفة، والفرنسية مدخل للأدب والموضة، والاسبانية مفتاح أبواب نصف القارة الأمريكية...
    لقد شكلت العربية على الدوام لغة مشتركة لكل المغاربة في وطن تتعدد لغاته، بحسب الأغراض التواصلية والوظائف السوسيولسانية المختلفة، هي: العربية الفصحى لغة رسمية للدولة، والدارجة المغربية بتقسيماتها اللهجية المختلفة، والأمازيغية بتشكيلاتها الثلاثة (تاريفيت، تامازيغت، تاشلحيت).
   ومنطق رؤيتنا الشمولية للغة العربية يجب أن يتماشى ونتائج علماء اللغة، ففرغسون يرى أن لغات المجتمع تتكامل بحسب الانتماء الجينيتيكي والتوزيع التكاملي لوظائفهما، معتبرا أنه من الطبيعي وجود لغة عالية المستوى للتعبير عن الثقافي والروحي والديداكتيكي وعن مظاهر فكرية وعلمية ووظيفية (كاللغة العربية)، ولغة ذات مستوى وضيع تستخدم في الاستعمال اليومي، (كحالة اللهجات المحكية). وبذلك تكون الأولى لغة نخبة المجتمع، ولها حظوة معينة، فيما تكون الثانية لغة العامة. وعليه فإنه من السذاجة الدعوة إلى تلهيـج كل شيء.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات