لا شك أن هناك فرق بين درجة التخصص ودرجة التثقيف العام.. فالتخصص يلم بمعارف شتى في فنه , ويعيبه أن يجهل ناحية ما في ميدانه .. فهناك علوم ومجالات في الدين تحتاج إلي متخصصين من طلبة العلم تغوص أغوارها وتستنبط أحكامها , وهؤلاء هم العلماء الربانيون الذين يقع عليهم واجب نصح ألامه في كل ما يعنيها من أمور دينها ودنياها .. وقد كان السلف إذا ارتادوا نصيحة احد وعظوه سرا حتى قال بعضهم من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة ومن وعظة على رؤوس الناس فإنما وبخه .. وقد تكون نصيحة ولي الأمر اشد تأكيدا على سريتها والأدب في انتقاء كلماتها وأسلوبها حتى تكون اقرب للاستجابة , سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن أمر السلطان بالمعروف ونهيه عن المنكر فقال ان كانت فعلا ولابد ففيما بينك وبينه . وقد عشنا في الايام القليلة الماضية بعض الامثلة في هذا الموضوع وهي ليست محل مقالنا هنا على كل حال .
أما أصحاب الثقافة العامة من الناس فينصحون بالمعروف ويعلمون ما يحتاجون إليه في بيئاتهم وأحوالهم , ولا معنى لحشو أذهانهم بما لا اثر له في معيشتهم ولا يجب أن يطلعون على كل ما يدور من نصح وحديث مع ولاة الأمر .. فكثير من العوام تبلبلت أفكارهم اثر أحاديث نبوية درست لهم أو سمعوها , وهي أحاديث صحيحة السند , ولكن ليس من الحكمة أن يعرفها العوام , فهي فوق طاقتهم الذهنية وقد جاء في الثر (انك ما حدثت قوما بحديث لم تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)..والغريب ان مثل هذا الموضوع ,هو ايضا يثار بين علماء على صفحات الجرائد وكان ليس لهم مجلس يركنون اليه بعد اي صلاة, وياصل كل منهم ما شاء دون ادخال العامة في مشاكلهم التي هي تنحصر في اتباع هذا الي مدرسة والاخر الي مدرستة اخرى
أن الثقافة الإسلامية في طورها القائم تحمل مخلفات القرون الماضية بما فيها قوة وضعف , واستقامة وعوج ومذاهب تفتقر إلي التمحيص , وهذا يفرض على علمائنا العارفين بأمور الحاضر ومستقبل الأمة , وما ينفعها وما يضيع وقتها أن يميزوا الخبيث من الطيب واستخلاص ما يفيد العامة , وقصر الأمور التي لا تبلغ عقول العامة على المتخصصين من العلماء ..لماذا تشغل أذهان الجماهير بأمور يصعب عليهم استيعابها ؟ .ولماذا لا يختار لهم من السنن ما يصحح وجهتهم في الحياة ؟. لقد توارث العوام سماع أمور فيها تشابه أورثهم ذلك شيئا من الخدر والاسترخاء القليل و البلبلة أحيانا .. عوضا على أن يعتمدوا على الآيات المحكمات والأحاديث ثابتة الصحة منتقاة بحكمة بحيث لا تجعل الشك يدخل قلوبهم .
إننا في حاجة إلي تنقيح وتجديد هذا الإرث الثقافي , وتحديد الأولويات لهذا الزمن , وهذا هو دور العلماء ذوي الفكر الثاقب المتعمق في الدين والعقول النيرة التي تعرف فقه الأولويات , وانأ لا أريد تقرير حكم معين , وإنما أريد ألا تعدو بعض الامورقدرها ..و ألا يظنها أصحابها ذروة الدين وسنامه , هي قد تكون شئون فرعية محدودة , يعتبر القتال من اجلها قضاء على الإسلام وتمزيقا لامته ,
والله من وراء القصد
عبدالعزيز بن عبدالله الرشيد
التعليقات (0)