قبل أيام اطلع أخي الذي يصغرني بسنة تقريبا على مدونتي مسالك العارفين ، وتابع بعض المقالات التي كنت قد نشرتها على صفحات المدونة ، ونحن في حفل وداعه وعائلته قبيل مغارته إلى أمريكا ، حيث حصل على فيزا لمدة خمسة سنوات ..
شرح لنا خلال الحفلة ، عن معنى فيزا لخمسة سنوات .. وقال موجها حديثة لامي التي تعاني من غياب أخي الأوسط الذي يقيم منذ أكثر من خمس عشرة سنة في بلجيكا .. والتي تتخوف من غياب هذا الجديد في أمريكا ... قال :
إن الفيزا لمدة خمس سنوات تعني انه يمكن أن يسافر إلى أمريكا لأكثر من مرة خلال السنوات الخمس.. ولا يعني السماح له بالإقامة لمدة خمسة سنوات .. حيث تبلغ مدة الإقامة المسموح بها قانونيا في أمريكا للسفرة الواحدة ستة أشهر فقط .. وقد اخبر أمي الخائفة انه سيكون عندها في شهر تشرين أول من العام القادم .
أخي رجل امن سابق ، حذرني ونصحني بأن اكف عن الكتابة .. والتدوين . والنقد .. والتعرض للآخرين ..وقال ما فائدة الكتابة ؟؟ .. وما فائدة التدوين والنقد ؟؟ .. وهل كلامك سيقدم أو يؤخر ؟؟ ..يا أخي بنصحك أن تسكت وتوكل خبز أنت وبناتك ( حيث أن لدي أربع بنات ولم ارزق بولد ذكر بعد ) يعني بكره لو يصير ما يصير شو بدو يصير فيك وشو بدو ينفعك هالحكي ؟؟ ..كبر عقلك .. وعلشان ايش... كلمتين او سطرين؟؟ ...يعني طنش .
في الحقيقة لم تكن تلك النصيحة الأولى .. ولم يكن هو الناصح الأول والأخير ... فثمة الكثير ممن تبرعوا بنصحي وإرشادي على أساس أنني ربما أكون جاهلا وغير مقدر للعواقب ولا احسب الأمور بشكل صحيح ودقيق .. وهذا مما يقد يوقعني بالمشاكل .. وطبعا الجميع كان يقصد المشاكل الأمنية ...
ولو تفحص القارئ الكريم مضمون خطاب شقيقي وأقاربي وأصدقائي الذين نصحوني .. سيكتشف أمورا غاية في الأهمية تشي بما هو عليه العقل العربي .. وما ينطوي عليه الضمير العربي الكامن ..ثمة خوف مسيطر على الجميع .. نمى معنا وتربينا معه عبر مسيرة العمر الطويلة .. خوف من الكلمة .. والتعبير عن الرأي .. كان المواطن على الدوام يقف موقف المتفرج من الأحداث الجارية حوله وكأن الوطن لا يعنيه ..
ولهذا ربما نرى عمليات التنمية على مختلف الصعد تنمية متخلفة .. صورية .. غير جوهرية لا تمس جوهر الإنسان .. ذلك انه مهمش ومقصى ومبعد عن دائرة الحدث .. تمكنت تلك الأفكار .. الخوف من الكلمة.. من أن تجعل الإنسان العربي في جانب .. والحكومات العربية في جانب آخر .. وهذا مكن عوامل الإحباط والتردي والانحسار إلى الداخل لدى المواطن العربي الذي غالبا ما كان يوصف بانه سلبي عاجز غير مبالي ..
فهل ستتمكن ثوراتنا العربية الشابة من قلب الصفحة السابقة .. والبداية من سطر جديد ........ كما في تونس ومصر ..... وهل ستتمكن من التغلب على ذلك الموروث الأمني في العقلية العربية التي تربت عليه لعقود أو ربما قرون طويلة .. لا يزال العقل العربي الجمعي والذاكرة العربية تحتفظ بالكثير من شهدا الكلمة وضحاياها ... في هذا المقام يحضرني قول هاشم غرايبة في ( القط الذي علمني الطيران ) والده يقول له : شو أنت مجنون حتى تنسجن عشر سنين بس عشان بتقول كلمتين أو تكتب سطرين ... فيرد عليه هاشم : ليش ما يكونوا هم المجانين علشان بحبسوني عشر سنين علشان قلت كلمتين .( الكلام بتصرف )
التعليقات (0)